"ربيع إسرائيل": هل يتراجع نتنياهو في مواجهة الاحتجاجات الصاخبة؟

ربيع إسرائيل: هل يتراجع نتنياهو في مواجهة الاحتجاجات الصاخبة؟

"ربيع إسرائيل": هل يتراجع نتنياهو في مواجهة الاحتجاجات الصاخبة؟


21/03/2023

تشهد إسرائيل حراكاً احتجاجياً بشكل متزايد في مواجهة حكومة بنيامين نتنياهو، حيث يتظاهر مئات الآلاف من الإسرائيليين ضدّ الحكومة اليمينية المتطرفة منذ كانون الثاني (يناير) الماضي، في احتجاجات هي الأكبر في تاريخ الدولة العبرية، منذ نشأتها على الأراضي الفلسطينية المحتلة في العام 1948.

الاحتجاجات انطلقت بالأساس من أجل التصدي لإجراءات حكومة نتنياهو الرامية إلى الهيمنة على المؤسسة القضائية، والتي من شأنها إضعاف استقلالية المحكمة العليا في البلاد، وتهيئة الظروف لحكم مطلق للأغلبية؛ ليصل ردّ الفعل الغاضب على هذه الإجراءات إلى مجموعات مؤسّسية قوية في الداخل الإسرائيلي، حيث أضربت مجموعة من الطيارين المقاتلين عن العمل، وكذا عمال التكنولوجيا، كما انضم رؤساء الوزراء السابقون إلى الاحتجاجات، بالإضافة إلى شخصيات بارزة في مجالات الأمن، والتكنولوجيا المتقدمة، والمالية، والأكاديميا.

ويبدو واضحاً أنّ حكومة نتنياهو تسعى تجاه تقويض استقلال القضاء، والتخلي عن مبدأ الفصل بين السلطات، في توجه نحو الهيمنة بشكل مطلق على المؤسسات، بالتزامن مع الإمعان في ضم المزيد من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية. وهو الأمر الذي مهّد له نتنياهو عن طريق تمكين المستوطنين الذين يدافعون عن سياسات التفوق اليهودي، حيث يشغل هؤلاء الآن حقائب وزارية قوية. وفي وقت سابق دعا وزير المالية بتسلئيل سموتريتش إلى محو قرية حوارة الفلسطينية، كما حرّض وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير على العنف تجاه الفلسطينيين، وتتجلى هذه التوجهات اليمينية بشكل يومي في التصعيد الذي يمارسه الجيش الإسرائيلي تجاه مدن وقرى الضفة الغربية؛ كجزء من حملة القمع اليمينية.

لماذا يحتج الإسرائيليون؟

منذ انتخاب نتنياهو للمرة السادسة في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، على رأس الحكومة الأكثر تطرفاً وعنصرية وإقصائية في تاريخ إسرائيل، سعى رئيس الوزراء لإجراء تغييرات على المحكمة العليا، من شأنها أن تقضي على استقلالها وسلطتها.

مؤيدو خطط الحكومة يزعمون أنّ النظام الحالي الذي يسمح بأن يكون للقضاة يد في اختيار قضاة المستقبل، هو نظام منعزل ونخبوي وغير ديمقراطي، حيث يتم اختيار القضاة حالياً من قبل لجنة مؤلفة من سياسيين وقضاة وخبراء قانونيين.

حكومة نتنياهو تسعى تجاه تقويض استقلال القضاء والتخلي عن مبدأ الفصل بين السلطات

من جهة أخرى، تظاهر نحو نصف مليون إسرائيلي يوم 11 آذار (مارس) الجاري، في مسيرة "يوم المقاومة"؛ احتجاجاً على خطط الحكومة الإسرائيلية لإدخال تغييرات قضائية. ويقول المنظمون إنّ نصف مليون إسرائيلي شاركوا في الاحتجاج الأخير ضد الإصلاح القضائي لنتنياهو.

منظمو حركة الاحتجاج قالوا في بيان لهم: "هذا ليس إصلاحاً، بل هو إعلان حرب من قبل حكومة إسرائيل على مواطنيها، وعلى الديمقراطية؛ فالتشريع الذي يحاولون تمريره هو الفصل الأول في تحويل إسرائيل إلى ديكتاتورية".

مؤيدو خطط الحكومة يزعمون أنّ النظام الحالي الذي يسمح بأن يكون للقضاة يد في اختيار قضاة المستقبل، هو نظام منعزل ونخبوي وغير ديمقراطي

وبحسب موقع (VOX) الإخباري الأمريكي، فإنّ إجراءات الحكومة سوف تحد من قدرة المحكمة على إلغاء القوانين التي ترى أنّها غير دستورية، وتسمح للأغلبية البسيطة في الكنيست برفض قراراتها، بالإضافة إلى مشروع قانون آخر من شأنه أن يجعل من الصعب على المحاكم إعلان أنّ رئيس الوزراء "غير لائق للمنصب".

كما أنّها تمنح المشرعين الحكوميين والمعينين سلطة فعالة على اللجنة المكونة من (9) أفراد فيما يخص تعيين القضاة، وتلغي السلطات الرئيسية للمدعي العام؛ الأمر الذي يضعف من سلطة القضاء المستقل، في نظام برلماني يفتقر إلى الضوابط.

وبحسب مسح أجراه مؤخراً معهد الديمقراطية الإسرائيلي، يعتقد 66% من الإسرائيليين أنّ المحكمة العليا يجب أن تتمتع بسلطة إلغاء أيّ قانون، إذا كان يتعارض مع الدستور. ويرى المحتجون أنّ نتيجة الإصلاح القضائي المزعوم سوف تفضي إلى شكل من أشكال حكم الأغلبية المطلق، حيث ستواجه الأقليات، وخاصة عرب إسرائيل الذين يشكلون حوالي 20% من السكان، واقعاً مؤسفاً، وهو ما يتناقض مع العنصر الأساسي للديمقراطية، التي كثيراً ما تشدقت بها إسرائيل، بحسب ناتان ساكس الباحث في معهد بروكينغز.

زعيم المعارضة، رئيس الوزراء السابق، يائير لابيد، رفض بدوره التغييرات، واصفاً إياها بأنّها "مخطط استيلاء سياسي عدائي على نظام العدالة". مضيفاً: "هذه ليست لجنة لاختيار القضاة، هذه لجنة لاختيار الزملاء، وهذا بالضبط ما خططوا له منذ اليوم الأول".

تسعى الحكومة اليمينية إلى تمرير مشروع قانون الاختيار القضائي، قبل بدء عطلة عيد الفصح اليهودي في 5 نيسان المقبل

رئيس الوزراء الإسرائيلي اتهم المتظاهرين بــ "سحق الديمقراطية"، وتعهد بأن يمضي ائتلافه اليميني المتطرف قُدماً نحو إقرار تشريعات مثيرة للجدل؛ لتقييد سلطة القضاء.

وفي لقاء له مع أعضاء برلمانيين من حزب الليكود اليميني أدان نتنياهو قيادة الحركة الاحتجاجية، وقال إنّها تمثل تهديداً بالحرب الأهلية، وإراقة الدماء في الشوارع. مضيفاً: "لقد قام الشعب باختياره الانتخابي، وسيمارس ممثلو الشعب حقهم في التصويت هنا في الكنيست".

جدير بالذكر أنّ التصويت الأولي في الكنيست شهد نقاشاً لاذعاً، استمر حتى منتصف الليل، وخلال الجلسة هتف نواب المعارضة: عار. ولفوا أنفسهم بالعلم الإسرائيلي، بينما تمّ طرد البعض من القاعة.

محاولة إحتواء غضب الشارع

أعلنت حكومة بنيامين نتنياهو يوم الإثنين 20 آذار (مارس) الجاري عن تغيير جزء رئيسي من خططها المثيرة للجدل، حول إصلاح النظام القضائي في البلاد، في أول تراجع لها في مواجهة الاحتجاجات الكبيرة، والتي تزامنت مع انتقادات وجّهها الرئيس الأمريكي جو بايدن للحكومة اليمينية.

وبحسب شبكة "سي إن إن" الأمريكية، أعلن النائب الذي يقود عملية الإصلاح  سيمشا روثمان عن تغييرات في خطط الحكومة، وقال: إنّ البرلمان سوف يؤجل إقرار بنود أخرى من الخطة إلى ما بعد عطلة عيد الفصح.

سيمشا روثمان: البرلمان سوف يؤجل إقرار بنود أخرى من الخطة إلى ما بعد عطلة عيد الفصح

وكان مشروع القانون الأصلي لتغيير كيفية اختيار القضاة قد أنشأ لجنة اختيار يكون للأعضاء المعينين من التحالف الحاكم أغلبية واضحة فيها، الخطة الجديدة تحد نسبياً من هيمنة الائتلاف الحاكم، وتمنحه أغلبية مقعد واحد في لجنة اختيار القضاة.

وتسعى الحكومة اليمينية لتمرير مشروع قانون الاختيار القضائي، قبل بدء عطلة عيد الفصح اليهودي في 5 نيسان (أبريل) المقبل، بينما لن يتم الآن التصويت على الجزء الأكبر من حزمة التشريعات حتى جلسة الكنيست التالية في نهاية نيسان (أبريل).

أعرب حلفاء إسرائيل، بما في ذلك الولايات المتحدة وألمانيا، عن قلقهم بشأن الإصلاح الشامل، ودعوا إلى التوصل إلى توافق بشأن الإصلاحات

رؤساء الأحزاب المعارضة دوعوا إلى الاستفادة من فترة العطلة التي تستمر لمدة شهر، والتي لا يمكن خلالها التصويت على الإجراءات التشريعية في الكنيست من أجل إجراء مفاوضات حقيقية؛ بهدف الوصول إلى تفاهم بشأن بنود توافقية.

وعلى الصعيد الدولي، أعرب حلفاء إسرائيل، بما في ذلك الولايات المتحدة وألمانيا، عن قلقهم بشأن الإصلاح الشامل، ودعوا إلى التوصل إلى "توافق" بشأن الإصلاحات، بدلاً من فرض الحكومة إجراءات أحادية الجانب.

مواضيع ذات صلة:

العصيان داخل الجيش: بوادر حرب أهلية في إسرائيل

هل ستواجه إسرائيل التصعيد الأعنف خلال رمضان؟

هجوم كفر سوسة بدمشق: تعددت الأسباب الإسرائيلية.. والهدف واحد



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية