عن أية عواقب كارثية يتحدث محافظ البنك المركزي التونسي؟

عن أية عواقب كارثية يتحدث محافظ البنك المركزي التونسي؟


25/05/2022

"العواقب ستكون كارثية إذا وصل التضخم إلى رقمين"، عبارة أطلقها قبل أيام محافظ البنك المركزي التونسي، مروان العباسي؛ مبرراً قرار رفع سعر الفائدة الذي اتخذه البنك المركزي التونسي.

العباسي يرى أنّ رفع سعر الفائدة خطوة ضرورية لمواجهة التضخم المرتفع، محذراً أنّ العواقب ستكون كارثية إذا تجاوز معدل التضخم حاجز 10% (عشرة بالمائة) لكن يظلّ السؤال الأهم حول مدى إمكانية تجاوز تونس أزمتها الاقتصادية، التي بدأت قبل 10 سنوات، وزادت مع فترة حكم حركة النهضة، التي عجزت بدورها عن إيقاف نزيف الاقتصاد التونسي.

تكريس الأزمة الاقتصادية

الباحثة والإعلامية التونسية رباب علوي تشير إلى أنّ رفع سعر الفائدة مسألة متوقعة أمام الضغط الحاصل على ميزان المدفوعات، بسبب ارتفاع نسبة التضخم والذي بلغ 7%.

تضيف علوي، في تصريح لـ "حفريات"، أنّ القرار سيؤدي إلى ارتفاع في نسبة الفائدة النقدية وارتفاع نسب الفائدة البنكية، بالتالي، سيؤثر في المواطنين ومقدراتهم الشرائية، خاصة أصحاب القروض ذات الفائدة المتغيرة.

 حكومة حركة النهضة ذهبت بالاقتصاد التونسي إلى مراحل أكثر من التدهور

ترى علوي أنّ القرار سيكرّس الأزمة الاقتصادية "التي كانت قد انطلقت منذ أزمة كورونا، وما تبعها من إجراءات الحجر الصحي، حيث انكمش الاقتصاد التونسي عام 2020 بنسبة 8.8%، وتراجعت الاستثمارات بنسبة تجاوزت الـ 28% مقارنة بسنة 2019،  ووصلت البطالة إلى مؤشرات قياسية بلغت 18 بالمئة على المستوى الوطني، وبين 30 و 4% في بعض مناطق الجنوب على غرار ولاية تطاوين وسيدي بوزيد".

تفاقمت الأزمة الاقتصادية في تونس بسبب الحرب في أوكرانيا، فأوكرانيا وروسيا تعدّان المصدر الأساسي للحبوب في تونس، وهي تحتاج حوالي 30 مليون قنطار سنوياً من الحبوب.

توضح علوي: "تونس تستورد 70% من حاجاتها من الحبوب من أوروبا الشرقية؛ لهذا السبب سيعزز قرار البنك المركزي الصعوبات الاقتصادية أكثر، وهو يكشف عمق الأزمة المالية التي تعيشها البلاد".

إصلاحات اقتصادية هيكلية

تستدرك علوي: "كان من الأجدر أن تتجه السلطة التونسية إلى القيام بإصلاحات اقتصادية هيكلية، والتركيز على مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي؛ لأنّ رفع نسبة الفائدة سيضرّ بالتأكيد المواطن التونسي، وسيعزز في المقابل وضعية البنوك التونسية، وهذا الإجراء سيخفّف ضغط الطلب على العملة الصعبة، لكنّه سيضغط على المواطن التونسي".

رباب علوي: تونس تعمل على إعادة تنشيط الاقتصاد عبر استئناف نشاط الفوسفات

توضح علوي؛ أنّ تونس تعمل على إعادة تنشيط الاقتصاد عبر استئناف نشاط الفوسفات بعد توقف الصادرات التونسية من هذه المادة منذ 10 أعوام، مضيفة: "الخطة الثانية هي تشجيع الاستثمارات الأجنبية، التي تعدّ المحرك الأساسي للاقتصاد التونسي، وستكون الاستثمارات الخارجية موضوع منتدى تونس للاستثمار، الذي سينعقد في شهر حزيران (يونيو) المقبل، ويزور وزير الاقتصاد، سمير سعيد، حالياً عدداً من البلدان الأوروبية، على غرار إيطاليا وإسبانيا وألمانيا، من أجل تشجيع المؤسسات الاقتصادية على الاستثمار في بلادنا، وفي الوقت نفسه، تعوّل تونس على الاقتراض من صندوق النقد الدولي وتتفاوض حالياً على 4 مليارات دولار".

محافظ البنك المركزي التونسي: العواقب ستكون كارثية إذا تجاوز معدل التضخم حاجز 10 بالمئة، والدعم المالي الجديد من صندوق النقد الدولي ضروري ولا غنى عنه

تنوّه علوي إلى أنّ هذه الإجراءات قد لا تكفي للخروج من الأزمة: "الاقتصاد التونسي بحاجة إلى إصلاحات هيكلية قد تكون موجعة للاقتصاد التونسي، وللإشارة يدعو صندوق النقد الدولي تونس إلى رفع الدعم عن أسعار المواد الأساسية وتجميد كتلة الأجور وخصخصة بعض المؤسسات العمومية، وهي إجراءات يرفضها الاتحاد العام التونسي للشغل (المنظمة النقابية)".

صعود الإسلام السياسي وبداية الأزمة

من جهتها، تقول الباحثة في الاقتصاد الدولي، سمر عادل، إنّ خروج الشعب التونسي إلى الشارع، في تموز (يوليو) 2021 للمطالبة بسقوط الإخوان، تزامن مع الفترة التي عانى فيها الاقتصاد التونسي بشكل كبير جداً.

 سمر عادل: مع تداعيات كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، زادت الأزمة الاقتصادية، وانكمش الاقتصاد التونسي بداية العام

توضح سمر عادل، في تصريح لـ "حفريات": "مع بداية صعود الإسلام السياسي، بعد انتهاء حقبة بن علي، بدت الدولة التونسية في مواجهة مجموعة من التحديات، وبالتأكيد حركة النهضة فشلت بشكل ذريع في مسعاها للحفاظ على استقرار الوضع".

ترى عادل أنّ حكومة حركة النهضة ذهبت بالاقتصاد التونسي إلى مراحل أكثر من التدهور، لافتة إلى إخفاق الحركة في التعامل مع ملف كورونا، والذي كان سبباً أيضاً في نزول الناس إلى الشارع.

تضيف سمر عادل إلى أنّ معدل النمو في 2010 مقارنة بالفترة الحالية، وبعد عشر سنوات، سنجد أنّ التراجع زاد عن 11% و13%  وربما أكثر من ذلك، موضحة أنّ ذلك له تأثير سلبي في الاستثمار وفي الإنتاج، كما كان سبباً في تراجع قيمة العملة.

الباحثة في الاقتصاد الدولي سمر عادل لـ"حفريات": تونس دخلت أزمة كبيرة، والوضع سيتعمّق، وستزداد معدلات الفقر والبطالة مع تراجع الطبقة المتوسطة، والتي ستتعرض بدورها لأزمة أكبر

تنوّه سمر عادل إلى أنّه، مع تداعيات كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، زادت الأزمة الاقتصادية، وانكمش الاقتصاد التونسي بداية العام؛ "ما يعني أنّ حكومة حركة النهضة عجزت حتى عن مجرد الحفاظ على مستوى الانكماش وتدهور الاقتصاد بشكل أكبر من فترة للأخرى، ورافق ذلك ارتفاع حجم الديون وانخفاض الاحتياطي النقدي، الذي وصل لـ 7 مليارات، وكلّها مؤشرات تؤثر على حركة الاقتصاد الكلي".

وتردف عادل: "بعد ارتفاع معدلات التضخم بالصورة الكبيرة التي شاهدناها رفع البنك المركزي في تونس سعر الفائدة، وهو ما لم يحدث منذ 3 سنوات، وذلك يعني أنّه سيؤثر في حركة الإنتاج والاستثمارات والصناعة التي تعاني من أزمة، وسيؤثر أيضاً في حركة الاقتراض، وذلك معناه التأثير في الناتج المحلي الإجمالي؛ فهي دائرة مغلقة".

البحث عن بادرة أمل

تلفت عادل إلى أنّ هناك محاولات لتحفيز الاستثمار والإنتاج والتصالح مع بعض رجال الأعمال، مستدركة: "لكن حتى مع المحاولات، في ظلّ الخطوات التي حاول قيس سعيّد تنفيذها، تلاشى الأمل، وأعتقد أنّ تونس دخلت أزمة كبيرة، والوضع سيتعمّق الفترة المقبلة، وسيزيد معدلات الفقر والبطالة مع تراجع الطبقة المتوسطة، والتي ستتعرض بدورها لأزمة أكبر، والمؤشرات الاقتصادية على مستوى الاقتصاد الكلي ستشهد تراجعاً، ولا أظنّ أنّ اقتصاد تونس سيشهد الفترة المقبلة أيّة بادرة أمل".

في سياق متصل، جاءت تصريحات محافظ البنك المركزي التونسي، مروان العباسي، 20 أيار (مايو) الجاري، عن "التدهور في عجز الموازنة"، الذي ردّه إلى الأزمة في أوكرانيا التي "تسببت في ارتفاع سعر واردات الطاقة، خصوصاً المحروقات والمواد الغذائية".

العباسي أكّد أنّ الدعم المالي الجديد من صندوق النقد الدولي "ليس فقط لا غنى عنه، بل ضروري لتونس؛ لأنّه سيمكّن من التمويل بتكلفة معقولة، وسيفتح الطريق أمام البلاد للاقتراض من الأسواق المالية الخارجية ومن المانحين الدوليين".

مواضيع ذات صلة:

إخوان تونس وصناعة الاستقطاب السياسي.. هل تنجح آخر أدوات التنظيم؟

هل تلجأ "النهضة" لجهازها الأمني في صراعها مع الرئيس التونسي؟

الاتحاد التونسي للشغل في مواجهة حركة النهضة الإخوانية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية