عودة العلاقات السعودية ـ الإيرانية... ما أبعادها وانعكاساتها؟

عودة العلاقات السعودية ـ الإيرانية... ما أبعادها وانعكاساتها؟

عودة العلاقات السعودية ـ الإيرانية... ما أبعادها وانعكاساتها؟


12/03/2023

في خطوة قد تنطوي على تغييرات إقليمية دبلوماسية كبرى، أعلنت إيران والسعودية أول من أمس استئناف علاقاتهما الدبلوماسية المقطوعة منذ 2016، إثر مفاوضات استضافتها الصين، فيما كانت القوتان الإقليميتان الكبيرتان تتنافسان على زعامة المنطقة منذ عقود.

 هذا الإعلان عن الاتفاق، وإعادة فتح سفارتي البلدين خلال شهرين، شكّل تطوراً بالغ الأهمية، وإنجازاً سياسياً كبيراً، إقليمياً ودولياً، وخطوة مهمّة في طريق تعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي سيكون لها ما بعدها، وفقاً لدراسة حديثة نشرها موقع "تريندز للبحوث والاستشارات"، بعنوان "عودة العلاقات السعودية ـ الإيرانية... أبعاد الاتفاق والانعكاسات المحتملة".

 الدراسة لفتت إلى أنّ هذا الإعلان يحمل العديد من المؤشرات المهمّة، منها التوجه العام السائد حالياً في منطقة الشرق الأوسط والمتمثل في سياسات "تصفير المشاكل"، فضلاً عن الدور المتصاعد للصين في العلاقات الدولية بشكل عام، وفي منطقة الشرق الأوسط بصورة خاصة، وتخلّيها عن سياستها الحيادية، وانتقالها إلى التدخل الإيجابي في حلّ النزاعات والخلافات الإقليمية والدولية، إضافة إلى التحول في سياسات وتوجهات الحكومتين؛ السعودية والإيرانية، وإدراكهما أنّه لا يمكن أن يستمرا في حالة تنافس وعداء.

 بيان الاتفاق السعودي الإيراني: بين المُفْصَح به والمسكوت عنه

الدراسة تعتبر أنّ الاتفاق، ومن خلال قراءة بنوده الواردة في البيان، جاء ليضع حدّاً للصراع بين المملكة العربية السعودية وإيران، والذي كان سمة مركزية في المشهد السياسي والأمني في الشرق الأوسط منذ عام 1979، وتنامى بصورة واضحة في الأعوام الـ (10) الأخيرة؛ نتيجة السلوكيات والسياسات الإيرانية العدائية والتدخلية في شؤون دول المنطقة الأخرى.

 واعتبرت الدراسة أنّ الحوار والتقارب بين المملكة العربية السعودية وإيران أمر ضروري لحلّ المشكلات الرئيسية في العراق ولبنان وسوريا واليمن وغيرها من مناطق التماس.

الحوار والتقارب بين السعودية وإيران أمر ضروري لحلّ المشكلات الرئيسية في من مناطق التماس

 وأشارت إلى أنّ تأكيد الاتفاق على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية يمثل نقطة مفصلية ومحورية في تحقيق الاستقرار الإقليمي؛ لأنّ جوهر الصراع السعودي ـ الإيراني يعود إلى السياسات التدخلية التي انتهجتها طهران في الأعوام الماضية في شؤون الدول الخليجية المجاورة.

 وذلك بدءاً من محاولات تصدير الثورة، مروراً بدعم الأقليات الشيعية في الدول الأخرى واستغلالها ورقة ضغط تستخدمها لتهديد الأمن والاستقرار في دولها وفرض إرادتها على شعوبها، كما حصل في العراق ولبنان واليمن، وحتى بعض الدول الخليجية الأخرى، وصولاً إلى حدّ دعم الأعمال الإرهابية وأعمال العنف داخل دول المنطقة، وبالتالي فإنّ ضمان احترام إيران سيادة الدول الأخرى وعدم التدخل في شؤونها سيكون له تأثيره الإيجابي على حالة الأمن والاستقرار التي تشهدها المنطقة برمّتها.

 

هذا الإعلان عن الاتفاق وإعادة فتح سفارتي البلدين خلال شهرين شكّل تطوراً بالغ الأهمية وإنجازاً سياسياً كبيراً إقليمياً ودولياً

 

 ووفق الدراسة، فإنّ الاتفاق يؤكد أنّه بعد أعوام عديدة من تصريحات بكين بأنّها تستهدف فقط بناء علاقات قائمة بالأساس على الاقتصاد في الشرق الأوسط، وأنّها لا تسعى إلى أيّ نفوذ سياسي، بعد تلك الأعوام حدثت نقلة نوعية في سياسة الصين الدولية، وهو أمر قد يقلق قوى دولية أخرى لها مصالحها ودورها التقليدي في معادلة الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط.

 ولفتت الدراسة إلى أنّ الاتفاق لم يتطرق بشكل صريح لوقف إيران دعم الميليشيات وخضوع برنامجها النووي والصاروخي لمراقبة المجتمع الدولي، لكن يُفهم من البنود الواردة في بيان الاتفاق أنّها ستلبي تلك المطالبات في الاتفاق الختامي.

 الدور الصيني في الاتفاق السعودي ـ الإيراني... الدوافع والدلالات

إدارة البحوث والدراسات اعتبرت أنّ اتفاق عودة العلاقات الدبلوماسية الذي تم برعاية ووساطة صينية، يسلط المزيد من الضوء على الدور المتنامي لبكين في منطقة الشرق الأوسط، فقد استضافت بكين مفاوضات مكثفة بين أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني ونظيره السعودي مساعد بن محمد العيبان، من 6 إلى 10 آذار (مارس) الجاري، وتمخضت عن الإعلان عن اتفاق بين البلدين باستئناف العلاقات بعد قطيعة دامت (7) أعوام، على أثر إعلان السعودية قطع العلاقات مع إيران في كانون الثاني (يناير) عام 2016، بعد الاعتداء على سفارتها وقنصليتها في إيران.

وقد تزامن الإعلان عن الاتفاق مع إعادة انتخاب الرئيس الصيني شي جين بينغ بالإجماع لولاية ثالثة مدتها (5) أعوام رئيساً لجمهورية الصين الشعبية ورئيساً للجنة العسكرية المركزية للبلد؛ ممّا يجعل الاتفاق كأنّه إعلان عن الدور الجديد التي ستلعبه الصين كفاعل رئيسي في رسم شكل النظام العالمي الجديد.

 وتسعى الصين لتلك اللحظة منذ وصول شي جين بينغ إلى سدة السلطة في الصين عام 2013. فبينما كان يشرح رؤية الصين للعلاقات الدولية، في معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية، دعا الرئيس الصيني إلى بناء مجتمع دولي ذي مستقبل مشترك للبشرية، يهتم فيه الجميع بأمور بعضهم البعض.

 الاتفاق لم يتطرق بشكل صريح لوقف إيران دعم الميليشيات وخضوع برنامجها النووي والصاروخي لمراقبة المجتمع الدولي

ورجحت الدراسة أن يمثل الاتفاق السعودي الإيراني لحظة فارقة تُتوَّج من خلالها الصين الفاعل الدولي الرئيسي في منطقة الشرق الأوسط، مستفيدة من الانسحاب الجيوسياسي الأمريكي من المنطقة، ومن الصورة التي رسمتها الصين لنفسها بأنّها لا تسعى للهيمنة أو التوسع، وأنّها تسعى لبناء مستقبل مشترك للبشرية مبنيّ بالأساس على التفاهم وبناء مؤسسات مشتركة، وهو ما يمثل "فرقاً جوهرياً للغاية" مع الرؤية الأمريكية المتمثلة في بناء مستقبل من خلال المنافسة والصراع.

 انعكاسات الاتفاق على قضايا الإقليم… هل من تسويات منتظرة؟

ومن الانعكاسات التي تتوقعها الدراسة لعودة العلاقات السعودية-الإيرانية تعزيز سياسة "تصفير المشكلات"، حيث تتجه الآن العديد من دول الإقليم في سياستها الخارجية إلى تصفير المشكلات القائمة والمحتملة، والبحث عن حلول ابتكارية لتسوية خلافاتها مع دول الجوار، وعن صيغ جماعية أكثر تعاونية يربح فيها الجميع، خاصة بعد التداعيات السلبية لأزمة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية على دول الشرق الأوسط.

 ومن المرجح أيضاً أن ينتج عن الاتفاق "زيادة فرص تسوية النزاعات المشتعلة في المنطقة"، على أن يفتح الباب على مصراعيه للحوار بين الدولتين لتسوية العديد من الأزمات المشتعلة في المنطقة، وفي مقدمتها الأزمة اليمنية، حيث تمتلك الدولتان أوراقاً كثيرة تستطيعان من خلالها أن تدفع طرفي الأزمة إلى الجلوس معاً من أجل الوصول إلى تفاهمات لإنهاء الصراع والحرب الأهلية اليمنية التي تدور رحاها منذ ما يزيد عن (8) أعوام.  

من الانعكاسات التي تتوقعها الدراسة لعودة العلاقات السعودية-الإيرانية تعزيز سياسة "تصفير المشكلات"

 

 ويمكن أن يدفع الحوار السعودي الإيراني إلى الوصول إلى تفاهمات حول تقليل أو إنهاء الوجود العسكري الإيراني في كل من العراق وسوريا، والذي اتخذته إسرائيل ذريعة للقيام بعمليات عسكرية متكررة في سوريا تحديداً، بموافقة وتنسيق من بعض القوى الكبرى (الولايات المتحدة وروسيا).

 ووفق الدراسة، فإنّ الأزمة السياسية في لبنان تمثل إحدى أكثر الأزمات التي قد تشهد انفراجة على خلفية الاتفاق السعودي الإيراني، خاصة أنّ البلد يشهد انقساماً حادّاً بين فريقين يرتبط كل واحد منهما بإحدى الدولتين (الرياض وطهران)، بحيث يمكن للسعودية وإيران أن تساعدا اللبنانيين على تشكيل الحكومة وترتيب الوضع الاقتصادي.

الأزمة السياسية في لبنان تمثل إحدى أكثر الأزمات التي قد تشهد انفراجة على خلفية الاتفاق السعودي الإيراني

 كما قد يقوض الاتفاق السعودي الإيراني آمال إسرائيل في تشكيل تحالف إقليمي ضد إيران وفق الرغبة الأمريكية، وهو ما من شأنه أن يقلل من خطر امتداد نطاق أيّ صراع محتمل بين طهران وتل أبيب لدول المنطقة الأخرى.

 وستدفع عودة العلاقات بين الدولتين أيضاً إلى تشجيع الدول الأخرى في الإقليم، تطبيقاً لنظرية الدومينو، إلى الجلوس معاً لحلّ النزاعات المشتعلة الأخرى مثل الوضع في ليبيا، بحسب الدراسة.

 هذا الاتفاق قد يساهم أيضاً في زيادة فرص التعاون الاقتصادي والتجاري بما يحقق التنمية والازدهار لشعوب المنطقة ككل.

 إلى جانب ذلك من المنتظر أن تساعد التسوية دول الإقليم على تجفيف بؤر الإرهاب، ومحاصرة تمويل الجماعات الإرهابية، والميليشيات وجماعات العنف، ولا سيّما تلك التي تدعمها إيران أو تستخدمها في تهديد استقرار دول المنطقة الأخرى.

 عوامل نجاح الاتفاق السعودي الإيراني

توجد الكثير من العوامل التي قد تؤثر، إيجابيّاً أو سلبيّاً على هذا الاتفاق وعودة العلاقات الطبيعية بين السعودية وإيران، منها الالتزام المتبادل بتنفيذ بنود الاتفاق، وربما يؤدي ذلك إلى الدخول في شراكات متنوعة بين إيران ودول مجلس التعاون، وعودة العلاقات الإيرانية المصرية.

 وقد يساهم في نجاحه أيضاً موقف القوى الكبرى، ولا سيّما الغربية منها، خصوصاً أنّه يمثل تحدياً جيوسياسياً للولايات المتحدة وانتصاراً للصين، التي توسطت في المحادثات بين البلدين.

 ذلك، دون اعتبار أهمية موقف دول المنطقة، خصوصاً أنّ عدداً من الدول العربية رحبت بالاتفاق السعودي الإيراني على استئناف العلاقات الدبلوماسية، معتبرةً إيّاه خطوة باتجاه الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وفق ما ورد في الدراسة.

 سيناريوهات مستقبل الاتفاق السعودي الإيراني

الدراسة حدّدت عدة سيناريوهات رجحت أن تواجه الاتفاق السعودي الإيراني؛ منها عودة كاملة للعلاقات بين البلدين، وهو السيناريو الأكثر تفاؤلاً، والمرغوب فيه من قبل أغلب الدول الإقليمية.

 وفي ظل هذا السيناريو أيضاً سوف تظل الصين تعمل كقوة دفع للاتفاق لتعزيز السلام والأمن والاستقرار في المنطقة، وتُفشِل محاولات الولايات المتحدة وإسرائيل لوقف قطار التطبيع العربي الإيراني.

سوف تظل الصين تعمل كقوة دفع للاتفاق لتعزيز السلام والأمن والاستقرار في المنطقة

 أمّا السيناريو الثاني، فيتمثل في عودة العلاقات الدبلوماسية دون التطبيع الكامل للعلاقات، وهو السيناريو الوسط، حيث يؤدي الاتفاق إلى عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين فقط من أجل التنسيق السياسي والأمني دون الوصول إلى عودة كاملة وطبيعية لكافة العلاقات بينهما. وهنا سوف تكتفي بعض الدول العربية بفتح باب الحوار مع طهران، والتعاون المحدود في بعض القضايا الأمنية والاقتصادية.

 والسيناريو الثالث يكون فيه التمثيل الدبلوماسي محدوداً، وهو سيناريو غير مرغوب فيه، حيث تكتفي المملكة وإيران بعودة التمثيل الدبلوماسي وإقامة حوار محدود النطاق، دون الدخول في حلّ نهائي للقضايا العالقة بين الدولتين، أو حلّ القضايا الإقليمية الأخرى، كما ستظل العلاقات العربية الإيرانية كما هي عليه الآن، ولن نشهد تطبيعاً عربياً كاملاً مع طهران.

 وترى الدراسة أنّ السيناريو الثاني "الوسط" هو الأقرب إلى الواقع في المدى القصير، وفي ظل تحققه ربما نشهد الدخول في تسوية للصراع في اليمن، والدخول في علاقات وتنسيق بين البلدين.

مواضيع ذات صلة:

السعودية وإيران تعقدان اتفاقاً تاريخياً... أبرز ردود الفعل العربية والدولية

تضامن عربي مع السعودية: قرار أوبك بلس تقني وليس سياسياً

بينها الإمارات والمغرب.. دول عربية تدعم قرار السعودية خفض إنتاج النفط



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية