حادث صبراتة يعيد ملف الهجرة غير الشرعية في ليبيا إلى الواجهة... هل من حلول؟

حادث صبراتة يعيد ملف الهجرة غير الشرعية في ليبيا إلى الواجهة... هل من حلول؟

حادث صبراتة يعيد ملف الهجرة غير الشرعية في ليبيا إلى الواجهة... هل من حلول؟


23/10/2022

أعاد حادث مصرع (15) شخصاً على سواحل مدينة صبراتة غربي ليبيا، بعد احتراق مركبهم أثناء محاولة لمغادرة البلاد عن طريق الهجرة غير الشرعية، أعاد الجدل إلى الشارع الليبي حول الأزمة المتفاقمة على مدار العقد الماضي، والتي راح ضحيتها المئات وربما الآلاف من أبناء الشعب الليبي وغيرهم من المهاجرين الذين أتوا من دول شتى، هرباً من تداعيات الحرب والظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، يرغبون في سلك طريق الهجرة عبر ليبيا التي تعاني من حالة انفلات أمني وتوتر سياسي مستمر.

 وكان الهلال الأحمر الليبي بفرع صبراتة قد أعلن في 10 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري انتشال (15) جثة بعضها متفحم لمهاجرين غير شرعيين بعد احتراق قاربهم على شاطئ البحر، وأوضح في بيان له، وفق "إندبندنت عربية"، أنّ فرقه تحركت إلى مكان الحادثة عقب ورود بلاغ من السلطات المحلية بوجود قارب على متنه جثث متفحمة وجثث خارج القارب سليمة، وتمّت عملية انتشال الجثث.

 وقد خلّفت الواقعة حالة من الجدل الكبير والتحذيرات من مغبة استمرار عمليات الاتجار بالبشر والهجرة غير القانونية على الأراضي الليبية، خاصة أنّ السواحل الليبية تشهد يومياً حالات غرق مهاجرين غير شرعيين نتيجة استفحال النشاط من جانب العصابات المختصة بالأمر في عدة مناطق داخل البلاد أكثرها في الغرب الليبي، بحسب المحلل السياسي والعسكري الليبي محمد الترهوني.

 الغرب الليبي يئن جراء نشاط عصابات الاتجار بالبشر

ويقول الترهوني لـ "حفريات": إنّ حادث صبراتة هو ما ظهر على السطح، لكن هناك كوارث عديدة جداً تحدث بشكل شبه يومي تتعلق بالهجرة غير الشرعية نتيجة النشاط المتنامي للعصابات المختصة بهذا المجال خلال الفترة الماضية، باستغلال حالة الفراغ الأمني وعدم الاستقرار السياسي في البلاد، وكذلك التلاعب بالمواطنين في ظل الظروف الاقتصادية المتفاقمة التي تمر بها البلاد، والتي تدفع قطاعاً كبيراً إلى الرغبة في السفر، هرباً من الصراعات والأزمة الاقتصادية.

الترهوني: تنشط العصابات والميليشيات المختصة بتجارة البشر والهجرة غير الشرعية في الغرب الليبي

 وبحسب الترهوني، تنشط العصابات والميليشيات المختصة بتجارة البشر والهجرة غير الشرعية في الغرب الليبي، وتعتبرها مصدراً من أهم مصادر تمويلها، في مناطق الزاوية وصبراتة وزوارة وغيرها، بالاعتماد على حالة الانفلات الأمني الشديد التي يعاني منها الغرب بشكل عام، ممّا يعطي هذه المجموعات فرصة ذهبية لممارسة نشاطها الإجرامي، مشيراً إلى أنّ تقارير حقوقية وأمنية رصدت انتهاكات كبيرة جداً من جانب تلك الميليشيات في ملف الهجرة والاتجار بالبشر.

 ويتفق مع الترهوني، الباحث المتخصص في الشأن الليبي أحمد جمعة، الذي قال لـ "حفريات": إنّ  أزمة الهجرة غير الشرعية استفحلت في الأعوام الأخيرة، لكنّها متواجدة في ليبيا منذ فترة ولم تظهر على السطح وتتزايد إلا بعد أحداث 17 شباط (فبراير) عام 2011، مع ظهور حالة الانفلات المؤسساتي وظهور مناطق في الجنوب رخوة أمنياً، ممّا ساعد العصابات العابرة للحدود لاستغلال ليبيا لنقل أكبر عدد من المهاجرين غير الشرعيين تمهيداً لتهريبهم إلى الأراضي الأوروبية، وهو ما أدى إلى تفاقم ظاهرة المهاجرين إلى سواحل أوروبا خلال العقد الأخير.

الانقسام السياسي يعزز الأزمة

وينوه جمعة إلى أنّ الانقسام السياسي يُعدّ أحد أبرز العوامل التي ساهمت في استفحال ظاهرة الهجرة غير الشرعية، فقد لعبت الميليشيات المسلحة لاستغلال حالة الانقسام السياسي لتعظيم مواردها المالية بتنشيط حركة الهجرة غير الشرعية، ويقول جمعة: إنّ "إقليم فزان (الجنوب الليبي) أحد أبرز المناطق التي تنشط فيها عصابات الهجرة غير الشرعية؛ بسبب تهميش وإهمال مدن الجنوب من الحكومات الليبية المتتالية بعدم توفير العناصر الأمنية والعسكرية الكافية لمجابهة هذه الظاهرة التي تؤثر على أمن واستقرار ليبيا بشكل خاص والدول الأوروبية بشكل عام".

جمعة: مسؤولون ليبيون تورطوا في ظاهرة التهريب سعياً وراء كسب الأموال بشكل سريع، ولاستغلال المهاجرين كورقة لتحقيق مكاسب سياسية وعسكرية، وهو أمر مرفوض ويخالف القوانين والأعراف الدولية

 

وذلك فضلاً عن تورط مسؤولين ليبيين في ظاهرة التهريب سعياً وراء كسب الأموال بشكل سريع، واستغلال بعض الكيانات الليبية للمهاجرين كورقة لتحقيق مكاسب سياسية وعسكرية، وهو أمر مرفوض ويخالف القوانين والأعراف الدولية، بحسب جمعة.

 ومن جانبه، يرى الترهوني أنّ حالة عدم الاستقرار السياسي التي تعاني منها البلاد منذ أعوام دفعت إلى تفاقم العديد من الأزمات الداخلية، وفي مقدمتها زيادة الكوارث المتعلقة بالهجرة غير الشرعية، وتنامي نشاط العصابات في المناطق الرخوة أمنياً، كذلك لم تسمح الانقسامات السياسية بأيّ فرصة لإيجاد حلول لتلك الملفات أمام الحكومات المتعاقبة، وبالعكس فقد ساعدت بعض الحكومات التي كانت تتعاون مع الميليشيات في السابق على زيادة حجم الظاهرة بشكل كارثي، وسمحت للميليشيات في الغرب بممارسة هذا النشاط الإجرامي دون محاسبة.

 ما الذي ينبغي فعله؟

يقول جمعة: إنّ الضحايا الذين يلقون حتفهم في البحر المتوسط هم ضحية لظروف معيشية قاسية في بلدانهم، سواء بسبب الفقر أو الحروب الأهلية أو الإرهاب، وهو ما يتطلب تدخلاً عاجلاً من الدول الأوروبية التي تُعدّ المتضرر الحقيقي من أزمة الهجرة غير الشرعية، وذلك بتقديم كافة سبل الدعم للدول المصدرة للمهاجرين، وتنمية هذه الدول وحلّ الصراعات والنزاعات، وهذا ما يطلق عليه بـ "تجفيف الظاهرة من المنبع".

أحمد جمعة: الانقسام السياسي يُعدّ أحد أبرز العوامل التي ساهمت في استفحال ظاهرة الهجرة غير الشرعية

 وينوه جمعة إلى ضرورة إبرام تعاون وشراكة مع الدول المصدرة للمهاجرين بتقديم منح لتدريب عناصر أمنية وعسكرية قادرة على ملاحقة عصابات الهجرة غير الشرعية، فضلاً عن أهمية تقديم الدعم الفني واللوجيستي الكامل للدولة الليبية لمراقبة الحدود الليبية خاصة في جنوب البلاد، ودعم دول جوار ليبيا كي تكون قادرة على تأمين الحدود المشتركة بين ليبيا وهذه الدول التي تشكو من استنزاف قدراتها في تأمين الحدود وملاحقة عصابات الهجرة غير الشرعية، وتتمثل النقطة الأهم في هيكلة الأجهزة الأمنية والعسكرية بليبيا، وتوفير دورات تدريبية لهم تركز على مكافحة ظاهرة الهجرة غير الشرعية وسبل احترام حقوق المهاجرين وعدم التنكيل بهم، وتحييدهم عن معادلة الصراع العسكري في ليبيا.

 كما يجب إبرام اتفاقات مع الدول المصدرة لهؤلاء المهاجرين لاستعادة مواطنيهم، وتوفير سبل العيش الكريم لهم بالتعاون مع الدول الغربية، وتُعدّ هذه أولى الخطوات الرئيسية الفاعلة لمكافحة هذه الظاهرة المستفحلة، والتي باتت أحد أخطر الظواهر التي تؤثر على أمن واستقرار الدول، بحسب جمعة.

 من جانبه، يشدد المحلل السياسي الليبي محمد الترهوني على أهمية المواجهة الأمنية ودعم قوات الجيش الوطني في إطار مواجهة الأزمة، والاستمرار في جهود الحل السياسي والعسكري في ليبيا من أجل القضاء على سطوة الميليشيات، واستعادة المناطق التي تسيطر عليها، والبحث عن حلول جادة فيما يتعلق بالأزمة الاقتصادية والأزمات السياسية والاجتماعية الأخرى التي تغرق بها البلاد.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية