عين إيطاليا على أفريقيا... مصالح اقتصادية وأمنيّة في الميزان

عين إيطاليا على أفريقيا... مصالح اقتصادية وأمنيّة في الميزان

عين إيطاليا على أفريقيا... مصالح اقتصادية وأمنيّة في الميزان


25/01/2023

تتخوف دول أوروبا، وفي مقدمتها إيطاليا، من التهديد الذي يطال أمن الطاقة بسبب تقلص وتضرر إمداداتها من روسيا التي تعتبر أحد أبرز مزودي الدول الأوروبية، وهو ما دفعها إلى التوجه إلى أفريقيا، لعلها تجد بديلاً لتلبية حاجاتها من الغاز والطاقة.

إيطاليا التي وضعت منطقة القرن الأفريقي أولوية سياسية لها منذ عام 2014، وركزت الاستراتيجية الإيطالية على ربط إسهامها في إرساء الاستقرار والأمن في القرن الأفريقي بالدبلوماسية الاقتصادية، والاستثمار الصناعي، وتعزيز سياسات القوة الناعمة، توجهت إلى الجزائر وأنغولا ومصر والكونغو ونيجيريا ودول أخرى، لاستعادة القوة الناعمة في هذا الجزء من القارة الأفريقية، وتقديم مثال للتعاون على أسس متكافئة بين الاتحاد الأوروبي والدول الأفريقية. 

المصالح الإيطالية

المصالح الإيطالية في القرن الأفريقي تتلخص في المصالح الاقتصادية، وعلى رأسها سلامة خط التجارة الدولي عند مضيق باب المندب، الذي يُشكّل نقطة العبور إلى البحر الأحمر وقناة السويس، وتطوير البنى التحتية خاصة في مجال بناء السدود، ومجال الطاقة المتجددة.

إلى جانب مصالح أمنية تتمثل في محاربة التنظيمات الإرهابية مثل "حركة الشباب"، وخلايا تنظيمي "داعش" و"القاعدة"، والمساهمة في مهام سياسة الأمن والدفاع المشتركة التابعة للاتحاد الأوروبي، خاصة بالشراكة مع الصومال، من أجل دعم النظام الداخلي والمحافظة عليه، والسيطرة على الحدود.

رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني

كما أنّ هناك مصالح تتمثل في دعم عمليات التكامل الإقليمي على المستوى الثنائي، وعلى مستوى الاتحاد الأوروبي، كتحسين التجارة والأمن والحوكمة من خلال الاتحاد الأفريقي، والتعامل مع تغيُّر المناخ، والالتزام بلعب دور الوساطة ومنع النزاعات من خلال الأمم المتحدة.

خطّة ميلوني

لكنّ "جورجيا ميلوني" تراهن على ما هو أعمق، فهي تراهن على خطة تعاون جديدة مع دول شمال أفريقيا سمّتها "خطّة إنريكو ماتي"، بهدف استعادة "الدور الاستراتيجي" لبلادها في منطقة البحر الأبيض المتوسط، وخصوصاً في شمال أفريقيا.

ولتنجح في عقد هذه الصفقات، تسعى الخطّة لتقديم عروض وامتيازات جذّابة لأنظمة الدول الأفريقية، مقارنة مع الصفقات المعروضة عليهم من جانب دول أخرى، كفرنسا أو روسيا أو الصين.

 

ركزت الاستراتيجية الإيطالية على ربط إسهامها في إرساء الاستقرار والأمن في القرن الأفريقي بالدبلوماسية الاقتصادية وتعزيز سياسات القوة الناعمة

 

وهذا ما لمّحت إليه ميلوني في كلمتها أمام مجلس الشيوخ الإيطالي، حين أشارت إلى أنّه "حين يجري عقد تعاون شراكة مع شخص ما فمن الجيد أن يستفيد الجانبان"، بعكس ما تقوم "الدول الأخرى" التي تنشط في شمال أفريقيا. وهذه المقاربة، بحسب ميلوني، هي ما ستسمح لإيطاليا بأن تكون "بطلة المشروع الأوروبي في أفريقيا".

وإلى جانب الصفقات الاقتصادية، تسعى ميلوني في الوقت نفسه للدخول على خط تعزيز تدخّل إيطاليا الأمني في القارة الأفريقية، بالاستفادة من تراجع حضور فرنسا العسكري في العديد من دول غرب وساحل أفريقيا.

الغاز الجزائري

زيارة رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني إلى الجزائر في 22 كانون الثاني (يناير)، تمثل تأكيداً للمسار الذي اتخذه سلفها السابق ماريو دراغي، بالمراهنة على الغاز الجزائري لتعويض الغاز الروسي، بعد أزمة الطاقة التي فجّرتها الحرب في أوكرانيا.

ومن شأن زيارة ميلوني إلى الجزائر إزاحة أيّ شكوك حول استمرار الشراكة الاستراتيجية بين روما والجزائر، بعد سقوط اليسار الإيطالي وصعود اليمين المتطرف إلى الحكم.

ولطالما تعاملت الجزائر بحذر مع صعود اليمين المتطرف والأحزاب الشعبوية إلى الحكم في أوروبا، وخاصة في إيطاليا، إلا أنّ حجم المصالح بين البلدين، وخاصة في قطاع الطاقة، فوق أيّ إيديولوجيا.

 روما والجزائر تدعمان حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس برئاسة عبد الحميد الدبيبة

 لذلك، فإنّ زيارة ميلوني مهمة بالنسبة إلى الجزائر؛ لأنّها ستحدد معالم الشراكة بين البلدين خلال المرحلة المقبلة، ليس فقط في قطاع الغاز، بل أيضاً في الطاقات المتجددة وصناعة السيارات والتعاون العسكري والفلاحة والبناء والأشغال العامة.

 وذلك دون اعتبار سعي روما لاستغلال الوضع الدولي والإقليمي لإعادة التموضع في الجزائر عبر تعزيز المبادلات التجارية، وأخذ حصص إسبانيا في السوق الجزائرية، ومنافسة الصين كأول شريك تجاري للجزائر، بل حتى الفوز بصفقات سلاح في ظل الضغوط الأمريكية على الجزائر لتقليص وارداتها العسكرية من روسيا.

 وتُعدّ هذه الزيارة الأولى لميلوني منذ تولّيها رئاسة الوزراء قبل نحو (3) أشهر، وهي تسعى إلى أن تروّج للمنتجات الإيطالية المنافسة في السوق الأفريقية من بوابة الجزائر عبر تشجيع شركاتها للاستثمار بها، كمرحلة أولى قبل الانطلاق نحو الأسواق الأفريقية الأخرى.

 عين على ليبيا

معلوم أنّ روما والجزائر تدعمان حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس برئاسة عبد الحميد الدبيبة، ولا تعترفان بحكومة فتحي باشاغا، التي اختارها مجلس النواب في طبرق، وتهتم ميلوني على وجه التحديد بزيادة ضخ الغاز الليبي لتعويض الغاز الروسي.

 هذا، وتشير دراسة لمركز الإمارات للسياسات إلى أنّ روما في أعقاب غزو روسيا لأوكرانيا تسعى لتنويع مصادرها من الطاقة لتشمل ليبيا والجزائر ومصر ودول الخليج، وأن تصبح مركزاً لمصادر الطاقة إلى أوروبا.

تراهن ميلوني على خطة تعاون جديدة مع دول شمال أفريقيا، بهدف استعادة "الدور الاستراتيجي" لبلادها في منطقة البحر الأبيض المتوسط، وشمال أفريقيا

 

 وتسيطر شركة "إيني" الإيطالية على نصف إنتاج ليبيا من النفط والغاز، كما تشترك في ملكية خط الأنابيب "عبر المتوسط" الذي ينقل الغاز الطبيعي الجزائري إلى إيطاليا عبر تونس. ويُعَدُّ الاستقرار في حوض البحر الأبيض المتوسط أمراً جوهرياً بالنسبة إلى إيطاليا من أجل تعزيز الربط عبر المتوسط لنقل صادراتها من السلع المصنَّعَة.

 وتتمتّع إيطاليا أيضاً بمصالح اقتصادية قوية مع مصر، وتمتلك شركة "إيني" الإيطالية 50% من حقل الغاز الطبيعي البحري المعروف بـ "ظهر"، من خلال شراكة مع شركة الطاقة الروسية "روسنفت".

 يُذكر أنّ إيطاليا استعمرت في أوقات مختلفة وأشكال مختلفة منذ عام 1885، ابتداء بالعهد الملكي وانتهاء بنظام موسوليني الفاشي، (4) دول أفريقية؛ هي ليبيا وإريتريا وإثيوبيا والصومال. لكنَّ روما لم تُظهِر على مدى عقود اهتماماً دبلوماسياً أو اقتصادياً محدداً في القرن الأفريقي، بعد هزيمة إيطاليا في الحرب العالمية الثانية، وإقامة نظام ديمقراطي فيها، وحصول الدول الأفريقية على الاستقلال.

إيطاليا والنزاعات الأخيرة

بالنسبة إلى مواقف إيطاليا من النزاعات الأخيرة في المنطقة، فإنّ روما انتقدت الانقلاب الذي حدث في السودان في عام 2021، وتمنّت عودة البلاد إلى عملية الانتقال السياسي بين المدنيين والجيش التي بدأت في عام 2019. وتُشجّع روما على إدامة الضغط من أجل التفاوض السلمي بشأن الأزمة، دون أن توقف اهتمامها بالبلاد بعد أن تنتهي الحالة الطارئة التي تمر بها حالياً.

 روما انتقدت الانقلاب الذي حدث في السودان في عام 2021

 وتتمتّع إيطاليا بعلاقة صعبة مع إريتريا المعزولة بسبب ماضيها كقوة استعمارية في البلاد. ووفقاً لبعض الخبراء، يُستخدَم الخطاب المُعادي للاستعمار من قبل إريتريا من أجل منع مُناقشة سجل حقوق الإنسان الخاص بها. وعلى الرغم من عقوبات الولايات المتحدة وعقوبات الاتحاد الأوروبي المفروضة على إرتيريا، تحاول إيطاليا الحفاظ على الحوار الثنائي مفتوحاً بين الجانبين.

 وتُشجّع إيطاليا إعادة الإعمار الصعبة في الصومال، وإعادة إدماجها التدريجي في المجتمع الدولي، وعلى سبيل المثال دعم إلغاء الديون، وفقاً لورقة بحثية صادرة عن مركز الإمارات للسياسات.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية