"رمضان أوروبا" بين الدين والسياسة

"رمضان أوروبا" بين الدين والسياسة


06/04/2022

فيديل سبيتي

يرتفع عدد المسلمين في أوروبا عقداً بعد الآخر، بسبب التكاثر أو التوسع الديموغرافي، وبسبب الهجرات المتواصلة من مختلف أنحاء العالم الإسلامي نحو القارة العجوز، هرباً من الحروب، وبحثاً عن حياة كريمة تحترم الإنسان وحقوقه. 

ومنذ عام 2011 مع بدء ثورات ما يسمى بـ "الربيع العربي"، ومن ثم الحروب الكثيرة التي تلته، سواء في سوريا واليمن وليبيا والسودان والصومال وإثيوبيا وإريتريا، أو في أنحاء شمال أفريقيا، واضطهاد مسلمي الروهينغا بميانمار والإيغور في الصين، من ثم الانسحاب من أفغانستان، ارتفع عدد المهاجرين الشرعيين وغير الشرعيين إلى أرقام عالية جداً، وقفت أمامها أوروبا في حيرة كبيرة.

وعالجت كل دولة أزمة لاجئيها على طريقتها الخاصة، فسمحت ألمانيا باستقبال عدد كبير من المسلمين، بينما لم تسمح فرنسا بذلك، إلا بشروط عريضة، وكذلك فعلت إيطاليا واليونان وإسبانيا دول المعبر للمهاجرين، نحو الداخل الأوروبي، إلى ألمانيا وبريطانيا والدول الإسكندنافية.

الدين والقانون.. الإسلام والعلمنة

مسلمو أوروبا موجودون فيها من زمن بعيد، ولو أن الهجرة كاثرت أعدادهم، ولكن لا بد من التفريق بين مسلمين قدماء باتوا جزءاً من النسيج الاجتماعي الأوروبي، بعد ما وفقوا بين قواعد الدين والقانون العام، والمسلمين الجدد الذين ما زالوا في مرحلة التأقلم، التي تبذل الدول الأوروبية جهوداً مضاعفة لإدماجهم وجعلهم جزءاً من المجتمع، كما غيرهم من المهاجرين.

وبغض النظر عن الإسلاموفوبيا، التي انتشرت في أوروبا، نتيجة لهجمات كثيرة ارتكبتها بها مجموعات إسلامية متطرفة، مثل هجوم قطارات مدريد، وهجمات لندن وباريس، ومنها مجزرة شارل إيبدو الشهيرة. هذه العمليات لم تؤسس للإسلاموفوبيا لدى الجماعات اليمينية الأوروبية المتطرفة فقط، بل ولدى عدد كبير من الأوروبيين المعتدلين. 

كما أدى التشدد في ممارسة الطقوس الدينية الإسلامية إلى رفع الحذر العام بالمجتمعات الأوروبية العلمانية بأكثرها. مثل تحجيب المرأة أو تزويج القاصرات أو رفض مسايرة عدد من القوانين العامة، التي تتنافى مع قواعد الدين الإسلامي. 

وحاولت الحكومات الأوروبية بشتى الطرق القضاء على هذا النوع من التمييز والخلافات أو استبعاد المسلمين من الاجتماع الأوروبي العام، لمنع نشوء تكتلات اجتماعية دينية متطرفة في الأحياء الفقيرة، التي غالباً ما يسكنها مهاجرون مسلمون وآخرون من جنوب الصحراء الأفريقية. ويسهم انغلاقها في أن تكون تربة خصبة لظهور الجماعات الإرهابية. 

لمحاربة كل هذا التشدد والتطرف، جاء شهر رمضان ليكون من أهم الوسائل التي اعتمدتها الحكومات والمجتمعات الأوروبية كي تتقرب من المسلمين، الذين باتوا يشكلون كتلاً سكانية ضخمة ومؤثرة في السياسة العامة داخل كل دولة وبنسب متفاوتة.

فرمضان هو شهر "الرحمة والغفران" في الدين الإسلامي، وهو شهر الفرح والسرور لهم في كل مكان. وفيه تلتقي العائلة على موائد الإفطار بعد طول استغراق في التباعد نتيجة كورونا أو نتيجة الانشغال بهموم الحياة الكثيرة في الدول الأوروبية، التي تخفف من أواصر العلاقات الأسرية. 

وفي هذا الشهر تقيم الجمعيات والمؤسسات الخيرية الموائد الجماعية، التي تدعو إليها الفقراء، مسلمين وأوروبيين، ما يسهم في الجمع بين مكونات مختلفة اجتماعياً، ويؤدي إلى تعارف ثقافات وأديان مختلفة في بينها. حتى إن رئيسة الوزراء الألمانية أنغيلا ميركل ثابرت على المشاركة في إفطارات كثيرة تقيمها الجالية الإسلامية الألمانية، وكانت تشدد على أن الإسلام والمسلمين جزء من المجتمع الألماني الواسع والمتنوع، وأن القواعد الدينية في مختلف الأديان تؤكد المشاعر الإنسانية المشتركة، والحوار وتشارك أعمال الخير من أجل صالح المجتمع العام

موائد الإفطار والسياسة

وباتت موائد الإفطار الرمضاني تقليداً سياسياً سنوياً في ألمانيا، وشاركت ميركل، 30 يونيو (حزيران) 2021، في مأدبة إفطار نظمتها وزارة الخارجية الألمانية بـ"فيلا بورزيغ" بحي تيغيل في العاصمة برلين. وشارك إلى جانبها مسؤولون كبار ورجال دين من مختلف الأديان وشخصيات بارزة في السياسة والمجتمع. 

هذا يدل على مدى الاهتمام بالإسلام كدين جديد في المجتمع الألماني لأهداف كثيرة، أولها إدماج المجتمع الإسلامي، ومن ثم الاستفادة من هذه الكتلة الناخبة سياسياً، بالتأكيد. 

وأسهمت الحكومات المركزية والسلطات المحلية في مساعدة المسلمين لإقامة طقوسهم الرمضانية، ولكن في المقابل وضعت قواعد تحدد صيام الأطفال، وساعات العمل، ووضعت أماكن عامة في متناول الجاليات الإسلامية والمنظمات التي تمثلها لتقيم فيها إفطاراتها، ومن ثم احتفالاتها بالعيد في نهاية الشهر. 

مثالاً، كان رأي وزيرة الهجرة والاندماج الدنماركية، إنغر ستويبرغ، في العام الماضي، بأن يأخذ المسلمون إجازة طيلة شهر الصيام، لأن الامتناع عن تناول الطعام والشراب خلال النهار الأوروبي الطويل، الذي يزيد أحيانا على 20 ساعة في بريطانيا والدول الإسكندنافية، يؤثر في تركيز الصائم وقدرته على أداء عمله بشكل جيد، ما قد يشكل مخاطر على السلامة العامة في بعض المهن. وكالعادة وجدت هذه المطالبة من يدافع عنها، فيما رأى آخرون أنها تتعارض مع حرية ممارسة العقيدة. 

بغض النظر عن هدف الوزيرة الدنماركية في هذا الطرح، هاجمها مسلمون كثر، اعتقاداً منهم أنها تؤخرهم عن أعمالهم، واعتبر الدكتور محمد حبش، أستاذ الدراسات الإسلامية في كلية الحقوق بجامعة أبو ظبي، أن التغيب عن العمل خلال رمضان "غير مشروع إلا في العشر الأواخر من الشهر، حيث يحق للمسلم أن يعتكف وينقطع للتعبد إن شاء". والانقطاع عن العمل مخالف للسنة، فرمضان شهر عطاء وليس شهر كسل، حسب قوله. 

وطالبت الوزيرة الدنماركية بعدم إجبار الأطفال على الصيام، بعد أيام من صدور بيان لاتحاد أطباء الأطفال واليافعين في ألمانيا، ناشد المسلمين بأن يحرصوا على أن يتناول أطفالهم الطعام والشراب أثناء النهار، وهذه المناشدة توجهت أيضاً إلى المجلس الأعلى للمسلمين، ليتخذ موقفاً واضحاً تجاه مسألة صوم الأطفال. 

وفي حديث مع DW أبدى عبد الصمد اليزيدي، الأمين العام للمجلس الأعلى للمسلمين بألمانيا، تفهماً لمناشدات الأطباء الألمان، وقال "بالإمكان أن نشجع الأطفال على الصيام، ولكن من دون مبالغة، كأن يصوم الطفل ساعة في اليوم أو ساعتين". لكن الوزيرة الدنماركية وغيرها من المسؤولين الأوروبيين طرحوا إشكالية من قبيل أن سائق حافلة "لم يأكل أو يشرب منذ أكثر من عشر ساعات، قد يشكل خطراً علينا جميعاً". 

الصيام وكورونا والحرب 

السؤال المطروح اليوم في أوروبا هو حول تأثير جائحة كورونا على صيام المسلمين واجتماعهم عند الإفطار، وكذلك الحرب الروسية على أوكرانيا، وما سببته من ارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة في أنحاء القارة، التي تبدو أنها إلى ارتفاع أكبر خلال الشهر المقبل. 

بخصوص كورونا، كان المجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا قد أنهى النقاش في السنة الماضية حين أفتى رداً على طلب الحكومات المحلية على تأجيل الصيام بسبب جائحة كورونا، بأن تأجيل الصيام ليس مطروحاً للنقاش، لكن كل من يعاني الإصابة بفيروس كورونا معفى من شرط الصيام، لأن سلامة الجسد هي أولوية قصوى من وجهة النظر الدينية. 

وكان حظر التجمعات يسري على صلوات الجماعة في ألمانيا منذ منتصف مارس 2021 بسبب جائحة كورونا. وأكد الدكتور عبد الصمد اليزيدي، الأمين العام للمجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا، أن "الإجراءات هذا العام مثلها مثل السنة الماضية، فيها تأهب وحيطة، لكي لا تتفشى هذه الجائحة في المجتمع. فصحة الإنسان تبقى فوق كل المعايير، ولذلك نحاول في مساجدنا أن نجمع بين التعبد والروحانيات مع الحيطة والحذر على سلامة الناس أجمعين". 

ويثير طول ساعات النهار في أوروبا جدلاً واسعاً بين المسلمين، بخاصة أن عدد ساعات الصيام يصل إلى قرابة 19 ساعة يومياً في دولة مثل بريطانيا، ويزيد على 20 ساعة في الدول الإسكندنافية، مثل السويد والنرويج. 

ودعت منظمة "كويليام" الإسلامية في بريطانيا إلى تعديل مواقيت الصيام. وقال مديرها أسامة حسن "الصيام من طلوع الشمس إلى مغربها قد يشق على البعض، لأنه يمنعهم من الطعام والماء لمدة 19 ساعة، ولهذا فإن تعديل المواقيت سيكون أمراً عادلاً". غير أن منظمات إسلامية كثيرة في أوروبا فضلت التزام الصمت، أو اختارت صيام النهار كاملاً، ولو بلغت عدد ساعاته 20 ساعة يومياً.

عن "اندبندنت عربية"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية