عودة "الملك بيبي" في ظل انقسام حاد يعصف بإسرائيل

عودة "الملك بيبي" في ظل انقسام حاد يعصف بإسرائيل

عودة "الملك بيبي" في ظل انقسام حاد يعصف بإسرائيل


كاتب ومترجم جزائري
26/11/2022

ترجمة: مدني قصري

في 1 تشرين الثاني (نوفمبر) 2022 أجريت انتخابات تشريعية في إسرائيل. بعد فترة قصيرة في المعارضة عاد بنيامين نتنياهو لرئاسة ائتلاف حكومي. يمكنه الاعتماد على دعم الأحزاب الأرثوذكسية المتطرفة التي تحقق نتائج جيدة، وعلى اليمين المتطرف الذي يحقق اختراقة تاريخية.

"يوم مظلم للديمقراطية الإسرائيلية"

يوم الأحد 13 تشرين الثاني (نوفمبر) خلال احتفال في القدس سلم الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ بنيامين نتنياهو تفويضاً لتشكيل ائتلاف حكومي. زعيم اليمين لديه 28 يوماً لاقتراح حكومة جديدة. بعد انتهاء هذه الفترة سيتعين عليه تسليم ولايته إلى رئيس الجمهورية. لكن المهمة في متناول يده، لأنه مع تشكيل الكنيست الجديد بعد الانتخابات في 1 تشرين الثاني (نوفمبر) فإنّ أغلبية 64 نائباً من أصل 120 يؤيدون زعيم الليكود. ومن بينهم نواب الليكود الذي يظل القوة الأولى في البرلمان لكنه يسجل تراجعاً في عدد الأصوات، نواب حزبي شاس وحزب يهودية التوراة المتحدة الذين حصلوا على أصوات أعلى مما توقعته استطلاعات الرأي، ونواب اليمين المتطرف من الحزب الصهيوني الديني الذي يسجل اختراقاً تاريخياً. بالنسبة لحزب الوسط يش عتيد بزعامة يائير لابيد، والذي يقود الكتلة المناهضة لنتنياهو فإنه "يوم مظلم للديمقراطية الإسرائيلية، حيث قد يتعرض رئيس الوزراء الجديد للابتزاز من قبل شركائه (في التحالف) الذين يتمثل هدفهم المشترك الوحيد في إنقاذه من محاكمته".

 أجريت انتخابات تشريعية في إسرائيل في 1 تشرين الثاني (نوفمبر) 2022

"انقاذ محاكمته"، لأنّ بنيامين نتنياهو يواجه خطر السجن في عدة قضايا فساد. للهروب من العدالة يسعى إلى البقاء في السلطة كرئيس للوزراء وإصدار قانون الحصانة، المعروف باسم "القانون الفرنسي" الذي من شأنه أن يمنع رئيس الحكومة من التعرض لمتابعات قانونية. من خلال الفوز بـ 14 مقعداً رسخ اليمين العنصري المتطرف اليهودي نفسه، بدعم من نتنياهو، كقوة ثالثة في البرلمان مع الحزب الصهيوني الديني. إنه انتصار غير مسبوق. تشير هذه النتائج إلى واقع جديد، حيث إنّ دولة إسرائيل تغير وجهها، لأنّ اليمين المتطرف فاز بثلاثة أضعاف الأصوات التي حصل عليها حزب العمل، الذي أسس الدولة.

حكومةٌ حول اليمين واليمين المتطرف والأحزاب الدينية بقيادة بنيامين نتنياهو من المتوقع أن ترى النور قريباً. من المؤكد أنها تبدو أقل تجانساً من الكتلة التي تجمعت حول لبيد

هذا النجاح ثمرة تركيبة قوتين. من جهة، زعيم حزب "عوتسما يهوديت" ("القوة اليهودية" بالفرنسية)، وهو سياسي يوصف بأنه وريث حركة كاهانية العنصرية إيتمار بن غفير. وهو معروف باستفزازاته العنيفة، وكان هذا اليهودي المتعصب قد منح في السابق لقب بطل للإرهابي باروخ غولدشتاين الذي قتل تسعة وعشرين فلسطينياً في ضريح بطاركة الخليل في عام 1994. وهو من انتقد بشدة اتفاقيات أوسلو، وساند الاستيطان في الأراضي الفلسطينية، ودعا إلى ضم كامل الضفة الغربية، وهي أرض تحتلها إسرائيل منذ عام 1967 ويقطنها 2,9 مليون فلسطيني و475000 مستوطن يهودي. كما دعا إلى طرد المواطنين العرب الذين يعتبرون "غير موالين" لإسرائيل، وانتقد الجيش والشرطة لعدم استخدام القوة الكافية ضد الفلسطينيين. وإلى جانبه حليفه بتسلئيل سموتريتش زعيم الحزب الصهيوني الديني. فهو أكثر خبرة في الحياة السياسية الإسرائيلية (وزير النقل السابق) وهو يدعم سياسة الاستيطان النشط للأراضي الفلسطينية، ويمثل أيضاً المستوطنين الإسرائيليين الأكثر تطرفاً، ويناضل بنشاط ضد بناء المساكن دون تصاريح إسرائيلية من قبل الفلسطينيين. في إسرائيل والأراضي المحتلة. وهو معروف أيضاً بتصريحاته المعادية للعرب، وقد أدلى في وقت سابق بتصريحات معادية للمثليين.

تصويت اليمين المتطرف

في زقاق صغير بالأحياء الشمالية لتل أبيب ينتظر حوالي 200 ناشط من "عوتسما يهوديت" زعيم حزبهم، إيتمار بن غفير، وسط أجواء مفعمة بالحيوية. كان ذلك على قبل أسبوع واحد من الانتخابات. "القدس لنا!" الشعارات القومية المتطرفة تصدح في الهواء. النشطاء من الشباب، في أوائل العشرينيات من العمر، ومعظمهم من الرجال. في قلب الحشد قال النشطاء الذين تمت مقابلتهم إنهم يعيشون في الأحياء المتواضعة في جنوب تل أبيب، أو في ضواحي العاصمة حيث المعيشة باهظة الثمن. إنهم "يخشون على سلامتهم"، ويريدون "حماية هُويتهم اليهودية". يستجيب بن غفير لرغبة صارمة حول القضايا الأمنية وحماية الهوية اليهودية التي يفترض أنها مهددة، وسط مخاوف من تراجع مرتبة ناخبيه. إذا كان إيتمار بن غفير يستقطب ويفتن كثيراً، خاصة بين الشباب الإسرائيلي، فذلك لأنّ ناخبيه يرون فيه قائداً "يقول الحقيقة". استفزازاته وصيغه البسيطة والصادمة قوية وجذابة. ولكن ماذا سيحدث عندما يعرف بن غفير تجربة السلطة مع التنازلات الضرورية التي ترافقها؟

(وفي تطور جديد، قال حزب ليكود، في بيان له أمس الجمعة، إنه وقّع أول اتفاق ائتلافي مع حزب القوة اليهودية اليميني المتطرف. ولا يمثل الاتفاق تشكيل حكومة جديدة كاملة ونهائية في إسرائيل، لكنه، بحسب رويترز، يمنح المتطرف إيتمار بن غفير وزارة الشرطة ومقعداً في مجلس الوزراء الأمني- المحرّر).

إيتمار بن غفير في تل أبيب خلال الحملة الانتخابية

بالإضافة إلى الجاذبية التي يمارسها هذا الرقم الاستفزازي حول جزء من المجتمع الإسرائيلي يمكن تفسير الصعود الصاروخي لليمين المتطرف بعوامل عدة، وفقاً لعالم السياسة سامي كوهين، مدير الأبحاث الفخري في CERI (مركز أبحاث العلوم السياسية) ومؤلف على وجه الخصوص "إسرائيل والحمائم. تحقيق في معسكر السلام" : "أولاً من خلال نشاط بنيامين نتنياهو الذي ساعد صعود إيتمار بن غفير خلال انتخابات آذار (مارس) 2021، وبدفع عوتسما يهوديت للانضمام إلى حزب بتسلئيل سموتريتش للتأكد من أنّ تشكيلها الحزب الصهيوني الديني سيحصل على أقصى عدد من المقاعد ويساعده في تشكيل ائتلاف حكومي. لذلك كان بنيامين نتنياهو هو الذي سمح لإيتامار بن غفير بدخول البرلمان كنائب وقد منحه شرفاً لم يكن يحظى به من قبل. ثم خسر نفتالي بينيت الذي يمثل اليمين القومي والديني العديدَ من الناخبين عقب تشكيله لائتلاف حكومي في حزيران (يونيو) 2021 مع اليسار وحزب عربي. وهكذا تحوّل ناخبوه المحبطون إلى الحزب الديني الصهيوني الذي يرأسه سموتريش وبن جفير. وأخيراً لا يمكننا فهم صعود اليمين المتطرف هذا دون الأخذ في الاعتبار السياق الأمني. في ربيع عام 2022 وقعت عدة هجمات إرهابية في تل أبيب، والخضيرة، وبئر السبع، مما أسفر عن سقوط عدد كبير من القتلى. في الضفة الغربية أصبح العنف حدثاً يومياً في الوقت الحالي. ولا يزال الكثير من الإسرائيليين يتذكرون أحداث أيار (مايو) 2021 في المدن المختلطة بين اليهود والعرب. ومع ذلك فكلما زاد توتر الوضع الأمني كلما تحول الإسرائيليون إلى اليمين، لأنّ الوسط واليسار، حسب رأيهم، غير قادرَين على إدارة هذه المشكلة بشكل فعال".

إذا كان إيتمار بن غفير يستقطب ويفتن كثيراً، خاصة بين الشباب الإسرائيلي، فذلك لأنّ ناخبيه يرون فيه قائداً "يقول الحقيقة". استفزازاته وصيغه البسيطة والصادمة قوية وجذابة

نتيجة لذلك نجد داخل كل كتلة تشكيلات لا تشترك بالضرورة في نفس المشاريع ولا في نفس القيم حول الموضوعات الأساسية، وهي تخاطر بتفكيك كتلتها مع كل صعوبة جديدة. تشهد هذه الاستطلاعات المتكررة أيضاً على قدرة بنيامين نتنياهو على الاستمرار في تجسيد الحياة السياسية. الانقسامات العميقة تقسّم البلاد إلى قسمين بين المناهض والمؤيد لبيبي. زعيم الليكود "الملك بيبي" (اللقب الذي يطلقه أنصاره) لا يزال بشخصه ينظم لهذه الانتخابات إيقاع الحياة السياسية الإسرائيلية.

مجتمع مجزأ

انتخابات 1 تشرين الثاني (نوفمبر) هي الخامسة في أقل من أربع سنوات. تكشف هذه الجرعة الانتخابية الزائدة عن اختلالات في هذا النظام البرلماني النسبي، والذي، على الرغم من صلابته وتلبيته لمطالب الناخبين إلا أنه لا يبدو متكيفاً مع الوضع الحالي للمجتمع الإسرائيلي. لقد تشابكت الثنائية الحزبية (وإن كانت نسبية) بين اليسار واليمين، والتي ظلت تنظم وتيرة العقود الأولى من الحياة السياسية في الدولة اليهودية بشكل جيد مع هذا النظام الانتخابي. أمّا الآن فإنّ صعود الأحزاب الصغيرة التي تصنع الملوك يؤدي إلى انتخابات متكررة ويشهد على الانقسامات القوية التي تدور في المجتمع الإسرائيلي حول قضايا كبرى مثل مكانة الدين في المجتمع أو القضية الفلسطينية أو استقلال العدالة. نتيجة لذلك هناك داخل كل كتلة تشكيلات لا تشترك بالضرورة في نفس المشاريع أو نفس القيم حول الموضوعات الأساسية وتخاطر بتفكيك الكتلة مع ظهور أي صعوبة جديدة. وتشهد هذه الانتخابات المتكررة أيضاً على قدرة بنيامين نتنياهو على الاستمرار في تجسيد الحياة السياسية. ثم إنّ الانقسامات العميقة تقسم البلاد حالياً إلى قسمين بين المناهض والمؤيد لبيبي. لكنّ زعيم الليكود، "الملك بيبي" (اللقب الذي يطلقه أنصاره عليه) لا يزال ينظم لهذه الانتخابات إيقاع الحياة السياسية الإسرائيلية.

على جانب الكتلة المجتمعة حول يائير لبيد تعتبر هذه الهزيمة فشلاً، لكنها ليست هزيمة شنيعة كما نتصورها. حزب يائير لابيد، يش عتيد ("هناك مستقبل" بالفرنسية) يتقدم بأكثر من 180 ألف صوت عن نتائج الانتخابات السابقة في آذار (مارس) 2021 . لكنّ اليسار الوسطي انطلق مع نقطة ضعف. على عكس بنيامين نتنياهو كان عليه الاعتماد على عدد كبير من الأحزاب الصغيرة لتشكيل ائتلاف. ومع ذلك فإنّ أحد حلفائه، ميرتس، لم يتجاوز العتبة الانتخابية حتى يصل إلى مقاعد البرلمان. وهذا فشل كبير لليسار الصهيوني الراديكالي يجسده هذا الحزب الصغير الذي نفد زخمه على مر السنين.

من جانب الأحزاب العربية اتسمت هذه الانتخابات بالانقسامات لأنّ الأحزاب الأربعة قدمت نفسها بترتيب مشتّت. في الربيع الماضي انضم حزب "راعم" الإسلامي إلى الائتلاف الحكومي بزعامة يائير لبيد ونفتالي بينيت مقابل زيادة تمويل البلدات العربية ومعركة أكثر صرامة ضد انعدام الأمن في الوسط العربي - الإسرائيلي. تمثل المشاركة في تحالف صهيوني نقطة الانقسام التي تتحكم في إيقاع العلاقات بين الأحزاب العربية اليوم؛ لأنّ الأحزاب الثلاثة الأخرى، تعال وحداش (اللذين تقدما معاً ودخلا البرلمان) وحزب بلد (الذي لم يتجاوز العتبة الانتخابية) تعارض مثل هذا التحالف.

حكومةٌ حول اليمين واليمين المتطرف والأحزاب الدينية بقيادة بنيامين نتنياهو من المتوقع أن ترى النور قريباً. من المؤكد أنها تبدو أقل تجانساً من الكتلة التي تجمعت حول لبيد، والتي جمعت معاً تشكيلات من الوسط واليمين الراديكالي واليسار والحزب العربي. إلا أنّ بقاءها على المدى الطويل غير مضمون. ستعتمد عودة بعض الاستقرار السياسي على العلاقات بين بنيامين نتنياهو وقادة الحزب الصهيوني الديني. بيبي وهو "حيوان سياسي" حقيقي يتقدم بمسافة طويلة على حلفائه من اليمين المتطرف الأقل استعداداً لممارسة السلطة. لكنه يواجه سياسيين متعطشين للاستفزازات وتغذيهم أيديولوجيا متطرفة وخطيرة ويمكن أن يفلتوا من سيطرته في النهاية.

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

lesclesdumoyenorient



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية