توترات بين أمريكا وروسيا في سوريا: ما علاقة ميليشيات إيران؟

توترات بين أمريكا وروسيا في سوريا: ما علاقة ميليشيات إيران؟

توترات بين أمريكا وروسيا في سوريا: ما علاقة ميليشيات إيران؟


05/06/2023

رغم التهدئة الإقليمية منذ الاتفاق الثلاثي بين إيران والسعودية برعاية الصين، إلا أنّ التداعيات المتوقعة بشأن تخفيض حدة الصراعات في المنطقة لا تبدي استجابة سريعة. فالوضع في سوريا ما زال محتدماً ويبعث بصراعات عنيفة بين الولايات المتحدة وروسيا، سياسياً وميدانياً، الأمر الذي تفاقمه الحرب في أوكرانيا. وإلى جانب الهجمات المتنامية من قبل واشنطن ضد مناطق نفوذ إيران في دمشق، وكذا العقوبات الجديدة على كيانات اقتصادية سورية، فضلاً عن الملاسنات بين مسؤولين أمريكيين وروس، فإنّ إسرائيل تستأنف، هي الأخرى، قصفها على العاصمة السورية.

تهديدات متزايدة للمسيرات والصواريخ الإيرانية

ووفق مراقبين، تحدثوا لـ"حفريات"، فإنّ واشنطن، التي تتابع عن كثب الوضع في الشرق الأوسط، ودور الدبلوماسية الصينية الذي اضطلعت بمهام جديدة بشأن الوساطة بين إيران والخليج، لا يمكن لها أن تغض الطرف عن الدور الإقليمي لطهران والحرس الثوري، وبخاصة عمليات نقل وتهريب الأسلحة لميليشياتها، وبخاصة المسيرات والصواريخ.

وهذه الصواريخ والمسيرات تهدد المسؤولين الأمريكيين المتواجدين في المنطقة، حيث نقلت قناة "العربية" عن فرزين نديمي، المتخصص في شؤون التسلح، قوله إنّ "المسيرات لها تأثير فائق، وهذا ما نلمسه لدى إطلاق أربع أو ست مسيّرات على منطقة التنف".

كينيث ماكنزي: في حال اندلاع حرب سيتم استعمال الصواريخ البعيدة المدى مع صواريخ كروز متوسطة المدى، ومسيرات للقصف أو المراقبة

ووفق "العربية"، فإنّ تقييم الولايات المتحدة بخصوص المسيرات والصواريخ الإيرانية المتوفرة لدى الميليشيات يبلغ "أكثر من 100 ألف في لبنان، وأرقام مضاعفة في سوريا والعراق".

في النصف الثاني من الشهر الماضي، ذكر القائد السابق للمنطقة المركزية في الجيش الأمريكي الجنرال كينيث ماكنزي، في محاضرة بواشنطن، أنّه "في حال اندلاع حرب سيتم استعمال الصواريخ البعيدة المدى مع صواريخ كروز متوسطة المدى، ومسيرات للقصف أو المراقبة. وسيتفوق العدد الكبير من المنظومات الإيرانية على منظومات الدفاع الجوي ومضادات الصواريخ وستصل إلى أهدافها".

حرج تكتيكي

ولا تكاد تختلف الآراء في الدوائر السياسية كما في الصحافة ومراكز الأبحاث الأمريكية عن التقديرات الرسمية بالولايات المتحدة بخصوص التهديدات المباشرة التي تمثلها الميلشيات الإيرانية وخريطة وجودها بسوريا على الوجود الأمريكي. وقال النائب السابق لمساعد وزير الدفاع الأمريكي في معهد لوبر بالولايات المتجدة، ميك موللروي، إنّ الإيرانيين "يفعلون ذلك لحماية طرق الإمداد، وليحاوطوا المنشآت، وليتحركوا بسرعة مع شركائهم ولو حدث أمر ما، يضعوننا في حرج تكتيكي، لأنه من الصعب أن نقاتل ونحن في وضعية الإطباق علينا".

وتابع موللري: "إنّهم طوروا هذه الأسلحة في مكان مثل أوكرانيا عندما استعملها الروس، وهم يستعملون السلاح وباتوا يعرفون، الآن، كيف يستعملونه بحيث يتحاشون أنظمة الدفاع والحماية ويقصفون الأهداف بدقة".

الوضع في سوريا ما زال محتدماً ويبعث بصراعات عنيفة بين الولايات المتحدة وروسيا، سياسياً وميدانياً، الأمر الذي تفاقمه الحرب في أوكرانيا

وقبل أيام، اتهم مدير المخابرات الخارجية الروسية، سيرغي ناريشكين، واشنطن بأنّها تقوم بتعبئة عناصر من تنظيم "داعش" في قاعدتها بسوريا لهز حالة الاستقرار، وفق وكالة أنباء "تاس" الروسية. بل إنّ ناريشكين واصل اتهاماته للأجهزة الأمنية الأمريكية، وقال إنّها توظف "المتطرفين، الذين يطلق عليهم حالياً المعارضة المعتدلة"، لجهة "تنسيق هجمات".

وتابع: "قيادة هذا النشاط الإجرامي تتم من قاعدة التنف العسكرية الأمريكية بالقرب من حدود سوريا مع الأردن والعراق، حيث يتلقى العشرات من مقاتلي تنظيم داعش التدريب هناك، والذين يجدد الأمريكيون صفوفهم بانتظام بإطلاق سراح الإرهابيين من السجون في الجزء الشمالي الشرقي المحتل من سوريا، وتنقل شاحنات الأسلحة الصغيرة والذخيرة وأنظمة الصواريخ المضادة للدبابات إلى معسكرات التدريب".

حسين داعي الإسلام: نظام الملالي لن يتنازل عن سوريا

وقال ناريشكين إنّ "موظفي الأجهزة الأمنية الأمريكية المتواجدين في هذه المنطقة ينسقون هجمات المسلحين الخاضعين لسيطرة واشنطن، خاصة في محافظتي السويداء ودرعا الجنوبيتين المضطربتين، ويشن الإرهابيون هجمات على طريق استراتيجي مهم بين مدينتي تدمر ودير الزور"، لافتاً إلى أنّ "الأماكن المزدحمة والمحلات والمؤسسات الحكومية من بين الأهداف ذات الأولوية" لشن هجمات".

وفي حديثه لـ"حفريات"، قال عضو المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، حسين داعي الاسلام، إنّ نظام الملالي لن يتنازل عن سوريا؛ لأنّ وجود النظام في سوريا يلعب دوراً حيوياً في بقاء هذا النظام الطائفي المتشدد، موضحاً أنّه "لا ينبغي الافتراض أنّ التطورات الأخيرة في سوريا ستؤدي إلى انسحاب نظام الملالي من سوريا".

هل يتنازل الملالي عن نفوذهم بدمشق؟

ويؤكد حسين داعي الإسلام أنّ النظام، في طهران، يسعى، بخلاف ما هو متوقع، لتعزيز مواقعه في المناطق التي تقع ضمن سيطرته الميدانية عبر ميليشياته المسلحة، مشيراً إلى أنّ "الولي الفقيه" داخل إيران يواجه "أزمات اقتصادية واجتماعية كبيرة واستياءً شديداً من قبل الشعب الغاضب، وليس لديه القدرة على حل هذه الأزمات، وهناك توقعات بحدوث انتفاضات جديدة قد تندلع في أيّ لحظة، ولهذا السبب، يحاول النظام تعزيز وجوده في المنطقة".

ورغم أنّ هذا النظام يبدو وكأنه قد "استسلم لبعض التنازلات بسبب ضعفه وأزماته الداخلية"، إلا أنّه لا يتوقف أبداً عن "إثارة الحروب وتطوير المشاريع النووية والصاروخية، ودعم الميليشيات"، حسبما يقول حسين داعي الإسلام.

عضو المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، حسين داعي الإسلام، لـ"حفريات": نظام الملالي لن يتنازل عن سوريا؛ لأنّ وجوده يلعب دوراً حيوياً في بقاء هذا النظام الطائفي المتشدد

ويردف: "وجود النظام الإيراني في سوريا أمر حيوي للملالي لدرجة أنّهم أنفقوا ما يقرب من مئة مليار دولار للحفاظ على نظام بشار الأسد، بينما ارتكبوا أكبر الجرائم، جرائم حرب، بحق الشعب السوري. خامنئي يستخدم سوريا كغطاء لصفقاته في قضايا مختلفة، بما في ذلك القضية النووية. ويستغل الملالي وجودهم في سوريا لتهريب المخدرات ودعم حزب الله اللبناني والضغط على دول المنطقة".

وعلى الرغم من الغارات الجوية التي تشن أحياناً على قوات النظام في سوريا، إلا أنّ هذه القوات ما تزال موجودة على الأرض وتتحرك ضمن مواقعها، كما يقول عضو المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، موضحاً أنّ "شرق سوريا عملياً تحت سيطرة النظام والميليشيات التابعة له". ويتابع: "يمكن لأيّ شخص يدخل سوريا من العراق عبر الحدود المتاخمة بين البلدين، خاصة مع تواجد الميليشيات الإيرانية وسيطرتها في المناطق الشرقية من سوريا، وتتصرف العناصر الميليشياوية في هذه المناطق وكأن مدن هذه المناطق هي مدنهم الخاصة".

وجود النظام الإيراني في سوريا أمر حيوي للملالي لدرجة أنّهم أنفقوا ما يقرب من مئة مليار دولار للحفاظ على نظام بشار الأسد

ويختتم المصدر ذاته حديثه قائلاً إنّه "في المشهد السياسي أيضاً، أكد نظام الملالي على مساره المناهض لأهداف الشعب السوري المتمثلة في الحرية والديمقراطية. ولدى الشعب الإيراني كما تظهر في هتافاته ومسيراته الاحتجاجية رفض تام لسياسات إيران الخارجية. ومن بين تلك الهتافات: "اتركوا سوريا في حالها وفكروا في حالنا". لكن خامنئي أكد بوضوح أنّه لن يتوقف أبداً عن التدخل في شؤون دول المنطقة خاصة ما يسميه "محور المقاومة"".

الحرب الأوكرانية وصراع الوكلاء

يتفق والرأي ذاته، المحلل السياسي والمعارض الإيراني، مسعود محمد، والذي يشير إلى رسالة موجهة من نائب الرئيس الإيراني إلى المرشد علي خامنئي، يؤكد فيها الأول للأخير ضرورة الحفاظ على مواقع نفوذ إيران بسوريا. وتعد هذه الوثيقة، التي حصلت عليها إحدى مجموعات المعارضة بينما تقوم باختراق حسابات ومواقع حكومية ورسمية، أحد أبرز الدلائل التي تفضح خبيئة النظام الإيراني رغم مزاعمه بخصوص التهدئة.

وجاء في الرسالة التي حصلت عليها مجموعة إيرانية معارضة "قيام تا سرنگوني" وتعني (الانتفاضة حتى إسقاط النظام): "كان للجمهورية الإسلامية وجود عسكري وأمني قوي في هذا البلد وفقاً لأوامر سيادتكم بهدف ضمان الأمن القومي والاعتبارات الأيديولوجية، وكان له تأثير واضح ويعتبر نموذجاً في الدوائر السياسية في العالم، والآن بعد اجتياز المرحلة العسكرية والأمنية للأزمة وإرساء الاستقرار في مناطق كثيرة من سوريا، يجب إعادة النظر في حضور الجمهورية الإسلامية في سوريا بناءً على متطلبات الوقت الحاضر، ومع زيادة المتغيرات المدنية فمن الضروري إيلاء اهتمام خاص للبرامج السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، حتى يستمر تواجد بلادنا في سوريا ويستقر".

ويعقّب المحلل السياسي والمعارض الإيراني على ذلك، لـ"حفريات"، بأنّ العقل السياسي البراغماتي للنخبة الحاكمة في إيران، يبطن عكس ما يظهر من "سياسة تتخذ منهجها في الانفتاح السياسي المؤقت على بلدان المنطقة، في الخليج ومصر، لكنّها، في الوقت ذاته، لن تتنازل عن استحقاقات الحرب في سوريا، وإرغام دمشق على دفع هذه الفاتورة وتكاليف ما جرى إنفاقه (نحو مئة مليار دولار)، وقد سبق لمسؤولين إيرانيين في الحكومة والبرلمان أن تحدثوا عن ضرورة عودة هذه الأموال الأمر الذي يبدو ضرورياً مع الضائقة الاقتصادية وأزمة التضخم، راهناً".  

وفي الأحوال كافة، ليس من المتوقع أن تتراجع الميليشيات الإيرانية في سوريا أو يتقلص نفوذها. بل إنّ الصراع القائم بين واشنطن وموسكو في كييف سوف يفاقم التوترات في الشرق الأوسط، وبخاصة الملف السوري. ولئن كانت موسكو وطهران، رغم تحالفها في سوريا ضد الولايات المتحدة، قد نشب بينهما صراع على النفوذ ومسألة إعادة الإعمار بينما سهلت روسيا أو بالأحرى غضت الطرف عن الهجمات الإسرائيلية ضد مواقع نفوذ إيران بدمشق، فإنّ الحرب الروسية الأوكرانية ستطيل أمد النزاعات بالمنطقة بين الأطراف الرئيسية والوكلاء.

مواضيع ذات صلة:

تنظيم القاعدة في سوريا.. تحديات واقع غير مسبوق

باحثان يحللان عودة سوريا للجامعة العربية. ماذا قالا لـ"حفريات"؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية