تنظيم القاعدة: يغرق تكفيراً و يختنق تناقضاً

تنظيم القاعدة: يغرق تكفيراً و يختنق تناقضاً

تنظيم القاعدة: يغرق تكفيراً و يختنق تناقضاً


16/01/2023

صدرَ في 3 كانون الثاني (يناير) 2023 بيان عن اللجنة الشرعية لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، تحت عنوان: "حُكم القتال في صفوف الحكومات المرتدة"، استفتح البيان بتكفير جميع الحكومات في البلدان العربية والمُسلمة، واستثنى البيان من ذلك حكومة طالبان! مُعللاً تكفير الحكومات بثبوت عمالتها لقوى الكُفر العالمي، وعلـى رأسها طاغـوت العـصر أمريكا، الجدير بالذكر أنّ طالبان تسعى لتطبيع العلاقات مع أمريكا منذ أعوام، وهذا ما صرّح به المتحدث باسم الحكومة الأفغانية ذبيح الله مجاهد في تصريحات صحفية: "أنّ أمريكا لم تلتزم بتطبيع العلاقات بين واشنطن وكابل"، وأضاف قائلاً: "إنّ بلاده مُستعدة لفتح صفحة جديدة مع الولايات المتحدة"[1]، وهنا يتجلى جيداً ما الذي تسعى إليه طالبان، ليس فقط إقامة علاقات مع أمريكا، وإنّما تطبيع العلاقات، ولا يخفى على اللجنة الشرعيّة لتنظيم القاعدة مفهوم التطبيع، المُصطلح الذي لطالما شغبوا به كثيراً.

وبينما البيان يذكر أسباب ومناطات تكفير الحكومات، ويستطرد في ذكر الأمثلة على ذلك، زعم البيان وقوع الحكومات في تناقض يكفي لتكفيرهم وقتالهم، وهو "الحكم بغير ما أنزل الله"، وذكر على سبيل المثال المادة (10) من الدستور اليمني: (تلتزم الدولة باحترام مواثيق الأمم المتحدة وميثاق جامعة الدول العربية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وتلتزم بالمواثيق والمعاهدات الدولية التي صادقت عليها السـلطة التشريعية، والقواعد المستقرة في القانون الدولي)، وزعم البيان أنّ هذا غيض من فيض، كفى به مناطاً وناقضاً ومثالاً على كُفر الحكومات.

تنظيم القاعدة الوجه الآخر لمشروع الإسلام السياسي أو مشروع الحاكمية القُطبي الذي يتبادل أقطابه الأدوار بين الفينة والأخرى بحسب كل مرحلة

وكأنّ اللجنة الشرعيّة لتنظيم القاعدة لم تطلع على مُطالبات حكومة طالبان منذ عامين وأكثر بمقعد في الجمعية العامة للأمم المتحدة، حتى تستثني اللجنة الشرعيّة حكومة طالبان ممّا حكمت به على جميع الحكومات، كما قامت حكومة طالبان بتعيين "محمد سهيل شاهين" مندوباً لدى الأمم المتحدة[2].

ثم ذكر البيان مناطاً ثانياً لتكفير الحكومات، باستثناء حكومة طالبان، وهو "موالاة الحكومات لدول الكفر"، وذكر البيان مثالاً على ذلك استجابة الحكومات لخطاب الرئيس الأمريكي بوش الابن بعد عملية 11 أيلول (سبتمبر)، حينما طالب العالم بمحاربة الحركات والجماعات الجهادية، وعلى رأسها تنظيم القاعدة، بينما كان من بنود اتفاق الدوحة بين طالبان وأمريكا طرد جميع الجماعات التي تشكّل خطراً على أمريكا، وعلى رأسها تنظيم القاعدة، وتعهدت طالبان والتزمت بمحاربة الجماعات في أفغانستان، كما صرّح مندوب حكومة طالبان لدى الأمم المتحدة محمد سهيل شاهين: أنّ الحركة تعهدت في الدوحة خلال المفاوضات الأفغانية بأنّها لن تسمح بتواجد أيّ مركز لجمع الأموال أو مركز تدريب أو مركز تجنيد لعناصر القاعدة[3]، فلماذا الاستثناء لحكومة طالبان من حكم شمل كلّ حكومات البلدان العربية والمُسلمة؟

فتنظيم القاعدة ما يزال على نهجه الذي تأسس عليه من التكفير والغلو والتطرف في الأحكام والإرهاب في الأعمال، ولا جديد إلّا أنّ التنظيم هذه المرة يتناقض في أحكامه، مع أنّ المناطات والأمثلة التي ذكرها بيان اللجنة الشرعيّة لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب التي استدلّ بها على كُفر الحكومات هي المناطات والأمثلة نفسها التي وقعت فيها حكومة طالبان المستثناة من التكفير في البيان. 

تستمر حركات الإسلام السياسي بالتخادم في ما بينها، بما فيها تنظيم القاعدة والإخوان وطالبان والسرورية، وإن حصل الخلاف، فإنّه خلافٌ تخادمي لا تصادمي، فالمشروع واحد والهدف واحد

وما ذلك التناقض سوى تأكيد أنّ تنظيم القاعدة الوجه الآخر لمشروع الإسلام السياسي أو مشروع الحاكمية القُطبي الذي يتبادل أقطابه الأدوار بين الفينة والأخرى بحسب كل مرحلة، كما نظر لذلك صلاح الصاوي قائلاً: "وقد تقتضي مصلحة العمل الإسلامي أن يفجر فريق ويستنكر فريق آخر"[4]، فلا عجب أن يفجر تنظيم القاعدة ويحاور تنظيم الإخوان المسلمين، وتفاوض حركة طالبان، لا عجب فهذا منهج، وهذا دين، وهذه سياسة، وهذا مشروع يسيرون عليه.

وما أشبه ذلك بما حصل ويحصل في اليمن بين حركات وجماعات الإسلام السياسي أو مشروع الحاكمية -إن صح التوصيف- وعلى وجه الخصوص بين السرورية وتنظيم القاعدة، ففي 2012 بينما تنظيم القاعدة في اليمن يعبث إرهاباً وتفجيراً واغتيالاً، يدعو الأمين العام لحزب اتحاد الرشاد عبد الوهاب الحميقاني[5] في مؤتمر صحفي للحوار مع تنظيم القاعدة وإشراكه في الحوار والمؤتمرات السياسية[6]، وقد سُئل في برنامج (وجوه مألوفة) ما الذي يجمعكم بتنظيم القاعدة؟ فقال: حاكمية الشريعة[7]، وحقيقةً وتحديداً "حاكمية قطب".

وهكذا تستمر حركات الإسلام السياسي بالتخادم في ما بينها، بما فيها تنظيم القاعدة وتنظيم الإخوان المسلمين وحركة طالبان وجماعة السرورية، وإن حصل الخلاف، فإنّه خلافٌ تخادمي لا تصادمي، فالمشروع واحد، والهدف واحد.

هوامش:

[1] الجزيرة نت: https://aja.me/1c74mm

[3] العربية نت: https://ara.tv/ru2ux

[4] كتاب الثوابت والمتغيرات لصلاح الصاوي (265).

[5] مصنف على قائمة الإرهاب للسعودية والإمارات ومصر والبحرين، أحد أبرز قيادات السرورية في اليمن.

[6] فعاليات المؤتمر السلفي العام ـ المؤتمر الصحفي 14- 3 - 2012م.

[7] اليمن اليوم: https://youtu.be/8h1A1Hzm-Ro



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية