في ذكرى أوسلو: إدوارد سعيد اعتبره استسلاماً.. ودرويش خيانة

في ذكرى أوسلو: إدوارد سعيد اعتبره استسلاماً.. ودرويش خيانة


13/09/2021

في ذكرى اتفاق أوسلو التي جرى توقيعه في مثل هذا اليوم، الثالث عشر من أيلول (سبتمبر) عام 1993 بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، تثار أسئلة كثيرة حول جدوى هذه الاتفاق الذي لم يحقق للفلسطينيين السيادة، ولم يتبلور بالتالي حلم الدولة، بل جرّ الاتفاق المزيد من التنازلات، منذ حفل التوقيع في حديقة البيت الأبيض، بحضور الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون. وسمي الاتفاق نسبة إلى مدينة أوسلو النرويجية التي تمت فيها المحادثات السرّية عام 1991.

صوتان فلسطينيان بارزان انتقدا الاتفاق، الأول بشدة وتطرف، وهو المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد، والثاني بشدة أقل وهو الشاعر محمود درويش الذي كتب "كيف تكون خائناً بحماية القانون؟".

اقرأ أيضاً: قطر تغير آلية دعمها لغزة.. ما علاقة السلطة الفلسطينية؟

وعقب الاتفاق، كتب المؤرخ اليهودي العراقي الأصل آفي شلايم، والمفكر إدوارد سعيد رأيهما فى اتفاق أوسلو عقب توقيعه، ونشرتهما وقتذاك مجلة عروض الكتب البريطانية ذات السمعة الراقية LRB.

كان إدوارد سعيد في مقاله معارضاً للاتفاق وآفي شلايم مؤيداً. قال سعيد إنّ الاتفاق لم يكن أكثر من أداة للاستسلام الفلسطيني؛ لأنه تنكر للحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني، وتجاهل الشرعية الدولية، وكتب آفي شلايم لافتاً إلى أنّ الاتفاق وضع القضية الفلسطينية لأول مرة على طريق السلام. طريق لا يمكن أن يعود من سلكه إلى الخلف. وقال أيضاً إنه أكد مبدأ انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة، وأنه مهد لقيام دولة فلسطينية.

محمود درويش وإدوارد سعيد انتقدا أوسلو: كيف تكون خائناً بحماية القانون؟

إدوارد سعيد كرّس الكثير من كتاباته لنقد اتفاق أوسلو الذي فاقم البطالة والفقر الفلسطينية، وتواصلت خلاله مصادرة الأراضي وتوسيع المستوطنات، كما يكشف سعيد كيف أنّ حياة الفلسطينيين الذين يعيشون ضمن الحكم الذاتي المحدود تحت السيطرة المفترضة للسلطة الفلسطينية تحولت إلى الأسوأ، وانكمشت الحريات العامة وتضاءلت الآفاق.

لأول مرة في التاريخ الفلسطيني

وفي نظر سعيد، تنازلت القيادة الفلسطينية، ولأول مرة في التاريخ الفلسطيني الحديث، لا عن حق تقرير المصير فقط، بل وعن القدس وقضية اللاجئين، حيث أرجأت هذه الأمور مجتمعة إلى مفاوضات (المرحلة النهائية) غير المحدودة الشروط. كذلك تم قبول تقسيم الشعب الفلسطيني، الذي ناضلت قواه منذ العام 1948 من أجل الحفاظ على وحدته، إلى سكان الأراضي المحتلة يتم التعامل معهم داخل إطار عملية السلام، وآخرين، وهم يمثلون حوالي 55 في المئة من الفلسطينيين، تتجاهلهم (عملية السلام) هذه.

إدوارد سعيد انتقد ياسر عرفات، والمستشارين الذين اصطحبهم معه إذ لم يكونوا "مستشارين قانونيين أكفاء"، بل حفنة من المفاوضين الفلسطينيين السريين كان ينقصهم الدراية والحنكة

وها نحن يقول إدوارد سعيد "نشهد الآن ولأول مرة في القرن العشرين، حركة تحرر وطني تفرط في إنجازاتها الضخمة وتقبل التعاون مع سلطة احتلال، قبل أن تجبر هذه السلطة الاعتراف بعدم شرعية احتلالها للأراضي بالقوة العسكرية".

وانتقد سعيد، الزعيمَ الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، والمستشارين الذين اصطحبهم معه إذ لم يكونوا "مستشارين قانونيين أكفاء"، بل حفنة من المفاوضين الفلسطينيين السريين "كان ينقصهم الدراية والحنكة، فهم في نهاية المطاف مجموعة من (الفدائيين) الذين لم يفوضهم شعبهم للذهاب، والذين أرسلوا إلى أوسلو في مهمة تم بمقتضاها تفكيك بنية المقاومة الفلسطينية بأكملها، دون أن يكون في حوزتهم خرائط تفصيلية، ودون أي معرفة جادة بالحقائق والأرقام، ودون أي إلمام حقيقي بطبيعة إسرائيل أو مقتضيات المصلحة القومية للشعب الفلسطيني".

الاستيطان الإسرائيلي ينهش الضفة الغربية

وفي كتابه "غزة- أريحا، سلام أمريكي" الصادر في العام 1995 عن دار المستقبل العربي، يقول سعيد: لقد كنت دوماً، ولا أزال، من المؤمنين بعدم إمكانية حلّ الصراع العربي-الإسرائيلي عموماً، والصراع الفلسطيني-الصهيوني خصوصاً، حلاً عسكرياً محضاً. فأنا أؤمن -وبإخلاص- بمستقبل تتصالح فيه الشعوب والثقافات التي تبدو متنافرة الآن.

التصالح الأصيل لا يتم قسراً

وقد جعلت من هذا الإيمان والعمل على الاقتراب من تحقيقه شغلي الشاغل. إلا أنّ التصالح الأصيل لا يتم قسراً، كما أنه لن يتحقق أبداً بين مجتمعات وثقافات تتفاوت قوتها بشدة ويسيطر بعضها على البعض الآخر بالقوة. إنّ السلام الحقيقي لا يمكن أن يتحقق إلا عبر مصالحة بين نديّن، وبين شريكين يستطيع كل منهما –باستقلاليته وقوة أهدافه وتماسكه- فهم الآخر ومشاركته بشكل متكافئ".

وقد نجحت إسرائيل على ما يبدو، وإلى حين، في إقناع العرب بوجه عام، والقيادة الفلسطينية المنهكة بشكل خاص، كما يقول سعيد، بأنّ المساواة مع إسرائيل أمر غير وارد على الإطلاق، وبأنه لا سلام إلا بالشروط التي تمليها إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، "وقد ساعدت حالة التردي العربية الشاملة على ترويج هذه الأكذوبة، حينما امتصت سنوات الحروب الفاشلة، والشعارات الفارغة، والجماهير غير المعبأة، وانعدام الكفاءة، وانتشار الفساد، حيوية مجتمعاتنا، وهي المجتمعات المعوقة أصلاً بسبب غياب الديموقراطية والمشاركة، والأمل الذي تخلقه هذه المشاركة في نفوس الجماهير".

اقرأ أيضاً: بعد انتهاك حقوق الأحياء: إسرائيل تعاقب جثامين الشهداء الفلسطينيين

واتهم سعيد، ياسر عرفات بـ"التفريط" في حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى أراضي الـ 48 وتجاهل تنامي الاستيطان. وقال إنّ عرفات "سبب في الفساد والأوضاع المزرية سياسياً واقتصادياً وإدارياً".

وينص اتفاق أوسلو، أو إعلان المبادئ على إقامة سلطة حكم ذاتي انتقالي فلسطينية (أصبحت تعرف فيما بعد بالسلطة الوطنية الفلسطينية)، ومجلس تشريعي منتخب للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، لفترة انتقالية لا تتجاوز الخمس سنوات، للوصول إلى تسوية دائمة بناء على قراري الأمم المتحدة 242 و338، بما لا يتعدى بداية السنة الثالثة من الفترة الانتقالية.

ونص الاتفاق، على أنّ هذه المفاوضات سوف تغطي القضايا المتبقية، بما فيها القدس، اللاجئون، المستوطنات، الترتيبات الأمنية، الحدود، العلاقات والتعاون مع جيران آخرين.

وبموجب اتفاق أوسلو، تنبذ منظمة التحرير الفلسطينية الإرهاب والعنف (تمنع المقاومة المسلحة ضد إسرائيل) وتحذف البنود التي تتعلق بها في ميثاقها كالعمل المسلح وتدمير إسرائيل.

في المقابل، تعترف إسرائيل بمنظمة التحرير الفلسطينية على أنها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، فيما تعترف منظمة التحرير الفلسطينية بدولة إسرائيل (على 78% من أراضي فلسطين، أي كل فلسطين ما عدا الضفة الغربية وغزة).

إسرائيل لم تنسحب

وخلال خمس سنين، كما نص الاتفاق، تنسحب إسرائيل من أراض في الضفة الغربية وقطاع غزة على مراحل أولها أريحا وغزة اللتان تشكلان 1.5% من أرض فلسطين.

محمود درويش: لقد كلفنا أوسلو غالياً، ولم نحصل على مقابل، فهل سيحقق لنا مثل هذا الاتفاق السلام المنشود؟ أشك في ذلك. هذه مغامرة يا أبو عمار

وتقر إسرائيل بحق الفلسطينين في إقامة حكم ذاتي (أصبح يعرف فيما بعد السلطة الوطنية الفلسطينية) على الأراضي التي تنسحب منها في الضفة الغربية وغزة (حكم ذاتي للفلسطينيين وليس دولة مستقلة ذات سيادة).

ويتضمن اتفاق أوسلو الكثير من البنود، لكنّ الفلسطينيين لا يشعرون أنّ الاتفاق خدم قضيتهم، أو عبّر عن أحلامهم التاريخية. وعارض الاتفاق محمود درويش، فيما وصفه إدوارد سعيد بالقول: "منظمة التحرير الفلسطينية حوّلت نفسها من حركة تحرر وطني إلى ما يشبه حكومة بلدية صغيرة، مع بقاء ذات الحفنة من الأشخاص في القيادة".

"اتفاق أوسلو.. كيف تكون خائناً بحماية القانون؟".. هكذا قال محمود درويش عن الاتفاق.

وحـين قرأ درويش مشـروع اتفـاق أوسلو، بعث رسالة الى الرئيس ياسر عرفات، كما تذكر الكاتبة سلمى بدر في "الدستور" المصرية، قال فيها: "إنّ ثمة أموراً كثيرة ظلت غامضة، وإنّ هذا الغموض يستفيد منه دائمـاً الطـرف الأقوى، ومنذ البـداية تـصرف المفاوضون بعكس المنطـق، ففي الـعادة، يتم التوصل إلى اتـفاق على المبـادئ الكـبرى ثم يجلس المتـفاوضون الى مـائدة المفاوضات للبحث في التفاصيل. والحـال، أنّ المتفاوضين أهمـلوا أو أرجـأوا الاتـفاق على المسائل الجوهرية، "القدس"، "الحدود"، "مـسألة اللاجـئين"، إلخ، ولم يأت الاتفاق على ذكر إقـامة دولة فلسـطينية في نـهاية العمـلية.

درويش: أريد دولة

 "أنـا أريد كلـمة دولة"، يردف درويش؛ فالاتفـاق لا يتضمن عبارة"إنـهاء الاحـتلال"، أي احـتمال العودة الصـريحة إالى حـدود 1967، إنك تدرك جيداً يا أبو عمار أنني لا أعترض على الاتفاق مع إسرائيل، ولكن كان يجب عقد اتفاقية مشرفة، تمكننا من الحصول على أكثر مما حصلنا عليه، على الأقل تفكيك المستوطنات في قطاع غزة، التي تشكل شوكة في جسدنا، خاصة وأنت تعرف مدى توق إسرائيل إلى الانسحاب من غزة، توقيعك على هذه الاتفاقية يا أبو عمار سيفتح أبواب البلدان العربية أمام إسرائيل، فهو يمنحها الشرعية التي طالما انتظرتها.

اقرأ أيضاً: البدون: 35 ألف فلسطيني محرمون من حقوق المواطنة

 لقد كلفنا هذه الاتفاق غالياً، ولم نحصل على مقابل ذي شأن، متسائلاً: هل سيحقق لنا مثل هذا الاتفاق السلام المنشود؟ أشك في ذلك. هذه مغامرة يا أبو عمار.

 أما ماريك هالتر وإريك لوران فيرويان في كتابهما "مجانين السلام" (بيروت: دار الطليعة، 1994)، أنّ محمود درويش وجه كلامه هذا إلى ياسر عرفات قائلاً: إنني أتكلم باسم قسم كبير من الشعب الفلسطيني. فرد عليه عرفات بالقول: إنّ الشعب الفلسطيني سيئ التهذيب أحياناً. فما كان من درويش إلا أن أجابه "إذا صح ذلك، فلماذا لا تختار لنفسك شعباً آخر؟".

الصفحة الرئيسية