تغريدة الصدر عن "الخليج العربي" تفتح صندوق الضغائن الإيرانية

تغريدة الصدر عن "الخليج العربي" تفتح صندوق الضغائن الإيرانية

تغريدة الصدر عن "الخليج العربي" تفتح صندوق الضغائن الإيرانية


15/01/2023

بعد فترة كمون على خلفية إعلان زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، انسحابه، أو بالأحرى اعتزال الحياة السياسية، في ذروة الصراع المحتدم على تشكيل الحكومة مع "الإطار التنسيقي" المدعوم من إيران، عاد رجل الدين الشيعي يثير الجدل بعد تغريدته التي ذكر فيها "الخليج العربي".

الصدر فُسر موقفه باعتزال الحياة السياسية، على أنّه يأتي في سياق ضغوط طهران القصوى، خاصة أنّ آية الله كاظم الحائري الذي قلده الصدر الأب، قد أعلن، في نفس التوقيت، اعتزاله المرجعية بينما طلب من مقلديه إتباع المرشد الإيراني علي خامنئي. ومع هذا الموقف الاستثنائي من المرجعية الشيعية في قم، والتي كان يستمد زعيم التيار الصدري منها شرعيته الدينية والطائفية، لحساب مركزية الولي الفقيه، في نسختها الخمينية المؤدلجة، فإنّ موقع الأول ظل في حالة انحسار وتهميش.

وفي حين بدا اعتزال الصدر السياسة بمثابة أمر تكتيكي وحادث تقليدي متكرر، فإنّ إثارته الجدل بعد تغريدته الأخيرة، والتي تحمل غمزاً ولمزاً ضد إيران باستخدام "الخليج الفارسي" بدلاً من "الخليج العربي"، تؤشر إلى جملة اعتبارات، منها تأكيده على القطيعة مع طهران، من ناحية، أو الإشارة، من جديد، إلى استقلاليته وعدم تبعيته، السياسية والأيدولوجية، من ناحية أخرى.

وقال الصدر في بيان نشر على صفحته الرسمية بتويتر: "بسمه تعالى، ضيوفنا العرب الأكارم، من دول (الخليج العربي) مرحبا بكم.." وتابع قائلاً: "أهلاً وسهلاً بالعرب في عراق الأولياء الصالحين أهلا بكم في بصرتكم الغراء.. فيا ضيفنا لو زرتنا لوجدتنا نحن الضيوف وأنت رب المنزل.. فعلى الجميع مراعاة ذلك فالعراقيون أهل ضيافة وكرم..".

وأضاف: "كما أشير لوجوب تجنب الصراعات والخلافات والفساد فذلك مضر بسمعة العراق والعراقيين.. كما ولا بأس بمراعاة الجمهور في حضورهم للمباريات ولا سيّما مباريات المنتخب العراقي بأن يكون إما مجانياً أو بأجور رمزية..".

ومن جانبها، أعلنت وزارة الخارجية الإيرانية، الاثنين الماضي، عن اتخاذ "إجراءات لازمة"، على حد توصيفها، بعد استخدام العراق تسمية "الخليج العربي" بدلاً من "الفارسي".

زعيم التيار الصدري يراهن على الوقت لإظهار عجز القوى الولائية عن التعامل مع الأزمات البنيوية، التي يعاني منها العراق في مختلف المجالات

وقال الناطق الرسمي بلسان الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني إنّ طهران اتخذت الإجراءات اللازمة بخصوص واقعة استخدام تسمية "الخليج العربي" عوضاً عن "الفارسي" من قبل العراق.

وأوضح كنعاني أنّ "الجهاز الدبلوماسي أقدم على رد فعل فوري تجاه الأمر.. والخليج الفارسي يبقى الخليج الفارسي وأيّ موقف رياضي أو مواقف أخرى لا تغير هذا الواقع التاريخي".

هجوم وردود فعل غاضبة بالعراق

كما قام البرلمان الإيراني بمهاجمة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، وكذا زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، بينما اعترض الاتحاد الإيراني لكرة القدم، على تسمية البطولة باسم "الخليج العربي" بدلاً من "الخليج الفارسي"، وقدم مذكرة احتجاج إلى رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم بهذا الشأن.

أزمة تسميه الممر المائي تعود لعقود، بينما تتسبب في استقطابات عديدة وخلافات جمّة بين الدولة العربية والنظام السياسي في طهران؛ حيث إنّ الأخيرة، التي تطل على ثلث سواحل الخليج مع الأخذ في الاعتبار أنّ هذه المناطق ذاتها تخضع لإقليم الأحواز والقبائل العربية التي تعاني التهميش في شمال إيران (كما غيرها من الشعوب غير الفارسية)، وكذا في الشمال الشرقي، تحديداً مدن إقليم بوشهر، تصر على التسمية الفارسية، كما أنّ ثلثي سواحل الخليج تقع في بلدان عربية.

المحلل السياسي العراقي عبد الرحمن الجبوري لـ"حفريات": الصدر لا يزيد الفجوة مع طهران، إنّما يؤكد على استقلال قراره وثبات موقفه من القضايا الوطنية

في ضوء ذلك، يرى المحلل السياسي العراقي، الدكتور عبد الرحمن الجبوري، أنّ زعيم التيار الصدري في تغريدته لا يعمد للقطيعة مع طهران بقدر ما يؤكد على مقاربته التي لم يتنازل عنها، وقد بنى فلسفته وصورته لذاته وأتباعه في شعاره الشهير: "لا شرقية ولا غربية". ويردف الجبوري لـ"حفريات أنّ الصدر يؤكد في "معظم أدبياته أنّه يمثل الإسلام العربي المحمدي إسلام أهل البيت".

ويرجح المحلل السياسي العراقي، أنّ الصدر بذلك لا يزيد الفجوة، بأيّ حال من الأحوال، مع طهران، إنّما يؤكد على "استقلال قراره وثبات موقفه من القضايا الوطنية والتي يعرف تماماً مشاعر أنصاره فيها"، لافتاً إلى أنّ تغريدته التي حركت ردود الفعل في ظل مباريات كأس الخليج كانت مقصودة؛ إذ إنّه "يبعث رسالته، من جديد، ويسوقها إلى أنصاره، أولاً، ولحاضنته الإقليمية، ثانياً".

رهانات الصدر

وفي حديثه لـ"حفريات"، يوضح الباحث العراقي، منتظر القيسي، أنّه رغم صعوبة القطع بأنّ مقتدى الصدر قصد شيئاً محدداً، من خلال استخدام عبارة "الخليج العربي" في تغريدته عشية افتتاح بطولة الخليج في نسختها الـ 25، إلا أنّ "العزف على الوتر القومي كان، دوماً، إحدى أدوات الصراع التقليدية بين عائلة الصدر وبقية الأسر الدينية الشيعية في النجف المنحدرة من أصول إيرانية أو حتى أفغانية، وذلك حول موقع المرجع الديني الشيعي الأعلى في النجف الذي يكرس متقلده تلقائياً الزعيم الروحي لمعظم شيعة العالم".

المحلل السياسي العراقي عبد الرحمن الجبوري: الصدر لا يعمد للقطيعة مع طهران

وقد اكتسب ذلك زخماً جديداً، خلال العامين الماضيين، لا سيّما بعد أن تسببت إيران في إفشال مشروع الصدر لتشكيل حكومة أغلبية سياسية تستبعد أهم الأحزاب والفصائل الشيعية الموالية لها، وفق القيسي، بل وخابت جهود زعيم التيار الصدري لحشد وتعبئة الشارع خلف دعوته للثورة على مؤسسات النظام التي اصطفت ضده، مما أرغمه على الانكفاء على نفسه وإخلاء الساحة لأنصار طهران للانفراد بالسلطة.

وحول رهانات الصدر من هذا الموقف الذي قد يبدو مرتبكاً، يقول القيسي إنّ زعيم التيار الصدري يراهن "على الوقت لإظهار عجز القوى الولائية عن التعامل مع الأزمات البنيوية، التي يعاني منها العراق في مختلف المجالات، ثم تفنيد كل  أطروحاتها السياسية، ومن ثم، تجريدها من جميع أسلحتها الدعائية التي استخدمتها ضده خلال المرحلة الماضية، الأمر الذي يجعله على استعداد لجولة الصراع المقبلة، ومواجهة التعهدات السابقة للقوى التابعة لإيران، ومنها فك ارتباط العراق مع الولايات المتحدة، وإجلاء جميع أشكال نفوذها السياسي والعسكري في العراق، والارتماء بالكامل في أحضان الجمهورية الإسلامية مهما كانت العواقب، وبالتبعية التراجع عن خطوات الانفتاح على الدول العربية، وإعلان العداء التام لها، وخاصة السعودية".

ويردف: "أصبح التمايز القومي إحدى ثيمات خطاب الصدريين على مواقع التواصل الاجتماعي، لا سيّما من خلال الاستخدام المفرط لمصطلح "التبعية" لوصف حلفاء إيران في العراق، وذلك من دون اكتراث بتاريخ هذه المفردة التي استخدمها نظام صدام حسين، مطلع الثمانينات، لوصف عشرات الآلاف من أبناء أقلية الكرد الفيلية حيث تم تهجيرهم لإيران بعد إسقاط الجنسية عنهم ومصادرة ممتلكاتهم بشكل كامل".

هذه الأجواء المشحونة جعلت من الطبيعي أن تثير تغريدة الصدر الأخيرة ردود فعل متفاوتة، بينما كان من الممكن تجاهلها ببساطة في ظروف أخرى، بحسب المصدر ذاته، مشدداً على أنّ "عاصفة الانتقادات في الإعلام الإيراني؛ بسبب تصنيف موقف الصدر على أنّه يأتي ضمن الحملة المناهضة لإيران، والتي تتصاعد في أوساط شيعة العراق، لا سيّما الأجيال الشابة الراغبة بشدة في الانفتاح على الدول العربية المتحالفة مع أمريكا، وذلك باعتبارها النموذج الذي يجب تطبيقه في إدارة العلاقات الخارجية مع الغرب والشرق على قاعدة المصالح المشتركة".

مواضيع ذات صلة:

بين الصدر والحائري: ما قصة اعتزال السياسة والمرجعية؟

لماذا اختارت إيران مواجهة الصدر عسكرياً في العراق؟

هل ينجح الصدر في تسمية رئيس الحكومة العراقية؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية