"طائر الجنوب" العراقي يعانق الغياب

"طائر الجنوب" العراقي يعانق الغياب


12/04/2022

أعلن الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق، أمس الإثنين، وفاة الشاعر حسب الشيخ جعفر الملقب بـ"طائر الجنوب" في أحد مستشفيات بغداد عن 80 عاماً، بعد معاناة طويلة مع المرض.

وقال الاتحاد في بيان اطلعت عليه "حفريات"، إنه "يعزّي الوطن كله، برحيل الشيخ جعفر" الذي يعد بمثابة "خسارة فادحة للأدب العربي، فهو التجربة المهمة، والشاعر المبتكر، والأديب الأصيل، والإنسان النبيل".

من جانبه، قال الرئيس العراقي برهم صالح، في تغريدة على "تويتر" إنّ "طائر الجنوب الذي حلّق في الشعر العربي لعقود، شاعراً ومترجماً ومجدّداً رحل عن عالمنا".

وأضاف، "بوفاة الشاعر العراقي الكبير حسب الشيخ جعفر يفقدُ الشعرُ أحد أهم قاماتِهِ، وتنحني (نخلةُ الله) حزناً على ابن ميسان الذي أضاء الشعر بمدوّراته. تعازينا لكل العراقيين، وتغمد الله روحه بالرحمة".

بدوره، قال رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في تغريدة على حسابه بـ"تويتر": "تلقينا ببالغ الأسى نبأ رحيل الشاعر العراقي الكبير حسب الشيخ جعفر. كان قامة ثقافية وإنسانية باسقة أمدّ الثقافة العراقية بدفق الفكر والوطنية".

احتفاءً به في يوم الشعر

وكانت دار الشؤون الثقافية التابعة لوزارة الثقافة العراقية، قد احتفت في 21 آذار (مارس) الماضي، بإنجازات الشاعر الراحل، وذلك بمناسبة "اليوم العالمي للشعر".

وتزامن الاحتفاء الذي أقيم في مسرح الرشيد وسط العاصمة العراقية بغداد وقتئذ، مع إصدار أعمال جعفر الشعرية الكاملة بطبعة "دار الشؤون الثقافية"، حسبما أفادت وكالة الأناضول.

الرئيس العراقي برهم صالح، في تغريدة على "تويتر" ناعياً حسب الشيخ جعفر: طائر الجنوب الذي حلّق في الشعر العربي لعقود، شاعراً ومترجماً ومجدّداً رحل عن عالمنا"

ولد الشيخ جعفر عام 1942 في مدينة العمارة مركز محافظة ميسان جنوبي العراق، وتخرّج من معهد "غوركي للآداب" في العاصمة الروسية موسكو عام 1966، ثم نال شهادة الماجستير بتخصص الآداب.

وعُيّن جعفر رئيسا للقسم الثقافي في "إذاعة بغداد" للفترة بين عامي 1970 و1974، ومحرراً في جريدة "الثورة" الحكومية، وهو عضو في الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق.

من دواوينه الشعرية‌ "نخلة الله" و"الطائر الخشبي" و"زيارة السيدة السومرية" و"عبر الحائط في‌ المرأة" و"في مثل حنو الزوبعة"، وله عدة مؤلفات يحكي فيها عن سيرته، ومرحلة الدراسة في موسكو في كتاب بعنوان (رماد الدرويش) ، وترجم عدة مؤلفات لشعراء روس.

جائزة العويس الإماراتية

وحصل الشاعر العراقي الراحل تقديرا لأعماله الشعرية، على "جائزة السلام السوفيتية" في عام 1983 وجائزة مؤسسة "سلطان بن علي العويس الثقافية للشعر" في دولة الإمارات العربية المتحدة، بدورتها الثامنة في عام 2003.

اقرأ أيضاً: الشاعر الفلسطيني خالد أبو خالد يرحل قابضاً على قلم وبندقية

وكان الناقد العراقي فاروق يوسف كتب عن تجربة حسب الشيخ جعفر، قبل سنوات عديدة من رحيله، معتبراً أنّه يوماً ما، في المستقبل سيُنظر إليه باعتباره واحداً من أهم ألغاز القصيدة العربية على مر عصورها. فما لا نعرفه عن الشاعر العراقي حسب الشيخ جعفر أكبر بكثير مما نعرفه. الرجل الصامت في سيرته اليومية، العاكف على ذاته، قليل الأصدقاء كان قد فضل في وقت مبكر من حياته أن يعيش داخل قصيدته زاهداً بالحياة التي صارت بالنسبة إليه مجموعة من الذكريات التي عاشها كما لو أنه اخترعها.

الناقد فاروق يوسف: الرجل الصامت في سيرته اليومية، العاكف على ذاته، قليل الأصدقاء كان قد فضّل في وقت مبكر من حياته أن يعيش داخل قصيدته زاهداً بالحياة

ويتطرق يوسف في مقال بصحيفة "العرب" اللندنية، إلى مذكرات جعفر في كتابه "رماد الدرويش" الذي لم يقل جعفر فيه شيئاً مختلفاً، عما كان قد رواه في شعره، وهو شعر فتح الأبواب ولأول مرة بين الحكاية والقصيدة، من خلال تقنية القصيدة المدورة التي كان رائدها وهي تقنية وضعت الشعر في مواجهة مصير شكلي مختلف تماما عما كان سائداً في مرحلة رواد الشعر العربي الحديث.

احتفت دار الشؤون الثقافية التابعة لوزارة الثقافة العراقية في 21 آذار الماضي بإنجازات الراحل بمناسبة اليوم العالمي للشعر

وشهد منتصف سبعينيات القرن الماضي صدور كتاب حسب الشيخ جعفر الشعري "الطائر الخشبي" الذي يمكنني، يتابع فاروق يوسف، أن أجزم أنه لا يزال واحداً من أهم الكتب الشعرية التي صدرت خلال الأربعين سنة الماضية وقد تكون قصيدته "القارة السابعة" التي تضمنها ذلك الكتاب هي القصيدة العربية الأهم في تلك المرحلة.

اقرأ أيضاً: محمد المهدي المجذوب.. جنون شاعر وزهد صوفيّ

كانت القارة السابعة فاتحة شعر جديد، لم تستطع الثقافة العربية حتى هذه اللحظة أن تستوعبه أو تحتويه. لا لشيء إلا لأنّ كسل النقاد والشعراء العرب قد أدى إلى أن يظل الشيخ جعفر مجهولاً كما أراد لنفسه.

شيء جوهري في شخصيته منعه من الإشهار عن نفسه. وهو الشيء نفسه الذي حرم القراء العرب من قراءة نتاجه الشعري الذي يرقى ببنائه إلى مستوى الكاتدرائيات القوطية في أوروبا.

أبو نؤاس العبوس

أبو نؤاس، وهي كنية الشاعر الراحل، كان قد قضى الجزء الأكبر من حياته مشرفاً لغوياً في إذاعة بغداد. هو العمل الوحيد الذي مارسه بعد عودته من روسيا. كانت له زاويته التي لا يقترب منها أحد في نادي اتحاد الأدباء الذي يقع قريباً من ساحة الأندلس. كنا نراه وكان من الصعب اختراق عزلته. لم يكن متكبراً، غير أنه كان عابساً في استمرار. لا يحب الحديث في الشعر.

اقرأ أيضاً: احتفاء بتجربة الشاعر المصري إبراهيم داود: البساطة وهشاشة الوجود

هل كان يحب الحديث في شيء آخر؟ كان الروائي أحمد خلف وهو صديقه مولعاً في تقليد إشاراته الصامتة ومنها زم شفتيه ليشير إلى اعترافاته. وهي اعترافات قل ما تشير إلى رضاه.

كسل النقاد العرب أدى إلى أن يظل الشيخ جعفر مجهولاً كما أراد لنفسه

يقول عنه فاروق يوسف إنه كائن من طراز خاص كما هو شاعر من طراز خاص. حين ذهب إلى عمّان بتأثير من الحصار الاقتصادي الذي ضيّق الخناق على فكرة العيش عاش بين الفقراء لكن بأنفة ارستقراطية. نقل طقوسه نفسها إلى مغتربه.

اقرأ أيضاً: جريس سماوي شاعر يستبطن الذات الإنسانية

كانت له زاويته التي لا يقترب منها أحد. وكان قدحه لا يتغير. وقد أنقذته جائزة العويس من الفقر، فكانت لفتة من السماء، ولكنّ الشاعر الذي لا يرغب في تغيير مكانه عاد بعدها إلى بغداد. لم يكن لديه ما يفعله سوى أن يكتب رباعيات، لا يفهم أحد سرها. صار إيسوب أو ابن المقفع بطبعة معاصرة، بالنسبة إليه فقد انتهى فصل الشتاء الروسي ليبدأ فصل الصيف العراقي، انتهى الإيقاع لتبدأ الحكمة.

من ديوانه "نخلة الله" يقول الشاعر:

"يا نخلة الله الوحيدة في الرياح

في كل ليل تملئين عليَّ غربتي الطويلة بالنواح

فأهبّ.. جئتكِ.. غير أني لا أضم يدي

إلا على الظل الطويل، ولا أمسّ سوى التراب".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية