"دفعة القاهرة": مسلسل ممتع لكنه مخيّب للآمال

"دفعة القاهرة": مسلسل ممتع لكنه مخيّب للآمال


03/06/2019

حمل مسلسل "دفعة القاهرة" آمالاً كبيرة؛ نظراً لأهمية الحكاية التي تتناول رحلة طلبة خليجيين للدراسة في جامعة القاهرة في خمسينيات القرن الماضي؛ إذ رؤية الخليجي وقراءته للوضع السياسي آنذاك تثير الفضول، عدا عن أهمية المرحلة تاريخياً؛ لتزامنها وثورة الضباط الأحرار وما رافقها من تغييرات جذرية في بنية المجتمع المصري وفكر مواطنيه.

ما حدث، منذ مستهل الحلقات، كان ممتعاً فنياً، لكنّه مخيب للآمال، إلى حد ما من ناحية قوة الحكاية وما كان ينتظره المتلقي منها؛ إذ عوضاً عن الانشغال بإرهاصات الوضع السياسي آنذاك، ورؤى المواطن الخليجي، البعيد عن الاشتباكات السياسية، حيال الوضع القائم في مصر، والتي كانت للتوّ قد خاضت حرب ١٩٤٨ في فلسطين ومن ثم قلبت النظام الملكي واستبدلته بالجمهوري، فإنّ الأبطال انشغلوا في المقام الأول والأخير بالهموم الوجدانية.

حُمِّلَ مسلسل "دفعة القاهرة" آمالاً كبيرة؛ نظرا لأهمية الحكاية

بل حتى المشهد الأكاديمي، ظهر باهتاً خجولاً وغير مقنع، رغم كون الحكاية تستند لفكرة بعثة دراسية تتوجه للقاهرة. لم يحضر أساتذة الجامعة بشكل كاف ولم تظهر شخصياتهم ورؤاهم، ولم نجد زملاء الدراسة، ولا جودة التدريس في مصر آنذاك، بل كل ما وجدناه كان مجرد علاقات حب بين طلبة أتوا من الكويت للدراسة. وهنا يتساءل المتلقي: ما الفرق بين علاقات وجدانية كهذه، وبين العلاقات الوجدانية ذاتها لو تم تصويرها في الكويت؟ في الحقيقة لا فرق، سوى توظيف بعض الأحداث السياسية المصرية، آنذاك، لإيجاد مبرر درامي لحكاية الحب بين الطلبة الكويتيين وما يترافق معها من تعقيدات، من قبيل فقدان الذاكرة لدى أحد الطلبة جرّاء إصابته خلال العدوان الثلاثي، وما تمخض عنه من إنكار حمل زميلته التي كان قد تزوجها بالسر.

هناك اختزال شديد لدور المصري في مسلسل "دفعة القاهرة" الذي كان ينتظر المتلقي حضوره بالتوازي مع الكويتي

لن يكون المتلقي طماعاً كثيراً فيتساءل: لماذا لم يحضر الشقيق العربي في المسلسل؛ إذ كانت القاهرة وبيروت منارة تعليم العرب في ذلك الوقت، وكانت الحكاية ستكون أكثر ثراء لو ضمت طلبة عرباً، بل سيكتفي المتلقي بسؤال: لماذا لم يحضر الشقيق المصري، فحسب، بقوة؟ المصريون كانوا على هامش الحكاية، منهم الضابط الذي لم نره سوى مغازل بلا شغل ولا مشغلة أخرى، وكان حضوره لا يتجاوز الشرفة أو المصعد، والممثلة التي كاد لها الطلبة الكويتيون فتسببوا بموتها بشكل أو بآخر بعد أن تعلق زميلهم بها، والخادمة في المنزل، والمشرفة على الطالبات والتي تمارس دور شرطي النظام في الغالب، وأستاذ الجامعة الذي يحضر بعبارات مقتضبة، والطبيب الذي يمسكه الطالب الكويتي من قبة معطفه الطبي؛ لأن تشخيصه لم يرق له، والمقاتل المصري الذي لم يحضر سوى كومبارس في العدوان الثلاثي.

اقرأ أيضاً: مسلسل Wild Wild Country: يُسائل الديمقراطية الأمريكية

في هذا اختزال شديد لدور المصري، الذي كان ينتظر المتلقي حضوره بالتوازي مع الكويتي؛ ذلك أنه المستضيف هذه المرة وليس الضيف، وهو من يمتلك المظلة الروحية والسياسية والثقافية لعموم العالم العربي آنذاك.

 

السينوغرافيا كانت معقولة نوعاً ما، وإن ظهر عليها الافتعال في مرات، فيما بيان الشخصيات النفسي لم يكن مختلفاً كثيراً عن بيان الشحصيات التي تظهر في المسلسلات الكويتية التي تتناول الحقبة الحالية؛ إذ لم تكن هنالك خصوصية ثقافية واجتماعية لشخصيات تلك المرحلة، ما ضاعف حالة الإحباط لدى المتلقي. كما تكررت لازمات عدة باتت مشتركة في معظم الأعمال الكويتية، مثل موت شخصيات في المسلسل بطريقة مفتعلة؛ لإحداث مزيد من الدراما، وطرح قضية الخيانات الزوجية التي باتت علامة تجارية ثابتة في جل الأعمال الفنية الكويتية. وحريّ بالذكر في هذا المقام، استذكار الحالة الفنية التي أفرزتها الكويت في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، محققة بذلك الريادة على مستوى العالم العربي، بيد أنها منذ غزو الكويت فصاعداً فقدت ذلك الوهج، بل ثمة من يتعجّب من أفول نجمها على الرغم من الزخم المادي الذي يقف وراءها حالياً، ومن اختفاء الكيمياء الإبداعية التي أفرزتها تلك الحقبة، والتي توارت الآن، بعمقها القومي العربي وطرحها الاجتماعي الهادف وسويّتها الفنية العالية.

 

اقرأ أيضاً: هل تجتمع الإنسانية مع العنف في الثقافة العامة؟.. مسلسل الهيبة نموذجاً

على الرغم مما سبق، يعدّ مسلسل "دفعة القاهرة"، للمؤلفة هبة حمادة والمخرج علي العلي، ممتعاً وقادراً على شد المتلقي له حتى النهاية، وهذه تحسب له.

بوسع الشعوب العربية برمتها البناء على أفكار من هذا القبيل، تطرح الثيمة العربية المشتركة، ثقافياً وسياسياً وجغرافياً ومن النواحي كلها، من خلال حكايات يصار فيها للتبادل الطلابي والثقافي والسياحي بين الدول العربية، ولتنطلق الحكاية من هذه النقطة، وليحضر فيها الآخر بلا أدنى تهميش، بل كجزء مؤثر من الحكاية، بعيداً عن النمطية في رسم شخصية الآخر، وبأداء مقنع وسيناريو محبوك بعناية.

 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية