على وقع الحروب القبلية والأزمات السياسية... الشارع السوداني يغلي مجدداً

على وقع الحروب القبلية والأزمات السياسية... الشارع السوداني يغلي مجدداً

على وقع الحروب القبلية والأزمات السياسية... الشارع السوداني يغلي مجدداً


26/10/2022

بعد أشهر من الخلافات السياسية بين المكوّنين العسكري والمدني، خرج آلاف المتظاهرين أمس إلى الشوارع، بمناسبة الذكرى الأولى لإجراءات الجيش، رافعين شعارات تطالب بعودة العسكريين إلى ثكناتهم وتشكيل سلطة مدنية كاملة، وتحقيق العدالة لقتلى الاحتجاجات المستمرة منذ نحو عام والبالغ عددهم حتى الآن (121) قتيلاً.

عشرات آلاف المحتجين توجهوا في مسيرة صوب القصر الرئاسي، وأحرقوا إطارات على الطرق الرئيسية، وأقاموا متاريس لإبطاء تقدم قوات الأمن التي قامت من جهتها بإغلاق كل الجسور التي تربط بين ضفتي نهر النيل في العاصمة السودانية، وأطلقت الشرطة قنابل الغاز في محاولة لتفريق الحشود وفي محيط القصر الجمهوري.

مظاهرات واسعة والداخلية تُحذّر

وتظاهر الآلاف كذلك في شوارع مدن ود مدني والأبيض (جنوب العاصمة) والقضارف وبورتسودان في الشرق وعطبرة في الشمال ونيالا في جنوب غرب دارفور، مردّدين شعارهم الرئيسي "لا تفاوض ولا شراكة مع الانقلابيين".

من جهتها، قامت السلطات بقطع شبكة الإنترنت في كل أنحاء السودان، وناشد والي الخرطوم المشاركين في التظاهرات أن يكونوا سلميين، وألّا يقوموا بتخريب الممتلكات العامة. وقال في تصريحات تلفزيونية: "نتمنى أن يحدث توافق سياسي ينهي الأزمة السياسية التي تضررت منها البلاد... وعلى السياسيين الاجتماع على كلمة سواء لإخراج البلاد من أزمتها".

وقالت وزارة الداخلية السودانية في بيان: إنّه "منذ انطلاق مواكب (أمس) تبين أنّنا نتعامل مع قوات مدربة بتشكيلات عسكرية مسلحة"، مشيرة إلى وجود "جماعات منظمة بالمواكب ومسلحة بالدرق والغاز والخوازيق المصنعة والعبوات الحارقة".

 قامت السلطات بقطع شبكة الإنترنت في كل أنحاء السودان

ويشهد السودان اضطرابات سياسية واقتصادية منذ أحداث تشرين الأول (أكتوبر) 2021، لكنّ الأحزاب السياسية قالت هذا الأسبوع: إنّ مناقشات بدأت بدعم من منسقين دوليين، للتوصل إلى اتفاق لتشكيل حكومة مدنية جديدة.

وقد رفض كثير من المتظاهرين المشاركين يوم الجمعة التسوية، وحملوا اللافتات، ورددوا هتافات "لا تسوية ولا تفاوض".

مقتل متظاهر

خلال المظاهرات قُتل متظاهر سوداني دهساً بعربة تابعة لقوات الأمن، كان يشارك الآلاف في الخرطوم وعدة مدن أخرى في الذكرى الأولى للإجراءات التي اتخذها الجيش، ليرتفع بذلك عدد القتلى الذين سقطوا في عام واحد إلى (119)، وقد دعت السفارات الغربية العسكريين إلى عدم إطلاق النار على الحشود.

وقالت لجنة الأطباء المركزية، وهي نقابة موالية لأنصار الديمقراطية: إنّ مواطناً "قُتل دهساً بعربة تابعة لقوات الجيش في مدينة أم درمان المجاورة للخرطوم"، نقلاً عن وكالة "فرانس برس".

المتظاهرون رفعوا شعارات تطالب بعودة العسكريين إلى ثكناتهم وتشكيل سلطة مدنية كاملة

 

ووقعت صدامات بين الأمن السوداني والمتظاهرين الثلاثاء، وأطلقت قوات الأمن قنابل الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين الذين نزلوا بالآلاف إحياءً للذكرى الأولى لتسريح الحكومة المدنية، وللمطالبة بحكومة مدنية قادرة على إخراج البلاد من المأزق، في الوقت الذي قُطع فيه الاتصال بالإنترنت.

ونددت السلطات ببعض ما اعتبرتهم "الخلايا التخريبية التي اندست بين المتظاهرين"، في حين دعت الأمم المتحدة إلى فتح تحقيق في أعمال العنف القبلي، التي أودت بأكثر من (200) شخص، في ولاية النيل الأزرق.

مظاهرات مستمرة

والجمعة، عمّت المظاهرات العاصمة الخرطوم ومدينة أم درمان، وفي مدينة ود مدني (وسط) وفي الأبيض (جنوب) وفي ولايتي كسلا وشرق النيل في الشرق، وقد تظاهر آلاف السودانيين تحت شعار "لا للحكم العسكري"، واحتفالاً بالذكرى الـ (58) لأول "ثورة" على السلطة العسكرية في بلد هيمن عليه العسكريون بشكل شبه متواصل منذ استقلاله.

وردّد المحتجون هتافات تطالب "العسكر بالعودة إلى الثكنات"، في إشارة إلى مطالبتهم بالحكم المدني، وردّد المحتجون أيضاً "لا للقبلية" و"لا للعنصرية"، غداة يومين داميين في ولاية النيل الأزرق بجنوب البلاد.

وأسفرت تظاهرات الجمعة عن إصابة (31) متظاهراً، من بينها (3) إصابات في العين بقنابل الغاز المسيل للدموع، بحسب نقابة الأطباء التي تحصي الضحايا منذ الانقلاب.

ودعت السفارات الغربية الإثنين الماضي السلطات إلى "احترام حرية الرأي وحق التجمّع السلمي"، وطالبت بـ"عدم استخدام القوة"، في بيان أدان "مقتل متظاهر الأحد".

العسكر لا يرغب بالبقاء في الحكم

وتأتي الفعاليات تحت شعار "مليونية 25 أكتوبر"، وذلك في الذكرى الأولى لما تسميه بعض القوى السياسية الإطاحة بالمرحلة الانتقالية في السودان التي كانت بدأت بعد إسقاط عمر البشير بهدف الوصول إلى حكم مدني.

وكان الفريق أول عبد الفتاح البرهان قد شدّد مراراً على أنّ القوات المسلحة ليس لديها أيّ رغبة للوجود في الحكم، وأنّها تفضل عملها المتمثل في الأمن والدفاع، تاركة المجال للسياسيين والقوى المدنية لتشكيل حكومة مدنية كاملة.

وقال البرهان في تموز (يوليو) الماضي: إنّ مجلس السيادة الانتقالي الحاكم، الذي يترأسه، سُيحلّ بعد تشكيل الحكومة الجديدة، وقال: إنّ مجلساً أعلى للقوات المسلحة سيُشكل بعد ذلك لتولي القيادة العليا للقوات النظامية ويكون مسؤولاً عن مهام الأمن والدفاع، إلى جانب "ما يتعلق بها من مسؤوليات" بالاتفاق مع الحكومة.

 

يشهد السودان اضطرابات سياسية واقتصادية منذ أحداث تشرين الأول 2021

 

هذا، وطالب مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أمس بالعودة فوراً إلى حكومة انتقالية مدنية في السودان، وذلك في الذكرى الأولى لإجراءات اتخذها الجيش وشملت إقالة الحكومة.

وإضافة إلى قلق السودانيين الأول، وهو تدهور قوتهم الشرائية، يخشى كثيرون -بعد (3) أعوام على ثورة العام 2019- عودة الدكتاتورية القائمة على التحالف بين الإسلاميين والعسكريين.

فمنذ الانقلاب، استعاد العديد من أنصار البشير مناصبهم، وخصوصاً في القضاء الذي يحاكم أمامه حالياً الدكتاتور السابق.

حروب قبلية

في الأثناء، تصاعدت خلال الفترة الماضية ظاهرة التراشق المتبادل عبر بيانات قبلية تهديدية وتحذيرية في ما عُرف بحملة "الخطوط الحمراء القبلية"، وما رافقها من أحداث عنف دامية شهدتها مناطق سودانية عدة آخرها منطقة لقاوة بولاية غرب كردفان بين قبيلتي النوبة والمسيرية، وصولاً إلى تجدد العنف بين قبائل الفونج والهوسا بإقليم النيل الأزرق، والتي قُدر عدد ضحاياها بنحو (200) قتيل وأكثر من (86) جريحاً.

خلال المظاهرات قُتل متظاهر سوداني دهساً بعربة تابعة لقوات الأمن في مدينة أم درمان

 

وسبقت ذلك مواجهات قبلية في كلٍّ من كسلا والبحر الأحمر شرق السودان بين عرقيات كانت تسكن تلك المدن متجاورة منذ عشرات الأعوام من دون أيّ احتكاكات بينها.

وبحسب السلطات السودانية، فقد سجل الاقتتال العرقي جنوبي البلاد وفاة (200) شخص، بسبب مواجهات عنيفة بين عرقيتي الهاوسا والبارتا بسبب خلافات حول الأراضي، وقُتل (600) شخص منذ مطلع العام، ونزح أكثر من (210) آلاف، وفق الأمم المتحدة.

البيانات القبلية التي ضجّت بها وسائل التواصل الاجتماعي على مدار الأشهر الماضية، حذّرت من مغبة المساس بأبنائها السياسيين أو رجالات السلطة الحالية، معتبرة أنّ المساس بهم خط أحمر، وحذّرت بيانات أخرى من المساس بالأرض.

يُذكر أنّ ظاهرة الصراعات القبلية المسلحة في السودان تشهد انتشاراً كبيراً مؤخراً، وينتشر السلاح لدى القبائل في الولايات الحدودية، وخاصة في دارفور غرب البلاد الأكثر اشتعالاً بالصراعات القبلية.

 

مواضيع ذات صلة:

بعد تجدد التوتر بين السودان وإثيوبيا.. ما السيناريوهات المحتملة للأزمة؟

الاتحاد الأفريقي يعلن موقفه من "الآلية الثلاثية" في السودان... ما هو؟

الإخفاق السياسي يطارد السودانيين: حوار الآلية الثلاثية مثالاً



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية