عزت الماهري مستشار حميدتي... القلم والبندقية يتصالحان على تبادل الأدوار

عزت الماهري مستشار حميدتي... القلم والبندقية يتصالحان على تبادل الأدوار

عزت الماهري مستشار حميدتي... القلم والبندقية يتصالحان على تبادل الأدوار


25/05/2023

بدأ نشاطه الكتابي منذ بداية الألفية الثانية في موقع (سودانيز أون لاين)؛ تحت اسم (أبنوس) المستعار، وحين حظيت قصصه القصيرة التي كان ينشرها باهتمام متزايد وبمزيد من المتابعين، ووجدت الكثير من الثناء والتقريظ من بعض النقاد، عاد يوسف عزت إبراهيم، المستشار السياسي الحالي لقائد قوات الدعم السريع، إلى اسمه الحقيقي نسبياً، فتخلى عن (أبنوس)، ليطلق على نفسه اسم (عزت الماهري)، فعزّت أبوه والماهرية قبيلته.

حينها كان (عزت الماهري) كادراً شيوعياً وكاتباً بدأ صيته في الذيوع بروايتين ومجموعة قصصية وكتابات متفرقة، أبرزها روايته (جقلا) وقصته القصيرة (مساويط الرماد).

الصحراوي

ولد يوسف عزت إبراهيم لأبوين سودانيين ينتميان إلى بدو (الماهرية) ذات الجماعة العرقية التي ينتمي إليها قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو الشهير بـ (حميدتي)، والذي يباشر الآن حرباً ضروساً ضد قيادة الجيش السوداني داخل العاصمة الخرطوم.

في تلك البادية الصحراوية القاسية، نشأ يوسف طفلاً لا يرى أمامه غير رمال الصحراء المترامية وقوافل الإبل وحداء رعاتها وهديرها وأنينها وهي ظاعنة ومقيمة، فهي هبة الله الوحيدة في تلك الجغرافيا القاسية، وكما قال الروائي الليبي إبراهيم الكوني: "يتشبث البدوي بالإبل لا ليطمئن بامتلاكها، ولكن لأنّها تعويذة حياته، لأنّها الشهادة على هويته، لأنّها حبل السرة الوحيد الباقي الذي يشده إلى مسقط الرأس، إلى حرم الأم الكبرى؛ الصحراء".

قائد "الدعم السريع" محمد حمدان دقلو الشهير بـ”حميدتي”

وهكذا بدأت علاقة يوسف عزت بالصحراء منذ بواكير كتاباته الأدبية، وبقوات الدعم السريع في سياق عمله السياسي الراهن،  وكانت الصحراء والبندقية حاضرتين بقوة في سردياته المبكرة واللاحقة، خصوصاً في قصته الباهرة "مساويط الرماد"، إذ يقول:  "لاذت بالصمت، وهمهم الرجال مؤكدين الرائحة، وكانت هي تَخرِط من ماسورة البُندقية بقايا العصيدة العالقة بها لتأكل وتُلقِّم رَضِيعَها لقيمات صغيرة من حافَة فوهتها، واكتمَل جوع الرجال" .

سيرة مبكرة

جوع يوسف عزت أو (عزت الماهري) أو (أبنوس) سمِّه ما شئت؛ للمعرفة، لم تحل دونه صحراء إقليم شمال دافور (شمال غرب السودان)، على المثلث الحدودي مع ليبيا وتشاد ومصر، حيث تجوب جماعة الزريقات البدوية وفرعها القوي (قبيلة الماهرية)، بقاعها ووهادها ترعى الإبل وتتجر بها بين الدول الـ (3)، وأبعد من ذلك إلى عمق الصحراء الكُبرى ومجاهيلها ومغاليقها.

بدأت علاقة يوسف عزت بالصحراء منذ بواكير كتاباته الأدبية، وبقوات الدعم السريع في سياق عمله السياسي الراهن،  وكانت الصحراء والبندقية حاضرتين بقوة في سردياته المبكرة واللاحقة

حارب الماهري دون هوادة من أجل نيل قسط من العلم والمعرفة، فكان يبدو كأنّه شبح نحيل يطارد ظل التعليم من قرية إلى بلدة إلى مدينة، حيث فارق باديته والتحق بالدراسة في بلدة (كُتُمْ)  شمال إقليم دافور (غرب السودان)، ومكث هناك حتى أكمل المرحلة المتوسطة، ثم شدّ الرحال إلى جنوب دارفور حيث التحق بإحدى ثانويات مدينة نيالا كُبرى مدن الإقليم، قبل أن يتركها إلى مدينة كوستي على النيل الأبيض بوسط السودان، ليكمل تعليمه الثانوي هناك، ولكي تقربه من العاصمة زُلفى، فهي تبعد عن الخرطوم نحو (320) كيلومتراً فقط، حيث تمكن من الالتحاق بكلية القانون في جامعة النيلين (القاهرة فرع الخرطوم سابقاً) 1998، قبل أن يهاجر إلى السعودية فالقاهرة فكندا ويحصل على جنسيتها، ويتخلى عن الماركسية، ليعود مستشاراً سياسياً لقائد قوات الدعم السريع، الأمر الذي مثل مفاجأة حتى للمقربين منه.

أين المفاجأة؟

كتب القاصّ السوداني حسام هلالي، في هذا الصدد، أنّ الماهري كان صديقاً لوالده، وكانا في خلية شيوعية واحدة بمدينة جدة السعودية، حين كان حسام مراهقاً غضاً، قبل أن يلتقيه في مصر مجدداً بعد أعوام، وأنّه، أي الماهري، من وضع حسام هلالي على درب كتابة القصة القصيرة عندما أهدى إليه في القاهرة مجموعة قصصية تحت عنوان (لهذا الصمت صليل غيابك) للسوداني عادل القصّاص.

يقول حسام هلالي في مدونته تحت عنوان عندما سال دمي على قميص عزت الماهري ـ كيف تحول كاتب شيوعي إلى أحد مستشاري حميدتي؟:

"لكن، وقبل الانقلاب بعدة أيام، جمعتني مصادفة غريبة مع عزت الماهري في أحد فنادق الخرطوم، صار مطلقاً وقتها، وقد انتفخ وجهه وزاد وزنه بصورة بدت عليها البحبوحة، مفعماً بآمال للاستقرار في الوطن على عكس تشاؤمي. كان لقاءً مليئاً بالشجون والذكريات، لكنّني ظللت فيه حذراً، فقبلها بأشهر تطوع أحد أصدقائي المقربين من الأوساط السياسية بإطلاعي على معلومة غريبة تقول إنّ عزت هو أحد مستشاري نائب رئيس المجلس السيادي وقائد قوات الدعم السريع (حميدتي).

غلاف رواية (جقلا.. نشيد الرمل) لعزت الماهري

تعجبت وتساءلت: لماذا يفعل ناشطٌ شيوعي سابق أمراً كهذا؟ فردّ صديقي: إنّه ابن عمه!"، وأدركت وقتها أنّ طوباويتي في عدم الاهتمام بانتماء أصدقائي القبلي كان ضرباً من السذاجة، فقد كان حميدتي معروفاً بانتمائه (للرزيقات الماهرية)، وكان لقب عزت ببساطة هو "الماهري"... فأين المفاجأة؟!

رغم تساؤل هلالي أين المفاجأة؟ لكنّه يبدو مُتفاجئاً حدّ الفجيعة، فيما يمضي الماهري يجوب الدول، فيحلّ بجوبا عاصمة جنوب السودان ويقابل الرئيس سلفاكير ميارديت، ويطير منها جنوباً إلى أوغندا حيث استقبله يوري موسفيني وعرّج شرقاً إلى كينيا وإثيوبيا وإريتريا، وجميعهم استقبلوه كموفد رسمي لقائد الدعم السريع ونائب رئيس مجلس السيادة، حتى بعد أن نزعه عنه قائد الجيش عبد الفتاح البرهان بمرسوم رئاسي.

الماهري هو من أثّر على حميدتي وأبعده عن قادة الجيش ذوي الصلة بجماعة الإخوان وحزبها المؤتمر الوطني، وقرّبه إلى قوى الحرية والتغيير ودعاة الدولة المدنية الديمقراطية وفق قول مراقبين

الماهري، هو من أثّر على حميدتي وأبعده عن قادة الجيش ذوي الصلة بجماعة الإخوان المسلمين وحزبها المؤتمر الوطني، وقرّبه إلى قوى الحرية والتغيير ودعاة الدولة المدنية الديمقراطية، يقولها مقربون منه ومراقبون، وكذلك يقولها مناوئون له وأعداء.

بقدم واحدة أم باثنتين؟

"لكل  شيء في الصحراء ترياق، الحر، القُر، المرض، الجوع، الوجد، الحنين، إلا الظمأ، فهو بلا ترياق، لأنّ السماء التي تجود بماء الروح الذي يسميه دهاة القوم حرية، لا تستنزله إلا بصفقة تنال بها حرية الجسد الملقبة باسم الماء"؛ يقول كاتب الصحراء الكبير (إبراهيم الكوني). وهكذا يبدو لسان حال الماهري وهو يسخر من السؤال: " لماذا يفعل ناشطٌ شيوعي سابق أمراً كهذا؟". 

قليلون يعرفون أنّ الماهري لم يقفز بقدم واحدة على حاجز الماركسية ليرتمي في حضن زعيم قوات قبلية حوّلها النظام السابق إلى جيش جرار ودولة داخل دولة، ومنحها شرعية قانونية، إذ اعتبرها جزءاً من القوات المسلحة، ومنحتها القوى السياسية شرعية سياسية إبّان الحكومة الانتقالية التي أطيح بها في 25 تشرين الأول (أكتوبر 2021)، بل تقدّم إلى حيث هو الآن عبر خطوات كثيرة متسقة أحياناً ومتناقضة في كثير من الأوقات، فقد اتجه في أواخر العقد الأول من الألفية الثانية إلى العمل الثوري في إقليم دارفور، حيث كان ميداناً لحرب ضروس بين الحكومة حينها وحركات الكفاح المسلح، وأصبح مسؤولاً سياسياً لجبهة القوى الثورية المتحدة. 

وأطلق حينها مقولته المشهورة، بأنّه لا يرى في قريبه الشيخ موسى هلال زعيماً فعلياً للجنجويد،  فـ "الزعماء الحقيقيون هم قيادات في قمّة النظام، وأنّ هنالك سماسرة يعملون معهم من أهلنا، هؤلاء هم الذين سعوا وما زالوا للتعاقد باسم القبائل العربية مع النظام وفصل القبائل العربية من دارفور وربطها بالخرطوم، ويخططون لتحويلها إلى جيش لحماية النظام مقابل مكاسبهم الخاصة، هؤلاء هم القيادة الفعلية للجنجويد".

فاتورة واجبة السداد

وأضاف في حوار سابق له مع صحيفة (أجراس الحرية) حجبته الرقابة وقتها، ونشر في موقع (سودانيز أون لاين) عام 2011: "نحن نستطيع إثبات أنّ ميليشيا الجنجويد ميليشيا حكومية يديرها ضباط  جيش وأمن من رتب كبيرة؛ وموسى هلال ذاته يخضع لسلطتهم، وهلال هو رمز للقبائل العربية بحكم أنّه شيخ قبيلة المحاميد (فرع من قبيلة الرزيقات)، فالنظام (نظام عمر البشير) يريد تحميل القبائل العربية وزر كل ما يرتكب هناك من جرائم".

ومنذ ذلك الوقت بدأ يوسف عزت إبراهيم الماهري يُدرك مدى توريط حكومة الإخوان المسلمين للجماعات العربية في إقليم دارفور في حرب على إخوانهم الأفارقة من سكان الإقليم الأصليين، ويحاول شرح كيف تختبئ الحكومة خلف أهله لتقتل أهله الآخرين، ويبدو أنّه انضم لقوات الدعم السريع لكي يقول لقائدها (الماهري) أيضاً: إنّ طريق النجاة هو التنصل من تركة (الكيزان) الثقيلة مهما كلف الأمر، فكانت حرب الخرطوم الراهنة جزءاً من الفاتورة التي سيدفع الدعم السريع وقادة الجيش والحركة الإسلامية أنصبتهم منها، دماً ودماراً وتشريداً، وسوف يسددها الشعب السوداني كاملة فيما بعد.

مواضيع ذات صلة:

السيول والفيضانات تتحالف مع المتقاتلين في السودان

صراع السودان يعمق أزمات الاقتصاد... ما السيناريوهات المحتملة؟

السودان: بعد تدمير القصر الجمهوري.. تعرف إلى تاريخه ورمزيّته




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية