شبح الحرب يطوف في سماء غزة. ما الجديد؟

شبح الحرب يطوف في سماء غزة. ما الجديد؟


31/08/2022

لا تبدو الحكومة الإسرائيلية، بقيادة يائير لابيد، واعيةً بتأثير الاستفزازات والصدامات التي تفتعلها كلّ يوم في مدن وقرى الضفة الغربية، بدعوى مجابهة التشكيلات المسلحة التابعة لحركة الجهاد الإسلامي، التي خاضت معها آخر حرب على قطاع غزة، في آب (أغسطس) 2022.

فضلاً عن ذلك، أغضبت السياسة الإسرائيلية، قصيرة النظر، التي باتت مرهونةً بالاستحقاقات الانتخابية المتتالية، الحكومة المصرية، بسبب التنصل من بنود اتفاق الهدنة الأخير، والذي تضمّن الإفراج عن الأسيريْن الفلسطينيين؛ بسام السعدي، وخليل عواودة.

التصعيد الإسرائيلي

واستهدفت إسرائيل الضفة الغربية بحملات عسكرية، منذ تموز (يوليو) الماضي، وجاءت عمليتها العسكرية "الفجر الصادق" على قطاع غزة كتطور للتصعيد العسكري في الضفة، بعد استنفار حركة الجهاد كتائبها الصاروخية على حدود غزة للضغط على إسرائيل، خاصة بعد اعتقال القيادي بالحركة، الأسير المحرر بسام السعدي.

وانتهت الحرب التي بدأت في الخامس من الشهر الجاري، بعد يومين بوساطة مصرية، تضمنت العمل على الإفراج عن الأسيرين السعدي وعواودة، وكان الأخير قد دخل إضراباً كاملاً عن الطعام، وصل إلى اليوم 168، احتجاجاً على استمرار اعتقاله الإداري.

وبخلاف ما كان متوقعاً، مددت المحاكم الإسرائيلية اعتقال الأسيرين، وهو الأمر الذي تسبب في أزمة حادة في العلاقات مع مصر، وكشفت إذاعة جيش إسرائيل أنّ الأزمة في العلاقات بين إسرائيل ومصر بدأت منذ أكثر من شهرين، بعد إعلان الجيش إسقاط مسيرة مصرية مما أثار غضب مصر، التي اعتبرت الإعلان محرجاً لها.

كتيبة جنين في الضفة الغربية

وقال مسؤولون إسرائيليون وفقاً للإذاعة: "هناك بالفعل توتر كبير، وجرت محادثات بين كبار المسؤولين في محاولة لتصحيح الأمور، لكنّ الأزمة تفاقمت بعد الأحداث الأخيرة في غزة والضفة"، وألغت القاهرة زيارة وفد أمني إلى تل أبيب احتجاجاً على ذلك.

وتحدث وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني غانتس، حول الأزمة، وفي 22 من الشهر الجاري، زار رئيس جهاز "الشاباك" الإسرائيلي، رونين بار، القاهرة لإطلاع رئيس جهاز المخابرات المصرية، عباس كامل، على موعد الإفراج عن ناشطي حركة الجهاد الإسلامي بسام السعدي وخليل عواودة، وفق ما أوردته قناة "كان" العبرية.

كانت حركة الجهاد الإسلامي أطلقت على عمليتها العسكرية في غزة "وحدة الساحات" في دلالة على هدف العملية من دعم ساحات المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية

ومن جانب آخر، لم تنقطع العمليات العسكرية الإسرائيلية على مدن وقرى الضفة الغربية، والتي شهدت اشتباكات مع مسلحين فلسطينيين، وسقوط عدد من القتلى والمصابين في صفوف الفلسطينيين، ومن بين تلك العمليات إصابة 9 مواطنين خلال مواجهات في بيت دجن مع قوات الاحتلال في نابلس. واقتحمت قوات الاحتلال مدن ومخيمات نابلس ورام الله وجنين وطوباس.

تبعات التصعيد

وكانت حركة الجهاد الإسلامي أطلقت على عمليتها العسكرية في غزة "وحدة الساحات" في دلالة على هدف العملية من دعم ساحات المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية، والتي تعدّ الساحة الأخطر في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي لوجود احتكاك مباشر بالجيش الإسرائيلي.

ولهذا فاستمرار الاستهداف الإسرائيلي لكتائب الضفة الغربية، والتي تتبع حركة الجهاد وبعضها يتبع كتائب شهداء الأقصى، يشكل ضغطاً على حركة الجهاد، خصوصاً بعد تنصل إسرائيل من الإفراج عن السعدي وعواودة.

وبسؤاله حول احتمالات مبادرة الجهاد بتصعيد ضدّ إسرائيل، قال الباحث في العلوم السياسية والاجتماعية، محمد بدر: "حتى الآن، كلّ الفصائل الفلسطينية هي في مرحلة دراسة واستخلاص العبر من العدوان الأخير على غزة، بما في ذلك الجهاد. وهنا نشير إلى أنّ الأذرع العسكرية هي شبه مؤسسات عسكرية تتحرك ضمن تقدير موقف ورؤية واضحة."

وتابع الباحث الفلسطيني لـ "حفريات": "من المهم جداً تقييم مواضع النجاح والفشل، وتقييم الموقف من خلال الصورة الأكبر التي تتعلق ببقية الفصائل، ومنها عدم مشاركة حركة حماس في الحرب الأخيرة، وغير ذلك من القضايا، التي منها النجاح الكبير للإعلام الإسرائيلي في صناعة صورة النصر مقابل الحروب السابقة".

عبد المُهدي مطاوع: حماس تريد القيام بعمليات في الضفة دون غزة

ويخلص الباحث الفلسطيني إلى أنّه "ليس هناك إمكانية من حيث الوقت للذهاب إلى معركة جديدة" وأشار إلى أنّ هناك تغيرات تتعلق بمعادلة الاشتباك وأدوات ضغط الفصائل على إسرائيل؛ بحيث باتت هناك حاجة إلى تغييرات في إستراتيجية الفصائل، بعد استيعاب إسرائيل لسياسة الضغط على غلاف غزة عبر نشر كتائب الصواريخ، ومبادرتها للهجوم في الحرب الأخيرة.

ومن جانبه، لا يعتقد المحلل السياسي الفلسطيني، عبد المُهدي مطاوع، أنّ حركة الجهاد ستكون لها مبادرة في الردّ المرة القادمة؛ "لأنها تأكدت أنّها ستكون وحيدةً، وهذا ما أرادت إثباته حماس لها، أنّها فقط من يتّخذ القرار بالحرب، وأنّ الجهاد وفصائل الغرفة المشتركة تابعون وليسوا مقررين".

وذكر لـ "حفريات"؛ أنّ حكومة تصريف الأعمال الإسرائيلية مرتبطة بانتخابات قادمة، و"غير معنية بالدخول في مفاوضات عن الإسرائيليين الموجودين في غزة، وصفقة الأسرى، وعلى الجانب الآخر تتعامل بقوة، وليس كما في عهد نتنياهو، عند إطلاق أي صاروخ، ولا تحاول إبراز أي شكل له علاقة بالتنازل، خصوصاً أنّ اليمين الاسرائيلي يحشد ويرتب للانتخابات، ولا يفوت مناسبة دون مهاجمة الحكومة".

موقف حماس

وخلال جولة القتال الأخيرة لم تتدخل حركة حماس لدعم حركة الجهاد، حتى إنّ اسم العملية العسكرية الإسرائيلية "الفجر الصادق" كان المقصود منه تحديد أنّ المستهدف حركة الجهاد التي تتميز بأعلامها السوداء.

ولفت المحلل السياسي، مطاوع، إلى أنّ "حركة حماس تريد القيام بعمليات في الضفة دون غزة، بهدف الحفاظ على مكاسبها التي حققتها في التفاهمات ما بعد عدوان 2021، وتُرجم في العدوان الأخير على الجهاد، غير المرتبطة بهذه التفاهمات، والتي جعلت عمليتها العسكرية رداً على الاغتيال باسم وحدة الساحات".

وبحسبه: "هدف حماس الرئيس هو الحفاظ على حكمها في غزة، والدعوة لمزيد من العمليات في الضفة لإحراج السلطة، وإضعافها تمهيداً للمرحلة القادمة".

ويختلف الباحث محمد بدر مع الطرح السابق، ويرى أنّ حركة حماس ليس لديها منجز عسكري في الضفة بخلاف الجهاد، كما أنّها "تختار أهداف للتصعيد لها رمزية روحية ودينية أكثر، مثل الأقصى والقدس، وأهداف لها علاقة بمصالح سكان غزة، ما يساهم في رفع رصيدها وشعبيتها، أو بافتراض حسن الظن هذه القضايا تلقى تأييداً من الساحات في الداخل والخارج".

وبالتالي موضوع انتهاكات الضفة الغربية "روتين بالنسبة لحماس"، ويرى بدر أنّ "حماس لن تخوض جولة قتال من أجل الضفة الغربية، لأنّها لا  تقود الحالة العسكرية فيها".

المحلل السياسي عبد المُهدي مطاوع لـ "حفريات": هدف حماس الحفاظ على حكمها في غزة، والدعوة لمزيد من العمليات في الضفة لإحراج السلطة، وإضعافها تمهيداً للمرحلة القادمة

ولكن إذا ما بادرت حركة الجهاد إلى عملية عسكرية انطلاقاً من غزة، أو تعرضت لعدوان جديد، فإنّ حماس ستجد نفسها مضطرة للقتال، وهو ما يعلله الباحث محمد بدر بكوّن "حماس من أحزاب السلطة، والأخيرة يهمها الحفاظ على قاعدتها الشعبية وتوسيعها، وفي الحرب الأخيرة تعرضت حماس لانتقادات على خلفية موقفها المحايد، ولهذا لو كان أمد الحرب طال لربما تدخلت، وحال حدث عدوان جديد ستكون حماس موجودة بقوة".

وهناك متغير آخر سيرتبط بتجدد الحرب بين إسرائيل والفصائل في غزة، وهو طبيعة الوساطة المصرية، بعد تنصل إسرائيل لشروط آخر وساطة رعتها القاهرة. ويوضح الباحث محمد بدر ذلك بقوله: "ما حدث أنّ الحكومة الإسرائيلية استخدمت الوساطة المصرية كأداة انتخابية، لإنهاء الحرب الأخيرة، لتحقيق أهداف عسكرية لها أبعاد سياسية تتعلق بالانتخابات المقبلة، وهو أمر لا تقبله القاهرة. وهي المرة الأولى التي تطفو فيها الخلافات على السطح منذ أعوام".

وأشار بدر إلى أنّ "إسرائيل كانت دوماً هي من تطلب من مصر التوسط لإنهاء القتال مع الفصائل، ومارست القاهرة ضغوطاً كبيرة على الفصائل لوقف القتال، لكن بعد ما حدث من تنصّل إسرائيلي، لا أتوقع أن تسارع القاهرة للاستجابة للمطالب الإسرائيلية حتى تصل إلى مرحلة الاستجداء، لتلتزم بما يتم الاتفاق عليه، وفي هذه الحالة يكسب الفلسطيني الذي تعود على العدوان، بينما ستكون الخسائر كبيرة على الإسرائيلي كلما طال أمد القتال".

وبحسب استطلاع رأي أجرته القناة 13 العبرية، تبعاً لتصريحات عسكرية عن استعداد الجيش لعملية عسكرية تضمن الهدوء لمدة 15 عاماً في غزة، مع كلفة بشرية تُقدر بعدد 300 جندي إسرائيلي، قال 65% من الإسرائيليين إنّهم غير مستعدين للموافقة على عملية عسكرية ضدّ قطاع غزة، وبحسب الاستطلاع؛ 21% من الإسرائيليين يؤيدون عملية كبيرة في قطاع غزة، بينما في الجنوب 29% من المستوطنين يؤيدون العملية.

 

مواضيع ذات صلة:

الهدنة تدخل حيز التنفيذ... وزارة الصحة الفلسطينية تعلن حصيلة العدوان الإسرائيلي على غزة

بهذه الطريقة يستغل المحور الإيراني الأحداث في غزة

أبرز ردود الأفعال العربية والدولية على العدوان الإسرائيلي على غزة



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية