تونس: حركة النهضة الإخوانية تتخبط للعودة إلى الحكم.. ما الجديد؟

تونس: حركة النهضة الإخوانية تتخبط للعودة إلى الحكم.. ما الجديد؟

تونس: حركة النهضة الإخوانية تتخبط للعودة إلى الحكم.. ما الجديد؟


16/10/2022

حين استلمت حركة النهضة الإخوانية الحكم في تونس، لم تكن جاهزة للحكم بقدر ما كانت محمّلة بمشروع إسلام سياسي لا يتماشى مع طبيعة المجتمع التونسي، وهو ما أربك بوصلتها حينها؛ بين صياغة الدستور وبناء مؤسسات الجمهورية الجديدة أو الاهتمام بالجانب الاجتماعي الذي أشعل الثورة بالأساس، أو بناء جبهات سياسية لإقناع التونسيين بعودة نشاطها علناً والمشاركة في العملية السياسية بعد أعوام النفي.

 تخبط "النهضة" حملها على تقديم وعود، مثّلت دائماً نقاط ضعف التونسيين؛ كالتنمية والتشغيل والنمو وغيرها من الوعود التي يصعب تحقيقها في تلك الفترة، وهو ما أكسبها شعبية مكّنتها من السيطرة على البرلمان وعلى مقاليد السلطة لمدة (10) أعوام متتالية.

 فالحركة لم تحرص آنذاك على جرد وتقييم الخيارات المتبعة ما قبل الثورة وآثارها والوضعية الحقيقية للمالية والمؤسسات العمومية، ولم تُطلع التونسيين على ما كان موجوداً قبل 14 كانون الثاني (يناير)، حتى يتم الاتفاق على خيارات وطنية جديدة، لأنّها كانت حزباً سرّياً، لم يُجرّب الحكم من قبل، ولا يعرف شيئاً عن دواليب الدولة.

 ارتباك أقلق التونسيين

قلة الخبرة السياسية، وبُعدها على امتداد أعوام عن تونس وشعبها، جعلاها تجرّب الحكم بدهاء سياسي غير مدروس؛ إذ دخلت المشهد السياسي كحزب إسلامي ينشر الدعوة، وتحالفت مع أحزاب علمانية تخفيفاً من المسؤولية، لتتخلى لاحقاً عن جانبها الدعوي وتعلن مدنيّتها، ثم تحالفت مع أحزاب يعتبرها التونسيون "فلول نظام زين العابدين بن علي"، وتحالفت لاحقاً مع أحزاب تلاحقها شبهات فساد، وغسيل أموال، كلّ ذلك من أجل الحفاظ على بقائها في سدّة الحكم.

 في الأثناء، تكوّن لدى التونسيين وجزء مهم من قواعدها الشعبية ومنخرطيها، شيء من الغضب والخيبة، ذلك أنّ الحركة لم تفِ بأيّ وعدٍ انتخابي قدّمته على امتداد الأعوام الـ (10) التي تولت فيها الحكم، باستثناء حربها في كلّ الجبهات حفاظاً على الحكم.

حركة النهضة جرّبت الحكم بدهاء سياسي غير مدروس

 هوس الحركة بالحكم، ورغم أنّه أفقدها جزءاً كبيراً جدّاً من خزانها الانتخابي، وضعها في مواجهة صعبة مع الشعب، الذي بحث خارج الصندوق خلال الانتخابات البرلمانية والرئاسية الماضية، وهو ما ساهم في بروز قيس سعيّد كظاهرة اكتسحت انتخابات 2019، وعجّل بالدفع بالنهضة إلى خارج الحكم.

 استقواء بقوى أجنبية

منذ إعلان سعيّد عن إجراءاته في 25 تموز (يوليو) 2021، لم تتوقف حركة النهضة عن الاستنجاد بالقوى الدولية، عبر نداءات بعض قياداتها المستجدية لبعض مسؤولي الدول الكبرى، أو عبر عقود اللوبيينغ التي أبرمتها من أجل الضغط على سعيّد.

 فبعد أن دعا في الأيام الأولى التي تلَت أحداث 25 تموز (يوليو) إلى وقف المساعدات الطبية عن تونس من أجل العودة إلى الوراء، قام القيادي المحسوب على حركة النهضة، رغم ادعاء استقالته، رضوان المصمودي، بدعوة السيناتور الأمريكي كريس ميرفي الذي التقى الرئيس سعيّد خلال منذ أيام في تونس، للتدخل والضغط ليعود البرلمان.

 

حركة النهضة لم تكن جاهزة للحكم بقدر ما كانت محمّلة بمشروع إسلام سياسي لا يتماشى مع طبيعة المجتمع التونسي

 

 كما أعلن النائب عن حركة النهضة ماهر مذيوب، الجمعة 3 أيلول (سبتمبر)، أنّه تقدم بشكوى للجنة حقوق الإنسان للاتحاد البرلماني الدولي حول تجميد وتعليق مهامه في البرلمان.

 استقواء حركة النهضة بجهات أجنبية للتدخل في الشأن الداخلي التونسي قوبل بإدانة واسعة من الأحزاب والمنظمات الوطنية، والتي كان أبرزها الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية في البلاد)، الذي أدان بشدة تحركات الإسلاميين في هذا الاتجاه.

 وقد وجّه الأمين العام للاتحاد نور الدين الطبوبي خطاباً شديد اللهجة إلى رئيس البرلمان التونسي المجمد، رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، داعياً إيّاه إلى "عدم الاستهانة بالشعب التونسي"، وقال: "أن نختلف، فهذا أمر عادي، لكن نناقش هذا الاختلاف داخل تونس، وليس خارجها، لأنّه في النهاية يبقى شأناً تونسياً داخلياً".

 تحالفات الأضداد المتعطشة للسلطة

"النهضة" التي وجدت نفسها فجأة ودون مقدّمات خارج أسوار الحكم، حاولت بناء تحالفات مع خصوم تاريخيين، على غرار أحمد نجيب الشابي، أحد رموز النضال الديمقراطي ومقارعة الاستبداد وأحد الوجوه السياسية البارزة في أعوام الانتقال الـ (10)، والذي خسر خلال كل الاستحقاقات الانتخابية، وظلّ بعيداً عن المشهد البرلماني وعن التوافقات الحزبية، فضلاً عن السياسي اليساري المخضرم حمة الهمامي الذي لم يحظَ بثقة التونسيين في كل المحطات الانتخابية.

هوس حركة النهضة بالحكم أفقدها جزءاً كبيراً جدّاً من خزّانها الانتخابي

 ودخلت الحركة في تحالف مع ما يُسمّى "مواطنون ضدّ الانقلاب"، الذي ضمّ بعض الأحزاب التي تضرّرت من قرارت قيس سعيّد، إلى جانب عدد من الشخصيات الوطنية والإعلامية، وقامت منذ تشكلها بتنظيم العديد من الحركات الاحتجاجية والإضراب عن الطعام.

 وتم لاحقاً الإعلان عن تكوين "جبهة الخلاص الوطني"، المتكوّنة من (5) أحزاب، من بينها حركة النهضة الإخوانية وأبرز المعارضين للرئيس قيس سعيّد، بالإضافة إلى (5) منظمات، لمعارضة مسار قيس سعيّد.

 بالمقابل، يحظى سعيّد بدعم شعبي كبير، إلى جانب مساندة كلٍّ من حركة الشعب، والتحالف من أجل تونس، وتونس إلى الأمام، والتيار الشعبي، ولا يبدي الاتحاد العام التونسي للشغل معارضة لقرارات سعيّد، ولا دعماً لها.

 تجييش الشارع

لجأت حركة النهضة إلى الشارع، الذي فشلت في تجييشه ضد قرارات سعيّد، حتى قبل خروجها من الحكم منذ شباط (فبراير) 2021، حين أغلِق باب الحوار بينها وبين الرئيس، وفشلت في إدخاله في تحالفاتها المعتادة.

النهضة لم تفِ بأيّ وعدٍ انتخابي قدّمته على امتداد الأعوام الـ (10) التي تولت فيها الحكم

 

 وتُعدّ مظاهرات "النهضة" وحلفاء كلّ تحالفاتها الأخيرة السبت 15 تشرين الأول (أكتوبر) 2022 آخر محاولات الحركة في حشد الشارع وتجييشه استعراضاً لقوتها، لكنّها المرّة الثالثة التي تفشل بذلك، ويعتبر مراقبون أنّ "النهضة" خسرت جزءاً كبيراً من شعبيتها، بسبب سياساتها الخاطئة، ليس فقط في إدارة الحكم، وإنّما أيضاً في الحفاظ على تماسك الحركة، التي خسرت أغلب قياداتها التاريخية.

 وكان اتحاد الشغل التونسي قد حذّر في مناسبات سابقة "من الانزلاق وراء العنف"، معتبراً أن" تجييش الشارع في الوضع الحالي قد يدفع إلى التصادم".

 مناورات الغنوشي

زعيم النهضة راشد الغنوشي حاول من جانبه قيادة مناورات لتخفيف الضغط عن حركته، وكسب ودّ الفاعلين السياسيين بتونس، وربما لإقناع الرئيس سعيّد بالجلوس إلى طاولة الحوار، مقرّاً بأخطاء النهضة بإدارة الحكم وهندسة التحالفات الحكومية والحزبية.

 الغنوشي اعتبر بدايةً أنّ قرارات سعيّد جاءت في وقتها مستجيبة ومعبّرة عن إرادة شعبية صادقة متعطّشة للتغيير، وأضاف: "إجراءات الرئيس وكأنّه يفتح قناة أوكسجين في أجواء مختنقة بالكوفيد".

 لاحقاً، وعندما استحالت عودته إلى الحكم، وفقد عدداً كبيراً من قيادات "النهضة" الذين قدّموا استقالتهم واتهموه بالدكتاتورية وبالتفرّد بالرأي داخل الحركة، أعرب الغنوشي عن نيته التخلي عن زعامة "النهضة"، وهو ما وصفه "النهضويون" بالمرض السياسي، وشككوا في مصداقيته.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية