تنامي نفوذ حماس في لبنان... قاعدة أم محطة عبور؟

تنامي نفوذ حماس في لبنان... قاعدة أم محطة عبور؟

تنامي نفوذ حماس في لبنان... قاعدة أم محطة عبور؟


07/05/2023

منذ العام 2019 وعقب التطورات التي شهدها لبنان، باتت بيروت حاضنة رئيسية لقيادات حماس ومحطة مهمّة لتواجدها السياسي والأمني، يأتي ذلك في ظل إعادة ترتيب العلاقة بين حزب الله وحماس التي بدأت منذ العام2017 تزامناً مع تولّي فريق يحيى السنوار، المعروف بتيار "الأمن" داخل الحركة، زمام المبادرة، واستبعاد جناح خالد مشعل عن واجهة العمل السياسي، بعد أعوام من انحياز الحركة لثورات "الربيع العربي"، ولا سيّما في سوريا.

وتملك حركة حماس الآن تأثيراً كبيراً في لبنان، وجاءت زيارة رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية الثانية إلى بيروت يوم 4 نيسان (أبريل) الماضي، في توقيت حسّاس مع إطلاق صواريخ من جنوب لبنان على إسرائيل، ممّا يشكّل توتراً في القضايا العالقة بين الرأي العام اللبناني وحزب الله، وفق ما نقل موقع صدى للدراسات السياسية الشرق أوسطية.

وأجرت الحركة عملية إعادة تموضع سياسي استراتيجي بشكل تدريجي لربط العلاقة أكثر باتجاه الجانب الإيراني، لذا كان من البديهي الاستفادة من الساحة اللبنانية، في ظل تقدم العلاقة التركية-الإسرائيلية، وعدم قدرة قطر على احتضان نشاط حماس إلّا في مساحات تمثيلية ضيقة.

ووفقاً لما نقله المركز ذاته، فقد أضحت بيروت محطة دائمة لقادة حماس، مثل: خليل الحية المسؤول عن العلاقات العربية والإسلامية، والمسؤول عن ملف الأسرى والجرحى والشهداء زاهر جبارين، وهذا مؤشر على أنّ حماس جعلت لبنان إحدى أهم مراكز حضورها السياسي ومن ثم الأمني والعسكري.

تملك حركة حماس الآن تأثيراً كبيراً في لبنان

قرار حماس بتوسيع حضورها الأمني والعسكري في لبنان يخدم الهدف الذي أطلقته قيادات عدة في محور ما يطلق عليه (الممانعة)، وهو "توحيد الجبهات والساحات"، ويندرج ضمن استراتيجية حماس الجديدة برعاية إيرانية، المتعلقة بخلق مساحات جديدة "لاستهداف إسرائيل"، وبغضّ النظر عن حجم الوجود العسكري للحركة في لبنان، من الواضح اليوم أنّ هناك توجهاً لربط الساحة اللبنانية بكافة الجبهات حين اندلاع المواجهة المقبلة المحتملة مع إسرائيل.

وتمتلك حركة حماس بحكم خلفيتها الإسلامية الإخوانية علاقات إيديولوجية مع "الجماعة الإسلامية" في لبنان ذات التوجه القريب من الجماعة، ممّا يوفّر للحركة الفلسطينية حاضنة سياسية سنّية لبنانية، تُضاف إلى تلك الشيعية التي يمثلها حزب الله ويؤثر بها في حلفائه. وقد أدت حركة حماس أدواراً لافتة في التأثير على "الجماعة الإسلامية"، بما في ذلك استحداث قيادة جديدة اعتبرت وجوهها قريبة من حزب الله.

الحركة تعيد التموضع سياسياً واستراتيجياً للاستفادة من الساحة اللبنانية، في ظل تقدم العلاقة التركية-الإسرائيلية، وعدم قدرة قطر على احتضان نشاط الحركة

ويشير تدفق التقارير بشأن تطوّر الحضور العسكري والسياسي لحركة حماس في لبنان إلى تبلور توجه لدى حزب الله، ومن ورائه إيران، بتشكيل تحالف إسلامي سنيّ-شيعيّ لبناني-فلسطيني، بإمكانه أن يُقوِّي من أوراق طهران في لبنان، خصوصاً في الجانب المتعلق بإدارة ملف الصراع مع إسرائيل. ويُمثّل الأمر بالنسبة إلى حزب الله مزيداً من أوراق الضغط على المشهد السياسي اللبناني، يتجاوز ما يمتلكه الحزب حسابياً داخل مجلس النواب اللبناني، أو داخل الحكومة (أو الحكومات) اللبنانية. ويشكّل هذا التحالف بين الحزب اللبناني والحركة الفلسطينية تحدياً جديداً لإسرائيل من حدودها الشمالية. كما يعزز التحالف نفوذ إيران في لبنان، ما من شأنه التأثير في علاقات البلد مع المحيط العربي والمجتمع الدولي، حسب مقالة للكاتب والباحث السياسي محمد قواص نشرها مركز الإمارات للسياسات على موقعه.

وكشفت تطورات أمنية أخيرة بعضاً من الأنشطة التي تقوم بها حماس في لبنان، خصوصاً إثر عملية انفجار مخزن السلاح في مخيم البرج الشمالي نهاية العام 2021، ومقتل القيادي حمزة شاهين وتشييعه في لبنان، وهما حدثان كشفت وسائل إعلام عربية وغربية عن ترابطهما، وأنّ مقتل شاهين كان نتيجة الانفجار الذي حصل في مخزن أسلحة تابع للحركة في المخيم، وأعاد هذا الحدث تسليط الضوء على ما تخطّط له حماس في مخيمات لبنان.

قرار حماس بتوسيع حضورها الأمني والعسكري في لبنان يخدم الهدف الذي أطلقته قيادات عدة في محور (الممانعة)، وهو "توحيد الجبهات والساحات"

وحسب الباحث قواص، فإنّ إطلاق عشرات الصواريخ من جنوب لبنان باتجاه إسرائيل في 6 نيسان (أبريل) 2023 أثار أسئلة بشأن الجهة التي تقف وراء هذه العملية، بعد نفي حزب الله مسؤوليته عنها. وقد ساهم إبعاد إسرائيل نفسها التهمة عن حزب الله وإلصاقها بحركة حماس في تسعير النقاش حول البنى التحتية العسكرية التي تملكها الحركة الفلسطينية الإسلامية المسلحة في لبنان، ومدى ارتباط الأمر بالعلاقة مع حزب الله والمحور الإقليمي الذي تقوده طهران في المنطقة. وعكست ردود الفعل المحلية اللبنانية تخوفاً من عودة "الحقبة الفلسطينية" إلى لبنان، حين كانت قوات منظمة التحرير الفلسطينية حتى عام 1982 تعتبر لبنان قاعدة أساسية في قيادتها للعمل الفلسطيني السياسي والعسكري.

من انفجار مخزن السلاح في مخيم البرج الشمالي نهاية العام 2021

وعلى الرغم من نفي حزب الله وحركة حماس مسؤولية الحركة عن إطلاق الصواريخ، فإنّ تقارير ربطت بين الحدث والزيارة التي بدأها رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في 5 نيسان (أبريل) 2023 إلى لبنان، واجتماعه مع أمين عام حزب الله حسن نصر الله. وتحدّثت أنباء أخرى عن لقاء جمع إسماعيل قاآني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، خلال هذه الفترة، في السفارة الإيرانية في بيروت، مع قادة من حماس وحركة الجهاد الإسلامي، بالتزامن مع إطلاق الصواريخ من جنوب لبنان. وتعتبر تقارير إسرائيلية أنّ هذه الاجتماعات كانت وراء قرار إطلاق الصواريخ، ضمن سياق "وحدة الجبهات" التي تتوعد بها طهران والحزب والحركة في معرض تهديدها بمواصلة الردّ على إسرائيل.

حركة حماس تمتلك علاقات إيديولوجية مع "الجماعة الإسلامية" في لبنان، ذات التوجه القريب من الإخوان، ممّا يوفّر للحركة حاضنة سياسية سنّية لبنانية، إلى جانب دعم حزب الله

وتزداد المخاوف في الأوساط اللبنانية من أن يصبح لبنان هدفاً جديداً لحرب إسرائيلية؛ بسبب حضور حماس العسكري الذي يضاف إلى الوجود العسكري لحزب الله.

وقد تنامت ردود الفعل اللبنانية، لا سيّما من قبل الأحزاب السياسية المسيحية، على عملية إطلاق الصواريخ من جنوب لبنان، وتوجّه حماس لاستخدام لبنان ساحة لقياداتها وأنشطتها. وشاب موقف الحكومة اللبنانية حالة إرباك بشأن الصواريخ التي أطلقت من جنوب لبنان، ممّا أظهر مجدداً ضعف الجانب اللبناني الرسمي. فقد اكتفت الحكومة من خلال رئيسها نجيب ميقاتي بالإعلان أنّ الجهة التي قامت بالأمر "ليست لبنانية"، من دون اتّخاذ موقف حازم من الجهة المسؤولة أو إدانة مَن يقف خلفها.

ويُضيف الدور الجديد المفترض لحركة حماس مزيداً من فوضى السلاح الخارج عن سيطرة الدولة في لبنان، سواء داخل المخيمات الفلسطينية أو لدى حزب الله. ويرفع الأمر من مستويات القلق من توسّع حضور حماس ونفوذها في لبنان، وسط تعقّد الوضع الداخلي اللبناني الذي يرزح تحت عبء أكبر أزمة اقتصادية تشهدها البلاد منذ الاستقلال، والتي يعتبرها البنك الدولي إحدى أسوأ كوارث لبنان الاقتصادية منذ منتصف القرن الـ (19). ويُفاقم هذا الملف ممّا يعانيه البلد حالياً من وَهَنٍ الدولة المركزية، وعجزٍ عن انتخاب رئيس جديد للجمهورية لإعادة إنتاج السلطة، في بلد ضاق ذرعاً بأزمة اللاجئين السوريين، وبالوضع الأمني والاقتصادي والسياسي المقلق في جواره السوري.

الدور الجديد المفترض لحركة حماس يضيف مزيداً من فوضى السلاح الخارج عن سيطرة الدولة في لبنان، سواء داخل المخيمات الفلسطينية أو لدى حزب الله

في سياق توسعة نفوذها في لبنان، تحاول حركة حماس إيجاد دور مؤثر لها في المخيمات، وفي بيان لها، نشره أمس موقع قدس التابع لها، أنّها نجحت في وقف الاشتباك المسلح في مخيم البداوي بطرابلس، شمالي لبنان، بين عناصر من حركة التحرير الوطني "فتح" وجبهة التحرير العربية.

وأكدت الحركة أنّها أجرت اتّصالات مع مسؤولين لبنانيين وفلسطينيين لوقف الاشتباك في مخيّم البدّاوي.

وشدد ممثل الحركة في لبنان أحمد عبد الهادي على ضرورة المحافظة على الأمن والاستقرار في المخيمات، وعدم الاحتكام إلى السلاح في معالجة المشكلات والخلافات.

يُذكر أنّ عناصر تابعين لحركة (فتح) اقتحموا مكتب تنظيم "جبهة التحرير العربية" بمخيم البداوي، وسيطروا عليه، ممّا أدى إلى اندلاع اشتباكات مسلحة بين الطرفين.

ويُراقِب اللبنانيون بقلق تزايد نفوذ حماس في المخيمات وخارجها، وتشكُّل تحالف عقائدي وسياسي وعسكري بين حزب الله وحركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي برعاية إيران، وتنسيق مِن قِبَل قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني إسماعيل قاآني، الأمر الذي قد يُفضي إلى تسخين الحدود الجنوبية للبنان، وفق نظرية "وحدة الجبهات" التي تتوعد بها طهران إسرائيل. لكنّ الحلف يعزز أيضاً النفوذ الإيراني في لبنان، ممّا يؤثر تلقائياً على علاقات البلد مع المحيطين العربي والدولي. 

مواضيع ذات صلة:

بعد الحديث عن التطبيع.. اجتماع بين طالبان وحماس في تركيا.. ما هدفه؟

محللون فلسطينيون يكشفون لـ"حفريات" خبايا عودة حماس إلى سوريا

تركيا وقطر وإيران... هل رهنت "حماس" قرارها بهذه الدول؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية