حكاية "عدن والاغتيالات".. لماذا يعادي الإخوان الإمارات؟

حكاية "عدن والاغتيالات".. لماذا يعادي الإخوان الإمارات؟


16/06/2022

لم تكن الاغتيالات أمراً جديداً، ولا مسلكاً غريباً، ولا منهجاً حديثاً، فالتاريخ السياسي الإسلامي والعالمي عموماً، وتاريخ جماعات الإسلام السياسي خصوصاً، مليءٌ بالاغتيالات والتصفيات لكلّ المخالفين، ولا سيّما مُناوئي السياسة، وخصوم الجماعات المتشددة.

وفي غير العالم الإسلامي كذلك كانت الاغتيالات وسيلة للتخلص من الخصوم والمخالفين؛ ومن أشهر الاغتيالات في العصر الحالي اغتيال الرئيس الأمريكي جون كينيدي.

ومع انتشار الاغتيالات هنا وهناك، فإنّ جماعة "الإخوان المسلمين" وما تفرخ منها وعنها من تنظيمات وجماعات، تفردت وتميزت وتقدمت تقدماً نوعياً في حرفية الاغتيالات؛ فقد بدأت جماعة "الإخوان المسلمين" منذ الوهلة الأولى باغتيال كلّ من يقف ضدها أو يخالفها، أو حتى ينشق عنها، ومن ذلك اغتيال أحمد الخازندار، وأحمد ماهر باشا، ومحمود فهمي النقراشي، والإمام حميد الدين في اليمن، تم اغتياله بإشراف مباشر من حسن البنا عن طريق صهره عبد الحكيم عابدين، والورتلاني[1].

ولهذا ‏قال القرضاوي معلقاً على اغتيال النقراشي: "وقابل عامة الإخوان اغتيال النقراشي بفرحة مشوبة بالحذر، فقد ردّ عبد المجيد حسن لهم كرامتهم، وأثبت أنّ لحمهم مسموم لا يؤكل، وأنّ من اعتدى عليهم لا بدّ أن يأخذ جزاءه!"[2].

بدأت جماعة "الإخوان المسلمين" منذ الوهلة الأولى باغتيال كلّ من يقف ضدها أو يخالفها

وقد استخدم الإخوان المسلمون أبشع الطُرق في التخلص من خصومهم، لنشر الإرهاب وتخويف بقية الخصوم والمخالفين، فيعلق العضو السابق في تنظيم "الإخوان المسلمين" محمود عبد الحليم على تنفيذ رئيس التنظيم الخاص عبد الرحمن السندي، لعملية اغتيال السيد فايز، قائلاً: "إنّه تخلص منه بأسلوب فقد فيه دينه وإنسانيته ورجولته وعقله، فقد انتهز فرصة حلول المولد النبوي الشريف، وأرسل إليه، بوساطة أحد عملائه هدية إلى منزله؛ علبة مغلقة، ولم يكن الأخ السيد فايز في ذلك الوقت موجوداً في المنزل، فلما حضر وفتح العلبة انفجرت به وقتلته، وقتلت معه شقيقاً له، وجرحت بقية أفراد الأسرة، وهدمت جانباً من جدار الحجرة"[3].

اغتال الإخوان المسلمون من القيادات اليمنية الجنوبية بالمئات بحجة أنّهم شيوعيون كفرة!

ولم يكن "إخوان" اليمن إلا جزءاً من هذا المنهج والمسلك الإخواني العالمي، فقد استخدم "إخوان" اليمن أسلوب الاغتيالات منذُ البداية، إلا أنّ هذه الاغتيالات، في العام 1990 وبعد الوحدة اليمنية، برزت بشكلٍ كبير، فقد اغتال الإخوان المسلمون من القيادات الجنوبية بالمئات، بحجة أنّهم شيوعيون كفرة!

وقد نفذ معظم هذه الاغتيالات في اليمن الجناح العسكري "للإخوان" (تنظيم القاعدة)، كما صرّح بذلك القيادي والأمير السابق في التنظيم طارق الفضلي[4].

 عدن والاغتيالات

في العام 2015، وبعد تحرير عدن من ميليشيا الحوثي، ظهر الإرهاب في عدن بشكلٍ فجّ ومرعب، وكانت راياتهم السود ترفرف في بعض أحياء عدن، في حين كان أهالي عدن في توجس وخوف من سيطرة "تنظيم القاعدة" أو "تنظيم داعش" على مدينة عدن، كما حصل في المكلا.

وفي الحقيقة استغلت هذه التنظيمات الإرهابية والجماعات المُتطرفة انشغال قوات التحالف العربي وقوات المقاومة الجنوبية في قتال ميليشيا الحوثي، بل كان الإرهابيون يُصرّحون بأنّهم سيقاتلون المُنتصر! وقد سمعت هذا بنفسي من بعضهم في عدن، وتحدث بذلك هاني بن بريك في مؤتمر صحافي سابق[5].

وبعد إقالة محافظ عدن الإخواني نايف البكري نَشِط الإرهاب[6]، وبدأت العمليات الإرهابية تتصاعد بشكل مُروع، حتى وصلت في بعض الأيام إلى أكثر من (5) عمليات، ما بين اغتيال وتفجير واشتباكات مباشرة مع عناصر "القاعدة" و"داعش".

وقد كان المُستهدَف الأوّل من هذه العمليات الإرهابية قوات التحالف، وخصوصاً الإماراتية[7]، وكذلك القيادات العسكرية والسياسية للمقاومة الجنوبية، وبعض القضاة، والصحافيين، وبعض مشايخ الدين الذين برزوا بالوسطية والدعوة إلى السّلام، والذين كان لهم دور في التصدي للفكر المتطرف والإرهابي.

لم يكن "إخوان" اليمن إلا جزءاً من هذا المنهج والمسلك الإخواني العالمي

ويمكن هُنا تلخيص أنواع الاغتيالات التي حصلت في عدن من (2016  حتى 2022):

1ـ الانتحاريون: وهذا الأسلوب والنوع من الاغتيالات لا يستخدمه إلا تنظيم القاعدة وتنظيم داعش، وكلّ عملية إرهابية من هذا النوع تبنّاها في ما بعد "داعش" و"القاعدة".

2ـ زرع العبوات والمتفجرات: وهذا ما استخدمته جميع التنظيمات والميليشيا الإرهابية "القاعدة" و"داعش" و"الحوثي" و"الإخوان"، إلا أنّ الحوثي استفاد من الخبرة الإيرانية في هذا المجال، وكان آخر هذه العمليات محاولة اغتيال اللواء صالح الذرحاني، وقد كشف جهاز مكافحة الإرهاب عن ارتباط الخلية المنفذة للعملية الإرهابية بالحوثي.[8]

3ـ التصفيات المباشرة: وهذا النوع كذلك استخدمته جميع التنظيمات الإرهابية، إلا أنّ بعض المنفذين، وخصوصاً الحوثي وبعض الجهات، كانوا بلطجية أو مجرمين وقتلة مأجورين؛ فيقومون بذلك مقابل مبالغ مالية، وليس لهم علاقة بالتنظيمات والجماعات الإرهابية[9].

بدأت حملات إعلامية لتشويه دور الإمارات والتحالف عموماً تبنّتها القنوات والصحف التابعة للإخوان

فالجهات التي كانت تنفذ العمليات الإرهابية في عدن تتلخص بـ"داعش" و"الإخوان المسلمين" بجناحهم العسكري، وحليفهم في اليمن "تنظيم القاعدة"، و"الحوثي"، وبعض الأحزاب والجهات اليمنية التي تحالفت مع بعض التنظيمات الإرهابية أو استخدمت البلطجية والمجرمين.

وبالمناسبة، فقد اعتمد تنظيما "القاعدة" و"داعش" خصوصاً، في عملياتهم الانتحارية على شباب "الإخوان" و"السّرورية" من "جمعية الحكمة والإحسان"، وقد كتبتُ العديد من المقالات مثبتاً ذلك بالأدلة[10].

وبعد سلسلة من الاغتيالات والعمليات الإرهابية، قرر التحالف بقيادة الإمارات وقيادة المقاومة الجنوبية التصدي لهذا الإرهاب، وهنا كانت بداية تشكّل النواة الأولى لـ"ألوية الدعم والإسناد" التي عُرفت بــ"الحزام الأمني" لاحقاً، والتي تصدت واجتثت التنظيمات الإرهابية، بقيادة وتأسيس العقيد منير اليافعي أبو اليمامة، الذي وصفه مركز "جيمس تاون" الأمريكي بأنّه أحد أهم القادة العسكريين في الجزيرة العربية، وبإشراف مباشر من هاني بن بريك، وبدعم من دولة الإمارات العربية المتحدة.

وبينما كان "لواء أول دعم وإسناد" يتشكّل ويتدرب ويتأهل على أعلى المستويات لخوض حرب واسعة ضد الإرهاب، كان تنظيم "داعش" قد سيطر على مديرية المنصورة سيطرة شبه تامة، وسيطر على أهم المقار والمدارس الحكومية، ورتب التنظيم نفسه بشكل مُنَظم.

 اعتمد تنظيما "القاعدة" و"داعش" خصوصاً، في عملياتهم الانتحارية على شباب "الإخوان" و"السّرورية"

وقد برز العديد من الأسماء، إلا أنّ أبرزها عبدالله المرفدي الذي كان يُعدُّ الأب الروحي لـ"داعش"، إضافة إلى أنّ كثيراً ممّن قاموا بعمليات إرهابية لاحقاً كانوا من طلابه، وبعد مشقة في التواصل والبحث تواصلت مع أحد طلاب المرفدي سابقاً (أ.ص)، فحدثني أنّهم، بعد تحرير عدن من الحوثي، أفتاهم المرفدي بالانضمام إلى "داعش"، وكان يفتيهم قبل ذلك بالالتحاق بـ"داعش" والانضمام إليهم في العراق وسوريا، وهكذا تواصلتُ مع شقيق الإرهابي خالد علي الصبيحي، الذي كان يعمل مُصَوّراً مع "داعش"، ثم نفذ عدداً من الاغتيالات، وقُبض عليه مع آخرين أثناء تنفيذهم اغتيال رجل الدين الشيخ عبد الرحمن بن مرعي العدني، فأفاد شقيق الإرهابي خالد بأنّ "المرفدي وأديب اليافعي هُما من جنّدا كثيراً من شبان المنصورة في صفوف داعش"، وأكد لي أنّ شقيقه عمل في البداية مصوراً مع "داعش"، وهكذا كان من القيادات البارزة  في المنصورة مُزهر العدني الذي انشق مؤخراً عن تنظيم "داعش" وقُتلَ بعد ذلك، إضافة إلى أديب اليافعي وعبيد وآخرين؛ فكانت المنصورة عاصمة "داعش" في عدن، إن صحّ التعبير.

وهُنا كانت البداية، إذ انطلقت أولى العمليات العسكرية لاجتثاث التنظيمات الإرهابية وتجفيف منابعها المُتطرفة، وبدأت أولى العمليات العسكرية في مديرية المنصورة، بقيادة العميد منير اليافعي وآخرين، وبإشراف مباشر من القيادة الجنوبية، وبدعم من دولة الإمارات العربية المتحدة.

ونجحت العملية، ودُحرت التنظيمات الإرهابية، وعادت الحياة وفرحَ الناس واستقر الأمن، في حين كانت تحصل بين الفترة والفترة اختراقات أمنية، ولكنّ راياتهم سقطت بعد أن سيطروا على أهم المقارّ الحكومية؛ وهنا بدأت الحملات الإعلامية ضد القوات الجنوبية، وخصوصاً "ألوية الدعم والإسناد"، وحملات أخرى، لتشويه دور الإمارات العربية المتحدة والتحالف عموماً، وتبنّت هذه الحملات القنوات والصحف التابعة للإخوان المسلمين، وسيأتي الحديث عن هذا.

رواية الإخوان المُسلمين والإمارات

جاءت دولة الإمارات إلى اليمن بصفتها إحدى دول التحالف، وليس ذلك إلا لاستعادة الشرعية في اليمن، وإيقاف المدّ الفارسي الذي يهدد شبه الجزيرة العربية، فقدّمت في اليمن شمالاً وجنوباً الغالي والنفيس وتضحياتٍ عظيمة، ‏لقد جاء جنود الإمارات إلى اليمن، وهمّهم الوحيد إيقاف المدّ الفارسي، لكنّهم وجدوا - منذ أوّل وهلة - حرباً شعواء من تنظيم "الإخوان المسلمين" وذراعه العسكرية في اليمن تنظيم "القاعدة"، وتنظيم "داعش"، إضافةً إلى الحرب الإعلامية التي تولّاها الإعلام الإخواني المحلي، مثل: قنوات: بلقيس، وسهيل، ورشد، وشباب يمن، والمهرية، والإعلام الإخواني الدولي، مثل: الجزيرة، والشرق، وقنوات أخرى.

جاءت دولة الإمارات إلى اليمن بصفتها إحدى دول التحالف، وليس ذلك إلا لاستعادة الشرعية في اليمن

وقد كانت أولى العمليات الإرهابية لتنظيم "داعش"، في عدن، في بيت الشيخ صالح بن فريد في البريقة، الذي كان مقراً لقوات التحالف الإماراتية، وهكذا لحقت بتلك العملية سلسلة من العمليات الإرهابية التي استهدفت قوات التحالف الإماراتية خصوصاً، والتي تبنّاها في ما بعد تنظيما "داعش" و"القاعدة"، وقد تزامن ذلك مع الحملة الإعلامية التي يقوم عليها تنظيم الإخوان المسلمين الدولي.

إلا أنّه بعد سلسلة من العمليات الإرهابية التي تستهدف قوات التحالف العربي، قررت الإمارات التصدي لهم، كما سبق بيان ذلك، ولهذا صرّح قائد العمليات المشتركة الإماراتي في اليمن الفريق الركن عيسى المزروعي قائلاً: أقولها للتاريخ... إنّنا كنا نقاتل (3) أعداء في آنٍ واحد: "الانقلاب الحوثي" و"الإخوان المسلمين وطابورهم الخامس"، والإرهاب "القاعدي" و"الداعشي"[11].

وهنا استعر الإعلام الإخواني، فاصطنعوا أولى الكِذبات؛ وهي أنّ "الإمارات تقتل أئمة المساجد والدعاة"، وهنا أُبين كذبَ وتناقض الإخوان ومن لفّ لفهم من "داعش" و"القاعدة" و"الحوثيين":

واجه التحالف العربي حرباً شعواء من تنظيم "الإخوان المسلمين" وذراعه العسكرية في اليمن تنظيم "القاعدة"

أوّلاً: "داعش" تبنّت قتل عدد من الأئمة والدعاية في إصدار مرئي رسمي[12]، ومع هذا فإنّ التنظيم، وبكلّ صفاقة، في إصدار مرئي آخر، اتّهم دولة الإمارات العربية المتحدة بقتل الأئمة والدعاة في عدن!

ثانياً: كلّ من قُتل من الأئمة والدعاة في عدن لهم مواقف شديدة من تنظيمات "القاعدة" و"داعش" و"الحوثيين"، بل وصلت مع بعضهم إلى حدّ القتال، كما أنّ علاقتهم بالإمارات جيدة، بل ممتازة، وبعضهم كان يعمل مع الإمارات في تحرير عدن! وصحيح أنّه أخيراً قُتل بعض المحسوبين على الإخوان، إلا أنّه لم يكن هناك خلاف حقيقي مع الإمارات.

وبالمناسبة، فهذه استراتيجية اتّخذها الإخوان، بعد أن اتضح للعامّة أنّ كلّ من قُتل هو ضد الإخوان، وهذا كان واضحاً منذ البداية وجلياً للجميع، وهذا ليس بأمر مستغرب؛ إذ إنّ "الجماعة"، في تاريخها منذ النشأة، قد تلجأ إلى تصفية بعض المحسوبين عليها ولها، وذلك لأسباب كثيرة؛ منها أن يكون هذا الشخص يحمل كثيراً من الأسرار والملفات، وقد عرف لدى الجهات المعنية، فخوفاً من أن يُمسك به وتكشف الملفات يتمّ التخلص منه[13]

ثالثاً: أبرز من وقف ضد الإمارات في عدن أمثال هاني اليزيدي يعيشون في سلام وأمان ولم يمسهم أحد رغم أدوارهم المعروفة، فلو كان نهج الإمارات كما يزعمون لكان اليزيدي أوّل المستهدفين!

المصادر:

[1] كتاب: "حسن البنا وثورة اليمن (1948م)" لحماده حسني، وكتاب: "مصرع الابتسامة" لحميد شحرة، وكتاب: "جوهرة بيد فحّام" لتركي الدّخيل.

[2] كتاب: "سيرة ومسيرة" ليوسف القرضاوي.

[3] كتاب: "الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ" لمحمود عبدالحليم.

[4] برنامج: ساعة زمن لرحمة حجيرة على قناة اليمن اليوم، لقاء مع الشيخ طارق الفضلي.

[5] مؤتمر صحفي: إعلان نتائج التحقيق في جريمة استهداف معسكر الجلاء، في تاريخ 6  آب (أغسطس) 2019.

[6] المصدر نفسه (5).

[7] أول عملية إرهابية في عدن نفذها وتبناها تنظيم "داعش" في عدن، هي استهداف منزل الشيخ صالح بن فريد الذي كان مقراً لقوات التحالف الإماراتية، وذلك في إصدار مرئي بعنوان: (ثأر الكماة- ولاية عدن أبين).

[8] تقرير وثائقي فيه اعترافات الخلية التي حاولت اغتيال اللواء صالح الذرحاني، نشرهُ جهاز مكافحة الإرهاب بعدن.

[9] المصدر نفسه (5).

[10] مقال: "الحكمة اليمانية والعودة إلى عدن... حقائق وفجائع تجنيد وتفريخ" على صحيفة "اليوم الثامن".

[11] حفل استقبال جنود الإمارات العائدين من اليمن.

[12] في إصدار مرئي لـ "داعش" بعنوان: "سحق العداء2 - ولاية عدن أبين".

[13] المصدر نفسه (3).



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية