"حزب الله" يرفض المبادرة الخليجيّة... والمواجهة إيرانيّة!

"حزب الله" يرفض المبادرة الخليجيّة... والمواجهة إيرانيّة!


29/01/2022

إبراهيم حيدر

لا أحد يتوقع أن يتجاوب "حزب الله" مع المبادرة الخليجية ويفتح طريقاً للحوار حول بنودها. الورقة الخليجية التي حملتها المبادرة بإخراج كويتي لا تتضمن أي وجهة للتفاوض أصلاً مع "حزب الله"، بل هي قرار بمواجهته ومحاصرته، ومحاولة لقطع شرايين تدخله في المنطقة. فالدول الخليجية وضعت شروطاً لمساعدة لبنان، لا بل هي بمثابة إنذار له يشير إلى أن الحل لأزمات البلد لا بد أن يمر عبر الورقة وبنودها، خصوصاً وقف تمدد "الحزب" والهيمنة الإيرانية على القرار اللبناني.

لبنان الرسمي أعدّ ورقته للردّ على المبادرة الخليجية، من دون أن يتمكن من الإجابة عن الإشكالية الرئيسية المتمثلة بوضع "حزب الله"، وهو أمر متوقع في ضوء الانقسام اللبناني الداخلي، إضافة إلى بنود يعتبرها البعض مستحيلة التنفيذ، كالقرار 1559، وإن كان لبنان يؤكد التزامه بالقرارات الدولية ويتعهد إجراء الانتخابات النيابية وتطبيق اتفاق الطائف.

 والأبرز في الرد اللبناني أنه ينطلق من البيان الوزاري لحكومة نجيب ميقاتي، ومن خلاله تأكيد أن "حزب الله" مكوّن لبناني وينخرط في المؤسسات الدستورية اللبنانية، من دون التطرق إلى سلاحه، إلى تأكيد بسط سلطة القوات الشرعية اللبنانية على كامل أراضيه.

تشير الوقائع ومعها موازين القوى في لبنان، إلى أن الرد الرسمي لن يخرج عن هذه العناوين، وبالتالي إبلاغ الكويت صاحبة المبادرة الاستعداد للتعاون في كل ما حملته ورقتها ببنودها باستثناء ما يتعلق بسلاح "حزب الله". وهنا تكمن المعضلة الأساسية، علماً أن المبادرة الخليجية نفسها ليست معزولة عن الحراك الإقليمي والدولي وتطوراته، ولا تأتي من فراغ، لذلك لا بد من النظر إلى أن الوضع اللبناني يرتبط أيضاً بما يجري في مفاوضات فيينا النووية وانعكاساتها على توزيع النفوذ في المنطقة، إذا تخطى المفاوضون الملف النووي ووقعوا اتفاقاً حوله.

حتى الآن لا شيء يدل الى أن الأزمة اللبنانية – الخليجية في طريقها إلى الحل. الأمر مرتبط بموقع "حزب الله" وبدوره في المعادلة داخلياً وإقليمياً.

فالموقف الخليجي الذي شدد خلال اجتماع مجلس التعاون الأخير، وقبل ذلك في القمة السعودية – الفرنسية على ضرورة بسط سلطة الشرعية اللبنانية على كامل الأراضي اللبنانية ونزع سلاح الميليشيات، وسلط الضوء على ما يفعله "حزب الله" بتدخلاته في المنطقة من سوريا إلى اليمن، يكرّس سقفاً لا يبدو أن هناك وجهة للتراجع عنه أو خفض توقعاته، في وقت يتوقع أن يُصعد "حزب الله" من موقفه وإعلان رفضه للمبادرة ارتباطاً بالمرجعية الإيرانية، وحفاظاً على ما يعتبره مكتسبات حققها في وجه الأميركيين في المنطقة كلها. وبالتالي الأزمة اللبنانية مرشحة إلى مزيد من التفاقم في المرحلة المقبلة، أو إطالتها على الأقل في انتظار تطورات إقليمية دولية مغايرة، واتفاقات تفتح طريق حل المعضلات القائمة، وصولاً إلى نظام جديد أو تركيبة بصيغة مختلفة عن الحالية وفقاً للتوازنات القائمة. وإلى الآن هناك فقط السقف الخليجي الذي تحدد للحل اللبناني، وهو مسار يبدو أساسياً للخروج بتسوية انطلاقاً من شروط المبادرة.

الواضح أن الورقة الخليجية حاصرت "حزب الله" وباتت المنافذ الدولية والإقليمية مغلقة أمامه، من دون أن يعني ذلك أن هذا الحزب لن يستخدم أوراقه في التصعيد وعدم التراجع، ما دام الحل اللبناني لا يزال بعيداً، علماً أن أي تصعيد لا يمكن أن يكون بمعزل عن حسابات إيران التي تستثمر في المنطقة عبر حلفائها وأذرعها، فإذا قررت تحريكها للضغط كجزء من المواجهة لتحسين شروط التفاوض، قد نشهد مواقف متشددة للحزب في المرحلة المقبلة.

كشفت المبادرة الخليجية أيضاً عناصر الضعف التي يعانيها لبنان، فهي تقول للمجتمع الدولي إنها قدمت كل ما عندها لمساعدته، خصوصاً أن ما تتضمنه أيضاً هو جزء من شروط المجتمع الدولي، فإذا لم تتمكن الحكومة اللبنانية من الالتزام بالكامل ببنود الورقة، خصوصاً في إلزام "حزب الله" عدم التدخل في دول المنطقة ووقف عمليات التهريب، فإنها تثبت للعالم أن الدولة اللبنانية غير قادرة على الاستجابة للمبادرات، الأمر الذي يحجب المساعدات لا بل اتخاذ المزيد من الإجراءات، ويؤدي ذلك إلى عدم قدرة لبنان على الخروج من أزماته، لا بل إطالة أمدها مع الانهيار.

تدل الوقائع على أن "حزب الله" يرفض المبادرة الخليجية تماماً، وإن كان لم يعلن موقفاً مباشراً حتى الآن، ولا يمكن فصل موقفه عن التصعيد الذي يحدث في المنطقة، خصوصاً في اليمن. لكنه يكرّس أمر واقع باستتباع لبنان لإيران. نتذكر مثلاً السقف المرتفع لموقف الأمين العام للحزب حسن نصر الله ضد المملكة العربية السعودية قبل استقالة وزير الإعلام السابق جورج قرداحي، ومواقفه في ذكرى اغتيال قاسم سليماني عندما تخطى السقف الذي تعلنه إيران رسمياً. لن يعلن الحزب موقفاً إذا كانت التطورات لا تستدعي إطلاق مواقف إيرانية من ساحة لبنان لها معنىً واستهدافات عدة، فالحزب هو الذراع الأقوى لإيران في المنطقة، ويتولى تنفيذ مهمات لا تقوى عليها قوى أخرى، حتى في العراق، من حيث التأثير والخبرة والتمرس في القتال. وهو عند كل منعطف كبير يقيس حساباته وفق التطورات الإقليمية وليس من حسابات المصلحة اللبنانية. وإذا قرر التصعيد ورفع السقف في وجه المبادرة قد يأخذ لبنان إلى نقطة لا رجعة فيها، في ظل ما يعانيه من انهيار وإفلاس.

عن "النهار" العربي


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية