عن نقد أم كلثوم

عن نقد أم كلثوم


08/06/2022

أحمد عبد التواب

يتناقض البعض مع الحقيقة المبدئية التى يعلنون إيمانهم بها، بأن اتساقك فى الدعوة لحرية التعبير يتجلَّى أساساً فى دفاعك عن المخالفين معك فى الرأى، وأن حصرك لهذا الحق على مؤيديك يُخرِجك من زمرة المدافعين عن حرية التعبير، وقد يضعك فى خانة أخرى على الناحية الأخرى! ويمكن بتذكر هذه القاعدة الأساسية البسيطة أن نعفى أنفسنا من استنزاف يطفو من آن لآخر على السطح، ويُزيده أنه صار لكل متداخل منبر على السوشيال ميديا، وله داعمون جاهزون لمؤازرته مجاملة منهم على سابق مؤازرته لهم، أو مبادرة منهم تحسباً لاحتياجهم له فى المستقبل عندما يتبادلون الأدوار!

أنظر إلى هذا الكلام الساذج فى مضمونه، الهابط فى عرضه، البذيء فى لغته، الفج فى التعبير عنه، الذى تطاول به أحدهم على أم كلثوم، وتستر بأنه يمارس حرية التعبير! ثم إذا به يؤكد، باعتذاره عما قال، أنه كان يلغو. وكان يمكن لكل هذا أن يتلاشى سريعاً إذا مرّ بلا تعليق! وأما ما جعله (تريند) فهو أن هناك من دعاة حرية التعبير من تجاوزوا مبادئ هذه الحرية وقرروا مقاضاته لنقده لما قالوا إنها (رموز مصر)! لاحِظ أن بعض هؤلاء يمارسون حقهم فى انتقاد أكبر المسئولين فى العالم والإقليم والداخل، ولهم مواقفهم ضد التراث، وضد أكبر رموز الفكر والثقافة القدامى والمعاصرين..إلخ!

أم كلثوم من أكبر أساطير مصر فى العصر الحديث، صاحبة ارتقاء طفرى فى جملة عناصر فنية، فيها الصوت الفريد والأداء الفائق، والتعبير الرائع عن مشاعر إنسانية ودينية ووطنية، والحضور الآسر الفنى والإنسانى، وحازت أكبر شعبية، اجتمع عليها المختلفون فى الفكر والسياسة، وجمعت حولها كل محب للفن وعاشق للغناء ومُقَدِّر للموهبة وللتفانى فى الإخلاص لها، وصار لها شىء عزيز فى وجدان كل معاصريها فى مصر والإقليم، وهو أثر خالد ستنقله التسجيلات لأجيال تالية بعد أن يفنى كل من عاصروها. ولكنها، وغيرها، ليس من العيب أن يتعرضوا للنقد، ولا يجوز مقاضاة القائل على رأى لاينتهك القانون، ويمكن انتقاده فقط على هبوط تذوقه وتعبيره.

عن "الأهرام"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية