"حِجابٌ سيء" أم سياساتٌ سيئة؟: إلزاميّة الحجاب في إيران بوصفها تحدِّياً سياسياً وأمنيّاً

«حِجابٌ سيء» أم سياساتٌ سيئة؟: إلزاميّة الحجاب في إيران بوصفها تحدِّياً سياسياً وأمنيّاً

"حِجابٌ سيء" أم سياساتٌ سيئة؟: إلزاميّة الحجاب في إيران بوصفها تحدِّياً سياسياً وأمنيّاً


29/09/2022

تُعدُّ إيران اليوم، إلى جانب أفغانستان في عهد طالبان، الدولتين الوحيدتين في العالم اللتين يوجد فيهما قانون يُلزِم النساء بارتداء الحجاب. وأظهرت حكومة إبراهيم رئيسي اهتماماً مُتزايداً بتطبيق إلزاميّة الحجاب، واتخذت في سبيل ذلك إجراءات ميدانيّة مُشدّدة. ودافعت عن حملات شرطة الآداب (دوريّات الإرشاد)، باعتبارها جزءاً من استراتيجية الحكومة للتصدّي لما يعتبره النظام الإيراني "فتنةً كُبرى" وراء حملة "مناهضة الحجاب". 

في المقابل، وأكثر من أيّ وقتٍ مضى مُنذُ عام 1979، باتَ هناك جيلٌ إيراني شابّ، معظمُه من النساء، يبدو أكثر رفضاً لقانون إلزاميّة الحجاب، وكذلك للطبيعة الدينية-الاجتماعية القسريّة للنظام الإيراني، وتدخُّلاته في حياة الناس، وفرضِه القيم على المجتمع؛ ما يُنذر بتفاقُم هذا الخلاف حول إلزامية الحجاب في إيران، ليتحوّل إلى قضيّة ذات أبعاد سياسية وأمنية.

لمحة عامة عن سياسة إلزامية الحجاب في إيران والتبعات المترتبة عليها 

تعهّدت حكومة إبراهيم رئيسي، عند توليها زمام السلطة، بأن يَنْصَبَّ تركيزُها على إيجاد فرص عمل، وبناء مساكن جديدة، وغيرها من الخدمات الأساسيّة في البلاد. لكنْ بعد مرور عام على تولِّي الحكومة سُلطاتها الدستورية، لم يُحقِّق رئيسي نجاحاً كبيراً في تنفيذ هذه التعهُّدات. بل لوحظ في المقابل، أنّ هناك زيادة كبيرة في الإنفاق على قوات الأمن، والتشدُّد في إنفاذ سياسة الحجاب الإلزامي في البلاد. ولم يقتصر الأمر على تبنّي الحكومة الإيرانية لإجراءات جديدة هدفها الأساس مزيد من التشدُّد في إنفاذ إلزامية الحجاب. بل يبدو أنّ النظام مُصمِّم أيضاً على استخدام العُنف، وأحكام السجن المشدّدة في سعيه لحماية القوانين ذات الصِّلة بإلزامية الحجاب. وقد عمَد النظام أيضاً إلى تحريض الأفراد الموالين له في المجتمع على التصرُّف بحرية لمواجهة أولئك الذين يرى أنهم يتحدَّون علناً قواعد إلزاميّة الحجاب. وأدى ذلك في نهاية المطاف إلى نشوء انقسامات جديدة، وخطيرة في المجتمع، بين أقليّة تؤيد إلزامية الحجاب، وأغلبية تعارضها، وتعتبرها انتهاكاً خطيراً لحقوق الإنسان الأساسية. 

ويبدو أن السلطات الإيرانية في حالة تخبُّط من ناحية تعاملها مع الأصوات الرافضة لإلزامية الحجاب؛ إذْ تلجأ في كثير من الأحيان إلى حملات اعتقال عنيفة، يتمُّ تصويرُها ونشرُها على شبكات التواصل الاجتماعي. كما يحاول النظام الإيراني الترويج بأنّ حملة مناهضة الحجاب ترتبط بجهات استخبارية أجنبية. وزعمت وزارة الاستخبارات الإيرانية أنها ألقت القبض على 300 ممّن أسمتهم بـ "قادة العصابة" في الحركة المناهضة للحجاب، وادّعت أن هؤلاء الأفراد يعملون لصالح "العدوّ".

وتكرّرت هذه الاعتقالات والمزاعم في الشهرين الماضيين. ومع ذلك، لم يُقدّم النظام في طهران حتى الآن أيّ دليل ملموس على الدور المزعوم "للأعداء الأجانب"، أو ادّعائه بأنّهم هم من يقف وراء حملة مناهضة الحجاب التي يقول أيضاً إنها جزء من مسعى غربي لإضعاف الجمهورية الإسلامية. والدّليل الوحيد الذي يسوقه النظام الإيراني، هو الدّعم الذي يتلقّاه النشطاء المناهضون للحجاب الذين يعيشون خارج إيران، مثل الناشطة مسيح علي نجاد، من مؤسسات غربية.

وتأتي حملة الاعتقالات هذه، في وقت يترقّب فيه الشارع الإيراني بدءَ إنفاذِ قواعدَ أكثرَ تشدداً لقانون إلزامية الحجاب. ومن المتوقع أن تشرع حكومة رئيسي، التي أمرت في يوليو بالصرّامة في إنفاذ هذا القانون، بتطبيق ما وصفه الرئيس الإيراني بالإجراءات المضادّة اللازمة لوقف ظاهرة غزو ثقافي غريب (غير إيرانية وغير إسلامية)؛ ففي كلمة له أمام مؤتمر أهل البيت المنعقد أخيراً، كان الرئيس الإيراني واضحاً في هجومه ضدّ الغرب الذي يتّهمه بالسعي إلى "تطبيع" المثليّة الجنسيّة. 

وينبغي التنويه إلى أن هذا الموقف في الدفاع عن "القيم التقليدية" ضدّ الأعراف الغريبة، لا يقتصر على إيران، أو حتى على العالم الإسلامي فقط؛ إذ يمكن رؤية ردود فعل مشابهة ترفض ما تراه أنماطاً ثقافيةً غربيةً "فاسدة"، مثل قبول المثلية الجنسيّة، أو النسوية، في كلّ من: الصين وروسيا وحتى من قبل بعض الجماعات السياسية الغربية اليمينية. ويمكن القول إن الهجوم الذي شنّه الرئيس الإيراني مؤخراً على المثلية الجنسية، هو محاولة لبناء أرضية مشتركة مع المجتمعات التي تشترك فيما يسمى بالقيم التقليديّة للنظام الإيراني. 

ولم يكن من قبيل المصادفة أن الحضور في مؤتمر أهل البيت المنعقد أخيراً في طهران قد ضم العديد من رجال الدين المسلمين الأفارقة الذين من المرجّح أنهم يتبنّون قيماً تقليدية مُماثِلة. وفي كل هذا الجدل، تجدُر الإشارة إلى أنّ رجال الدّين الإيرانيين أنفسهم غير متفقين على هذه المسألة، بما في ذلك إلزامية الحجاب، وما إذا كان يجب معاقبة المخالفات لها. وذلك على الرغم من ترويج رئيسي لما يسميه "القيم التقليدية" المشتركة للشعب الإيراني، في محاولة منه لبناء جبهة دولية متّحدة ضدّ الغرب.

جدل رجال الدين بشأن إلزامية الحجاب

دفع تزايُد اعتقالات النساء بتهمة "الحجاب السيء" في الأسابيع الأخيرة، بما في ذلك في مدن قُم ومشهد وشيراز، السياسيين ورجال الدين على حدٍّ سواء، إلى اتخاذ موقف بشأن قضيّة مثيرة للجدل، ذات حدّين ينبغي عليهم معها: إما دعم الرفض الشعبي لإلزامية الحجاب، أو البقاء في صفِّ النظام، ومجابهة الحملات المناهضة للحجاب. وأصبح التمسُّك بإلزاميّة الحجاب اختباراً غير قابل للنقاش، يُقاس معه ولاء أيّ شخص للنظام، من القائد الأعلى، علي خامنئي، إلى رئيس الجمهورية، إبراهيم رئيسي، إلى رئيس البرلمان. 

ولطالما سعى النظام الإيراني في خطابه الأيديولوجي إلى تصوير الحجاب على أنه ركيزة أساسية من ركائز الجمهورية الإسلامية، والتي من دونها سيكون النظام السياسي برمته في خطر. ولا يخلو هذا الخطاب من المبالغة، لكنّه صحيح إلى حدٍّ ما في الوقت نفسه؛ فمن ناحية، لم يكن إلزام النساء بالحجاب جزءاً من التعهّدات التي تبناها أتباع الخميني عندما تولوا مقاليد الحكم عام 1979. إذْ لم يتمّ التطرق إلى هذا الموضوع في التوافق السياسي الذي نشأ عن الثورة في إيران، بين أولئك الذين دعموا الثورة، وأتباع الخميني. ولم تُشَرَّع إلزامية الحجاب في قانون، إلّا في عام 1983 عندما أدرك الخمينيوُّن أنّ هذا القانون سيُمكِّنهم من السيطرة اجتماعياً وسياسياً على المجتمع الإيراني. 

وتسعى الأنظمة الاستبدادية والشمولية في المجتمعات التي تُسيطر عليها، كما هو الحال سابقاً في ألمانيا النازيّة، أو الاتحاد السوفيتي، أو حتى في الصين اليوم، إلى تنظيم شؤون المجتمع من خلال مجموعة من القواعد الأساسية الإلزامية التي تعود بتكاليف باهظة في نهاية المطاف. والهدف الأساس، هو ضمان السيطرة على المجتمعات سياسياً، عبر مجموعة متنوّعة من الوسائل، والأدوات. وهذا ما يُفسِّر القول بأنّ الحجاب ركيزة أساسية من ركائز الجمهورية الإسلامية؛ إذْ يبدو مثل هذا الادّعاء صحيحاً إلى حدٍّ كبير.  لذلك، يتخوّف النظام الإيراني من أن يقود تحدّي قانون إلزامية الحجاب، أو إلغائه، إلى تحفيز مُعارضي النظام لتوجيه أنظارهم إلى سياسات وقوانين أخرى؛ مثل سياسة مُعاداة الولايات المتحدة، أو إسرائيل، أو حتى استهداف منصب القائد الأعلى في هيكليّة الدولة الإيرانية. 

وكان لقضية إلزامية الحجاب دائماً أنصارٌ ومعارضون بين رجال الدين. وعلى سبيل المثال، لا يرى رجال الدين المعارضون لإلزامية الحجاب، أن هناك أيّ نصٍّ في القرآن يؤكد هذه الإلزامية. ويقولون إن مفهوم الحجاب ورد ذكره سبع مرات في القرآن، لكن ليس في سياق النصّ على إلزامية الحجاب، بل في سياق فصل النساء، والدعوة إلى ضمان عفّتهن. وقد ظهرت مثل هذه التفسيرات المختلفة منذ الأيام الأولى للنظام الإسلامي في إيران؛ حيث رفضت شخصيات بارزة، مثل: محمد بهشتي، ومحمود طالقاني، مبدأ إلزامية الحجاب.

وفي الوقت الحاضر، لا يوجد سوى قلّة قليلة من رجال الدين الإيرانيين الذين يرفضون مبدأ إلزامية الحجاب علانية. لكن في الوقت نفسه، هناك عدد أكبر من رجال الدين الذين يضعون خطاً تحت "إلزامية" الحجاب، مقارنة بأولئك الذين يرونه تقليداً يجب التمسُّك به. وبعبارة أخرى، هناك رجال دين يدعمون النظام، لكنهم يرون أنّ التحلّي بالمرونة فيما يتّصل بإلزامية ارتداء الحجاب، تصبُّ في مصلحة البلاد. وعلى سبيل المثال، تصدّر محسن غرويان، رجل الدّين المُتشدّد، عناوين الأخبار قبل بضع سنوات عندما اقترح أنه لا ينبغي إجبار السيّاح القادمين إلى إيران على ارتداء الحجاب. وهذا النوع من النقد غير المباشر والمشروط للحجاب الإلزامي، هو أكثر ما يمكن أن يصدر عن الدوائر المتشدّدة في النظام الإيراني. وعلى أي حال، لن تعمد هذه المجموعة من رجال الدين إلى تحدّي خامنئي علناً بشأن هذه القضية، ولا يزال التزامها بإلزامية الحجاب ثابتاً إلى يومنا هذا. وحدّد خامنئي مستوى الخطاب في التعبير عن ردّ طهران على الحملات المناهضة للحجاب بالقول: إنّ النساء اللواتي يُنظِّمن احتجاجات ضدّ الحجاب، قد تمّت "خديعتهن" من قبل حكومات أجنبية. وهو يُعبّر عن ثقته التّامة من أنّ إيران ستنتصر في هذا الصراع للحفاظ على الحجاب الإلزامي ضدّ الضغط الشعبي، ومؤيديه الأجانب. 

وتُمثل رغبات خامنئي أوامرَ لرئيس الجمهورية. وبالفعل، أمر رئيسي منذ يوليو بتطبيق إجراءات إنفاذ أكثر صرامة. واتّهم أيضاً أعداء إيران باستخدام "قنوات فضائية واسعة الانتشار وشبكات التواصل الاجتماعي لاستهداف العمود الفقري الثقافي للمجتمع، وأسس قيمه الدينية".  ولا يبدو أنّ خامنئي، ولا رئيسي، مكترثين للإقرار بأن المجتمع الإيراني ربما يكون هو المحرّك وراء الحركة المناهضة لإلزامية الحجاب، وأن هذا التحرك ليس مدفوعاً في جوهره بأيّ شكل من أشكال المؤامرة الأجنبية. وفي هذا السياق، يُلاحَظ أن قيادة النظام تتبنّى استراتيجية ثلاثيّة الأبعاد للتصدي لمطالب الحركة المناهضة للحجاب:

عدم الاعتراف بأن هناك مطلباً شعبياً في أوساط المجتمع الإيراني، وخاصّة بين الشّباب، لتحويل الحجاب إلى شأنٍ شخصي.

البحث عن سُبل لردع الجماهير، والناشطين المناهضين للحجاب.

عدم إعطاء مساحة كبيرة لأي نقاش حول هذه القضية بين الطبقة السياسية، ورجال الدين، وذلك من أجل ضمان أن تظلّ ردة فعل النظام مُتّسقة، وواضحة.

وكان استخدام تقنيات المراقبة لاصطياد النساء اللواتي لا يلتزمن بقواعد الحجاب الإلزامي في الأماكن العامة، واحداً من أحدث محاولات النظام الإيراني لإنفاذ إلزاميّة الحجاب، والتي أثارت ردود فعل شعبيّة مُنتقِدة. وتمّ بالفعل تفعيل هذا الأسلوب، ومعاقبة المخالِفات، كما هو الحال مع قصّة "سبيده راشنو"؛ حيث جرى اعتقال راشنو في يوليو الماضي، ثمّ ظهرت على شاشة التلفزيون الرّسمي للاعتراف "بجريمتها"، بعد أن قاومت شرطة الآداب أثناء إلقاء القبض عليها بتهمة "الحجاب السيء". واعتبرت لجنة الولايات المتحدة للحريّة الدينيّة الدوليّة هذه القضية مثالاً صارخاً على انتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها نظام الجمهورية الإسلامية.

ولا شك في أن موضوع إلزامية الحجاب هو مسألة يمكن للمنظمات الدولية استخدامها للضغط على النظام الإيراني. مع ذلك، وكما هو مُشار أعلاه، يكتفي النظام الإيراني بإنكار أنّ هناك مشكلة من أساسه. ويصورها على أنها مسألة إنفاذ "قانون"، وتطبيق للنظام. ويُجادِل مسؤولو النظام كذلك، بأن قانون الحجاب لا يختلف عن قانون استخدام حزام الأمان عند قيادة المركبات. وعلى الرغم من أن هذه المُقارنة غير مُقنِعة أساساً، لا للدّاخل الإيراني، ولا للمجتمع الدولي، فإنّ هناك سبباً آخر يدعو لردّها؛ وهو أنّ مساواة قوانين الحجاب مع قوانين السّير، أو غيرها من اللوائح غير الدينيّة، يُمثِّل إهانةً للدين الإسلامي، وخروجاً على الدور التاريخي والمذهبي لرجال الدين الشيعة، وكبار مراجع التقليد، بوصفهم مُفسِّرين للقرآن الكريم. وهذا هو الجانب الوحيد الذي يُمكن أنْ يُشكِّل مصدر قلقٍ للنظام الإيراني؛ فالنظام يسعى أن يكون خطابه وسياسته تجاه موضوع الحجاب موحداً، ولا يريد تقويض دور رجال الدين. ولكن في الوقت نفسه، لا يريد نقاشاً حول هذه القضيّة حتى بين رجال الدّين أنفسهم. 

ولعلّ حقيقة ما تهدف إليه أوامر خامنئي، هو حرمان رجال الدين من تأدية دورهم الأساسي المتمثّل بإعطاء الرأي، والحكم على المسائل ذات الصلة بالشريعة الإسلامية. ويُمكن أنْ يكون لهذا الأمر تداعيات كبيرة إذا اختار العلماء التدخُّل في الجدل الدائر حول الحجاب، ثمّ قام النظام بمنعهم من القيام بذلك عبر إجراءات قاسية. 

وفي الوقت الحالي، فضّلَ كبار رجال الدين عدم الدخول في هذا النقاش علناً. ومن الواضح أن رجال الدين الموالين للنظام، مثل آية الله مكارم الشيرازي، لا يمتلكون القدر الكافي من التيقُّن الشّرعي للجزمِ بأن "إلزامية الحجاب" جزءٌ من الشريعة الإسلامية. ولذلك، يسعى رجال الدين هؤلاء إلى الالتفاف حول هذه القضية، وعدم اتّخاذ موقف شرعيٍّ صريحٍ منها، لأنهم أنفسهم غير مقتنعين بما يروُّج له النظام. ويبدو أنّ هذا النهج هو الأسلم للكثير منهم، بمن فيهم آية الله الشيرازي. لكنّ الوقوف على الهامش سيكون صعباً إذا أصبحت قضية الحجاب شرارة لصراعٍ عنيف في المجتمع الإيراني.

تزايُد فرص اندلاع صراع أهلي بسبب الحجاب

على مدار تاريخ الجمهورية الإسلامية، غالباً ما لجأ النظام الإيراني إلى تحريض مؤيديه على استهداف معارضيه. ولكنْ نادراً ما أدى هذا التحريض إلى إشعال أيّ نوع من العُنف واسع النّطاق بين الطّرفين في الشارع. ومع ذلك، باتت إيران اليوم تشهد أكثر من أيّ وقتٍ مضَى حوادث اشتباكات جسدية بين أتباع النظام والنشطاء المناهضين للحجاب في الشوارع. ولم تقتصر هذه المناوشات على العاصمة طهران، بل لوحظت في مناطق مُتفرِّقة من البلاد. 

وتعود جذور المشكلة إلى النقطة التي قال عندها خامنئي لأنصار النظام لأول مرة "أطلقوا النار كما تشاؤون" ضدّ أيّ شخصٍ يقاوم النظام وسياساته. وبعبارةٍ أخرى، مثّلت هذه الدعوة تفويضاً لأتباع النظام للتدخُّل، واستخدام العنف للتصدّي لما يمكن أنْ يعتبرونه "حجاباً سيئاً"، وهو في حدّ ذاته وصفٌ مبهمٌ للغاية (ما هو "الحجاب السيء"؟ وكيف يمكن اتخاذ القرار بأنه "سيء"؟). 

مرّة أخرى، باتت الحسابات السياسية لخامنئي حول أفضل السُّبل للسيطرة على المجتمع، تُقوِّض دور رجال الدين، وتُوفِّر ذرائع للعناصر الأكثر تطرُّفاً في المجتمع الإيراني. وهناك أيضاً خطرٌ آخر، وهو أنّ التشدُّد في إنفاذ قوانين الحجاب، سيؤدي بدوره إلى ردّة فعل عنيفة في نهاية المطاف. وتُظهر مقاطع مُصوَّرة منشورة على وسائل التواصُل الاجتماعي الإيرانيّة مشاحنات لفظيّة وجسديّة بين أفراد عاديين، وشرطة الأخلاق (وحتى مع رجال دين) حول مسألة الحجاب الإلزامي.

ولا يُمكن بأيّ حال التقليل من احتمالية نشوب صراع مجتمعيّ أعمَق حول قضية الحجاب في إيران؛ فقد كشفت دراسة مستقلة أجريت عام 2020 أن 72% من الإيرانيين يعارضون إلزامية الحجاب في حين يؤيدها 15% فقط. ويمكن للمرء هنا أن يتخيل حجم التوترات والعنف المحتمل الذي يمكن أن يندلع حول هذه المسألة في الشارع بمجرّد أن تكشف حكومة رئيسي بالكامل عن حملتها لفرض القانون على الحجاب، كما تعهَّدت سابقاً.

الاستنتاجات والتداعيات المحتملة على السياسات

تعكسُ قضية الحجاب الإلزامي حقيقتين أساسيتين: أنّ علي خامنئي يخشى أنْ يؤدي أيّ تخفيف للقوانين الاجتماعية والدينية الصّارمة إلى المطالبة بمزيد من التغييرات. وهو ما يراه خطاً أحمر. وتتسم شخصية خامنئي بعدم الرضوخ للضغط، وخصوصاً من العامّة الذين يعتبرهم مجرّد سُذّج وقعوا ضحية للدعاية والمكائد الغربية. ولذلك، تتمحور مسألة فرض ارتداء الحجاب بشكل رئيس حول الحفاظ على أكبر قدر من السيطرة السياسية، وتحييد الخصوم.

ومع تَعالي الأصوات المعارضة لإلزاميّة الحجاب، وتُشكُّل المزيد من الحملات العامّة ضدّه، هناك خطر حقيقي بأن ينشُبَ صراع عنيف بين المؤيدين والمعارضين له. وهذا من شأنه أنْ يجعل من الصعب على خامنئي مواصلة اتّباع سياسة مُوحَّدة بشأن هذه القضية التي نجح في الحفاظ عليها لغاية الآن خصوصاً بين دوائر النظام. وسيجد كبار رجال الدين أنفسهم تحت ضغط أكبر لاتّخاذ موقف أوضح، وعدم إخفاء مواقفهم الحقيقيّة القائمة بالأساس على تفسيرهم للنصوص الدينية. وبُعبارة أخرى، قد يؤدي الجدل حول الحجاب إلى اتّساع الشّرخ بين العلماء في إيران، وخاصّة بين رجال الدين المؤيدين للنظام ونُظرائهم المُعارضين له. 

وسوف تتواصل الضغوط الاجتماعية، وحتى الدولية، على النظام لتغيير سياسته، وإن كان ذلك غير مرجح إلى حدٍّ كبير، على الأقلّ طالما بقي خامنئي على قيد الحياة. وسوف يكون لهذا القانون تكلفة باهظة على مختلف قطاعات الاقتصاد الإيراني، وخصوصاً قطاع السياحة. وعلاوة على ذلك، سينجم عن قانون إلزامية الحجاب في إيران سلسلة لا نهاية لها من القضايا التي يمكن أن تستخدمها منظمات حقوق الإنسان الدولية، لمعاقبة النظام الإيراني، بدعوى انتهاكه الحقوق الإنسانية والدينية الأساسية لمواطنيه.

عن "امركز الإمارات للسياسات"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية