رد فعل مختلف تجاه "الإسلاموفوبيا"

رد فعل مختلف تجاه "الإسلاموفوبيا"

رد فعل مختلف تجاه "الإسلاموفوبيا"


16/05/2023

مصطفى الفقي

هذا موضوع شائك على مستوى العالمين الإسلامي والعربي، وأنا أريد أن أطرح هنا تصوراً مغايراً لما تعودنا عليه، كلما جرى هجوم على الإسلام الحنيف أو نبيّه الكريم؛ تخرج التظاهرات، وتنتشر الاحتجاجات، وقد يسقط ضحايا خلالها، لأن المساس بالعقيدة يستنفر أصحابها، ويدفعهم لرد فعل غاضب وعنيف، تكون نتائجه سلبية على الإسلام والمسلمين؛ حيث نبدو وكأننا قد أصبحنا رد فعل لكل من يحك يده على أنفه كما يقول المثل الشائع، مستفزاً المسلمين في مشاعرهم على نحو يخدش إيمانهم الذي لا يتزعزع. 

ولقد اكتشفت أن تلك الحرب الاستفزازية موجودة منذ العصور الوسطى، مثلما هي اليوم أو أكثر، وأن الإسلام كان مستهدفاً على الدوام، ولم تتوقف الحملات ضده، ولا الافتراءات على أتباعه، وقد قال لي أكثر من مرة أستاذ الفلسفة الإسلامية الراحل د.محمود زقزوق وزير الأوقاف المصري الأسبق، والذي درس في أوروبا سنوات طويلة، أن استهداف الإسلام من خلال أكاذيب المغرضين، وافتراءات الحاقدين ليس جديداً؛ بل عرفته عصور أخرى جرت خلالها محاولات تشويه الدين الإسلامي، وبلغت حدوداً من الضراوة والقسوة، لكن الإسلام بشموخه ومكانته، ظل عصياً على أعدائه، لا ينالون منه، ولا يقدرون عليه.

 لذلك فإن الرسوم المسيئة إلى الرسول الكريم محمد - صلى الله عليه وسلم – ليست جديدة، ولا بنت الحاضر وحده؛ بل هي تراكم عبثي لعقول مريضة، ونفسيات متعصبة، حاولت دائماً أن تنال من الإسلام وأتباعه، ولديها رواسب من مواجهات حروب الفرنجة المسماة خطأً ب«الحروب الصليبية»، بينما المسيحية النقية منها براء. 

كذلك فإن مواجهة الأندلس عند سقوطها، وطرد المسلمين منها، كانت هي الأخرى محطة من محطات المواجهة التي تركت أثراً سلبياً في صورة الإسلام لدى من لا يعرفونه جيداً، ولا يدركون أعماق فلسفته المتسامحة، والتي تتعايش مع الآخر ولا تعاديه. وإذا كان اليهود يصيبهم الفزع إذا جرى المساس بما يعدونه سامّياً مع أن ذلك هو جنس لا ينفردون به وحدهم، فالعرب ساميون أيضاً، لكن الدهاء اليهودي تمكن من بلورة إحساس مريض يخصهم لابتزاز الآخرين، وتصوير ما يسمونه بالسامية، وكأنها قدس الأقداس، وأن أي نقد لخطايا اليهود وجرائم إسرائيل، هو جريمة في حق الجميع. 

ولقد تمكنوا من الحصول على تشريع أممي بتجريم العداء للسامّية، بينما لا زلنا نحن  المسلمين  نسعى لاعتبار الإسلاموفوبيا جريمة موجهة ضد ذلك الدين السمح في جوهره النقي، ومعدنه السليم الذي جعل التفكير فريضة إسلامية، وفتح باب الاجتهاد، واعتبر أن ما تُجمع عليه الأمة في وقت معين، هو جوهر القرار المشترك لجموع تلك الأمة، ما دام يصب في مصلحتها، ولا يتعارض مع غيرها؛ لذلك فإن الذين يعادون الإسلام، لا يدركون مراميه الحقيقية، وأهدافه الصادقة. 

 لقد مرت جنازة أمام النبي - صلى الله عليه وسلم – فانتفض واقفاً، وقال له بعض الصحابة: يا رسول الله إن الجنازة ليهودي، فأجابهم بعبارته الخالدة: أوليست لنفس بشرية؟ لذلك فإن الذين يحرقون المصحف الشريف، ويتطاولون على الإسلام الحنيف، هم مدفوعون بجهل شديد، وحقد دفين، ولهم أهداف خبيثة، تسعى إلى تعويق الدين، والعدوان على فلسفته العميقة، لكن الشيء الغريب هو أننا نسقط في الفخ كل مرة، ولا نستيقظ إلا ونحن موضع الشماتة في بحيرة من الأكاذيب والأراجيف والافتراءات.

 لذلك فإنني أطالب مخلصاً بضرورة تغيير ردود الفعل الإسلامية تجاه الجرائم التي يرتكبها أعداء الإسلام، مقتنعاً أنها فقاقيع فاسدة، لا تلبث أن تنتهي وتصبح بغير أثر. فلو لم يكن هناك رد فعل كبير لدى المسلمين عن كتاب سلمان رشدي ما عرف عنه الناس اسمه، ولا ما كتبه ولا ذاع صيته إلا بردود فعلنا، والتفرغ لإدانة ما يقال ضدنا غير مدركين أن ذلك هو الهدف من فعلتهم الشنعاء، وجريمتهم المتكررة التي تعكس الحقد الدفين على دين ينتشر أتباعه في أنحاء الكوكب، وترتفع مآذن مساجده في أنحاء الدنيا؛ لذلك فإنني أدعو المسلمين إلى التريث والتوقف عن الاندفاع في مواجهة كل استفزاز يتحرش بنا أو يسعى إلى النيل من عقيدتنا، ويبقى لنا فقط السعي من خلال المنظمات الدولية، لإيقاف ذلك الطوفان من العدوان الآثم على عقيدتنا. 

إن الإسلاموفوبيا هي واحدة من جرائم العصر التي تكرّس عنصريتها، وتفتح أبواب الخلاف الذي لن يوصد أبداً. المسلمون يحترمون كل العقائد، ويؤمنون بأن الدين لله، وأن الأوطان لأبنائها من دون تفرقة أو تمييز أو إقصاء.

عن "الخليح" الإماراتي



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية