شيرين أبو عاقلة.. رسالة أمريكية تتجاوز العلاقة مع إسرائيل

شيرين أبو عاقلة.. رسالة أمريكية تتجاوز العلاقة مع إسرائيل

شيرين أبو عاقلة.. رسالة أمريكية تتجاوز العلاقة مع إسرائيل


17/11/2022

أعلنت وزارة العدل الأمريكية، وبصورة مفاجئة، فتح تحقيق جديد في مقتل شيرين أبو عاقلة الصحفية الفلسطينية، التي تحمل الجنسية الأمريكية أيضاً، والتي تعمل لصالح محطة الجزيرة الفضائية، وذلك بعد حوالي (6) أشهر على مقتلها برصاصة "يرجح" أنّها من جندي إسرائيلي أطلق عليها النار، ومن الواضح أنّ السلطات الإسرائيلية فوجئت بالقرار الأمريكي، استناداً لردود فعل متشددة رفضت علناً القرار الأمريكي، وفقاً لافتراضات أنّه تم إغلاق هذا الملف باعتراف إسرائيلي؛ خلاصته أنّه بعد تحقيقات من طرف واحد ربما تكون الرصاصة التي قتلت أبو عاقلة أطلقت من بندقية جندي إسرائيلي، إلا أنّ المؤكد أنّه حادث وقع "بالخطأ"، ولم يكن مقصوداً، حسب الرواية الإسرائيلية.

بمعزل عن نتائج التحقيق الأمريكي الجديد، في بعدها الجنائي، بوصفها جريمة "قتل" تدل غالبية المؤشرات والقرائن على مسؤولية الجيش الإسرائيلي عن مقتلها، وهو ما خلصت إليه التحقيقات الأمريكية التي أكدت أنّ شيرين أبو عاقلة "قُتلت على الأرجح بشكل عشوائي، وليس متعمداً"،  لكنّ القرار الأمريكي يطرح جملة من التساؤلات حول سياقاته وأهدافه، لا سيّما أنّه يمثل تحولاً في مواقف إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، ويعكس رسالة حول مستقبل العلاقات الأمريكية ـ الإسرائيلية، وبصورة تتجاوز حدود "جريمة" مقتل أبو عاقلة، بمعزل عن أيّ تبريرات إسرائيلية، وفيما إذا كانت مقصودة أو بالخطأ.

من جنازة الشهيدة شيرين أبو عاقلة

متغيران يرجح أنّهما يقفان خلف القرار الأمريكي؛ الأول: فوز نتنياهو بالانتخابات الإسرائيلية وتكليفه بتشكيل حكومة إسرائيلية جديدة، سيشارك فيها اليمين الصهيوني المتطرف وبفاعلية، والثاني: فوز الديمقراطيين في الانتخابات الأمريكية واحتفاظهم بالأغلبية في مجلس الشيوخ، وعدم قدرة الجمهوريين على تحقيق الأغلبية المطلقة في "مجلس النواب"، بل إنّ نتائج هذه الانتخابات تجعل سيناريو ألّا يتمكن الجمهوريون من الفوز في انتخابات عام 2024 مرجحاً.

الإدارة الأمريكية ترسل رسالة إلى الجانب الفلسطيني، والعربي أيضاً، تجيب على اتهامات للإدارات الأمريكية بالكيل بمكيالين عبر دعم مطلق لإسرائيل

فعلى صعيد الحكومة الإسرائيلية الجديدة بقيادة نتنياهو، أصبح مؤكداً انضمام تحالف ما يعرف بـ "الصهيونية الدينية"، والمؤلف من حزبين يمينيين متشددين هما "القوة اليهودية" برئاسة بن غفير، و"الصهيونية الدينية" برئاسة بتسلئيل سموتريتش، إلى الحكومة الجديدة،  وهو ما قوبل بردود فعل عنوانها القلق، ليس في أمريكا والدول الأوروبية فحسب، بل حتى في أوساط عديدة داخل إسرائيل، لا سيّما أنّ بن غفير يتبنّى إيديولوجية تدعو إلى تهجير المواطنين العرب من إسرائيل، إضافة إلى انتمائه لحركة "كاخ" المصنفة بأنّها "إرهابية" وفق القانون الإسرائيلي، ومن بين دعواته منح الجيش الإسرائيلي حرية مطلقة في إطلاق النار على الفلسطينيين، ولا تقلّ دعوات سموتريتش تطرفاً عن طروحات بن غفير، وتحديداً في عنوان يهودية الدولة.

الإجراءات والمواقف الأمريكية تجاه التجاوزات الخاصة بحقوق الإنسان، ستبقى موضع شكوك الكثير من الأطراف الفاعلة في المنطقة، حتى لو تضمنت إدانات صريحة لإسرائيل

الرسالة الأمريكية للحكومة الإسرائيلية هي تحذير نتنياهو والمتطرفين فيها من الإقدام على إجراءات تصعيدية في المناطق الفلسطينية، ومن ردود فعل المؤسسة الأمنية والعسكرية في إسرائيل، غير أنّ هذا التحذير الأمريكي غير بعيد عن سياقات نتائج الانتخابات الأمريكية، وتجاوز الإدارة الديمقراطية مخاوف ما يُعرف بـ "البطة العرجاء" بعدم القدرة على اتخاذ مواقف وقرارات وسنّ تشريعات حاسمة تشمل التطرف الإسرائيلي، وبذلك فإنّ الإدارة الأمريكية ترسل رسالة إلى الجانب الفلسطيني، والعربي أيضاً، تجيب على اتهامات للإدارات الأمريكية بالكيل بمكيالين عبر دعم مطلق لإسرائيل، ولا يستبعد ألّا تتوقف المواقف الأمريكية فقط عند فتح التحقيق بقضية مقتل أبو عاقلة، بل تتعدى ذلك إلى مواقف تتعلق بالمفاوضات الإسرائيلية ـ الفلسطينية، ومبدأ حلّ الدولتين، ووقف الاستيطان، دون أن تصل إلى مواقف تستجيب بالكامل للمطالب الفلسطينية والعربية.

ملفات "حقوق الإنسان" ستكون عنواناً من عناوين السياسة الأمريكية خلال العامين القادمين

ملفات "حقوق الإنسان" ستكون عنواناً من عناوين السياسة الأمريكية خلال العامين القادمين، وربما تكون البداية أمريكياً مع إسرائيل إشارة إلى فتح ملفات عديدة تجاه حلفاء وخصوم الولايات المتحدة، وربّ ما تشهده إيران حالياً من عقوبات أمريكية وأوروبية على خلفية تجاوزات السلطات الإيرانية في تعاملها مع المواطنين الإيرانيين المشاركين في انتفاضة "مهسا أميني" والتي أصبحت إلى جانب الطائرات المسيّرة التي ثبت مشاركتها في العمليات الروسية ضد أوكرانيا، ربّما هي عناوين إيرانية بديلة للمفاوضات حول الاتفاق النووي، ممّا يشير إلى احتمالات فتح ملفات حقوق الإنسان في أكثر من بلد عربي وإسلامي، بما فيها المملكة السعودية ودول الخليج، بالإضافة الى تركيا ومصر، وهي دول رغم تحالفها الاستراتيجي مع واشنطن، إلا أنّها لا تخفي خلافاتها مع الإدارة الديمقراطية.

ورغم كل ذلك، فإنّ الإجراءات والمواقف الأمريكية تجاه التجاوزات الخاصة بحقوق الإنسان، ستبقى موضع شكوك الكثير من الأطراف الفاعلة في المنطقة، حتى لو تضمنت إدانات صريحة لإسرائيل، خاصة إذا تم اتخاذها بمرجعيات براغماتية، وتبين أنّها تختفي خلف سياقات ومواقف سياسية، هدفها انتزاع مواقف من الدول والحكومات التي يتم توجيه الانتقادات إليها.

مواضيع ذات صلة:

الجيش والمستوطنون و"الإرهاب اليهودي": تحالف حديدي ضد الفلسطينيين

حماس وإسرائيل ولُعبتهما الفاسدة: فلسطين تحتاج إلى انتخابات ديمقراطية

"الثورة الفلسطينية واليهود": استعادة لتاريخ الصراع




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية