عندما ترى الولايات المتحدة حلفاءَها يُفلتون منها

عندما ترى الولايات المتحدة حلفاءَها يُفلتون منها

عندما ترى الولايات المتحدة حلفاءَها يُفلتون منها


كاتب ومترجم جزائري
28/05/2023

ترجمة: مدني قصري

كشف سياق الحرب في أوكرانيا عن أهمية استراتيجية "التحوط"، وهي فكرة تأتي من عالم المال، وهي تضع نهجاً يتمثل في ضمان أمن الدولة والحفاظ على مصالحها، مع كسب المزيد من الشركاء.

بعد أن ظلت هيمنة الولايات المتحدة تستند منذ فترة طويلة إلى التزام شركائها بالأجندة الاستراتيجية العالمية الأمريكية، من خلال بناء تحالفات دائمة، فإنّ النظام العالمي يشهد اليوم بشكل متزايد تحوّلات في العلاقات الدولية، مع تأكيد المصالح الوطنية والإقليمية التي لم تعد تتماشى مع المصالح الأمريكية، ومع ظهور "تواطؤات متقلبة". هناك العديد من الأمثلة التي توضح هذا التحوّل بطريقة صارخة.

عالم "غير منحاز"

أشارت مجلة فورين أفيرز revue Foreign Affairs  في مقدمة عددها مايو (يونيو) 2023، والمخصص لـ "العالم غير المنحاز"، إلى أنّ المتحوّطين في مصالحهم (أي الذين يسعون إلى جلْب ما ينفعهم ودفعِ ما يضرّهم) يولُون اهتماماً لحرية التصرف ويستطيعون إنشاء شراكات ملائمة لتحقيق أهداف محددة في السياسة الخارجية، ولكن من غير المحتمل أن يوقّعوا تحالفات عامة. فالأمر يتعلق بتجنب ضغوط الاختيار بين الصين وروسيا والولايات المتحدة.

تسعى الصين، التي تأمل في تحقيق تغيير هيكل الحَوْكَمة العالمية، إلى تشجيع هذه "التواطؤات المتقلبة" التي تطفو اليوم كمظهر، بل وحتى كأساس لنظام دولي جديد. في هذا الصدد يُذكِّر عالم السياسة الفرنسي برتراند بديع أنّ "أحد افتراضات الدبلوماسية الصينية هو أنّ الصين بحاجة إلى عالم مستقر واقتصاد عالمي مزدهر، وإذا فشل ذلك فإنّ مقامرة الصين بتولي زمام العولمة ستنهار، ولهذا السبب فالصين لا ترى أي مصلحة في تفاقم الخلافات". وفي رأي بديع فإنّ هذا التوجه بمثابة جرس ينذر بموت الجغرافيا السياسية للكتل، لأنّ بكين تروّج، ضمن نهج براغماتي، لمضاعفة الشراكات على حساب التحالفات الحصرية والدائمة.

من جانبهم لا يريد شركاء واشنطن التقليديون الانجرار إلى استقطاب جيوسياسي. كما ظهر في سياق الحرب في أوكرانيا، رفضُ عددٍ منهم فرضِ عقوبات على روسيا، فهم ينظرون إلى ظهور الصين كفرصة للمناورة من أجل زيادة استقلاليتهم في اتخاذ القرار. هناك مثالان صارخان اليوم يوضحان تكريس هذا "التواطؤ المتقلب" على حساب الجغرافيا السياسية للكتل: التطبيع بين السعودية وإيران، والذي حدث بفضل الوساطة الصينية، وكذلك العلاقة المتطورة بين تركيا وروسيا.

تنويع الشراكات

كان هذان اللاعبان في صراع مستمر منذ عدة سنوات. واشتدت المواجهة بين الرياض وطهران منذ عام 2015 بسبب الحرب في اليمن التي قوّضت المصداقية الأمريكية والتزاماتها الدفاعية لحلفائها الخليجيين، وقلما تفاعلت واشنطن مع الهجوم الأول على منشآت النفط العملاقة أرامكو السعودية في عام 2019.

أدى هذا السياق إلى تسريع تحوّل رؤى المملكة العربية السعودية إزاء العالم، وإلى ظهور الرغبة في تطبيق سياسة بديلة لتخفيف وطأة المواجهة الإقليمية، مع تنويع الشراكات من أجل الحفاظ على المصالح السعودية على أفضل وجه ممكن.

نشهد اليوم نهاية تنوع الشراكات الإستراتيجية لحلفاء الولايات المتحدة التاريخيين، عبر نهاية التحالفات المستقرة وتجاوز منطق الاستقطاب الجيوسياسي الضروري للحفاظ على الهيمنة الأمريكية

على الرغم من أنّ الولايات المتحدة لا تزال شريكاً متميزاً للرياض إلا أنّ التوترات السياسية لا تزال قائمة ومستمرة. في الوقت نفسه عزّزت المملكة العربية السعودية شراكتها مع روسيا، إلى حد رفض الاشتراك في الطلبات الأمريكية لزيادة إنتاجها النفطي والاتفاق مع موسكو على تخفيضه.

في سياق هذه المقاربة، التي تهدف إلى الحد من التوترات الإقليمية وتعزيز أشكال التقارب، أعادت المملكة العربية السعودية أيضاً الاتصال بتركيا، التي كان يُنظر إليها على أنها منافس إقليمي منذ عام 2011. لكن التطور الأكثر إثارة كان في توثيق العلاقات مع الصين التي أصبحت شريكها التجاري الأوّل. لقد وافقت الرياض على وساطة صينية في الملف الإيراني وانخرطت في منظمة شنغهاي للتعاون.

من خلال قبولها للرعاية الصينية لاستعادة العلاقات مع إيران همّشت السعودية الولايات المتحدة التي لعبت، تاريخياً، دوراً سياسياً قيادياً في الشرق الأوسط. ويتعارض هذا التطور مع المصالح الأمريكية، ولا سيما أنّ المصالحة بين الرياض وطهران تجري اليوم في سياق إعادة تعريف العلاقات الدولية - التي تشهد تطوراً في التحالفات المستقرة والدائمة نحو هذه "التواطؤات المتقلبة" – وبزوغ عالم غير منحاز بتشجيع من بكين.

تحاول الصين بالفعل إعادة بناء النظام الدولي من خلال الدبلوماسية النشطة الكثيفة، ودور الوساطة في القضايا الإقليمية، ومضاعفة الاتفاقيات وهياكل التعاون الإقليمية واللقاءات السياسية (بريكس، وآسيان، ومنظمة شنغهاي، ولقاءات القمة بين الدول العربية والصين والصين وأفريقيا...) التي تسعى لإعادة النظر حول احتكار الزعامة الأمريكية.

وهناك حالة أخرى تستحق اهتماماً خاصاً، ألا وهي العلاقة بين موسكو وأنقرة، والتي توضّح مقاربة براغماتية من كلا الطرفين وتقارب المصالح، على الرغم من التناقضات المستمرة.

تركيا وروسيا: شراكة مصلحة

تبلورت العداوات بين روسيا وتركيا في سوريا وليبيا ولكن أيضاً في القوقاز. ومع ذلك ففي جميع مناطق الصراع هذه وجد الروس والأتراك تسوية مؤقتة وأقاموا آليات إدارة سلمية.

وعلاوة على أنّ أنقرة أكدت علناً في سياق الحرب في أوكرانيا، دعمَها لوحدة أراضي البلاد وزوّدت كييف بالأسلحة، إلا أنها ظلت ترفض فرض عقوبات على روسيا التي تعتمد عليها في تموينها بالغاز.

بالإضافة إلى ذلك، وعلى الرغم من وضعها كعضو في الناتو، فقد اختارت تركيا الحصول على S-400s الروسية لنظامها الدفاعي المضاد للصواريخ، وهو القرار الذي أدى إلى إثارة التوترات مرّة أخرى في علاقتها مع واشنطن.

أخيراً، وافقت أنقرة على الدخول في حوار مع نظام دمشق، برعاية روسيا، وضد رأي واشنطن - وهو تطوّر قد ينبئ بتطبيعٍ محتمل في المستقبل القريب في العلاقات الثنائية التركية السورية.

من خلال قبولها للرعاية الصينية لاستعادة العلاقات مع إيران همّشت السعودية الولايات المتحدة التي لعبت، تاريخياً، دوراً سياسياً قيادياً في الشرق الأوسط

وتجدر الإشارة مع ذلك إلى أنّ انتصاراً محتملاً (في الانتخابات التي تجري اليوم الأحد) لكمال كليجدار أوغلو، الأكثر حساسية إزاء المواقف الأوروبية والأكثر تقّبلاً للمطالب الأمريكية من أردوغان يمكن أن يعيد ترتيب الأوراق. ولكن بالنظر إلى نتائج الجولة الأولى من الانتخابات يبدو أنّ الرئيس المنتهية ولايته في وضع أفضل للفوز فيها.

نهاية التحالفات المستقرة

في النهاية يشهد تنوع الشراكات الإستراتيجية لحلفاء الولايات المتحدة التاريخيين، اليوم، ورغبتهم في بناء تقاربات وفقاً لتصورها الخاص لمصالحها الاستراتيجية، على توجّهٍ أساسي: نهاية التحالفات المستقرة وتجاوز منطق الاستقطاب الجيوسياسي الضروري للحفاظ على الهيمنة الأمريكية.

هذا التطور تشجعه بكين أيضاً لجهة التشكيك في هيمنة الدولار غير المتنازع عليها. في شهر آذار (مارس) الماضي تسببت الصفقة غير المسبوقة لشركة TotalEnergies مع شركة النفط والغاز الصينية العملاقة CNOOC المتعاملة بِاليوان في إحداث المفاجأة. في الآونة الأخيرة قررت الأرجنتين تسديد ثمن وارداتها الصينية باليوان بدلاً من الدولار.

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

https://theconversation.com/quand-les-etats-unis-voient-leurs-allies-leur-echapper-205495




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية