حماية الأثرياء وإفقار الفقراء: وصفة لبنانية لحلّ الأزمة المالية

حماية الأثرياء وإفقار الفقراء: وصفة لبنانية لحلّ الأزمة المالية


04/05/2022

عجيبة هي فكرة العدالة، حين تكون صارمةً في عقاب من يرتكب مخالفة يسيرة، وتكون عاجزةً عن عقاب من يرتكب جرماً كبيراً، بل الأدهى؛ أنّه كلّما كبر الجرم خفّ العقاب، وإن كان ذلك عجيباً، فالأعجب والأغرب هو حال العدالة في لبنان؛ حيث تتداخل السلطات مع منظومة الطائفية - الفساد، فيصبح المظلوم الوحيد هو شعب لبنان، باستثناء المنظومة الطائفية الفاسدة، وجوقة المنتفعين.

وكانت آخر مآسي شعب لبنان، هو مشروع قانون "الكابيتال كنترول"، الذي طرحته النخبة الحاكمة، بحجة تلبية متطلبات صندوق النقد الدولي، لضبط حركة خروج النقد الأجنبي، لكن في حقيقته هو قانون يزيد مآسي صغار ومتوسطي المودعين، ويمنح المصارف سلطةً مقننة لمنعهم من استرداد أموالهم، التي خسروها بسبب فساد الطبقة الحاكمة.

الكابيتال كنترول

خلال الأيام الماضية، ناقش مجلس النواب اللبناني مشروع قانون مقدماً من الحكومة، كخطوة ضمن شروط صندوق النقد للتعافي، وهو تشريع من المفترض به ضبط حركة رؤوس الأموال بالعملة الأجنبية في المصارف، لمنع تهريبها إلى الخارج.

ومن خلال النسخة المنشورة لمسودة مشروع قانون "كابيتال كنترول"، تريد الحكومة فرض قيود على السحب من الودائع بالدولار، وتضع ضوابط لتحويل النقد إلى الخارج، مع استثناءات تقررها لجنة من مصرف لبنان، وفق ما تراه، دون أن يكون للمودع الحقّ في مراجعة قراراتها. وجاء مشروع القانون هذا بعد تسريب نسخ لمشروع قانون أعم عن خطة التعافي الاقتصادي والمالي، التي كان من المفترض أن توضع بالتفاوض مع وفد صندوق النقد الدولي، كخطة عامة لتوزيع خسائر المصارف، وإجراء إصلاحات هيكلية في قطاع البنوك، والاقتصاد بشكل عام، لكنّ النسخة المسرّبة لم تتضمّن إلا إجراءات لتوزيع الخسائر المالية بتحميلها على المصارف والمودعين.

مظاهرات رافضة للكابيتال كنترول

ويرى مؤسس ورئيس جمعية المودعين، حسن مغنية؛ أنّ "قانون "كابيتال كنترول"، بمفهومه العالمي، هو لحفظ النقد ليبقى داخل البلد، ومنع خروجه إلا لاستثناءات طبيعية، لكن، للأسف، في لبنان، بعد عامين ونصف العام من أزمة 17 تشرين الأول (أكتوبر)، لم يُقر هذا القانون، بسبب الفساد السياسي المنتشر، حتى تمكّن معظم السياسيين والفاسدين في المصارف وموظفي الدولة من إخراج أموالهم".

وتابع مغنية لـ "حفريات": "تريد الطبقة السياسية عمل الكنترول على الفقراء، الذين فرضت عليهم المصارف كنترولاً غير مقنن"، ولفت إلى أنّ هناك ملاحظات على إصدار مثل هذا القانون، ومنها: "يجب أولاً أن تصدر الحكومة توضيحاً لشرح أسباب الأزمة، وتحديد المسؤوليات، وكذلك لا يجب فرض القانون دون خطة تعافٍ اقتصادي شاملة، ودون توحيد سعر الصرف، وإعادة الأموال التي هُرّبت بعد أزمة 17 تشرين الأول".

يدور جدل كبير حول توجهات الحكومة اللبنانية بشأن خطة التعافي الاقتصادي والإصلاح، التي من المفترض إقرارها بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي، للحصول على قرض بقيمة ثلاثة مليارات دولار

ومن جانبها، قالت أستاذة القانون المتخصّصة بالشأن المصرفي، سابين الكك: "فرض "كابيتال كنترول" يكون كقيود على حركة وتداول رؤوس الأموال، لكن ما قدمته الحكومة كان بالتحديد قيود على عمليات السحوبات من المصارف اللبنانية والتحويلات، دون سقف زمني واضح وآلية واضحة، ودون تحديد ما هو مصير هذه الأموال".

وتابعت في تصريح لـ "حفريات": "القانون مرفوض أيضاً بسبب تضمنه اقتراح تشكيل لجنة سياسية بامتياز، يكون عندها صلاحيات تشريعية وقضائية بالمخالفة للدستور، وتملك سلطة فرض غرامات على المودعين حال مخالفة القانون، والأهم أنها كانت تمنع كلّ الدعاوى السابقة واللاحقة من المودعين بحق المصارف، وهذا يعني مشروع قانون مقدماً بأثر رجعي، وهو ما لا يخالف الدستور فقط، بل ومبادئ وشرعة حقوق الإنسان".

خطة التعافي الاقتصادي

وفي النسخ المنشورة لمقترح قانون "كابيتال كنترول"، نصّت مادة على التفرقة بين الأموال الجديدة والقديمة، بمعنى تحديد تاريخ تُصنف كلّ الإيداعات قبله على أنّها قديمة، وتخضع لضوابط أشد، بينما الإيداع بعد هذا التاريخ يخضع لضوابط أخرى.

وتعليقاً على هذه المادة، لفتت أستاذة القانون، سابين الكك، إلى افتقاد مشروع القانون للدقة الصياغية: "قانونياً كلمة أموال لا تعني النقد فقط، فهي في القانون المدني تعني الحقوق العينية، بالتالي، هنا إشارة إلى ضعف الخلفية التشريعية عند الفريق الحكومي الذي يتعاطى مع هذا الأمر، منذ وقت حكومة حسان دياب، بخلاف ما شدّد عليه صندوق النقد، بوجوب الدقة التشريعية، والأصح استخدام مصطلح الودائع".

د. سابين الكك: قانونياً كلمة أموال لا تعني النقد فقط

وفي السياق ذاته، يدور جدل كبير في لبنان حول توجهات الحكومة بشأن خطة التعافي الاقتصادي والإصلاح، وهي الخطة الأشمل التي من المفترض إقرارها بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي، للحصول على قرض بقيمة ثلاثة مليارات دولار، وكذلك لتلبية متطلبات المجتمع الدولي لعودة الاستثمارات والمنح والقروض.

إلا أنّ الخطة التي تسربت لوسائل الإعلام لم تكن سوى مشروع قانون يهدف إلى توزيع الخسائر المالية على المصارف والمودعين، أو بشكل أدق على المودعين الذين بدورهم تحملهم المصارف خسائرها. وكانت جمعية المصارف اللبنانية قد أعلنت في بيان رفضها للنسخة المسربة بشأن توزيع الخسائر، وكذلك رفضتها النقابات المهنية والعمالية والعديد من القوى السياسية وجمعية المودعين وغيرهم.

الأكاديمية اللبنانية سابين الكك لـ "حفريات": يجب استكمال التدقيق المالي في احتياطيات مصرف لبنان؛ لأنّ صندوق النقد لا يثق في الأرقام التي يقدمها المصرف

وأوضحت الأكاديمية سابين الكك؛ أنّ "ما قدمته الحكومة بشأن التعافي الاقتصادي والإصلاح لا يرقى إلى أنّ يكون خطة، لأنّ الخطة تتطلب أهدافاً وأدوات تنفيذية، وما هو مطروح لا يعدو كونه شطب 65 مليار دولار من التزامات مصرف لبنان تجاه المصارف، والتي هي ودائع الناس". لكن، بحسبها، تريد الحكومة أن "تظهر أمام صندوق النقد جادةً في الإصلاح، لكن باصرارها على إقرار مشروع "كابيتول كنترول" بهذا الشكل يتضح أنّها لا تصغي لمقترحات الصندوق، ومستمرة في العقلية التي لا تؤمن بالحوكمة والشفافية، ولا نية إصلاحية ومحاسبية لديها".

وتُقدر خسائر مصرف لبنان بنحو 65 مليار دولار، وهو رقم تقديري؛ إذ لا يمكن تقدير الخسائر دون تدقيق مالي، وهو الأمر الذي لم تفلح القوى السياسية في الاتفاق عليه، نتيجة الخلافات السياسية؛ حيث إنّ حاكم المصرف، رياض سلامة، جزء من المعادلة السياسية، فهو مدعوم من الرئيس نبيه بري وتيار المستقبل، مقابل العداء الشديد من التيار الوطني الحر.

المحاسبة المفقودة

وتقول أستاذة القانون المتخصّصة بالشأن المصرفي، سابين الكك: "جزء كبير من الخسائر صرفته الدولة اللبنانية، لكنّ قيمته غير معروفة. والإشكالية الأكبر التي تواجه عملية الإصلاح الحقيقية، هي هل التزم مصرف لبنان بالقانون عندما أقرض الدولة، وما هي وسائل الإثبات". وتابعت "الأكيد أنّ المصرف، من عام 1994 حتى 2021، لم يقرض الحكومة وفق الأصول، ولم يجر عقود كما يفرض قانون النقد والتسليف، ولا مرة باستثناء قرضين، ولهذا هنا سؤال حول مسؤولية المصرف؛ حاكمية مجلس".

ولا توجد بدائل عن توزيع الخسائر المالية، كخطوة ضمن خطة شاملة، تستهدف هيكلة القطاع المصرفي المتضخم، لكن هل يمكن ائتمان الساسة على مثل هذه الخطة.

ترفض الأكاديمية اللبنانية أن تأتي قاعدة توزيع الخسائر من خلال خطة سياسية: "إذا كنا جادين في الإصلاح فلا يجب منح الصلاحية المطلقة لمن تسبّب في الخسائر ليكون هو المسؤول عن توزيعها، ولتحقيق العدالة هناك أمران؛ الأول التدقيق المالي كما طلب صندوق النقد، ويجب أن يشمل مصرف لبنان وأكبر 14 مصرفاً، كخطوة أولى لتحديد الخسائر وهيكلة القطاع المصرفي".

حسن مغنية: تريد الطبقة السياسية عمل الكنترول على الفقراء

وأفادت: "الثاني: استكمال التدقيق المالي في احتياطيات مصرف لبنان، لأنّ صندوق النقد لا يثق في الأرقام التي يقدمها المصرف، ودون ذلك لن يكون ممكناً تحديد الخسائر والمسؤوليات، أو بناء خطة تعافٍ".

وشدّدت الكك على أنّ صانع القرار لا يدرك جوهر مطالب صندوق النقد: "يريد الصندوق ضمان حقوق فئة صغار ومتوسطي المودعين، عبر ضمان وصولهم إلى ودائعهم، لاستخدامها في الاستهلاك، لأنّهم الفئة الاستهلاكية الكبرى، والتي تحرك عجلة الاقتصاد من خلال الاستهلاك، وهذا يتطلب وصولهم إلى ودائعهم، أما ما يطرحه ساسة لبنان من حرمان هذه الفئة من ودائعهم، فهذا ليس خطةً اقتصاديةً، فضلاً عن مخالفة ذلك للدستور".

وفي 11 من نيسان (أبريل) الماضي، توصل صندوق النقد إلى اتفاق مع الحكومة اللبنانية على مستوى الخبراء، بشأن السياسات الاقتصادية للاستفادة من "تسهيل الصندوق الممدد" لمدة أربعة أعوام، وتضمن الاتفاق عدة شروط، منها؛ موافقة مجلس الوزراء على إستراتيجية إعادة هيكلة البنوك، مع حماية صغار المودعين والحدّ من الاستعانة بالموارد العامة.

وموافقة البرلمان على تشريع طارئ ملائم لتسوية الأوضاع المصرفية على النحو اللازم لتنفيذ إستراتيجية إعادة هيكلة البنوك، والشروع في تقييم أكبر 14 بنكاً، كلّ على حدة، بمساعدة خارجية من خلال التوقيع على نطاق التكليف مع شركة دولية مرموقة.

إضافة إلى الانتهاء من التدقيق ذي الغرض الخاص المتعلق بوضع الأصول الأجنبية لدى مصرف لبنان، للبدء في تحسين شفافية هذه المؤسسة الرئيسة. وموافقة مجلس الوزراء على إستراتيجية متوسطة الأجل لإعادة هيكلة المالية العامة والدين، وتوحيد سعر الصرف، وغير ذلك.

مواضيع ذات صلة:

غضب شعبي لبناني على فاجعة "مركب الموت" واتهامات تلاحق الجيش

بورصة شراء الأصوات تخيم على انتخابات لبنان... وهذا ما يقوم به حزب الله

الانتخابات اللبنانية: كيف يستفيد حزب الله من غياب تيار المستقبل؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية