"حزب الله" أقنع باريس بخطورته فعادت الرياض إلى الواجهة اللبنانية

"حزب الله" أقنع باريس بخطورته فعادت الرياض إلى الواجهة اللبنانية


12/12/2021

فارس خشان

منذ انتهاء زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لمدينة جدّة، وضع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الملف اللبناني في جدول اهتماماته، انطلاقاً من الثوابت التي تضمّنها "إعلان جدّة".

قبل ذلك، كانت الرياض، وكلّما هبّت عليها الرياح من لبنان، عمدت  إلى إقفال  الأبواب  في وجهها، رافضة كل نقاش في مواضيعه، على اعتبار أنّ "الوسطاء" يريدون منها أن تتراجع عن "سياسة الإهمال"، على قاعدة "وجوب نجدة لبنان"، من دون إجراء أيّ مراجعة للواقع المأزوم الذي يعاني منه.

قبل "إعلان جدّة" كان المسؤولون السعوديون يقولون لكل من يراجعهم: لبنان، بمواصفاته الراهنة لا يعنينا، وعندنا ما يكفي من وسائل لنحمي بلادنا من الأضرار التي يحاول أن يلحقها بأمننا الوطني والاستراتيجي والاجتماعي.

في مكان ما كانت القيادة السعودية على قناعة بأنّ فرنسا التي سلّم لها المجتمع الدولي برعاية الشأن اللبناني، قد عقدت صفقة مع ايران، لتحافظ على مصالحها فيه، وتالياً كانت ترفض أن تتجاوب مع أيّ مسعى يصب في خانة تقوية الدور الفرنسي في لبنان.

باريس التي طالما نفت أن تكون قد "سلّمت" لبنان الى إيران،  أصرّت على أنّ سلوكها الذي يثير "النقمة" لا يهدف في الواقع سوى الى طمأنة "حزب الله"، بضمانة إيرانية، من أجل إزالة العوائق أمام مبادرة الانقاذ التي يحتاج إليها لبنان، وتالياً يمنع انهيار لبنان كلّياً ويحول دون "تمويت" شعبه وتهجيره وتحويله الى رقعه جغرافية يعيش فيها فقراء يحكمهم متطرّفون.

وبقيت باريس مصرّة على هذا النهج، إلى أن أقنعها "حزب الله" نفسه بأنّها "موهومة"،اذ اكتشفت أنّ  "مسايرتها" له، زادته "تصلّفاً" وأقنعته بأنّ "التعطيل" هو سبيله لفرض هيمنته الكاملة على كل أوجه الحياة اللبنانية.

وقد طفح الكيل الباريسي، بعدما خيّر "حزب الله" الحكومة اللبنانية التي تشكلت بموجب "تفاهم فرنسي-ايراني"، بين "الغيبوبة" و"قبع" المحقق العدلي في ملف انفجار مرفأ بيروت طارق البيطار.

ووصلت الأمور إلى مستويات غير مقبولة على الإطلاق، يوم وضعت المخابرات الفرنسية الخارجية، تقريراً مفصّلاً عن حقيقة الأحداث الدموية التي شهدتها منطقة الطيونة، حيث تبيّن، وفق التقرير، أنّ "حزب الله" يريد، بالترهيب، أن يأخذ ما يعجز عنه بالإقناع.

وعندما وقف "حزب الله" داعماً استمرارية وزير الاعلام جورج قرداحي في منصبه، على الرغم من مطالبة غالبية اللبنانيين باستقالته، بعد تصريحاته التي أدّت الى اتخاذ الرياض قراراً غير مسبوق بقطع العلاقات الدبلوماسية مع لبنان، وجدت باريس نفسها في وضوح غير مسبوق: إنّ إنقاذ لبنان مستحيل إذا لم يتم تغيير المعادلات التي تتحكّم به، فسلاح "حزب الله" وأدواره الترهيبية في الداخل والإرهابية في الخارج كفيلة بأن تحبط كلّ الخطط، وتجهض كلّ المبادرات، وتعيق كلّ الدراسات.

وهنا التقى تشخيص باريس، للمرّة الاولى، منذ مبادرة ماكرون على إثر انفجار مرفأ بيروت، مع تشخيص الرياض.

الاتفاق الذي توصّلت إليه  العاصمتان الأوروبية والعربية، سمح بإخراج المملكة العربية السعودية من "سياسة الإهمال"، فوافقت على وجوب دعم الشعب اللبناني، من خارج أطار المؤسسات، وفق القواعد التي كرّسها المؤتمران الدوليان اللذان نظمتهما فرنسا لدعم الشعب اللبناني، كما ارتضت أن تدرس مطلب ضرورة توفير الحدّ الادنى من الدعم المعيشي للمؤسسات العسكرية والأمنية اللبنانية، وفتح قنوات "حذرة جدّاً"مع الشخصيات السياسية التي تقول إنّها تعمل لمصلحة التغيير.

في المقابل، فإنّ باريس وافقت الرياض على أنّ إنقاذ لبنان يحتاج الى دفعه ليلتزم، ليس فقط بالقرارات الدولية التي تطالب بنزع سلاح "حزب الله" ووقف انتقال السلاح وتهريب المخدرات ورسم الحدود الدولية بين لبنان وسوريا، بل أن يحترم لبنان التعهّدات التي قطعها بنفسه للمجتمع الدولة، ومن بينها النأي بالنفس عن حروب المنطقة وصراعات محاورها، أيضاً.

وعندما توصّل الرئيس ماكرون والأمير  محمد بن سلمان إلى هذا التفاهم الذي تجلّى في "إعلان جدة"، عادت السعودية، بقوة الى الموضوع اللبناني، ليس على قاعدة "توزيع الهدايا" بل على قاعدة "توضيح الأهداف".

وعليه لم يغب الموضوع اللبناني عن جولة ولي العهد السعودي على دول مجلس التعاون الخليجي، اذ كان للبنان، في كل بيان مشترك يصدر في ختام كل زيارة، حصّة.

وكان بارزاً، في هذا السياق، ما ورد في البيان السعودي-البحريني المشترك، حيث جرى التأكيد على رفض أن يكون لبنان "حاضنة للتنظيمات والجماعات الارهابية التي تستهدف أمن واستقرار المنطقة كحزب الله الارهابي".

ولم يسبق أن وصل الخطاب الخليجي إلى هذا المستوى التصعيدي، إذ إنّ التعاطي مع لبنان على قاعدة أّنه "حاضنة لتنظيم إرهابي"، خطر للغاية، لأنّ الحاضنة، كما دلّت السياسات العالمية، تدفع غالياً ثمن "المحضون"، من دون أن يعير "موجّه التهمة" أيّ اهتمام لعجز "الحاضنة" عن التخلّص من "المحضون".

والدول التي سبق أن جرى اعتبارها حاضنة لتنظيمات إرهابية، دفعت أثماناً غالية، جرّاء ذلك، سواء عسكرياً، كما هي عليه أفغانستان مع "تنظيم القاعدة"،  أو اقتصادياً ومالياً وسياسياً كما كانت عليه حال السودان مع "الجنجويد".

إنّ عودة السعودية الى الاهتمام بالملف اللبناني، بعد تفاهم عربي ودولي ضمّ أخيراً فرنسا، لا يشبه ما كان يأمل به البعض، اذ كانت الآمال تنصب على توفير دعم مالي واقتصادي واستثماري، فإذا بالوقائع تظهر أنّ هذا الإهتمام سيادي بامتياز، فإذا نجح فتح الابواب المغلقة، ولكن إن لم ينجح فهو سيؤدّي الى استبدال جدران اسمنتية بالأبواب  .

عن "النهار" العربي



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية