"غازبروم" الروسية توقف إمدادات الغاز لأوروبا... هل القارة العجوز في ورطة؟

"غازبروم" الروسية توقف إمدادات الغاز لأوروبا... هل القارة العجوز في ورطة؟


03/09/2022

في خطوة عبّرت دول أوروبية كثيرة عن خشيتها من حدوثها منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في 24 شباط (فبراير) الماضي، أعلنت شركة "غازبروم" عملاق الطاقة الروسية، أمس الجمعة، توقف تام لإمدادات الغاز الطبيعي الروسي عبر خط أنابيب "نورد ستريم 1"، الذي يغذي أوروبا، وإغلاق خط الأنابيب دون تحديد أيّ إطار زمني لإعادة فتحه.

 ووفقاً لموقع "دويتشه فيله" الألماني، فإنّ الشركة الروسية قد تذرعت بوجود "أعطال" في خط الأنابيب الرئيسي "نورد ستريم 1"، بسبب "مشاكل في المعدات".

 وتأتي هذه الخطوة بعد ساعات من موافقة دول مجموعة الـ7 على فرض سقف لأسعار النفط الروسي في محاولة لوقف تدفق الأموال إلى نظام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وفقاً لصحيفة "الغارديان" البريطانية.

 و"نورد ستريم 1" هو أكبر خط أنابيب منفرد للغاز من روسيا إلى أوروبا، ولديه القدرة على توصيل (55) مليار متر مكعب من الغاز سنوياً. ويُنظر إلى الإمدادات المستمرة عبر خط الأنابيب على أنّها ضرورية لمنع تفاقم أزمة الطاقة الناجمة عن سلسلة من العقوبات الأوروبية والأمريكية على الاقتصاد الروسي، ولا سيّما قطاع الطاقة.

تسرب غاز

 ستظل إمدادات الغاز الطبيعي الروسي "متوقفة" إلى "أجل غير مسمّى"، وفقاً لما نقلته "الغارديان" عن غازبروم، التي أشارت إلى أنّ السبب في ذلك هو "اكتشاف تسرب" للغاز في خط الأنابيب "نورد ستريم1".

خط أنابيب الغاز نورد ستريم1 في لوبمين، ألمانيا

 وأشارت الشركة الروسية، في بيان على قناتها الرسمية على "تليغرام"، إلى أنّ خط الأنابيب "نورد ستريم 1" لن يُستأنف حتى يتم تنفيذ الإصلاحات بالكامل، قائلة: "لقد تم إيقاف نقل الغاز إلى خط أنابيب الغاز نورد ستريم 1 بالكامل حتى يتم التخلص من الشكاوى المتعلقة بتشغيل المعدات".

 وفي منشور على مواقع التواصل الاجتماعي، قالت "غازبروم": إنّها حددت "أعطالاً" في توربين رئيسي على طول خط الأنابيب الذي ينقل الغاز الطبيعي من غرب روسيا إلى ألمانيا، وأنّ خط الأنابيب لن يعمل ما لم يتم التعامل مع تلك الأعطال وحلها.

 

أعلنت شركة "غازبروم" أمس الجمعة توقف تام لإمدادات الغاز الطبيعي الروسي عبر خط أنابيب "نورد ستريم 1"

 

 والأربعاء الماضي، أوقفت غازبروم تماماً تدفق الغاز عبر "نورد ستريم 1"، تماشياً مع إعلان سابق، مشيرة إلى أنّ التوقف سيستمر لمدة (3) أيام حتى الساعات الأولى من صباح اليوم السبت، غير أنّ ذلك لم يحدث بعد إعلان الشركة الروسية وقف الإمدادات بالكامل إلى أجل غير مسمّى، فيما شكك مسؤولون ألمان في أن تكون هذه هي الأسباب الحقيقية.

توقيت مثير للتساؤلات

توقيت الخطوة الروسية أثار تساؤلات حول ما إذا كان بوتين يردّ على فرض سقف وشيك على النفط الروسي، وفقاً لـ"الغارديان"، التي أشارت إلى موافقة وزراء المالية من المملكة المتحدة والولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان وكندا، أمس الجمعة، على خطة لوضع سقف لأسعار النفط الروسي، ممّا يعني أنّ المستوردين الذين يسعون للحصول على خدمات الشحن والتغطية التأمينية من الشركات الموجودة في مجموعة الـ7 ودول الاتحاد الأوروبي سيحتاجون إلى الالتزام بحد أقصى لسعر نقل النفط الروسي قد يتم تقديمه من كانون الأول (ديسمبر).

 ويواجه بوتين، الذي تحاصره الدول الغربية والولايات المتحدة بعقوبات اقتصادية وُصفت أنّها الأشد إيلاماً على الإطلاق للاقتصاد الروسي، يواجه اتهامات بتحويل الغاز إلى "سلاح" من خلال خفض إمدادات الغاز لأوروبا، ودفع الأسعار إلى الأعلى، ممّا يهدد بانقطاع التيار الكهربائي في أوروبا.

 وبالفعل، أشار مسؤولون في غازبروم إلى أنّهم سيلقون باللائمة على "العقوبات" في وقف شحنات الغاز إلى أوروبا، فقد أشار إليكسي ميلر الرئيس التنفيذي لغازبروم، في وقت سابق الأسبوع الماضي، إلى أنّ شركة "سيمنز" الألمانية المصنعة لتوربينات "نورد ستريم 1" لا يمكنها إجراء إصلاحات على التوربينات المستخدمة في خط الأنابيب بسبب العقوبات المفروضة على شركة الطاقة الروسية الحكومية.

مخاوف أوروبية

وقف الإمدادات بالكامل لأجل غير مسمّى من شأنه زيادة المخاوف من أنّ أوروبا، وألمانيا على وجه الخصوص، سوف تضطر إلى تقليص استخدام الطاقة بشكل كبير للمنازل والشركات هذا العام.

غازبروم أشارت إلى أنّ السبب في ذلك هو "اكتشاف تسرب" للغاز في خط الأنابيب نورد ستريم1

 مدفوعة بالمخاوف من هذه الخطوة الروسية، سارعت الدول الأوروبية، منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، لملء مرافق تخزين الغاز في حال أوقفت روسيا إمدادات الغاز تماماً هذا الشتاء، فقد أصبحت مرافق التخزين في ألمانيا الآن ممتلئة بنسبة تزيد عن 84%.

 وفي 22 آب (أغسطس) الماضي، نقلت وكالة "نوفا" الإيطالية عن منصة البنية التحتية للغاز الأوروبية قولها إنّ مخزونات إيطاليا من الغاز الطبيعي بلغت 78.9%، وأصبحت مرافق التخزين في فرنسا ممتلئة بالغاز الطبيعي بنسبة 88.9%، أمّا إسبانيا، فقد وصل مخزون الغاز الطبيعي لديها إلى 82.4%، ووصلت نسبة التخزين في الاتحاد الأوروبي بالكامل إلى 76.9%.

 

تأتي هذه الخطوة بعد ساعات من موافقة دول مجموعة الـ7 على فرض سقف لأسعار النفط الروسي

 

وغرّد رئيس وكالة تنظيم الشبكات الألمانية كلاوس مولر أنّ القرار الروسي بإبقاء "نورد ستريم 1" مغلقاً في الوقت الحالي يزيد من أهمية محطات الغاز الطبيعي المسال الجديدة التي تخطط ألمانيا لبدء تشغيلها هذا الشتاء، وتخزين الغاز و"الأهمية الكبيرة لتخزين" الغاز.

 ونقلت عنه "دويتشه فيله" قوله: "في الوقت الحالي أصبحت محطات الغاز الطبيعي المسال ومستويات التخزين ذات الصلة ومتطلبات التوفير الكبيرة أكثر أهمية"، مؤكداً أنّه "جيد أنّ ألمانيا الآن في وضع أفضل من حيث الاستعداد".

  بدائل متاحة

في العادة تزود روسيا أوروبا بنحو 40% من احتياجاتها من الغاز، معظمها عبر خطوط أنابيب، وبلغت الإمدادات في العام الماضي نحو (155) مليار متر مكعب، وفقاً لوكالة "رويترز".

 وعن طريق أوكرانيا، يصل الغاز إلى النمسا وإيطاليا وسلوفاكيا ودول أخرى في أوروبا الشرقية، وأغلقت أوكرانيا خط الأنابيب سوخرانوفكا الذي يمر في الأراضي التي تسيطر عليها روسيا في شرق البلاد.

رويترز: لا تعتمد بريطانيا على الغاز الروسي، ويمكنها أيضاً التصدير إلى أوروبا عبر خطوط الأنابيب

وتسعى الدول الأوروبية إلى إيجاد إمدادات بديلة، ويشمل ذلك بعض الغاز الروسي الذي أوقفت موسكو ضخه بعد رفض طلب روسيا دفع الثمن بالروبل.

 وتشمل الطرق البديلة إلى أوروبا، التي لا تمرّ عبر أوكرانيا، خط الأنابيب يامال-أوروبا الذي يمرّ عبر روسيا البيضاء وبولندا إلى ألمانيا.

 وتبلغ طاقة خط يامال-أوروبا (33) مليار متر مكعب؛ أي نحو سُدس صادرات الغاز الطبيعي الروسية لأوروبا. ومنذ بداية العام الجاري تم عكس التدفقات لتكون إلى الشرق بين ألمانيا وبولندا.

 وفرضت موسكو عقوبات على مالك الجزء البولندي من الخط يامال-أوروبا، ومع ذلك، قال وزير المناخ البولندي إنّ بإمكان بلاده أن تستخدم الخط دون عكس تدفق الغاز في خط يامال.

 خيارات صعبة

بعض البلدان لديها خيارات إمداد بديلة وشبكة غاز أوروبية متصلة ببعضها بعضاً، بحيث يمكن تقاسم الإمدادات، على الرغم من أنّ سوق الغاز العالمية كانت شحيحة حتى قبل الأزمة الأوكرانية، على حدّ قول "رويترز" التي أشارت إلى إمكانية أن تلجأ ألمانيا، أكبر مستهلك للغاز الروسي في أوروبا، إلى استيراد الغاز من بريطانيا والدنمارك والنرويج وهولندا عبر خطوط أنابيب.

توقيت الخطوة الروسية أثار تساؤلات حول ما إذا كان بوتين يردّ على فرض سقف وشيك على النفط الروسي

 إلى ذلك، تعمل النرويج، ثاني أكبر مورد للغاز في أوروبا بعد روسيا، على زيادة الإنتاج لمساعدة الاتحاد الأوروبي في تحقيق هدفه المتمثل في إنهاء الاعتماد على الوقود الأحفوري الروسي بحلول عام 2027، وأبرمت شركة سنتريكا البريطانية اتفاقاً مع شركة إكوينور النرويجية لزيادة الإمدادات في فصول الشتاء الـ3 المقبلة.

 ولا تعتمد بريطانيا على الغاز الروسي، ويمكنها أيضاً التصدير إلى أوروبا عبر خطوط الأنابيب، بحسب وكالة "رويترز" التي لفتت إلى احتمالية أن يستورد جنوب أوروبا الغاز الأذربيجاني عبر خط الأنابيب العابر للبحر الأدرياتيكي لإيطاليا وخط أنابيب الغاز الطبيعي عبر تركيا.

 احتمال آخر أشارت إليه الوكالة الإخبارية يتمثل في إعلان الولايات المتحدة الأمريكية، التي بدت أكثر حماساً من الأوكرانيين أنفسهم في خيار الحرب، استعدادها توريد (15) مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال إلى الاتحاد الأوروبي هذا العام، غير أنّ مصانع الغاز الطبيعي المسال الأمريكية تنتج بكامل طاقتها، وسيؤدي انفجار وقع في محطة تصدير الغاز الطبيعي المسال الرئيسية في تكساس إلى بقائها معطلة حتى أواخر تشرين الثاني (نوفمبر). المقبل

 وإلى جانب شح البدائل، لدى محطات الغاز الطبيعي المسال في أوروبا قدرة محدودة أيضاً على توريد كميات إضافية، على الرغم من أنّ بعض الدول تقول إنّها تبحث عن طرق لزيادة الواردات والتخزين، من بينها ألمانيا، التي أعربت مراراً عن رغبتها في بناء محطات جديدة للغاز الطبيعي المسال، وتخطط لبناء (2) في غضون عامين فقط.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية