صقور الحرب: الرابحون الوحيدون من حرب أوكرانيا

صقور الحرب: الرابحون الوحيدون من حرب أوكرانيا

صقور الحرب: الرابحون الوحيدون من حرب أوكرانيا


15/03/2023

ترجمة: محمد الدخاخني

مع دخول الحرب في أوكرانيا عامها الثّاني، ومع عدم وجود نهاية تلوح في الأفق، يجب طرح أسئلة جدّيّة حول كيفيّة المضيّ قدماً.

قبل عام، انتقدتُّ المسؤولين الأوروبيّين لعدم أخذهم التّحذيرات المبكّرة للرّئيس الأمريكيّ، جو بايدن، بجدّيّة أكبر وفشلهم في التّصرّف بقوّة أكبر لإحباط الغزو الرّوسيّ الذي كان مُقبلاً. لكن بعد خمسة أشهر، في تمّوز (يوليو)، عندما أصبح واضحاً لي أنّه لا توجد نتيجة جيّدة لهذه الحرب، كتبت في هذه الصّفحات: «فقط الأرواح السّاذجة أو الأيديولوجيّون العُمْيان يعتقدون أنّ العدوان الرّوسيّ على أوكرانيا سينتهي بشكل جيّد. لن يحدث ذلك. وكلما طالت مدّته، كان الوضع أسوأ للجميع. الحقيقة أنّه ما من أحد يستطيع الانتصار في هذه الحرب أو سوف ينتصر فيها».

بعد سبعة أشهر، تروي الحصيلة القصّة: وفقاً لمسؤولين أمريكيّين وأوروبيّين، قُتل أو جُرح أكثر من 130 ألف جنديّ أوكرانيّ وما يقرب من 200 ألف جنديّ روسيّ.

أوكرانيا أكثر تأثراً

بل إنّ التّأثير على الشّعب والاقتصاد الأوكرانيّين كان أكثر خطورة. انخفض النّاتج المحلّيّ الإجماليّ للبلاد بمقدار الثّلث، وفقاً لوزارة الاقتصاد الأوكرانيّة. وفقدت البلاد أكثر من 40 في المائة من قدرتها على توليد الكهرباء. وتشير بيانات الأمم المتّحدة إلى أنّ أكثر من 8 ملايين أوكرانيّ أجبروا على الفرار من بلادهم إلى الغرب، مع نزوح عدد أكبر داخليّاً بسبب الدّمار واسع النّطاق الذي طال المنازل والبنية التّحتيّة. نتيجة لذلك، أصبحت أوكرانيا تعتمد على الغرب ليس فقط في الأسلحة، ولكن أيضاً في الإعانات الاقتصاديّة من أجل الدّفع لكياناتها العسكريّة والحكوميّة وخدماتها الأساسيّة.

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يحمل علم وحدة عسكرية بينما يقبلها ضابط في كييف بأوكرانيا الشهر الماضي

باستثناء الهجمات المشتبه بها بطائرات مسيّرة داخل الأراضي الرّوسيّة في الأيام الأخيرة، نجا الرّوس العاديّون حتّى الآن من الموت والدّمار. وكان للعقوبات التي فرضها الغرب تأثير، غير أنّ موسكو لم تكن فقط قادرة على الاعتماد على الاحتياطيّات لدعم الاقتصاد الوطنيّ، ولكنّها وجدت أيضاً طرقاً للالتفاف على العقوبات للحفاظ على مستوى مربح، وإن كان متناقصاً، من الصّادرات والواردات. نتيجة لذلك، انكمش الاقتصاد الرّوسيّ أقلّ بكثير من المتوقّع في عام 2022، حتّى إنّ «صندوق النّقد الدّوليّ» توقّع بعض النّمو الطّفيف في عام 2023. وبدلاً من حشد العالم ضدّ روسيا، زادت الحرب من الانقسامات الموجودة مسبقاً بين الشّرق والغرب، وبين الشّمال والجنوب.

صراع وجودي

بعد مرور عام على هذه الحرب، تجدر الإشارة إلى عدّة تطوّرات. والأهم من بينها حقيقة أنّها أصبحت صراعاً وجوديّاً بالنّسبة إلى الأطراف المعنية كافّة. أثبتت القوميّة الأوكرانيّة أنها قوّة أكثر سطوة بكثير ممّا كان متوقّعاً. مدفوعين بهذا الاعتقاد الرّاسخ ومشجّعين من قِبل الدّعم العسكريّ والسّياسيّ الغربيّ، يتعهّد القادة الأوكرانيّون الآن بمواصلة القتال حتّى تخرج القوّات الرّوسيّة من «كلّ بوصة مربعة» من أراضيهم.

تبنّت موسكو في البداية وجهة النّظر القائلة بأنّ أوكرانيا بلد مصطنع وحتّى «غير شرعيّ»، وسعت إلى إسقاط قيادتها من خلال هجوم مدمّر قائم على «الصّدمة والرّعب». عندما أصبح هذا الهدف بعيد المنال، استقرّت على المطالبة بحقّها في ضمّ أراض في الجزء الشّرقيّ من أوكرانيا التي تتحدّث الرّوسيّة بشكل كبير. بعد أن أُجبرت على الاستسلام في بعض المناطق التي كانت قد احتلّتها القوّات الرّوسيّة في البداية وتراجعت إلى قتال مميت على عدّة جبهات، فإنّ موسكو تكره التّخلّي عن المزيد من الأراضي أو الاعتراف بالهزيمة.

المزيد من الأسلحة أو المزيد من الخسائر في ساحة المعركة لن يُنهي هذه الحرب، حيث لا تزال الأطراف كافّة تعتقد أنّها تستطيع الانتصار ويجب عليها أن تنتصر

أيضاً، سقطت الولايات المتّحدة وحليفاتها في الغرب في حفرة خطابيّة. في وقت مبكّر، بدا بايدن وكأنّه مزيج من ونستون تشرشل ورونالد ريغان، حيث حشد الرّأي الأمريكيّ والأوروبيّ الغربيّ للانضمام إلى هذه المعركة لإنقاذ الدّيمقراطيّة والتّحرّر ممّا يسمّى بالعدوان السّلطويّ وطمأنة الجميع ليس فقط أنّه سينتصر فيها، ولكن أيضاً أنّه يجب الانتصار بها. وفي «مؤتمر ميونيخ الأمنيّ» الشّهر الماضي، رفعت وزيرة الخارجيّة الألمانيّة، أنالينا بربوك، الرّهان، معلنةً أنّ أيّ شيء أقلّ من هزيمة روسيّة سيعني «نهاية النّظام الدّوليّ ونهاية القانون الدّوليّ».

لم تُكسَب الحرب

الآن، بعد مرور عام على اندلاع المعركة، لم تُكسَب الحرب، وكلّ الدّلائل تشير إلى استمرارها. أظهر المتقاتلون الرّئيسون صموداً ملحوظاً. تضخ الولايات المتّحدة وحليفاتها مساعدات جديدة وأكثر فتكاً في أوكرانيا. وهكذا، وقد أصبحوا مزوّدين بالعدّة والعتاد، فإنّ الأوكرانيّين يستعدّون لشنّ هجوم جديد. والرّوس يحتفظون بما لديهم، ومصمّمون على إضعاف العزيمة الأوكرانيّة.

المشكلة، بالطّبع، أنّ المزيد من الأسلحة أو المزيد من الخسائر في ساحة المعركة لن يُنهي هذه الحرب، حيث لا تزال الأطراف كافّة تعتقد أنّها تستطيع الانتصار ويجب عليها أن تنتصر. ومع ذلك، هناك إشارات تحذيريّة أمامنا.

رجال الإطفاء يعملون بعد هجوم بطائرة بدون طيار في كييف في أكتوبر الماضي

على سبيل المثال، عزّزت روسيا أسلحتها بإمدادات أقلّ شأناً، وإن كانت لا تزال مُهلكة، من إيران وكوريا الشّمالية. وإذا أثبتت الأسلحة المتفوّقة للغاية من الولايات المتّحدة و«حلف شمال الأطلسيّ» تأثيرها، فهل ستستجيب الصّين للمناشدات الرّوسيّة بالمساعدة؟ بعد التّرحيب الأوليّ بالأوكرانيّين الفارين، يظهر الدّعم الأوروبيّ للاجئين بوادر تضاؤل بسبب التّكاليف الاقتصاديّة والاجتماعيّة. هل سينمو هذا؟ وبينما وجد بايدن في البداية دعماً من الحزبين لأوكرانيا، تُظهِر الاستطلاعات الأخيرة انقساماً حزبيّاً ناشئاً، حيث شكّك جمهوريّون وبعض الدّيمقراطيّين في طلبات الإدارة للحصول على مساعدات إضافيّة. هل سيؤدّي هذا إلى تقييد أيدي الإدارة للمضيّ قدماً؟ وأخيراً، بالنّظر إلى الانكماش الاقتصاديّ في أوروبا الغربيّة، من سيدفع تكاليف إعادة إعمار أوكرانيا عندما تنتهي الحرب؟

أصبحت أوكرانيا تعتمد على الغرب ليس فقط في الأسلحة، ولكن أيضاً في الإعانات الاقتصاديّة من أجل الدّفع لكياناتها العسكريّة والحكوميّة وخدماتها الأساسيّة

في ظل هذه الخلفيّة، فإنّ العام الثّاني من هذه الحرب لا يَعِد إلّا بالمزيد من الموت والدّمار. لم تُظهِر أيّ من الأطراف الرّئيسة علامات على فقدان العزم. على الضّدّ من ذلك، أصبحت المواقف بين صقور السّياسة الخارجيّة على كلا الجانبين أكثر تشدّداً، على قناعة بأنّ أسلحة أكثر واستراتيجيّة أفضل هما كلّ ما هو مطلوب للانتصار. وهكذا، تستمرّ الحرب.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

جيمس زغبي، ذي ناشونال، 12 آذار (مارس) 2023



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية