تصعيد في الشمال السوري على وقع تفاهمات موسكو وأنقرة: الفرص والتحديات

تصعيد في الشمال السوري على وقع تفاهمات موسكو وأنقرة: الفرص والتحديات

تصعيد في الشمال السوري على وقع تفاهمات موسكو وأنقرة: الفرص والتحديات


20/10/2022

تشهد جبهات الشمال السوري، وتحديداً في الشمال الغربي في قواطع إدلب وريف حلب المجاور، تصعيداً في المواجهات بين قوات هيئة تحرير الشام مع الجبهة الشامية، رغم أنّ تسريبات تزعم أنّ جبهة "الجولاني" تخوض هذه المواجهة عبر "أحرار الشام"، التي أعلنت سيطرتها على الكثير من مناطق إدلب وريف حلب، وهو ما يطرح تساؤلات حول أسباب هذا التصعيد، في ظل سيطرة تركيا على الشمال السوري، ورغم تسريبات فصائل موالية لأنقرة بأنّ هذا التصعيد  مجرد اقتتال بين فصائل المقاومة، فإنّ تسريبات مقابلة تشير إلى أنّ هذا التصعيد غير بعيد عن توجيهات تركية لإعادة صياغة خرائط السيطرة في إدلب وريف حلب، في ظل تحولات تركية جديدة عنوانها "مصالحة" مع دمشق بإشراف روسي، وهو ما يعني أنّ تركيا تريد أن تكون هيئة تحرير الشام عنوان وكيلها الموثوق في مناطق نفوذها بالشمال السوري، في هذا التوقيت.

ومن الواضح أنّ توقيت المشروع التركي بـ "تسليم " الشمال السوري لهيئة تحرير الشام، ليس معزولاً عن سياقات تحولات في إستراتيجيات تركيا تجاه الملف السوري، وفي مقدمتها ازدياد آفاق التعاون بين "موسكو وأنقرة" في العديد من الملفات التي تبدو فيها تركيا، لا سيّما بعد الحرب الروسية على أوكرانيا، التي جعلت تركيا أقرب إلى موسكو من واشنطن والاتحاد الأوروبي، رغم عضويتها في حلف الناتو، بما في هذا التعاون من "انفتاحات" تركية على حكومة دمشق بقيادة الرئيس بشار الأسد التي وصلت إلى حدود تسريبات تركية باحتمالات عقد لقاء قمة بين الرئيسين التركي والسوري، وبالتزامن فإنّ "ضغوطات" ملف إعادة اللاجئين السوريين من تركيا الى بلادهم، وتحول اللاجئين السوريين في تركيا إلى قضية انتخابية بين حزب العدالة والتنمية والمعارضة التركية، والتوافقات بين العدالة والتنمية والمعارضة لإعادة السوريين إلى بلادهم، فإنّ هذه التوافقات تتطلب توفير مناطق آمنة في الشمال السوري، ترى أنقرة أنّ هيئة تحرير الشام هي الجهة التي تملك "القدرة" والموثوقية للقيام بهذا الدور، بعد ثبوت نجاحها في محطات تطورات الشمال باستمرار "الولاء" لأنقرة.  

بيد أنّ هذا المشروع التركي بسيطرة هيئة تحرير الشام على الشمال السوري يواجه العديد من العقبات، الكثير منها مرتبط بالتنافس بين فصائل المعارضة المسلحة وتعدد ولاءات بعضها لأطراف غير أنقرة، رغم أنّها بالمجمل تقع جميعاً تحت المظلة التركية، وهو ما يجعل تجدد الاقتتال الداخلي سيناريو محتملاً يمكن وقوعه في أيّ لحظة، ومن جهة أخرى فإنّ الهيئة معروفة بجذورها وارتباطها مع تنظيم القاعدة، وهو ما يشكّل تحدياً في قبول التعامل معها بين السوريين في الشمال السوري، رغم معارضتهم للنظام السوري،، ويشكل الموقفان، الروسي والسوري، من توجهات أنقرة الجديدة أحد أبرز التحديات للمشروع التركي، وهو ما يفسر "ضربات" عسكرية روسية وسورية لبعض الفصائل في ريف حلب وإدلب، وهو ما سيسهم في تعقيد الوضع مجدداً ويؤخر تنفيذ المشروع التركي، ويخضعه لحسابات دقيقة من قبل دمشق وموسكو، ويشكّل موقف التحالف الدولي بقيادة واشنطن، غير البعيد عن هذه التطورات، تحدياً للتفاهم "الروسي ـ التركي"، بالإضافة إلى موقف طهران التي تتواجد ميليشياتها على خطوط تماس في مناطق إدلب وحلب مع فصائل المعارضة، قابلة لإطلاق مواجهات جديدة في حال تعارض الاتفاق مع المصالح الإيرانية في سوريا، وهو ما يشكّل تحدياً ينضاف إلى التحديات السابقة.

توقيت المشروع التركي بـ "تسليم " الشمال السوري لهيئة تحرير الشام، ليس معزولاً عن سياقات تحولات في إستراتيجيات تركيا تجاه الملف السوري، وفي مقدمتها ازدياد آفاق التعاون بين موسكو وأنقرة في العديد من الملفات

غير أنّ التحدي الحقيقي للمشروع التركي يتمثل في جوهر المقاربة الروسية ـ السورية التي  ما زالت تتمسك بمواقف؛ من بينها: حل قضية اللاجئين السوريين بإعادتهم إلى بلدانهم، وفقاً للشروط السورية، وبعيداً عن المقاربات التركية بوصفها شأناً سوريّاً داخلياً لا يحق لتركيا التدخل فيه، وتطول قائمة شروط دمشق للتفاهم مع أنقرة عبر عناوين من بينها: بسط حكومة دمشق سيطرتها على أراضي الدولة السورية، وهو ما يعني إنهاء التشكيلات الفصائلية "الجهادية والإرهابية" في الشمال السوري، وليس تسليمها للجولاني، وانسحاب القوات العسكرية التركية من الأراضي السورية بوصفها قوات احتلال، وهو ما يعني أنّ هذا التصعيد في الشمال السوري خطوة أقدمت عليها أنقرة استجابة لمطالب موسكو، وتدرك معها أنقرة أنّها ستفضي في النهاية إلى استجابة تركية ربما تفضي إلى خروج قواتها من الشمال السوري، وأنّها تريد وكيلاً موثوقاً في الشمال السوري.

ورغم ذلك، فإنّ تنازلات سورية مرحلية عن بعض اشتراطاتها تبدو واردة، في ظل مرجعيات التفاهمات الروسية ـ التركية، خارج إطار الملف السوري، وتحولات اتجاهات الصراع بعد الحرب الروسية على أوكرانيا، ستشكل ضمانات لمرجعيات تفاهمات بين أنقرة من جهة وموسكو ودمشق من جهة أخرى، مرجح أنّ تركيا تعوّل عليها في حل أيّ مشكلات قادمة في تثبيت سيطرة هيئة تحرير الشام على شمال سوريا، استناداً لقوة الدور الروسي في سوريا، وهو ما يعني قابلية تعديل بعض الخطط، بتوافقات مع موسكو، وعلى رأسها "ضبط" التحركات الإيرانية عبر حزب الله والحرس الثوري وفيلق القدس.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية