تعديلات نتنياهو القانونية: إصلاح للقضاء أم أهداف مخفية؟

تعديلات نتنياهو القانونية: إصلاح للقضاء أم أهداف مخفية؟

تعديلات نتنياهو القانونية: إصلاح للقضاء أم أهداف مخفية؟


25/01/2023

تحت مبررات تعزيز الفصل بين السلطات، يسعى التحالف الحاكم في إسرائيل بزعامة حزب الليكود لإدخال 4 تعديلات قانونية جوهرية، وفق مراقبين، على (قانون أساس الأحكام)، وبينما يصطف معسكر أقصى اليمين بزعامة نتنياهو، ودعم (64) عضواً في الكنيست خلف ما يسميها "إصلاحات" في الجهاز القضائي، يعارض رئيس الدولة ورؤساء المعارضة وكبار رجال القضاة وعشرات آلاف المحتجين في الشوارع تلك "الإصلاحات".

ويرى مراقبون أنّ تلك "الإصلاحات" ستعزز من سيطرة الكنيست والحكومة على القضاء، وتمنح السلطة التنفيذية صلاحيات واسعة تهدد الديمقراطية في إسرائيل، خصوصاً أنّ تلك المقترحات لا تنفصل عن الصعود الكبير لليمين المتطرف؛ سياسياً وشعبياً.

اقتراح قانون أساس الأحكام

تُعرف حزمة التعديلات التي قدّمها الائتلاف الحاكم باسم اقتراح قانون أساس الأحكام (تعزيز فصل السلطات)، وقد قدّمه وزير العدل ياريف لافين، وتناقشه لجنة الدستور والقانون والقضاء في الكنيست برئاسة النائب سيمحا روتمان عن حزب الصهيونية الدينية برئاسة بتسلئيل سموتريتش.

ووفق ما صرّح به الإعلامي الفلسطيني من الداخل بلال شلاعطة لـ"حفريات" فإنّ "تلك الاقتراحات كانت مطروحة منذ العام 2011، ورفضها نتنياهو حين طُرحت في العام 2016، لكنّه غيّر رأيه بسبب التحقيقات ضده".

عبدالقادر وتد: التعديلات تسعى لتحويل المستشار القانوني للحكومة إلى منصب "ثقة" وفق مصلحة الائتلاف الحاكم

وناقشت "حفريات" التعديلات المقترحة مع الناشط الفلسطيني من الداخل عبد القادر وتد، الذي أوضح أنّها تتضمن (4) محاور: الأوّل تغيير ماهيّة وظيفة المستشار القضائي للحكومة من وظيفة عمومية إلى وظيفة ثقة، والثاني تعديل تكوين لجنة اختيار القضاة، والثالث إلغاء سلطة محكمة العدل العليا في تقدير مقبولية القوانين التي يشرّعها الكنيست، والمحور الرابع تشريع قانون التغلب على قرارات محكمة العدل العليا.

وبحسب موقع "الكنيست" ليس لدولة إسرائيل دستور، وتعتمد بدلاً من ذلك على قوانين الأساس، وشرع الكنيست (13) قانون أساس. وتختلف قوانين الأساس عن القوانين العادية من حيث شكلها، وفي عنوان قانون الأساس يتم الإشارة إلى أنّه "قانون أساس". ويجب أن تكون صيغة قانون الأساس عامة، بينما التفصيل يتجسد في القوانين العادية، ولا يتم الإشارة إلى العام الذي تمّ سنّ القانون فيه.

ومن أبرز تلك القوانين قانون أساس كرامة الإنسان وحريته، وقانون أساس حرية العمل، الذي سُنّ العام 1992، ويعزز المكانة القانونية لإعلان "الاستقلال لإسرائيل". وتتعلق القوانين الأخرى بالموضوعات الآتية: رئيس الدولة، الكنيست، الحكومة، القضاء، المراقب، الجيش، أورشليم عاصمة إسرائيل، اقتصاد الدولة، أراضي إسرائيل، كرامة الفرد وحريته وحريّة العمل، بحسب موقع "الحكومة الإسرائيلية".

ليس لدولة إسرائيل دستور وتعتمد بدلاً من ذلك على قوانين الأساس، وبحسب موقع الكنيست، هناك مشاريع قوانين أساس أخرى في حال اكتمالها ستوحد في فصول لتكون "دستور إسرائيل"

وبحسب الموقع ذاته، هناك مشاريع قوانين أساس أخرى، وفي حال اكتمالها ستوحد قوانين الأساس في فصول، لتكون "دستور إسرائيل". ومن هذه المقترحات "مشروع قانون أساس تشريع بهدف إجراء رقابة قضائيّة على قوانين الكنيست"، ويتعلق ذلك بقضية عدم المعقولية التي تنظر فيها المحكمة العليا التشريعات الصادرة عن الكنيست.

بدايةً، فيما يتعلق بتغيير طبيعة وظيفة المستشار القانوني للحكومة، يقول الناشط وتد: إنّها وظيفة عمومية لمدة (5) أعوام، تختار فيها الحكومة واحداً من عدة مرشحين، ليكون المستشار القضائي. وتكون وظيفته معالجة كل قرار ومقترح قانوني من الناحية القانونية، ومدى ملاءمته لقوانين الأساس، للتأكد من عدم تسببه بضرر لأيٍّ من المجموعات الصغيرة، وبحث ماهيّته؛ هل يخدم مصلحة شخصية أم عامة.

وأفاد الناشط وتد بأنّ التعديلات المقترحة تريد تحويل المستشار القانوني للحكومة إلى منصب "ثقة"؛ بمعنى أن يكون الاختيار بناءً على مصلحة الائتلاف الحاكم، مثل وظائف الثقة ذات الطابع السياسي في تعيينات الوزراء داخل وزاراتهم، ليكون المنصب ذا طابع استشاري لخدمة الحكومة، وليس رقيباً مستقلاً على أعمالها.

وأشار وتد إلى أنّ الليكود يريد الانتقام من كافة المؤسسة القضائية، منذ أوعز المستشار القانوني السابق للحكومة أفيخاي مندلبليت بالتحقيق مع نتنياهو.

لجنة اختيار القضاة

بحسب موقع "الحكومة الإسرائيلية"، من أهم أعمال لجنة اختيار القضاة اختيار قضاة لجهاز المحاكم لكافة درجاتها؛ المحكمة العليا (بما في ذلك اختيار رئيس المحكمة العليا ووكيله)، المحاكم المركزية، محاكم الصلح. وتتشكل بحسب قانون أساس القضاء المعمول به من (9) أعضاء وهم: وزير العدل رئيساً للجنة، رئيس المحكمة العليا، وزير إضافي (غير وزير العدل)، قاضيان من المحكمة العليا، عضوا كنيست، ممثلان عن نقابة المحامين. وبحسب ذلك، يوجد (5) أعضاء مختصين بالقضاء، مقابل (4) أعضاء سياسيين، ممّا يعني أنّ الغلبة للقضاء، وبهذا تُضمن الأغلبية في التعيينات للسلطة القضائية ذاتها.

شلاعطة: الاقتراحات تعود للعام 2011 ورفضها نتنياهو حين طُرحت في 2016 لكنّه غيّر رأيه بسبب التحقيقات ضده

ويرى وتد أنّ هذه الطريقة هي المُثلى لاختيار القضاة، خصوصاً محكمة العدل العليا. وأضاف: لاختيار قاضٍ في محكمة الصلح والمحكمة المركزية، يكفي موافقة (5) أعضاء، بينما لاختيار قاضٍ في المحكمة العليا يجب موافقة (7) من (9) أعضاء.

ويسلط الناشط وتد الضوء على زاوية أخرى لاعتراض الائتلاف اليميني الحاكم على تلك التشكيلة، ويقول: إنّ الليكود وكلّ اليمين يرون أنّ هذه التركيبة تخدم خصومهم في "مركز اليسار"؛ لأنّ المحامين الكبار هم من الإشكناز الغربيين وليسوا من اليمين، ولهذا يريدون حذفهما واستبدالهما بسياسيين. بهذه الطريقة سيكون لدى السياسيين الحاكمين (6) أعضاء من الأعضاء الـ (9)، وهو مقترح تقدّمت به وزيرة العدل اليمينية السابقة أييلت شاكيد.

من جانبه، أفاد الإعلامي بلال شلاعطة لـ"حفريات" بأنّ رئيس لجنة الدستور والقانون والقضاء في الكنيست سيمحا روتمان اقترح تغيير تركيبة اللجنة إلى (3) وزراء، و(3) أعضاء من الكنيست (واحد منهم من المعارضة)، ورئيس المحكمة العليا، وقاضيين؛ واحد من محكمة الصلح وواحد من المحكمة المركزية، وهو يختلف عن مقترح وزير العدل ياريف لافين.

ويتضمن مقترح وزير العدل توسيع اللجنة إلى (11) عضواً، وهم: (3) وزراء من بينهم وزير العدل الذي سيرأس اللجنة، و(3) أعضاء كنيست، من المرجح أن يكون أحدهم عضواً في المعارضة، وممثلان عامّان اثنان يختارهما وزير العدل، و(3) قضاة من المحكمة العليا بمن فيهم رئيس المحكمة.

تقليم أظافر المحكمة العليا

وبحسب موقع "السلطة القضائية في إسرائيل"، يقع مقر المحكمة العليا في القدس، وهي الهيئة العليا التي ترأس الجهاز القضائي، ويخدم فيها (15) قاضياً، ورئيسها هو رأس النظام القضائي. وتعمل كمحكمة استئناف عليا، ومحكمة عدل عليا حين تستمع إلى التماسات ضد مختلف السلطات العامة، وقراراتها ملزمة لجميع المحاكم ما عدا المحكمة العليا.

وتقوم رقابة محكمة العدل العليا على السلطات استناداً إلى قانون أساس كرامة الإنسان وحريته، وفي قرار الحكم بنك مزراحي (1995)، وقررت المحكمة بأنّ صلاحية البت في كون قانون معيّن يمسّ بحقوق الإنسان، وبالتالي اعتباره لاغياً، يعود إليها، واستناداً إلى ذلك ألغت المحكمة (15) قانوناً تم سنّها في الكنيست، بينما لم تقم المحكمة من قبل بإلغاء أيّ قانون أساس. وتستند المحكمة في رقابتها على عمل السلطتين؛ التشريعية والتنفيذية، إلى مبدأ "فحص معقولية أو صواب اعتبارات أو تقديرات الحكومة في التعيينات والقرارات المختلفة".

إذا تمكّن الائتلاف الحاكم من تمرير هذه المقترحات فسيكون بمقدوره تمرير تشريعات على أسس دينية تخدمه

ويقول وتد: إنّ ذلك المبدأ فضفاض، ولا تستخدمه المحكمة كثيراً، وفي أمثلة لاستخدامه إلغاء المحكمة قرار لجنة الانتخابات المركزية شطب أحزاب عربية من الانتخابات، أو أيّ قوانين تميز بين المواطنين على أساس أنّهم عرب أو أقلية دينية مثل الحريديم.

وعلى ذلك المبدأ، قضت المحكمة العليا، بتأييد (10) قضاة ومعارضة قاضٍ واحد، بأنّ تعيين رئيس حزب شاس أرييه درعي في مجلس الوزراء "غير معقول"؛ بسبب جرائم سابقة، وبسبب الانطباع الخاطئ الذي أعطاه في الصفقة مع الادعاء العام في عام 2022 بأنّه سيعتزل الحياة السياسية.

 من جانبها، تريد الحكومة بزعامة نتنياهو إلغاء هذه الصلاحية عن طريق سنّ قانون "التغلب على قرارات محكمة العدل العليا".

وبحسب مقترح قانون وزير العدل، لن تتمكن المحكمة العليا من إبطال تشريع للكنيست إلا إذا تولّت البت في القضية لجنة كاملة من (15) قاضياً في المحكمة، باستثناء غير القادرين على المشاركة لأسباب مختلفة. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ أيّ قرار بإلغاء تشريع يجب أن يحظى بتأييد 80% من القضاة، ممّا يعني (12) من أصل (15) قاضياً في قضية يحضر فيها جميع قضاة المحكمة العليا.

ومع ذلك، سيكون الكنيست قادراً ببساطة على إعادة تشريع القانون لمدة (4) أعوام بتصويت (61) عضواً فقط، فضلاً عن أنّ المقترح تضمّن حقّ الكنيست في استباق أيّ قرار تتخذه المحكمة لإلغاء قانون من خلال تضمين بند "بصرف النظر" في التشريع الأصلي، والذي ينص على أنّ القانون سيكون محصناً من المراجعة القضائية، بحسب ما نشره موقع "تايمز أوف إسرائيل".

وزير العدل ياريف لافين

ويوضح الناشط عبد القادر وتد بأنّه طبقاً لذلك "ستكون المحكمة مشلولة تقريباً". وبحسب وتد، سيفتح ذلك الباب أمام نتنياهو لتشريع قوانين كانت المحكمة ترفضها من قبل، ومنها ما يتعلق بتجنيد نسبة 30% من الحريديم، بخلاف موقف المحكمة الذي يرفض ذلك التمييز، ويطالب بقانون عام لجميع المواطنين.

وبناءً على ما سبق؛ في حال تمكّن الائتلاف الحاكم من تمرير هذه المقترحات، فسيكون بمقدوره تمرير تشريعات على أسس دينية تصبّ في صالح دعم اليمين المتطرف، ممّا يعزز من صعوده القوي على حساب اليمين، فضلاً عن تشريعات أخرى تستهدف المواطنين العرب، ولن يسلم منها العلمانيون اليهود والأقليات كافة.

في مقابلة أجراها موقع "تايمز أوف إسرائيل" مع النائب السابق لرئيس المحكمة العليا إلياكيم روبنشتاين، حذّر من أنّ حزمة الإصلاحات المقترحة قد تؤدي إلى "دكتاتورية ديمقراطية"، وقال: إنّها ستترك إسرائيل عملياً مع فرع واحد من الحكومة، فقط "ائتلاف الأغلبية".

مواضيع ذات صلة:

تجربة الإسلاميين في الكنيست الإسرائيلي: خطاب العبري يدعو إلى التعايش

الخط الأخضر: قيد مكاني قاهر للفلسطينيين وذكرى غامضة للإسرائيليين

ما حقيقة الحديث عن تطبيع صومالي مع إسرائيل؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية