صراع أنقرة و"هيئة تحرير الشام" ينتقل إلى العلن.. ما الجديد؟

صراع أنقرة و"هيئة تحرير الشام" ينتقل إلى العلن.. ما الجديد؟

صراع أنقرة و"هيئة تحرير الشام" ينتقل إلى العلن.. ما الجديد؟


06/02/2023

سلّطت  التطورات الأخيرة بالشمال السوري، الضوء على العلاقة المتوترة بين تركيا وهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) التي توشك على الانيهار فعلياً، وتطرح فرضيات جادة باحتمالية وقوع مواجهات مسلّحة بين الطرفين.

فنجاح أنقرة في إفشال التحالف العسكري "تجمع الشهباء" بين جماعات إسلامية متشددة في شمال سوريا بعد ساعات من تشكيله بدفع من هيئة تحرير الشام، بالإضافة لوضعها يدها على معابر حدودية عديدة، تعتبر مؤشرات واضحة عن تتدهور العلاقات بين الطرفين مما يؤكد على أن تلك المناطق ستشهد معركة كسر عظم بين أنقرة والفرع السوري من تنظيم القاعدة، والذي استخدمته سلطة الاحتلال التركي لسنوات في ضبط انفلاتات الميليشيات السورية الموالية لها.

ووفق ما نقلت صحيفة "النهار العربي" فقد اندلع صراع معلن خلال الأيام القليلة الماضية بين زعيم الهيئة، أبي محمد الجولاني، وأبي عارف وهو لقب الضابط التركي الجديد الذي تولى مسؤولية الإشراف على ملف الفصائل السورية المسلحة خلفاً للضابط السابق الملقب بأبي داوود.

وبرز الصراع الذي يأتي على خلفية مسار التطبيع القائم بين سوريا وتركيا، وموقف "هيئة تحرير الشام" الرافض له، في شكل واضح بعد اغتيال القيادي في القطاع الشرقي لحركة أحرار الشام، المقرب من "هيئة تحرير الشام" صدام موسى "أبو عدي" ، بطائرة مسيّرة.

دبابة تركية في عفرين

ويعتبر أبو عدي من أبرز قادة القطاع الشرقي المتهمين بالولاء المطلق لأبي محمد الجولاني، وهو الذي سيطر مع جماعته على معبر الحمران في جرابلس الذي يفصل بين منطقة درع الفرات الخاضعة للاحتلال التركي بالتنسيق مع الجيش الوطني السوري، ومنطقة سيطرة "قوات سوريا الديموقراطية".

ووفق خطة إعادة الهيكلة التي وضعتها أنقرة بعد سيطرة الجولاني على عفرين في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي كان يفترض أن تقوم كل الفصائل بتسليم المعابر الخاضعة لسيطرتها إلى وزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة لإنشاء صندوق موحد يتكفل بإدارة وتوزيع موارد هذه المعابر بين الفصائل وفق نسب متفق عليها، غير أنّ (أبو عدي) رفض تسليم معبر الحمران على الرغم من المطالبات المتكررة، ومن دون أن تجدي نفعاً الضغوط التي مارستها المخابرات التركية لإثنائه عن موقفه.

وعلى الرغم من أنّ أنقرة لم تعلن مسؤوليتها عن الغارة التي استهدفت القيادي في القطاع الشرقي في قرية الحدث بريف مدينة الباب، سارع العديد من قادة "هيئة تحرير الشام" إلى توجيه الاتهام إليها، مشيرين إلى أنّ الصاروخ الذي تم استخدامه في العملية هو من النوع الذي تتزود به طائرة بيرقدار التركية المسيّرة. وحدد هؤلاء القادة، ومن أبرزهم أبو أحمد زكور، المسؤولية للضابط التركي الملقب بأبي عارف.

نجاح أنقرة في إفشال "تجمع الشهباء" ووضع يدها على معابر حدودية عديدة، تعتبر مؤشرات واضحة عن تدهور العلاقات بين هيئة تجرير الشام وتركيا

 ويبدو أنّ الكشف عن الضابط التركي الذي تشتبه "هيئة تحرير الشام" بوقوفه وراء اغتيال أبو عدي لم يكن من قبيل المصادفة؛ بل يخفي وراءه صراعاً مستجداً بين أنقرة والجولاني بدأت بوادره بالظهور منذ الإعلان عن اجتماع موسكو الذي ضم وزراء الدفاع في سوريا وتركيا وموسكو ونظرت إليه "هيئة تحرير الشام" على أنه انحراف خطير عن الثورة السورية.

 وأفادت مصادر من الجيش الوطني السوري أنّ الضابط التركي أبو عارف من أشد المناوئين لـ"هيئة تحرير الشام"، وأنّ مسؤوليته هي العمل على إخضاع هيئة تحرير الشام بالقوة من أجل ألا تقوم بأي ممارسات من شأنها تعطيل مسار التطبيع بين أنقرة ودمشق.

وسوف يكون الجنرال أبو عارف تحت المجهر خصوصاً أنه أول ضابط تركي يدخل في صراع معلن مع إحدى الفصائل السورية المسلحة من وزن "هيئة تحرير الشام" التي تعتبر من أقوى الفصائل الجهادية وهي تسيطر على مساحة تعادل مساحة لبنان تقريباً، هي منطقة إدلب ومحيطها، بما لهذه المنطقة من أهمية استراتيجية في مسار التطبيع القائم بين دمشق وأنقرة لأنه يمر من خلالها الطريق الدولي "أم فور" الذي يعتبر افتتاحه من أبرز مطالب دمشق وموسكو في هذه المرحلة.

أنقرة لم تعلن مسؤوليتها عن الغارة التي استهدفت القيادي في القطاع الشرقي في قرية الحدث بريف مدينة الباب

 ويبدو أنّ المرحلة المقبلة في الشمال السوري سيكون عنوانها: الصراع بين الجولاني وأبو عارف، ومن منهما ستكون لديه القدرة على تطويع الآخر، غير أنّ هذا الصراع على النفوذ والسياسة قد يجر المنطقة إلى موجة اقتتال جديدة من شأنها أن تنقض كل ما قامت به الاستخبارات التركية على صعيد إعادة تنظيم المنطقة لاحتواء غزوة عفرين.

هذا وتحاول "هيئة تحرير الشام" إظهار موقف متمايز عن بقية الفصائل المعارضة السورية إزاء الاتصالات التركية مع النظام السوري، سواء عبر التصريحات وتسجيل المواقف أو على أرض الواقع عبر تكثيف عملياتها العسكرية ضد قوات النظام، في أرياف إدلب وحلب واللاذقية.

وفي آخر تصريحاته، قال الجولاني إنّ تركيا لم تصل بعد إلى مرحلة المصالحة مع النظام السوري، وإنها تخوض "مساراً سياسياً يتوافق مع مصالحها"، مؤكداً معارضة الهيئة لهذه المسارات، دون معاداة تركيا.

اندلع صراع معلن بين الجولاني والضابط التركي الجديد الذي تولى مسؤولية الإشراف على ملف الفصائل السورية المسلحة الملقب بأبي عارف

وأضاف الجولاني في لقاء جمعه بممثلين عن المهجرين والنازحين في محافظة إدلب، وبثّته "مؤسسة أمجاد الإعلامية" التابعة للهيئة منتصف الشهر الماضي، أنّ المسار التفاوضي الذي تخوضه تركيا مع النظام السوري "يحمل خطورة على مبادئ الثورة السورية ويشكل انعطافة جديدة للأتراك، خاصة في ظل ما يعانيه النظام والروس والإيرانيون من ضعف وهزائم، ولكن للأتراك أسبابهم في هذه الانعطافة لا أريد التحدث فيها نيابة عنهم".

وفي محاولة لإمساك العصا من المنتصف، دعا الجولاني إلى اتخاذ موقف إزاء المسار التركي الجديد تجاه نظام الأسد، وقال إنّ "الثورة قوية، وهي ليست بالضعف الذي يجبرها على تقديم تنازلات للنظام"، معتبراً أنّ الروس ما كانوا ليتخذوا هذا المسار مع الأتراك لولا ضعفهم وضعف الإيرانيين والنظام.

وشدد الجولاني على ضرورة رفض تلك المسارات، ولكن "يجب علينا عدم تأزيم العلاقة بين الثورة وتركيا لتصل إلى مرحلة الخصام والعداوة، فنحن لا نريد أن نُكثر العداوات على أنفسنا، ويكفينا عداء الروس والإيرانيين والنظام".

هذا ويعكس توجه  "هيئة تحرير الشام" بما يتعلق بملف المقاتلين الأجانب وإرسالهم إلى أوكرانيا لمقاتلة الروس، مساعي الجولاني بالبحث عن تحالفات دولية بعيداً عن أنقرة.

وفي هذا الإطار، أكد الصحفي همام عيسى المقرب من "الجهاديين" في تصريح لشبكة "أورينت"، توجه مجموعة من المقاتلين المنشقين عن كتيبة "جماعة الألبان" التابعة عسكرياً لميليشيا "هيئة تحرير الشام" إلى أوكرانيا انتقالاً من شمال غرب سوريا.

تركيا اغتالت القيادي المقرب من "هيئة تحرير الشام" صدام موسى "أبو عدي" ، بطائرة مسيّرة، بعد رفضه تسليم معبر الحمران

وأوضح أنّ المجموعة وصلت أوكرانيا بتنسيق مع قائد جماعة "أجناد القوقاز" رستم آزييف (عبد الحكيم شيشاني) الذي يساند القوات الأوكرانية في قتال الجيش الروسي على الجبهات الشرقية في أوكرانيا، عقب مغادرته إدلب قبل فترة وجيزة، وهذا يندرج ضمن محاولة استرضاء واشنطن التي تعد من أكبر الداعمين لأوكرانيا ضد روسيا.

ويرى الخبير في شؤون الجماعات الجهادية، حسن أبو هنية، أنّ الجولاني يحاول استرضاء الغرب بتسريب مجموعة من المقاتلين الأجانب إلى أوكرانيا، حيث ينظر الغرب وتحديداً الولايات المتحدة بإيجابية إلى أي نشاط معاد لروسيا، ويعني ذلك أنّ "تحرير الشام" تؤكد للغرب قدرتها على لعب أدوار إيجابية في أكثر من مسألة دولية، على أمل إزالة اسمها من لوائح "الإرهاب" الغربية.

المرحلة المقبلة في الشمال السوري سيكون عنوانها: الصراع بين الجولاني وأبو عارف، ومن منهما ستكون لديه القدرة على تطويع الآخر

ويستكمل الجولاني بشكل غير معلن حملة التصعيد السياسية والاقتصادية التي تقودها الولايات المتحدة وتحالفها لمنع اكتمال مسار التقارب السوري - التركي.

فخسب صحيفة "الأخبار" فإنّ الجولاني يعمل على إعادة ترتيب "البيت الإدلبي" الداخلي استعداداً لما هو قادم، بشكل يتوافق مع الخطة الأمريكية التي وضعت بالتعاون مع فرنسا وبريطانيا وألمانيا، لنشر القوات ومنع أي تقارب حقيقي بين تركيا والنظام السوري.

فهل نشهد في القريب العاجل مواجهات بين تركيا وجبهة الجولاني، وهل ستقدم الدول الغربية دعماً لهيئة تحرير الشام التي ما تزال مدرجة على قوائم الإرهاب لتخوض حرباً بالنيابة عنها ضد انقرة؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية