"راجعين يا هوى" يُعيد أسامة أنور عكاشة إلى الدراما الرمضانية

"راجعين يا هوى" يُعيد أسامة أنور عكاشة إلى الدراما الرمضانية


18/04/2022

هدى ياسين

ترقب الجمهور عودة الكاتب الراحل الكبير أسامة أنور عكاشة بعد عشر سنوات من رحيله خلال موسم رمضان الجاري عبر مسلسل "راجعين يا هوى" الذي يطرح حكاية "بليغ أبو الهنا" العائد إلى مصر بعد سنوات من الغياب، ليبدأ بمواجهة كيفية سداد ديونه الطائلة، نتيجة خسائر تجارته في أوروبا، فيحاول استعادة حقه في الميراث من ورثة أخيه المتوفى، الذين تشتعل بينهم الكراهية والضغائن، لكنّ دخوله في حياتهم يجعله يواجه مهمة أكثر صعوبة تتمثل في كيفية لمّ شمل العائلة بالحب والتآخي مجدداً.

 "راجعين يا هوى" مأخوذ عن مسلسل إذاعي لعكاشة أذيع في 2003، وقام بعمل المعالجة الدرامية والسيناريو والحوار محمد سليمان عبد المالك وإخراج محمد سلامة، وبطولة خالد النبوي ونور اللبنانية وهنا شيحة وأنوشكا وأحمد بدير ووفاء عامر وشريف حافظ وطارق عبدالعزيز وإسلام جمال.

لا شك في أن ثمة مسؤولية كبيرة تقع على عاتق أي كاتب ينوي خوض تجربة إعادة تقديم أحد أعمال عكاشة الذي يحظى بمكانة كبيرة لدى الجمهور العربي، ويظل التحدي هو كيفية الحفاظ على روح وإيقاع الكاتب الراحل الذي ارتبط الجمهور بأعماله وإلا كان السقوط مدوياً. واستطاع سليمان عبد المالك النجاة من هذا الفخ ببراعة، إذ يحقق العمل نجاحاً لافتاً على المستوى النقدي والجماهيري، وضجت مواقع التواصل الاجتماعي بالإشادة بالعمل.

وارتبط أسامة انور عكاشة في عقلية أجيال عدة بأعمال كبيرة ما زالت عالقة في الأذهان، وهو ما يثير قلق أي كاتب يحاول الإقدام على إعادة تقديم أعماله، إذ ستحدث المقارنة لا محالة، خصوصاً أن آخر تجربة مستوحاة من مؤلفاته كان الجزء السادس من رائعته "ليالي الحلمية" في 2016، ولم يكن على المستوى المطلوب فواجه فشلاً ذريعاً.

تحدث سليمان عبدالمالك عن هذه التجربة قائلاً: "ساورتني مخاوف شديدة استمرت حتى بدء عرض المسلسل، لكنني فوجئت بردود أفعال إيجابية فاقت توقعاتي، فهي مسؤولية ضخمة خصوصاً أن عكاشة هو أحد أعمدة الدراما التلفزيونية، وصاحب بصمة في تغيير تاريخها، ونقل الكتابة الدرامية التلفزيونية من مستوى إلى آخر أعلى، ورفع السقف ليس أمام جيله فقط لكن أيضا أمام الأجيال المقبلة. وأضاف: "كل هذه التحديات ماثلة أمامي لكنني ارتحتُ جداً في وجود المخرج محمد سلامة، والنجم خالد النبوي وفريق من الفنانيين الكبار وشركة الإنتاج.

كواليس تحويل العمل

وحول فكرة تحويل مسلسل إذاعي لعكاشة إلى آخر تلفزيوني كشف عبد المالك "للنهار العربي": "ثمة أبعاد عدة لذلك أولها أنني طوال عمري تراودني أمنية تحويل أحد أعمال "عكاشة" أكان أدبياً أو إذاعياً أو تلفزيونياً إلى عمل جديد معاصر، إذ اعتبر نفسي ابن مدرسته رغم أنه لم يحالفني الحظ لمقابلته لكنّني تربيت على أعماله وربما أصبحت كاتباً درامياً تأثّراً به، وثانياً كنت أطمح هذا العام الى تقديم عمل اجتماعي كوميدي خفيف، إذ قدمت أنواعاً مختلفة بينها الأكشن والغموض والجريمة والرعب والكوميدي الصارخ والفانتازيا وكانت أمنيتي تقديم "لايت كوميدي"، ووجدت ضالتي في هذا العمل، بجانب كونه أشبه برد الجميل لعكاشة الذي أحببته وتربيت على أعماله.

ورغم أن عبد المالك كتب أعمالاً صعبة من قبل،  لكنه يعتبر "راجعين يا هوى" هو أصعبها، ليس لكونه مأخوذاً عن عمل آخر فقط، ولكن أيضاً لأنه يرى أن الكوميديا الممتزجة بالدراما هي أصعب نوع في الكتابة، فالبساطة دائماً هي الأصعب.

وكشف عبد المالك كواليس الإعداد للعمل قائلاً: "في البداية اقترح ممثل الشركة المتحدة (الجهة المنتجة) يسري الفخراني، وهو على صلة جيدة بالراحل أسامة أنور عكاشة، صناعة هذا العمل خارج موسم رمضان في 15 حلقة فقط، وحدثت بيننا مشاروات كثيرة وحاولت إقناعهم بأنه يصلح للمنافسة في رمضان عبر 30 حلقة من دون مط أو تطويل، لأنني ارتأيت أن القصة والشخصيات تحتمل ذلك".

من الوسيط الإذاعي إلى التلفزيوني

وقع عبد المالك أمام صعوبات عدة، أولها تحويل العمل من الوسيط الإذاعي إلى التلفزيوني وهو تحدٍ صعب لكنه يراه ممتعاً، فالمسلسل الإذاعي كان بسيطاً في قطاعاته وشخصياته، وتطلب تحويله للشاشة تحدياً على مستوى الوقت لأنه سيكون أطول بطبيعة الحال، واعتمد عبد المالك أيضاً، على المعالجة البصرية فالإذاعة تعتمد على خيال المستمع لكن الشاشة هي التي تحكي القصة، إضافة إلى الحوار والتدفق الدرامي. ووفقاً لهذين المستويين، قام بتطوير الشخصيات واستوحى أخرى من عالم أسامة أنور عكاشة مدعماً بها الشخصيات الموجودة فعلياً، الى جانب إضافة بعض الخطوط الدرامية.

وإحدى المعالجات البصرية التي قام بها أن طرفي العائلتين (زوجتي أخ بليغ) كانتا في صراع دائم لكنهما لم تعيشا في قصر واحد مقسم إلى جزءين في العمل الأصلي، فأوجد هذه المعالجة البصرية بحيث جعل الصراع نفسه مجسداً على هيئة الحائط الذي سمّاه بليغ "سور برلين".

وعلى المستوى ذاته، كان عبد المالك واعياً بعوالم عكاشة، ومُدركاً أن الإسكندرية مكوّن مهمّ من مكونات المكان لدى "عكاشة" فجعل الأبطال في أحد المواقف يسافرون إلى هناك، حيث تقع بعض الأحداث.

وثمة تحدٍ آخر واجه عبد المالك وهو الاقتراب من عالم أسامة أنور عكاشة والابتعاد عنه في آن، بحيث يستحضر روح دراما عكاشة من دون أن تغيب بصمته وبصمة صناع العمل وهو ما يوضحه بقوله: "حاولت أن استوحي من النص الأصلي "عالم عكاشة" بقدر ما أستطيع، ولكن تظل المعالجة الدرامية وعالم 2022 حاضراً، لذلك من يبحثون عن عكاشة داخل العمل ربما لن يجدوه مثلما تخيلوه، بل سيجدون أن روحه مسيطرة وأيضاً روح صناع المسلسل واضحة".

البحث عن الهوية والجذور

نسج عبد المالك دراما اجتماعية زاخرة بعناصر عدة بينها صراعات عائلية متشابكة، وكوميديا خفيفة نابعة من روح الشخصيات المستوحاة من عوالم عكاشة. وخلق عالماً متوازناً يجمع بين البيئة الشعبية المصرية، مثل حيّ "الجمالية" و"مصر القديمة" حيث الأصالة بعيداً من العنف والعشوائية، ليمزجها ببراعة مع عالم آخر راقٍ لكنه لا يشابه عالم الكمباوندات المسيجة بالأسوار التي امتلأت بها الدراما المصرية والتي لا تعبّر عن كل طبقات المجتمع، فخرج العمل متوازناً على المستوى الاجتماعي تتراوح أحداثه بين أماكن شعبية وأخرى راقية شبيهة بمصر، وبها روح أماكن عكاشة.

وأكد ذلك بقوله: "كنت واعياً لذلك ولم يأتِ مصادفة، إذ أرى أن الدراما الشعبية اتخذت منحى الاحتفاء بالقبح والفجاجة، وهو شيء سيئ وقبيح ولا أحبذ خوضه أو صناعته، كما أن دراما الكومباوندات منفصلة وبعيدة من الناس، وهناك أيضا دراما الفورمات الأجنبي (رغم أنني لست ضدها)، لكن في ظل وجود هذه النوعية من الأعمال، غابت أصولنا وجذورنا في الأعمال الدرامية، التي ظل الأساتذة الكبار يبحثون عنها لتقديمها".

رحلة البحث عن الجذور هي العنوان الأكبر في "راجعين يا هوى"، وكيفية تقديم عمل بروح مصرية خالصة تشابهنا وتشبه البيوت والناس وتحتفي بالجماليات، ونوه عبدالمالك: "أؤمن أن دورنا هو الارتقاء بذوق الناس وليس الانحدار به ومخاطبة غرائزهم سواء بالجنس أو العنف، فعندما تعتاد العين على الأشياء الجميلة سترتقي روح المتلقي، ودورنا هو تقديم الجماليات وليس الاحتفاء بالقبح.

تكرار التجربة                                    

يبدو نجاح هذه التجربة مغرياً ومشجّعاً على تكرراها مجدداً، ما قد يدفع عبدالمالك إلى خوضها مستقبلاً سواء عبر تحويل نصوص أخرى لعكاشة أو غيره من كبار الكتاب إلى أعمال درامية تلفزيونية.

وهو ما يؤكده بقوله: "أحبذ تكرار التجربة سواء مأخوذة عن أعمال أدبية أو إذاعية أو تلفزيونية أو مسرحية، فإعادة الصناعة أو التحويل من وسيط إلى وسيط أراه مهماً، رغم أنني أمتلك أعمالي الأصلية من تأليفي، لكن لا يستهويني تصنيفي في إطار واحد، فعندما كتبت "ممالك النار"، بدأت الناس تنصحني بالتركيز في الأعمال التاريخية، لكنني أحب دائماً التطوير والتغيير والتجريب".

مشروع الذاكرة الإنسانية

يعتبر أسامة أنور عكاشة واحداً من المؤلفين أصحاب الرؤية والمشروع، ويحاول محمد سليمان عبدالمالك أن يكون له هويته ومشروعه الخاص بالكتابة الدرامية إسوة بأساتذة كبار، وهو ما اتضح عبر مسلسله "ممالك النار".

ويعتبر الكاتب الشاب أن مشروعه هو "الذاكرة" بمعناها الذي يمكن أن يتطور إلى الهوية والوجود والجذور والمنابع، ففكرة الذاكرة الإنسانية هي  التي تشغله عموماً ويشرح بقوله: "الإيقاع السريع لحياتنا هو الغالب، وانفتاح العالم على بعضه وسهولة الحصول على مصادر المعرفة جعل نطاق الانتباه للإنسان أقل، في الماضي كنا نواجه صعوبة في الحصول على كتاب أو معلومة، لكن اليوم كل شيء تحت أيدينا، وكلما بذلت جهداً ومشقة في العمل كلما عاش أكثر، وأيضاً يتحول إلى "ذاكرة الأمة والشعوب"، في ظل طوفان من الصور والمعلومات والأعمال التلفزيونية والسينمائية التي تطاردنا يومياً، والتحدي هو أن نصنع الذاكرة الخاصة بنا وهو ما قمت به في مسلسل "اسم مؤقت"، و "الحصان الأسود" و"ممالك النار" عندما عدت بالذاكرة إلى منطقة مجهولة من تاريخنا، وإدراكي الأساسي طوال الوقت هو "الذاكرة" لأنني أخشى أن نفقد ذاكرتنا فنتحول إلى مسوخ".

عن "النهار" العربي


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية