حاتم علي يرحل قبل أن يؤرخ للتغريبة السورية

حاتم علي يرحل قبل أن يؤرخ للتغريبة السورية


30/12/2020

لا يمكن الحديث عن الدراما التلفزيونية السورية المعاصرة من غير ذكر اسم المخرج السوري حاتم علي، الذي يشكل أحد أعمدتها الأساسيين، والتي حُفرت بذاكرة المشاهد السوري والعربي.

مسلسلات اجتماعية مثل؛ "الفصول الأربعة"، و"أحلام كبيرة"، و"عصي الدمع" تناولت المجتمع السوري المعاصر بهمومه وتعقيداته وانكساراته، ويأسه، وصراعاته، كانت بمثابة التوثيق لمرحلة ما زالت تعيشها سوريا تحت سلطة مستبدة وفاسدة.

في المواسم الرمضانية، وعلى مدى عشرين سنة، كان حاتم علي هو الأفضل، ومن الأسماء التي كانت دائماً منتظرة على مستوى العالم العربي

لكنّ حاتم علي لم يكتفِ بتناول وتـأمّل اللحظة المعاصرة؛ بل انفتح على مساءلة التاريخ، وتقاطعاته مع الزمن الحاضر من خلال أعمال تاريخية لن تمحى من ذاكرة المشاهد العربي مثل؛ مسلسل "الزير السالم" و"صقر قريش" و"ربيع قرطبة" و"ملوك الطوائف" و"التغريبة الفلسطينية".

القلب الذي أنتج هذه الإبداعات، وكان عامراً بمشاريع خلاقة أخرى، انطفأ أمس الثلاثاء في القاهرة بشكل صادم ومفاجئ جراء أزمة فتكت بنبضه عن عمر 58 عاماً، قبل أن يؤرخ للتغريبة السورية، ومقتلة الشعب الحزين. 

"خبطة بالرأس"

وصعق الخبر المؤلم عشاق حاتم علي الكثر في العالم العربي، فنعاه الناشطون والبشر العاديون والفنانون؛ حيث قالت الممثلة السورية ناندا محمد لـ "حفريات": عندما تلقيت خبر الوفاة تمنيت أن يكون مجرد إشاعة، وللأسف عندما تأكدت من صحة الخبر شعرت بـ"خبطة بالرأس".

الممثلة السورية ناندا محمد

وتابعت "منذ أسبوع تقريباً، علمت أنّه في القاهرة، وتحدثنا هاتفياً، وكان سعيداً جداً باتصالي به. لقد ظللنا على تواصل رغم كل هذه السنين التي مضت على لقاءاتنا وعملنا معاً في سوريا. كنت أرغب في الحديث معه وللاطمئنان عليه. وفي الأمس غادرنا، قبل أن نلتقي".

اقرأ أيضاً: وفاة حاتم علي.. ماذا تعرف عن المخرج السوري الكبير؟

وأضافت: "تكاد تجربتي في الدراما التلفزيونية تتكثف في علاقتي مع الأستاذ حاتم، وإلى الآن لا أستطيع إن أقول له "حاتم" فقط، من دون أن أسبقها بـ"أستاذ"، لأنّ كل شيء تعلمته في العمل التلفزيوني كان منه، وكل الأدوار الرئيسية التي لعبتها في التلفزيون خلال الـ10 سنوات التي عملت فيها في سوريا من 2000 حتى 2010، وحتى بعد خروجي، كانت أهمها مع الأستاذ حاتم، وتحديداً مسلسل "عصي الدمع"".

اقرأ أيضاً: كيف خدمت السينما أعمال إحسان عبدالقدوس؟

وتتابع الممثلة السورية: "كان بالفعل إنساناً نبيلاً ومخرجاً لا يمكن القول إنه مبدع فقط؛ بل فنان ذكي ومجتهد ومختلف عن السائد. استطاع أن ينجح وأن يصبح رقم واحد في الوطن العربي، وفي نفس الوقت استطاع الحفاظ على خياراته الاستثنائية والتي لا تشبه الخيارات التجارية التي ذهب إليها مخرجون كثيرون عندما باتت أسماؤهم مشهورة".

اقرأ أيضاً: 5 أفلام إيرانية مُنعت من العرض .. تعرف إليها

وأردفت: "مؤلم جداً رحيله، وخاصة في هذا الوقت الذي نعيشه تحت وطأة الحالة السورية الغريبة والقاسية والمؤلمة. من الصعب تقبّل رحيل شخصية استثنائية كشخصية حاتم علي. بالنسبة لي أعتقد أنه من أهم المخرجين السوريين خلال الـ 30 سنة مضت، لقد استطاع بالفعل أن يعمل شيئاً لم يستطع أحد أن يعمله، وأخذ مواقف سياسية بكل هدوء، وكان قادراً على اللعب بذكاء والقفز فوق الخيارات الصعبة، وأن يظل ناجحاً على المستوى الجماهيري، وأن يبقى مطلوباً من قبل القنوات التلفزيونية كاسم أول".

أن يرحل حاتم وحيداً

وأعربت عن ألمها أن يرحل حاتم وحيداً، "إذ تمنيت أن نكون نحن أصدقاءه بجانبه، بما أنه كان في القاهرة. القدر أخذه من دون أن يكون أحد منا بجانبه. أو على الأقل أن يكون بجانب عائلته. وكممثلة سورية، ممتنة جداً لحاتم علي، وكنت قد قلت له هذا الكلام، وهو يعلم ذلك".

اقرأ أيضاً: وفاة المخرج السوري علاء الدين كوكش.. تعرف إلى عراب دراما البئية الشامية

أما المخرج والصحفي في جريدة "عنب بلدي" يامن المغربي فأكد لـ"حفريات" أنّ علي "يكاد يكون أول مخرج يتحول إلى نجم في سوريا، على عكس السائد؛ وهو أنّ الناس تنتظر أعمالاً من بطولة ممثلين "نجوم"، لكن في حالة حاتم علي، كان الجمهور ينتظر أعمالاً موقعة باسمه تحديداً، ومن هذه النقطة نفهم إلى أي مدى كان هذا المخرج مبدعاً ويتحدث بلسان الناس وأوجاعهم في الحياة. قلِّة من المخرجين السوريين استطاعوا أن يكونوا مثله. هو من أسس لفكرة المخرج-النجم في سوريا، على غرار مخرجين كبار وعالميين في الخارج".

المخرج والصحفي بجريدة عنب بلدي يامن المغربي

وعن علاقته مع دراما حاتم علي، ومثل أي مواطن سوري عاصر أعماله، قال "كانت لديه القدرة على صناعة أعمال جميلة ومهمة وتستحق المتابعة، لكن الأهم بالنسبة لي، هو أنني كنت قادراً على رؤية مدينة دمشق عبر أعماله الدرامية المعاصرة التي كان يصورها في دمشق. دمشق ما قبل الثورة والحرب، في صورها المتعددة، ونكتشف في كل مرة أنها ليست تلك المدينة التي نعرفها، ودائماً نرى صورة ثانية لهذه المدينة. واليوم عندما يحنّ أيٌّ منا لهذه المدينة، يشاهد مسلسلاً من إخراج حاتم علي".

اقرأ أيضاً: غوغل يحتفل بميلاد أحمد زكي الـ 71

وتابع يامن: " وكوني درست في معهد السينما في القاهرة، كنت دائماً أتعلم من أعمال حاتم علي، كيف تحكى الحكاية؟ وكيف تتحرك الشخصيات داخل العمل، وكيف تكون الدراما؟ هذا المخرج يعرف ماذا يفعل جيداً، هو شخص مبدع ويعرف كيف يصنع مسلسلات درامية تبقى محفورة بأذهان مشاهديها، وهذه عملية بالغة الصعوبة؛ أن تصنع وتُخرج أعمالاً درامية، وتبقى عالقة في ذاكرة الناس".

كان إنساناً لطيفاً ومحباً وودوداً

وعلى الصعيد الإنساني، يخبر الصحفي السوري: "التقيت بحاتم ثلاث مرات، كان إنساناً لطيفاً ومحباً وودوداً، وفي المرة الأخيرة التي قابلته فيها، كان في بيته في القاهرة، بعد تخرجي من معهد السينما، وكان بالنسبة لي دفعة معنوية كبيرة جداً".

اقرأ أيضاً: وفاة الفنان المصري محمود ياسين.. هذه أبرز محطات مشواره الفني والإنساني

الكاتب والمترجم حسام موصللي أبلغ "حفريات" أنّ من الصعب جداً اختصار المخرج حاتم علي بأي طريقة، موضحاً "لقد قدم حاتم على مدار ثلاثين عاماً منجزاً فنياً درامياً تلفزيونياً سينمائياً بلحظة ما، وقدم مسرحاً أيضاً. وعمل أمام الكاميرا ووراءها. لقد قدم كل شيء بحب وشغف. الملفت دائماً أنّ هذه الصناعة التي هي في تطور دائم، كان حاتم علي مواكباً لكل ما يجري في ردهاتها، وكان دائماً من السبَّاقين".

الكاتب والمترجم حسام الموصللي

وأردف: "في المواسم الرمضانية، وعلى مدى عشرين سنة، كان حاتم علي هو الأفضل، ومن الأسماء التي كانت دائماً منتظرة على مستوى العالم العربي، مع العلم أنّ هناك دائماً منافسة رهيبة، مثلما نعلم جميعنا. لذلك كان من الملفت دائماً أن يكون حاتم علي في أعلى القمة، وفي ظل تواجد منافسين مدعومين مالياً على مستوى عالٍ، وشركات الإنتاج الخاصة والعامة، بالتزامن مع تطور التقنيات نفسها، مثل الكاميرات والبرامج والتصوير وأدوات المونتاج، كل ذلك كان حاتم علي يواكبه؛ أي كان هناك جهد جبَّار يبذله شخص. لكي يأتي في كل عام بعمل درامي جديد، ستُفرّغ له كل وقتك، وسيكون على رأس قائمة أولوياتك كمشاهد".

المخرج دلير يوسف لـ"حفريات": قطعة حلوة من ذاكرتي رحلت، مثل الكثيرين منّا، بعيداً عن وطنها الأم. ولا كلمات ترثي حاتم علي في رحيله  

وتابع موصللي: "كان حاتم علي بالنسبة لنا، أشبه بمفاضلة البكالوريا بلحظة ما؛ أي إنّ عمله الدرامي الجديد هو الخيار الأول في قائمة الأعمال الجديدة، ولاحقاً تشاهد باقي الأعمال المعروضة لغيره".

وأردف: "كوني كاتباً، فكرت في بعض اللحظات بكتابة مسلسل درامي، كان أول مخرج يحضر في ذهني هو حاتم علي؛ أي إنني لو استطعت كتابة مسلسل، سيكون من إخراج حاتم علي لاحقاً. كنت أعتبر أنه في حال حدث ذلك سيكون بالنسبة لي نجاحاً كبيراً؛ لأنه وللأسف لا يوجد على الساحة الفنية والدرامية في العالم العربي شخص بمستوى حاتم علي. هو قامة بحد ذاته، وهو في مكان بعيد جداً عن الموجود حالياً ضمن صنّاع الدراما، هو يملك بالفعل عيناً سحرية، لذلك كان رحيله صدمة وخسارة كبيرتين".

اقرأ أيضاً: لماذا لا تعرض التلفزيونات العربية الأعمال الدرامية الفلسطينية؟

ويرى الكاتب السوري أنه بالنسبة لشباب درسوا في معهد المسرح بسوريا أو درسوا في معاهد سينما في الخارج، كانوا دائماً يعتبرون أن الفرصة الذهبية بالنسبة لهم هو أن يعملوا مع حاتم علي.

ويعلل ذلك بأنّ حاتم علي "كان دائماً هو الأفضل بالنسبة للممثلين والكتاب أيضاً، والنقطة الأخيرة ملفتة للنظر، فحاتم علي كان قادراً على أن يحوّل أي نص مكتوب للأفضل على الشاشة. والشعور الذي ينتابني حالياً- وربما ينتاب جميع من عرفوه وتابعوا أعماله- هو أنه تركنا وحيدين".

اقرأ أيضاً: الإيرانيون يشيعون "أيقونة الموسيقى الفارسية" بالدعاء لموت الديكتاتور

ويختم حسام موصللي حديثه: "كان هناك أمل ما، في حال عادت الدراما التلفزيونية إلى تألقها، أو أن لا تنحدر مثلما انحدرت في المرحلة التي نعيشها للأسف، ستكون بسبب وجود حاتم علي، والآن بعد رحيل حاتم علي، ومن دون مبالغة، الدراما السورية والعربية في حالة يُتم".

الرجل الذي غيّر شكل المسلسلات

وكانت صدمة رحيل حاتم علي كبيرة مفاجئة على المخرج والكاتب دلير يوسف؛ حيث صرّح لـ"حفريات": "صادمٌ ومُفاجئٌ ومؤلمٌ الخبر. الرجل الذي غيّر شكل المسلسلات السوريّة؛ الاجتماعيّة والتاريخيّة. الرجل الذي أثّر في جيل كامل من المخرجين والممثلين والعاملين في حقل الدراما التلفزيونيّة، رحل دون مقدمات. بعيداً عن دمشق، المدينة التي أحبّها وصنع فيها أجمل أعماله".

الكاتب والمخرج السينمائي السوري دلير يوسف

وأضاف: "لا يمكن أن أحكي عنه دون أن أذكر  فيلم (الليل الطويل)، واحد من أفلامي السوريّة المُفضلة، أو أن أذكر (التغريبة الفلسطينيّة) و(ربيع قرطبة) أجمل وأفضل ما أنتجت سوريا تلفزيونياً".

"لا كلمات تسعفني للحديث عن هذا الفقد" يتابع يوسف، فـ "قطعة حلوة من ذاكرتي، وأفترض من ذاكرة كثير من السوريين، رحلت، مثل الكثيرين منّا، بعيداً عن وطنها الأم. ولا كلمات ترثي حاتم علي في رحيله. لا كلمات عزاء. حزنٌ خالص. الثلاثاء يوم حزين لنا ولسوريا".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية