حركة الجهاد الإسلامي: استنزاف إسرائيل أم قطاع غزة؟

حركة الجهاد الإسلامي: استنزاف إسرائيل أم قطاع غزة؟

حركة الجهاد الإسلامي: استنزاف إسرائيل أم قطاع غزة؟


07/06/2023

مقولة "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة" التي كثيراً ما وُظفت لغايات لا تخدم المعركة عن قصد أو دون، تجد مماثلاً لها في الحالة الفلسطينية وهي "لا صوت يعلو فوق صوت المقاومة"، والتي لا تخلو من اتّهامات بالتخوين والعمالة وبيع القضية لكل طرف يتساءل عن جدوى هذا الشكل أو غيره من المقاومة.

تمثّل حالة حركة الجهاد الإسلامي نموذجاً جديراً بالنظر، خصوصاً في قطاع غزة؛ إذ تسير الحركة عكس التيار السائد لدى القوى الفاعلة في القضية الفلسطينية محلياً (السلطة الفلسطينية وحركة حماس). في القطاع هناك تفاهم غير معلن بين سلطة الأمر الواقع؛ حركة حماس، والحكومة الإسرائيلية بقيادة نتنياهو. صمد هذا التفاهم في الوقت الذي باتت حركة الجهاد تتصدر مقاومة "الرشقات الصاروخية" إن جاز وصفها بذلك، والتي على ما يبدو فقدت فاعليتها التي تحققت في الجولة الحاسمة بين المقاومة بقيادة حماس وإسرائيل إبان أحداث حي الشيخ جراح في القدس.

في المقابل، نحت حماس إلى تهدئة طويلة الأمد تهدف إلى تثبيت سلطتها في القطاع، ليس كحركة مقاومة فقط بل كسلطة أمر واقع مسؤولة عن الأوضاع المعيشية لأكثر من مليوني مواطن، ولهذا لم تساند حركة الجهاد في جولتين متتاليتين من التصعيد مع إسرائيل، وإن كان البعض يرى دور للحركة بشكل غير علني.

 فأي سبيل أمام الجهاد وغيرها لسلوكه في سبيل الحقّ الفلسطيني؟

خاضت حركة الجهاد الإسلامي جولتين من التصعيد ضد إسرائيل في قطاع غزة دون مشاركة حركة حماس، الأولى في آب (أغسطس) 2022، والثانية في أيار (مايو) 2023.

في الجولتين قصفت الحركة بمئات الصواريخ محلية الصنع مستوطنات غلاف غزة ومدناً إسرائيلية، وتمكنت من الوصول إلى العاصمة تل أبيب، وردت إسرائيل بقصف واسع لأهداف تابعة لحركة الجهاد. في الجولة الأولى (الفجر الصادق/ وحدة الساحات) كانت خسائر القطاع مقتل 48 فلسطينياً بينهم 16 طفلاً و4 سيدات، وإصابة 360 آخرين. من القتلى قائدان في الحركة؛ قائد منطقة غزة وشمال القطاع في الجناح العسكري للحركة (سرايا القدس) تيسير الجعبري، وعضو المجلس العسكري وقائد المنطقة الجنوبية خالد منصور، فضلاً عن مقاتلين من الحركة.

ماجد كيالي: الجهاد تتميز عن حماس بالارتباط بأجندة إيران وحزب الله

وفي الجولة الثانية (عملية السهم والدرع / ثأر الأحرار) قُتل 24 مدنياً وجرح 89 آخرين، بالإضافة إلى مقتل ستة من القادة في الحركة، من بينهم قائد ونائب قائد وحدة الصواريخ ومسؤول العمليات وآخرون، ولقي اسرائيلي مصرعه نتيجة سقوط صاروخ على منزل في جنوب مدينة تل أبيب.

يقارن متابعون بين حجم هذه الخسائر وما تحقق لصالح القضية، ويرون أنّ حركة الجهاد تستنزف طاقتها وقدراتها دون تحقيق تقدم ملموس، سواء لسكان قطاع غزة أو للقضية، بينما يرى آخرون أنّ الحركة حققت الكثير، وخصوصاً في ربط المقاومة في الضفة الغربية بقطاع غزة.

مشكلة الحركة الوطنية الفلسطينية أنها لا تدرك إمكانياتها ولا العالم المحيط بها، وتخوض كفاحها بالوسائل العسكرية أو بالمفاوضات، من دون إستراتيجية واضحة

بسؤاله حول قدرة الجهاد على الدخول في جولات جديدة منفردة ضد إسرائيل، أجاب الكاتب والباحث الفلسطيني ماجد كيالي لـ"حفريات" بالنفي، مبيناً بأنّ قدرات الحركة محدودة مقارنةً بحركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة. وأوضح أنّ الجهاد تتميز عن حماس بالارتباط بأجندة إيران وحزب الله.

بدوره، يرى المحلل السياسي الفلسطيني عبد المُهدي مطاوع بأنّ هناك تفوقاً عسكرياً في أي مواجهة بسبب الفارق في القدرات العسكرية، ولذلك بمفاهيم المكاسب والخسائر دائماً الخسائر الفلسطينية أضخم وأكبر أثراً من أي خسارة اسرائيلية. وأفاد لـ"حفريات" بأنّ الفارق الوحيد يتمثل في أنّ الجغرافيا في إسرائيل لا تتحمل معارك طويلة، خصوصاً الصواريخ؛ لأنها تعطل الحياة بشكل كامل وتسبب اضطراباً، وقعه أشد على سكان الحزام المجاور لغزة.

ويتساءل مطاوع بالقول إذا تابعنا كل المرات التي أطلقت فيها الصواريخ، مهما كان عددها وحجمها، نجد أنّ الخسائر البشرية الإسرائيلية تقريباً صفر مقارنةً بالفلسطينيين، وهذا يعيدنا إلى التساؤل المهم، هل هناك جدوى من الصواريخ؟

كشف حساب المقاومة

الكاتب ماجد كيالي صاحب مشروع في نقد تجربة التحرر الوطنية الفلسطينية، وفي مقال متصل في مجلة "المجلة"، كتب "لم يترك الفلسطينيون طريقة لمصارعة إسرائيل إلا وجرّبوها، منذ إقامتها قبل 75 عاماً، في سعيهم العنيد لانتزاع حقوقهم العادلة والمشروعة، من العمليات الفدائية، إلى الانتفاضات الشعبية، وصولاً إلى الحروب الصاروخية، مروراً بالعمليات التفجيرية، وخطف الطائرات، إلى جانب السير في طرق الدبلوماسية والمفاوضات والاتفاقيات وتقديم التنازلات. لكنهم في كل ذلك، ومع التقدير لتضحياتهم وبطولاتهم، لم ينجحوا، بل وظلّوا خاسرين".

يرى كيالي أنّ مشكلة الحركة الوطنية الفلسطينية أنها "لا تدرك إمكانياتها، ولا العالم المحيط بها، وتبالغ في قدراتها، وأنها تخوض كفاحها بالوسائل العسكرية أو بالمفاوضات، منذ ستة عقود تقريباً، من دون أي إستراتيجية عسكرية واضحة وممكنة، ومستدامة، ويمكن استثمارها".

ثلاثة من قادة الجهاد اغتالتهم إسرائيل الشهر الماضي

كانت آخر مواجهة واسعة بقيادة حركة حماس والفصائل ضد إسرائيل (حارس الأسوار/ سيف القدس) في أيار (مايو) 2021، وانتهت بوساطة مصرية. وعلى الرغم من أنّ الهدف المعلن لابتداء المقاومة بقصف إسرائيل كان الرد على أحداث الشيخ جراح والمسجد الأقصى إلا أنّ هذه الممارسات الإسرائيلية لم تتوقف حتى اليوم، وكان آخرها عقد اجتماع الحكومة الإسرائيلية في نفق تحت المسجد، والتوسع في خطط التهويد، فضلاً اقتحام وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير للمسجد ومسيرات الأعلام.

المحلل السياسي الفلسطيني عبد المُهدي مطاوع لـ"حفريات": إسرائيل استفادت من صواريخ حركة الجهاد لاستكمال مشروعها الاستيطاني والهروب من عملية السلام والمفاوضات

تقدم التعليقات على اقتحام بن غفير للمسجد رؤيةً للتعاطي المخل مع القضية الفلسطينية، حيث اعتبر المؤيدون بأنّ نشر آلاف من أفراد الشرطة لحماية بن غفير بمثابة سلوك ينمّ عن الجبن والخوف. لكن من جانب آخر يمكن رؤية ما حدث بأنّ بن غفير اقتحم المسجد دون قدرة المقاومة على الرد كما توعدت.

وميدانياً ما تزال الاقتحامات الإسرائيلية مستمرة في مدن ومخيمات الضفة الغربية، متسببة في وقوع عشرات القتلى والجرحى. بلغ عدد القتلى الفلسطينيين 86 قتيلاً، و14 قتيلاً إسرائيلياً من بينهم سائحة أوكرانية، في الأشهر الثلاثة الأولى من العام 2023.

تجربة حماس

بالعودة إلى تجربة حركة الجهاد، يشبه المحلل السياسي عبد المُهدي مطاوع واقع جولات التصعيد التي تقودها الحركة في ظل غياب حماس كسلطة أمر واقع، بما فعلته حماس إبان وجود السلطة الفلسطينية في قطاع غزة.

يقول مطاوع بأنّ حماس ترغب بالتهدئة لارتباط ذلك بمصالحها، وخشية من عدوان يفقدها الكثير بعد تجربة 2021 والتي كانت مؤلمة جداً وخسائرها كبيرة على كل المستويات. وحول المتوقع من حماس تجاه الجهاد، قال بأنّ محاولة إيقاف الجهاد بالقوة سيتسبب بخسارة حماس شعبياً، وكذلك يدخلها في صدام مع إيران التي تعتبر الداعم العسكري الأساسي لحماس والجهاد الإسلامي معاً.

وحول جدوى خيار المقاومة من غزة بإطلاق الصواريخ، يرى مطاوع أنّه منذ بداية الانتفاضة الثانية كان هناك تضخيم كبير في جدوى هذه الصواريخ؛ لأنّ إسرائيل تستفيد منها سياسياً بشكل كبير. وذكر أنّ إسرائيل استفادت من تلك العمليات في إضعاف السلطة وتدميرها، واستكمال مشروعها الاستيطاني، والهروب من عملية السلام والمفاوضات، لذلك كانت الدعوة مبكرة من الرئيس أبو مازن بوقف هذه الصواريخ.

عبد المُهدي مطاوع: الخسائر البشرية الإسرائيلية تقريباً صفر مقارنةً بالفلسطينيين

ولفت مطاوع إلى أنّ حماس خوّنت أبو مازن بسبب دعواته هذه، واحتاجت أن تجرب على مدار أعوام طويلة في الشعب الفلسطيني لتكتشف مؤخراً صحة كلامه، وتلتزم عندما أصبحت لديها مسؤوليات الحكم في غزة، ولكن كانت إسرائيل المستفيد الأكبر بالتخلص من المفاوضات واستكمال مشروع الاستيطان.

ويشدد المحلل السياسي الفلسطيني على ضرورة اتفاق الفصائل على نهج للمقاومة، ووسيلة لا تعطي إسرائيل تفوقاً ولا مبرراً للهروب من الالتزامات والاتفاقيات.

من جانب آخر، هناك سؤال يغيب عن الطرح حول الأضرار التي تلحقها صواريخ المقاومة التي تسقط داخل قطاع غزة، والحق في الاستئثار بقرار المواجهة مع إسرائيل دون وجود هيئات ممثلة للمواطنين الذين يدفعون ثمن المواجهات. ولا ينفصل ذلك عن واقع تحمل إسرائيل مسؤولية التخلي عن الالتزامات تجاه السلطة الفلسطينية، والعمل على إضعافها وإفقادها مشروعيتها، وهو الأمر الذي كان محط انتقاد من مراقبين إسرائيليين، فضلاً عن تنامي اليمين المتشدد في إسرائيل، وتزايد عنف المستوطنين الذي يؤججه تولي بن غفير لوزارة الأمن القومي.

ويُذكر أنّ عدد المستوطنين في الأراضي الفلسطينية (الضفة الغربية‘ قطاع غزة، والقدس الشرقية) لم يتخطَ 20 ألف مستوطن حتى عام 1977. بينما وفق إحصاءات 2021، يعيش 451 ألف إسرائيلي في المستوطنات في الضفة الغربية، يشكلون 14% من مجمل السكان فيها، ويسكنون في 132 مستوطنة قانونية، و141 مستوطنة غير قانونية، ومنحت الحكومات الإسرائيلية الصفة القانونية لـ 21 من المستوطنات غير الشرعية، وتعمل على شرعنة 11 آخرين. وفي القدس الشرقية يعيش 558 ألف مستوطن في أحياء سكنية ومستوطنات داخل الأحياء الفلسطينية، وذلك وفق إحصاء منظمة "peacenow".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية