جماعة الإخوان تسند مهمة إعادة بناء التنظيم في الغرب إلى أبناء القيادات

جماعة الإخوان تسند مهمة إعادة بناء التنظيم في الغرب إلى أبناء القيادات

جماعة الإخوان تسند مهمة إعادة بناء التنظيم في الغرب إلى أبناء القيادات


20/03/2023

هشام النجار

في الوقت الذي أراد فيه التنظيم الدولي للإخوان المسلمين الظهور بمظهر من يجدد دماءه ويعيد بناء نفسه، عكست خطوة تصعيد قيادات شابة مقيمة في بعض الدول الغربية من مزدوجي الجنسية أوجه الضعف والتناقض.

وتهدف الخطة التي جرى الإعلان عنها أخيرا إلى استعادة حيوية الجماعة لتظهر بملامح عصرية وأفكار تحررية تتفق مع تقاليد الغرب، اعتمادًا على جهود قيادات شابة، وهم البعض من أبناء قيادات الإخوان من حاملي الجنسيات الأجنبية، بالإضافة إلى الجنسية المصرية.

ويناقض الترويج لوجه الجماعة الليبرالي وخطابها الذي يركز على قضايا الحريات وحقوق الإنسان والمعارضة السلمية للأنظمة خطابا آخر تبناه قطاع من شباب الإخوان الذين دخلوا على خط الخلاف حول من يتولى منصب القائم بأعمال المرشد خلفًا للراحل إبراهيم منير ويتمحور حول النهج القطبي المتشدد ويدعو إلى تغيير الأنظمة بالقوة.

ولا يملك أبناء قيادات الإخوان من المقيمين في الغرب قوة الحضور والتأثير داخل الأجنحة الشبابية الفاعلة التي تملك أدوارًا في الصراعات الجارية، وهي محسوبة على النهج القطبي المتشدد وينتمي عناصرها إلى تيار الكماليين الذي شكله مؤسس اللجان النوعية المسلحة محمد كمال الذي قُتل خلال مواجهة مع الأمن المصري عام 2016.

وظهرت خطة إعادة بناء التنظيم الدولي للإخوان في أوروبا والولايات المتحدة عبر إنشاء مراكز حقوقية ومؤسسات تختص بقضايا الحريات شديدة النخبوية عبر قيادات شابة من أبناء القيادات، مثل محمد سلطان ابن القيادي الإخواني صلاح سلطان، كما أنها معزولة عن الخطاب السائد الذي يتبناه قطاع واسع من شباب الجماعة داخل تيار الكماليين.

ويدور نشاط الكيان القيادي الجديد المشكل من أبناء القيادات حول كل ما يخدم الضغط على النظام المصري بهدف الإفراج عن آبائهم من القيادات المحبوسة من خلال اختراق بعض منظمات حقوق الإنسان الدولية، بينما يضع معظم شباب الجماعة في أولوياتهم إصلاح هيكل الجماعة التنظيمي ومحاسبة القيادات الفاشلة وتحسين أوضاع الشباب وأسرهم.

ويتبنى الترويج لجيل قيادي جديد للإخوان في الغرب تقديم صورة عصرية مخادعة للجماعة بدلا من القادة التقليديين المقيمين في الغرب، واعتمدوا في هذا النهج على شبكات العلاقات العامة والاتصالات مع الجهات الغربية.

ولم يحقق قادة التنظيم الدولي السابقون النجاح المأمول في وقف تدهور نفوذ الإخوان في الغرب والحيلولة دون تعميم النهج الفرنسي والنمساوي في التعاطي من نشاطاته المريبة والمشبوهة، ولم ينجح هؤلاء القادة ممن يُطلق عليهم “الحرس القديم” في الضغط على القاهرة عبر الهيئات والمؤسسات الغربية للإفراج عن قيادات وعناصر الجماعة، على الرغم من الإمعان في التزلف للغرب واستخدام خطاب حقوق الإنسان والحريات.

ورضي قطاع واسع من شباب الجماعة على مضض باستمرار قادة الحرس القديم مع توالد الانقسامات وشيوع خطاب مُشكِك في شرعيتهم بسبب ما ارتكبوه من أخطاء في المرحلة الماضية. في المقابل، من الصعب أن تنجح القيادات الشابة البديلة في اكتساب شرعية مثيرة للشكوك والخلافات حول الأهداف والقناعات الأيديولوجية.

وتغاضى شباب الجماعة في السابق عن سياقات تزلف قادة التنظيم الدولي للغرب خلال مرحلة لم تتعرض فيها أفرع الجماعة في أوروبا للتهديد كما يجري الآن، ومُنحت بعض التنازلات في وقت كان دعم الجماعة في أعلى مستوياته مع الإبقاء على الازدواجية المعهودة، فما يجري طرحه في العلن يختلف عن القناعات التي يتم تداولها في الاجتماعات المغلقة.

ومن المُرجح حدوث انقسامات واسعة حول التوجهات الجديدة التي يروج لها الجيل القيادي الجديد في تنظيم الإخوان وسط غموض العلاقات بين الغرب والجماعة، عقب تراجع دعمها على مستوى مشاريع تمكنها من السلطة في المنطقة العربية، ومواجهة نفوذها في الغرب تحديات متزايدة.

ومن الصعب أن يستقطب من يتهيّأون لتصدر مشهد قيادة التنظيم الدولي من القادة الشباب عددًا معتبرًا من نظرائهم للالتفاف حول رؤى تخالف قناعاتهم، حيث ينظر غالبية شباب الإخوان إلى الغرب كنظام تتناقض قيمه وممارساته مع الإسلام في ملفات مثل الإجهاض والمثلية الجنسية.

ويتبنى عدد كبير من شباب الإخوان وأفراد الجماعة المقيمون في الغرب طروحات منظر الإخوان الراحل يوسف القرضاوي الذي شارك في تأسيس العديد من المجالس الأوروبية للإفتاء، فضلًا عن إصداره بحوثا وكتبا تعالج علاقات المسلمين بمجتمعاتهم الغربية. وأفتى القرضاوي سابقا بوجوب إخضاع أوروبا للشريعة من خلال خطط تدريجية تعتمد على التبشير والغزو الناعم والدعوة ورفض القيم الغربية.

ويصطدم مشروع إعادة إحياء جماعة الإخوان في الغرب عبر خطاب تحرري منفتح يساير القيم الغربية وبتصعيد قيادات شبابية بيقظة غربية متزايدة حيال خداع سابق بشأن طروحات الإخوان المرنة واكتشاف روابط حركية ومنهجية قوية بين الإخوان وتنظيمات السلفية الجهادية.

وراجت في بعض الأوساط الغربية تقارير ودراسات تنظر إلى مجمل الحالة الإسلامية والجهادية كعوالم متشابكة بعمق، في مقابل بعض الأجنحة كتيار اليسار وبعض المفكرين والباحثين الذين ظلوا على ولائهم التقليدي لفكرة دعم جماعة الإخوان والدفاع عنها كحالة مختلفة عن الجهادية.

وتميل هيئات أكاديمية غربية ومراكز بحثية مؤثرة إلى الربط بين الحركات الإسلامية غير العنيفة والجهادية العنيفة من منطلق أن جماعة الإخوان بمفكريها ومناهجها تُلهم الجماعات المتطرفة المسلحة في العالم.

واكتشفت تيارات سياسية مؤثرة في الغرب أن الخطاب المرن التوافقي الذي أظهره قادة التنظيم الدولي في محافل عدة مخصص فقط للمناسبات ولا يعبر عن القواعد والأفراد المؤمنين بشمولية الفكرة الإسلامية وحتمية العودة إلى الجذور بما تقتضيه من رفض للحداثة والقيم الغربية.

وباتت التصورات الغربية السابقة حيال الإخوان أقل جاذبية خاصة تلك التي اعتبرت الجماعة ممثلة لتيار الاعتدال، ومنحها مسارات قانونية كفيل بامتصاص موجات العنف وسحب البساط من تحت أقدام الجهاديين.

ولن يكون منطقيًا في ظل اليقظة الغربية التي تزداد رقعتها أن تعود العلاقات مع التنظيم الدولي للإخوان إلى نقطة الصفر بعد ما سببته أفرع الجماعة في أوروبا من ضرر للنسيج الاجتماعي عبر العمل على فصل المسلمين الغربيين عن مجتمعاتهم.

ولا يرتاح البعض في الغرب حاليًا لاستعادة الجماعة لسابق نفوذها بالتأسيس على خطاب مراوغ منح الشرعية والغطاء القانوني للإخوان وسردياتهم، ما جعلهم بوابة لناشطين راغبين في التأثير على السياسة.

وقاد خداع جماعة الإخوان للسياسيين والمثقفين والناشطين في العديد من دول أوروبا إلى التحصّل على دعم مالي هائل، حيث اكتشفت الأجهزة المعنية متأخرًا أن أموال الدولة وحتى تلك المخصصة لمكافحة التطرف والإرهاب وقعت في أيدي من يعارضون قيمها.

وتعكس خطة إعادة بناء الإخوان في الغرب هواجس الخوف من المُضي قدمًا في مسار تقويض نفوذ الجماعة في المجتمعات الأوروبية، حيث تتخذ غالبية الدول إجراءات حازمة ضد الأنشطة الإسلامية التي تتعارض مع معايير وقيم النظم الديمقراطية.

وعلى الرغم من العقبات التي تقف في طريق مشروع قيادات التنظيم الدولي للإخوان الجدد من أبناء القيادات مزدوجي الجنسية، إلا أنه قد يحرز نجاحات في بعض الساحات التي تتهاون في مسألة مراقبة ما يُعرف بـ”الإسلام القانوني” أو “الإسلاموية التشاركية”.

وتجد بعض أفرع التنظيم الدولي في أوروبا سهولة أحيانا في اختراق بعض الساحات التي لا تستجيب فيها الحكومات والسلطات التنفيذية لطلبات البرلمانات وتحذيرات المفكرين والباحثين.

ومن المرجح أن يركز محمد سلطان ومن معه من جيل القيادات الجديدة في الإخوان من حملة الجنسية المزدوجة على البناء والانتشار في البيئات التي تقيم علاقات مع ما يُعرف بـ”الإسلاموية القانونية” التي تبدي انفتاحًا على الحوار، ويتميز نشطاؤها بطلاقة التحدث باللغات الغربية.

ويستغل الجيل الجديد من القيادات الانقسامات العميقة داخل تنظيم الإخوان والصراعات على القيادة لطرح هيكل قيادي جديد غير مشارك في حرب النفوذ وغير محسوب على أي من الأجنحة المتصارعة، ما يغري بعض من يراهنون على توحيد التنظيم وإقصاء القادة الحاليين.

ويستفيد جيل القادة الجدد من جهود من تبقى من النخب الأوروبية المفكرة على قناعاته القديمة بشأن مزاعم حول أن الإخوان جماعة ديمقراطية لا تشكل تهديدًا للولايات المتحدة والمجتمعات الغربية.

ورغم اتجاه بعض الحكومات الأوروبية لتقويض نفوذ التنظيم الدولي للإخوان على أراضيها باعتباره المصدر الأيديولوجي الرئيسي المناهض لقيم الحضارة الحديثة، لا تزال بعض الوكالات الحكومية الأميركية والغربية مُبقية على تعاونها مع الجماعة.

عن "العرب" اللندنية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية