"شفرة المرشد" في التوغل لشبكات حقوق الإنسان

"شفرة المرشد" في التوغل لشبكات حقوق الإنسان

"شفرة المرشد" في التوغل لشبكات حقوق الإنسان


26/01/2023

"شفرة المرشد" هو الكتاب الثاني للكاتب محمود بسيوني، الذي تناول فيه كيف توغلت الجماعة في شبكات حقوق ‏الإنسان، وبدأه بقوله: إنّه لا يمكن اعتبار فشل الإخوان في مصر وانحسارهم عقب الصعود الذي صاحب "الربيع العربي" كلمة النهاية في خطتهم للاستيلاء على الدول العربية وصولاً إلى عودة الخلافة العثمانية، بل ربما نحن على أعتاب بداية جديدة لأخطر تنظيم عرفه العالم في الـ (100) عام الأخيرة، فكلّ التوقعات تدور حول استبدال الجماعة جلدها الخارجي دون المساس بهدفها وسبب وجودها.

وقال بسيوني في كتابه: إنّ المسألة جديرة بالتأمل والدراسة، خاصة أنّ السياق الخاص بالإخوان يتجه -بعد غياب إبراهيم منير وتعذّر تطبيق قواعد الاختيار التقليدية لعدم وجود مكتب الإرشادـ  نحو انتخاب مرشد ينتمي للغرب؛ لأنّه وفق الكتاب ربما فقدت الجماعة تماسكها وخضعت لأهواء متضاربة وتعرضت لصراع على ما تبقى من البيزنس الخاص بها، لكنّها لم تفقد قدرتها الفيروسية على التحور، من أجل العودة إلى المشهد المصري مرة أخرى عبر الأجيال الإخوانية الجديدة خارج مصر لإعادة صناعة صورة ذهنية أخرى للتنظيم، تعتنق الفكرة نفسها، لكنّها بوجوه جديدة وأدوات مختلفة، وتتسم بالدولية أكثر من المحلية.

الإخوان... ذئاب الرأسمالية والعولمة

يرى بسيوني في "شفرة المرشد" أنّ فرصة الجيل الجديد تقترب بسرعة هائلة على إثر الصراعات المشتعلة بين قيادات الجماعة ما بين إسطنبول ولندن، وبعد أن تناول الصراع الداخلي في الجماعة، انتقل إلى المنظمات الحقوقية، وكيف استخدمت جماعة الإخوان (6) تكتيكات مختلفة لتطويق واختراق الحركة الحقوقية؛ وهي: تأسيس منظمات تخضع لها ولا تتبعها تنظيمياً، واختراق المؤسسات الحقوقية الدولية عبر عنصر من عناصرها، وابتزاز تلك المنظمات بمظلوميتها التاريخية، ونسج العلاقات مع مؤسسيها ومديريها بما يسمح بتمرير المعلومات التي يرغبون في إيصالها إلى الرأي العام، ومشاركة عناصرها بشكل مكثف في الاجتماعات الحقوقية الدولية، سواء في المجلس الدولي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بجنيف، أو المؤتمرات التي تعقدها المؤسسات الحقوقية الدولية الأخرى، وأخيراً توفير التمويل لأنشطة بعض تلك المنظمات بهدف السيطرة على أجندة عملها.

غلاف الكتاب

يؤكد الكتاب أنّ تحالف الإخوان وتيار العولمة الرأسمالي كان في عهد الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وأنّ ذلك لم يكن وليد المصادفة، فالجماعة "كانت جزءاً من حملات الدعم ‏التي قادها ذو الأصول الإسلامية إلى مقعد الرئاسة في البيت الأبيض، ثم قاد أوباما ‏مرة أخرى الصومالية إلهان عمر والفلسطينية رشيدة طليب إلى مقعد ‏الكونغرس لتصبحا ذراع الجماعة في المؤسسة التشريعية الأمريكية".  

وكان من الواضح، وفق الكتاب، أنّ الجماعة لديها علاقة عميقة بتيار العولمة الرأسمالية وتتلقى ‏دعماً قوياً من شركات التقنية والمعلومات والتواصل الاجتماعي، هذا التيار الذي يعبّر عنه ‏سياسياً الحزب الديمقراطي في نسخته اليسارية المتطرفة الحالية في مواجهة تيار ‏رأسمالية المجمع العسكري- الصناعي.

ووفق رصد نقله الكاتب، فإدارة أوباما دعمت جماعة الإخوان حيث تحولت استراتيجية الولايات المتحدة بعد ثورة 25 كانون الثاني (يناير) من تأييد لنظام الرئيس ‏الأسبق حسني مبارك إلى دعم مكثف للإسلام السياسي وفقاً للتوجيه الرئاسي رقم‏(11)‏‎ ‎الصادر من إدارة الرئيس أوباما في آب (أغسطس) 2010‏.

الجماعة لديها علاقة عميقة بتيار العولمة الرأسمالية وتتلقى ‏دعماً قوياً من شركات التقنية والمعلومات والتواصل الاجتماعي

-  قدّمت الدعم للإخوان، وتمّ توصيفهم من جانب واشنطن كمعارضة سياسية إسلامية مشروعة ‏وسلمية ومعتدلة في مصر، وهو ما ذكره نائب مستشار الأمن القومي لأوباما بن ‏رودس داخل الجناح الغربي بالبيت الأبيض.

-  قام الرئيس أوباما بإصدار توجيه استراتيجي رئاسي‎ ‎في ربيع 2011 ‏بعنوان الإصلاح السياسي والاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

-  أدت تداعيات الدراسات الرئاسية إلى سعي القطاعات المختلفة في الحكومة ‏الأمريكية بقوة نحو التعامل مع الإخوان الموجودين في ذلك الوقت في ‏المشهد السياسي الرئيسي في مصر، واستمر هذا التواصل عدة أشهر بعدها.

-  في إطار الاستراتيجية الجديدة، أعلنت الوزيرة هيلاري كلينتون استعداد بلادها ‏للتعامل مع الجماعة خلال تصريحات في بودابست 30 حزيران (يونيو) 2011‏.

-  بعد بضعة أسابيع، في تشرين الأول (أكتوبر) 2011، أرسل الرئيس أوباما بريم كومار، أحد ‏المسؤولين في مجلس الأمن القومي الأمريكي، سراً للقاء شخصيات إخوانية بارزة في القاهرة، وذلك كمبادرة صريحة من الحكومة الأمريكية ‏للاعتراف بجماعة الإخوان وتقديم الدعم لهم.

يقول الكاتب: إنّ وجود ترامب كرئيس من خارج مؤسسات الحكم، ومواقفه القوية ضد تيار العولمة الرأسمالي والإخوان وإيران ‏شكّل خطراً على تمدد الجماعة الإرهابية وداعميها داخل الولايات ‏المتحدة، وفي العالم، وهو ‏التمدد الذي استفاد كثيراً سابقاً من الحرب الباردة بين الاتحاد ‏السوفييتي وأمريكا، وانخراط ‏عناصر التنظيم الإرهابي في صراع مسلح مع ‏القوات السوفييتية في أفغانستان في سبيعنيات ‏وثمانينيات القرن الماضي، وكان ‏عرَّاب الصفقة هو مستشار الأمن القومي الأمريكي زبيجينو ‏بريجنسكي، الذي أسس ‏لفكرة التعاون المثلث الأضلاع لمواجهة الاتحاد السوفييتي في ‏أفغانستان؛ عبر ‏أسلحة وتدريب أمريكي، وأموال عربية، وشباب مسلم شرق أوسطي. ومن هنا ‏ولدت ‏ظاهرة المجاهدين العرب التي تحولت إلى الأفغان العرب، وصولاً إلى القاعدة، وهو ‏ما ‏فتح وقتها للإخوان أبواباً كثيرة في واشنطن؛ سياسية واقتصادية، أدت إلى ‏تغلغلهم في كثير من ‏الأماكن بالقرب من صنَّاع القرار، ثم كانت مرحلة التقارب الأهم خلال أعوام إدارة الرئيس باراك أوباما الذي قدّم دعماً غير ‏مشروط بصورة أو بأخرى للإخوان خلال ما سُمّي بـ"الربيع العربي"، والتي أوصلت ‏عناصرها إلى الحكم.

إدارة أوباما دعمت جماعة الإخوان

يحتفظ تيار العولمة الرأسمالي بعلاقة خاصة مع الإخوان ولوبي المثليين والمتحولين جنسياً في الولايات المتحدة وأوروبا، وفق الكتاب، فالمتحكم في القوة الناعمة لهذا التيار هي شبكة نيتفليكس، التي لا تضع على منصتها ‏سوى أعمال درامية من بطولة شواذ أو متحولين جنسياً، وتفرض ‏على ‏المنتجين ‏ذلك في معايير العرض على منصتها، ثم فوجئ كل المهتمين بالسينما بقرار من لجنة أوسكار بأنّها لن تقبل ‏في ‏المنافسات على الجائزة أعمالاً فنية لا تقدّم تلك النماذج، وربما يفسر ذلك تأييد إبراهيم ‏منير، القائم بأعمال المرشد سابقاً، ‏ابن التنظيم الدولي، أمام مجلس العموم البريطاني للمثلية الجنسية، وقوله نصاً: إنّ ‏مبادئ ‏جماعة ‏الإخوان تتسم بالمرونة وقابلة ‏للتفاوض، بدايةً من الشريعة ‏مروراً ‏بالديمقراطية والمرأة وانتهاءً بالمثليين، وكان الحاضرون لتلك الجلسة هم: مروان ‏مصمودي ‏مستشار زعيم حركة النهضة في تونس، وراشد الغنوشي، ‏وأنس ‏التكريتي، ووالده أسامة التكريتي، الرئيس السابق ‏للحزب ‏الإسلامي، وسندس ‏عاصم، وكانت منسقة الإعلام الخارجي في مكتب ‏ محمد ‏مرسي.

يؤكد الكتاب أنّ تيار العولمة الرأسمالي قدّم دعمه الكامل للإخوان، فكانت الصحف الأمريكية والمنظمات الحقوقية الدولية ‏منحازة ‏للجماعة ‏الإرهابية في مواجهة الدولة المصرية ودول "الربيع العربي"‏، وجنّد جيف ‏بيزوس، إمبراطور أمازون أحد أقطاب التيار مالك ‏صحيفة "واشنطن بوست"، الصحيفة لخدمة الجماعة، حتى إنّ افتتاحيتها التي تنتقد الأوضاع في مصر تخطت ‏ما هو مخصص للوضع ‏في الولايات ‏المتحدة.

وجاء تعيين الإخوانية توكل كرمان في مجلس الحكماء للإشراف على ‏المحتوى ‏داخل منصة "فيسبوك"، كإعلان واضح عن أنّ الجماعة ‏جزء أصيل من ‏التيار، وأنّ دعم هذه المنصة للإخوان سيتخطى كل الحدود.

مأسسة الكذب

ينقل الكاتب محمود بسيوني أنّه قبل إعدام المتهمين الـ (9) في قضية اغتيال النائب العام السابق الشهيد المستشار هشام بركات، فوجئ الرأي العام المصري بتغريدة على الحساب الرسمي لابنته المستشارة مروة هشام بركات تقول فيها إنّ الإعدام ينفذ في (9) أبرياء، وأنّهم ليسوا قتلة والدها، وهي التدوينة التي تلقفتها المواقع الإخوانية وغيرها من المواقع التابعة؛ لاستخدامها في حملة التعاطف مع عناصرها، والتشكيك بنزاهة القضاء المصري وإثارة الرأي العام، داخل وخارج مصر ضد إعدام الجناة الـ (9)، وتحريض الآليات الدولية بالأمم المتحدة ضدها، وفتح مساحة جديدة للتدخل الأجنبي في القرار المصري، لكن وبعد ساعات قليلة ظهرت ابنة الشهيد هشام بركات لتؤكد بنفسها أنّ حسابها على موقع "فيسبوك" تمّت سرقته، ونفت تماماً كتابة هذا الكلام على حسابها غير الموثق بالأساس، ليكتشف الرأي العام المصري والدولي أنّه كان ضحية من ضحايا لعبة الشائعات الإخوانية المستمرة والمتواصلة منذ سقوط نظامهم عقب ثورة المصريين عليه في 30 حزيران (يونيو) 2013.

تحولت لجان الإخوان إلى جيش خفي يدعم الجماعة ويحافظ على أفكارها، لكي تتواصل مع أجيال جديدة لم تقرأ أدبيات الإخوان

ويؤكد الكتاب أنّها لم تكن هذه المرة الأولى التي يُستخدم فيها الهاكرز الإخواني لاختراق حساب أو موقع من مواقع الدولة بحثاً عن صناعة شائعة جديدة، يُعطيها النشرُ بتلك المواقع أو الحسابات مصداقية عالية تربك بها المشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي داخل مصر، فقد سبقها اختراق موقع حركة تمرد ومواقع إعلامية والاستيلاء على صفحات حكومية بهدف وضع شائعاتهم، وأنّه قد تطور استخدام جماعة الإخوان لأساليب التخفي، سواء ستر مخططاتها، أو كتم انتماء عناصرها، فقليل من تجدهم يعترفون بنسبتهم إلى الجماعة صراحة، حتى في وقت وجودهم في السلطة، حتى إنّهم اخترعوا لفظ "أنا مش إخوان بس بحترمهم"، لإخفاء عناصرها ومساعدتهم في الذوبان داخل التكوينات الاجتماعية البسيطة، لكي يستطيعوا الدفاع عن التنظيم بسهولة باعتبارهم محايدين، وليسوا أصحاب مصلحة مع الإخوان.

الإخوان أول من استخدم مواقع التواصل الاجتماعي في الترويج للجماعة والدفاع عنها

ويشير الكاتب إلى أنّ الإخوان أول من استخدم مواقع التواصل الاجتماعي في الترويج للجماعة والدفاع عنها، وسمحوا لعناصرهم بالمشاركة بكثافة على تلك المواقع لمواجهة أيّ هجوم أو نقد للإخوان، ثم تطور الأمر عقب ثورة 30 حزيران (يونيو)؛ لنصبح أمام لجان إلكترونية منظمة تنشر الشائعات بكثافة، وتسعى بكل الطرق لإحداث تأثير على الرأي العام المحلي والدولي.

يقول بسيوني: تحولت لجان الإخوان إلى جيش خفي يدعم الجماعة ويحافظ على أفكارها حتى تتواصل مع أجيال جديدة لم تقرأ أدبيات الإخوان؛ خاصةً رسائل البنا، وتحديداً رسالته لأعضاء ‏التنظيم تحت عنوان "الغاية أصل والأعمال فروع لها"، ورغم وضوح أدبيات الجماعة وتهديدها الواضح للنظام العالمي تجاهلت منظمات دولية ومراكز أبحاث وتفكير ونشطاء تلك الحقائق، وتمكنت الجماعة من اختراقهم وتحويلهم إلى جنود في جيش المرشد.

لقد اخترنا من هذا الكتاب الكبير بابين فقط لندلل منهما كيف أنّه تناول هذا الاختراق لشبكات منظمة حقوق الإنسان، وخطط الجماعة الرامية لاستغلال الفجوة المعرفية بين الغرب والشرق، وكيف صنعت وجهاً غربياً يتحدث بأكثر من لسان عبر رجاله المنتشرين في العواصم الكبرى والمؤثرة، مع التركيز على وجود قنوات اتصال مع مراكز التفكير والمعاهد البحثية التابعة للاستخبارات الغربية، فيما يمكن اعتباره اتصالاً غير مباشر مع تلك الأجهزة، وكلّ ذلك من أجل العودة إلى الحكم مرة أخرى.

مواضيع ذات صلة:

الارتباط البنّاء: قصة دوران الإخوان في فلك واشنطن

الدائرة المُغلقة: كيف فشل الإخوان باختبار الديمقراطية الغربية؟

انشقاقات "الإخوان"... مصالح ونفوذ وأموال بقناع فكري



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية