حكومة نتنياهو: صهيونية من دون زخرفة

حكومة نتنياهو: صهيونية من دون زخرفة

حكومة نتنياهو: صهيونية من دون زخرفة


17/01/2023

ترجمة: محمد الدخاخني

كان للصّهيونيّة السّياسيّة، منذ تأسيسها، شخصيّتان متمايزتان ومتناقضتان. شخصيّة صوّرتها على أنّها حركة تحرير وطنيّة ليبراليّة، وديمقراطيّة، ومتسامحة، وجامِعة. وهذا هو الوجه الذي رآه أتباعها عندما نظروا في المرآة، والطّريقة التي أرادوا أن يراهم بها بقيّة العالم.

من ناحية أخرى، ثبت أنّ حلم الصّهيونيّة كابوس بالنّسبة إلى الفلسطينيّين. نُظِرَ إليهم على أنّهم مجرّد عقبة يجب التّعامل معها من أجل تمهيد الطّريق لوطنٍ يهوديّ. وممّا زاد الطّين بلّة حقيقة أنّ محنتهم جرى تجاهلها من قِبل القوى الغربيّة التي تأثّرت برؤيةٍ لصهيونيّةٍ تحرّريّةٍ لدرجة أنّها تعامَت عن السّلب الذي عاشه ضحايا الصّهيونيّة.

ظهرت الصّهيونيّة السّياسيّة كردّ فعل على معاداة السّاميّة وما نتج عن ذلك من عزل ومذابح منظّمة راح ضحيتها يهود أوروبا. وعدت الصّهيونيّة ببديل لليهود يكونون فيه أحراراً في تحقيق كامل إمكاناتهم كشعب، وممارسة قِيَم وثمار الليبراليّة في وطن خاصّ بهم. في الواقع، كانت الليبراليّة الأوروبيّة التي تشكّلت على أساسها الصّهيونيّة السّياسيّة متجذّرة في القهر الاستعماريّ واستغلال الأراضي المحتلّة والسّكان الأصليّين الذين تواجدوا على تلك الأراضي.

"أبو الصّهيونيّة"

وهكذا، اعتبر الصّهاينة الأوائل أنفسهم امتداداً للمشروع الاستعماريّ الأوروبيّ من دون تردّد أو إحراج. وصُوّرت فلسطين على أنّها «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض». هذه هي العقليّة التي دفعت «أبو الصّهيونيّة»، ثيودور هرتزل، إلى التماس التّوجيه حول كيفيّة تأمين الدّعم لمستعمرته المقترحة من الإمبرياليّ الفيكتوريّ سيسيل رودس، أو كتابة أنّ المشروع الذي رغب في تأسيسه سيكون بمثابة «حصن لأوروبا ضدّ آسيا... وموقع أماميّ للحضارة ضدّ البربريّة» (يُنظَر كتابه «الدّولة اليهوديّة»)، أو اقتراح استخدام السّكان الأصليّين، الذين قد يجدونهم أتباعه في مستعمرتهم الجديدة، لتطهير الأرض والانخراط في أعمال وضيعة قبل إجلائهم إلى أماكن أخرى.

بنيامين نتنياهو وزوجته سارة نتنياهو وأعضاء حزب الليكود في حدث ليلة الانتخابات في 1 نوفمبر 2022 في إسرائيل

تعايش دائماً هذان الجانبان من الصّهيونيّة السّياسيّة، الحلم والكابوس، مع الاعتراف بالأوّل والاحتفاء به وتجاهل و/أو إنكار عكسه. كان هذا صحيحاً ليس فقط بالنّسبة إلى مؤسّسي الصّهيونيّة، ولكن، أيضاً، بالنّسبة إلى أبطالها «الليبراليّين» الأكثر شهرة: حاييم وايزمان، وديفيد بن غوريون، وغولدا مئير. حتّى بنيامين نتنياهو صنع اسمه في الدّوائر السّياسيّة الغربيّة كمؤيّد لقضيّة «الدّيمقراطيّة الغربيّة الليبراليّة» مقابل العالم العربيّ، الإرهابيّ، السّلطويّ، الوحشيّ.

حماية إسرائيل من البرابرة

بالنّظر إلى أنّ مثل هذه النّظرة كانت متأصّلة جدّاً في المعنى السّائد للغرب عن نفسه، فإنّ وجهي الصّهيونيّة (الوجه الليبراليّ والوجه العنصريّ) لم يُسبّبا أيّ غضب. على العكس، فُهِما احتُضنا من قِبل البريطانيّين والفرنسيّين (ولاحقاً الولايات المّتحدة)، الذين رأوا الحاجة، كما تصوّرها هرتزل، إلى موقع أماميّ حضاريّ لحماية القِيَم والمصالح الغربيّة ممّن يُسمّون بالبرابرة. ناهيك عن أنّ آلية الدّعاية الإسرائيليّة فعّالة للغاية، وهناك خوف حقيقيّ للغاية من أنّ الإشارة إلى ما هو واضح (أي أنّ إسرائيل متورّطة في قهر وسلب قمعيّين وعنصريّين للفلسطينيّين) سيؤدّي إلى اتّهامهم بمعاداة السّامية.

في هذا السّياق، قد يُعتبر من المفارقات أنّ ديمقراطيّة إسرائيل هي التي فضحت، أخيراً، وحتى يرى الجميع، جانبها السّفلي من عدم التّسامح. إنّ انتخاب ائتلاف يمينيّ متطرّف يضمّ قوميّين متعصّبين وأحزاباً دينيّة متطرّفة غير متسامحة، بقيادة «حزب الليكود» المتشدّد الذي يتزعّمه نتنياهو، يُعدّ بمثابة لحظة حقيقة بشأن الحركة الصّهيونية السّياسيّة وداعميها.

انتخاب ائتلاف يمينيّ متطرّف يضمّ قوميّين متعصّبين وأحزاباً دينيّة متطرّفة بقيادة «حزب الليكود» المتشدّد الذي يتزعّمه نتنياهو، يُعدّ بمثابة لحظة حقيقة بشأن الحركة الصّهيونية السّياسيّة وداعميها

ستضمّ حكومة نتنياهو المنتخبة وزراء ونوّاب وزراء متعصّبين ومناصرين للعنف يُشرفون على الشّرطة، والمستوطنات، وإدارة الأراضي المحتلّة، والشّؤون الماليّة، و«الهويّة اليهوديّة». ومن بينهم أيديولوجيّون يدافعون عن طرد العرب من إسرائيل والأراضي الفلسطينيّة المحتلّة، ويدعمون التّوسّع الاستيطانيّ السّريع وضمّ الضّفّة الغربيّة، ودعم عنف المستوطنين ضدّ الفلسطينيّين لإظهار من المسيطر، والتّمسّك بلاهوتٍ يؤكّد أنّه في حين أنّ اليهود بشر كاملون لهم أرواح، فإنّ العرب ليسوا كذلك، والادّعاء بأنّ منظّمات حقوق الإنسان تُشكّل «تهديداً وجوديّاً» لإسرائيل وبالتّالي يجب حظرها، والتّأكيد على أنّ تفسيرهم الصّارم فقط لليهوديّة الأرثوذكسيّة هو الدّين الحقيقيّ، وحرمان اليهود الآخرين من حقوقهم، والإصرار على تغيير الوضع الرّاهن في «الحرم الشّريف»، وتحويل القدس إلى خليلٍ أخرى.

مع مجيء وزراء وسياسات بهذا الشّكل، سقط القناع. هذه هي الصّهيونيّة السّياسيّة، من دون زخرفة. إنّها افتقار للتّسامح، وتعصّبٌ، وقمعٌ، وعدوانٌ من دون الخطاب «الليبراليّ» المصاحب لتلطيف الأمور للعالم.

 ثيودور هرتزل (أبو الصهيونية)

كان من المثير للقلق، أيضاً، مشاهدة كيف استجابت الجماعات الأمريكيّة الرّئيسة الموالية لإسرائيل (أو فشلت في الاستجابة) لهذا الوضع الصّعب. كانت هناك احتجاجات فوريّة ضدّ الضّغط الأرثوذكسيّ المتطرّف لتغيير قانون التّحوّل الدّينيّ، وحظر حقوق «مجتمع الميم»، ووضع تقييدات بشأن من هم اليهود «الشّرعيّون» الذين يمكنهم الهجرة إلى إسرائيل، والمطالبة بفصل النّساء اليهوديّات عن الرّجال في الصّلاة. لكن هؤلاء القادة أنفسهم التزموا الصّمت عندما تعلّق الأمر بالمعتقدات المتعصّبة المعادية للعرب التي يتبنّاها الأعضاء الرّئيسون في الائتلاف الحاكم بزعامة نتنياهو والسّياسات التي يسعى هذا الائتلاف إلى تنفيذها والتي ستزيد من سلب الفلسطينيّين.

هل إسرائيل "ديمقراطيّة نابضة بالحياة"؟

صحيحٌ أنّ العديد من هذه المواقف والسّياسات القبيحة شكّلت الواقع الفلسطينيّ لعقود، لكنها كانت دائماً مغطّاة بالكلمات الجميلة والوجه الخارجيّ لليبراليّة الصّهيونيّة. لكن، الآن، تقع على عاتق أولئك الذين كانوا يتستّرون على إسرائيل مسؤولية الاعتراف بالواقع الذي سمح صمتهم بتفاقمه. هل يمكنهم الاستمرار في الإصرار على أنّ إسرائيل «ديمقراطيّة نابضة بالحياة» في وقت تحمي فيه فقط حقوق اليهود - وليس كلّ اليهود؟ هل يمكنهم الاستمرار في إمداد إسرائيل بالمليارات، في صورة أسلحة وأشكال مساعدة أخرى، في وقت يتّضح فيه أنّ هذه الأسلحة والمساعدات تُستخدم للإبقاء على احتلال وقمع شعب أسير؟ هل يمكنهم الاستمرار في عرقلة الجهود المبذولة لمحاسبة إسرائيل في المحافل الدّوليّة على انتهاكاتها لحقوق الإنسان، في حين أنّه من الواضح بشكل جلي أنّ هذه الجرائم تُرتكب؟

هل يمكن الاستمرار في إمداد إسرائيل بالمليارات، في صورة أسلحة، في وقت يتّضح فيه أنّ هذه الأسلحة والمساعدات تُستخدم للإبقاء على احتلال وقمع شعب أسير؟

الآن، بعد أن سقط القناع، قد يتمكّن الغرب، أخيراً، من التّعامل مع إسرائيل كدولة عادية يمكن انتقادها ومحاسبتها على انتهاكاتها للقوانين. وقد يخلق ذلك، أيضاً، الظّروف التي يرى فيها الغرب الفلسطينيّين ويعاملهم كأشخاص حقيقيّين يستحقّون، مثل الإسرائيليّين، كما تحبّ إدارة بايدن أن تقول، «تدابير متساوية للأمن، والحرّيّة، والفرص، والكرامة».

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

جيمس زغبي، ذي نيشين، 21 كانون الأول (ديسمبر) 2022

https://www.thenation.com/article/world/far-right-israel-zionism/




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية