في ذكرى الشيخ زايد الخير: رحيل يتجدّد، وإنجازات تتنفس

الإمارات

في ذكرى الشيخ زايد الخير: رحيل يتجدّد، وإنجازات تتنفس


02/11/2017

في الطريق من أبوظبي إلى دبي تستوقف المارة والسائقين جدارية شاهقة يطلّ من خلالها مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة، وباني نهضتها المغفور له بإذن الله سمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، بوجهه البشوش الذي صنع مجد الدولة، ووحّد قلوب إماراتها السبع وأهلها والمقيمين فيها على الخير والحب والعطاء.
لا يتوفر لقائد في الزمن المعاصر ما يتوفر للشيخ زايد من محبة لا تضاهى، فهو جامع أفئدة الناس، حتى أؤلئك الذين لا يعرفونه، وجاؤوا الإمارات بعد رحيله. فالحب يورّث ويسري في العروق، ويلطّف الأوردة، ولو شابتها نفحة ساخنة من صحراء عزَمَ الراحل على تحويلها إلى جنة خضراء، فحقق المعجزة، وأنطق اليباس، وعانق الخلود.
ولم يحزن الإماراتيون والعرب والعالم كما حزنوا في يوم الثلاثاء الأليم الذي صادف الثاني من نوفمبر عام 2004. وكيف لا يحزن البشر والشجر والحجر على رحيل من عاهد الله وشعبه والناس جميعا، والدموع تبلل لحيته، على الإخلاص؟

لا يتوفر لقائد في الزمن المعاصر ما يتوفر للشيخ زايد من محبة لا تضاهى، فهو جامع أفئدة الناس

استطاع الشيخ زايد خلق ولاء للدولة الاتحادية، وترسيخ مفهوم الحقوق والواجبات لدى المواطن، كما تذكر فاطمة الصايغ في كتابها "التحديات ذات الجذور التاريخية التي تواجه دولة الإمارات العربية المتحدة".
ولأنّ الأشعار التي تخترق جدران الوجد لا يمكنها أن تندلع إلا من حرارة التجربة، فقد تدفق يراع الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس الوزراء، حاكم دبي بـ"الطيف الأثير"؛ إذ مضى يفتقد الراحل الكبير، ويناديه في خلوده:
ضمّيت طيفك وكنت إنته محَلّ الطيف
                                محال أنّي أضمّ الطيف وآضمّك
لو كان بيني وبينك مثل حَدّ السيف
                             بآحط عِنْقي عَ حدّ السيف وآشمّك
يا بوي يا ضيف عَ الرحمن واغلى ضيف
                              آشوف زولك ولكن ما اقْدَر آلمّك
سَمّوك زايد وكان اسمك قصيد وْكيف
                          واكرَمْت شعبك وأهديت الوطن دَمّك

ومن شاء أن يغرف من مآثر باني نهضة الإمارات، فبمقدوره أن يسترشد، أنّى ولّى وجهه، بالخير الذي ينهض في كل مكان من بلاد زايد. فلقد تحول الراحل بفطرته إلى رجل إحسان على الصعيد العالمي، فكان عطاؤه، كما تفيد صحيفة "الاتحاد" على ضوء تعاليم الدين الإسلامي، بعيداً عن التباهي والتفاخر، ولم يكن العمل الخيري أو الجود الذي عرف به مقتصراً على الإمارات، "وإنما امتدّ إلى خارج حدودها ليصبح أعظم محسن في العالم على الإطلاق، وكان له دور كبير في مساعدة مئات الملايين من البشر".

صارت البلاد، بفضل الشيخ زايد، بلاداً للخير والفرح والطمأنينة، مَن دخَلها فهو آمن. وعلى نهجه سار حكام الإمارات

وإن شاء المرء أن يعدد مناقب الراحل الكبير في السياسة، فسيجد فيه سياسياً حكيماً ورائداً اعتمد التوازن والانفتاح، ودعم الكثير من المشاريع التنموية في الدول العربية الشقيقة والدول الصديقة الأخرى، وأولى شعبه كلّ عنايته وتقديره، وسهر على راحتهم، حتى غدت المدن ورشة لا تتوقف عن البناء والتنمية، ورياضاً عابقة بالرضى والحبور.
كان للشيخ زايد رؤية عميقة في عمل الخير لخدمة الإنسانية والبشرية، فأسّس في عام 1971 صندوق أبوظبي للتنمية "ليكون عوناً للأشقاء والأصدقاء في الإسهام في مشاريع التنمية والنماء لشعوبهم". وأنشأ الراحل في عام 1992 مؤسسة زايد للأعمال الخيرية والإنسانية برأسمال يزيد على مليار دولار، لتكون ذراعه الممتدة في ساحات العطاء الإنساني في جميع مجالاته داخل الدولة وخارجها.


فلا غرو أن يبكيه كل الناس، ولا عجب أن يكتب مواطن على "تويتر" في ذكرى رحيله: "لو أن عقارب الساعة توقف بعد موت إنسان قسم بالله ما دارت عقب زايد عقاربها". فالذي يحرّك هذا الكلام العذب الصادق هو الأثر العظيم الذي يرفرف بجناحيه فوق دولة الإمارات التي أكدت دراسة حديثة أنّها تتصدر دول الخليج والعالم في مؤشرات الرفاهية.

واعتمدت الدراسة، التي أعدتها مجموعة "بوسطن كونسلتنغ"، وشملت 149 دولة، على تقدير مؤشرات التنمية الاقتصادية المستدامة، وكيف تترجم في الدول إلى دخول وثروة وتوظيف وتعليم وبنية تحتية ومساواة في الدخل ورفاهية لشعبها. وبناء على تلك المؤشرات تفوقت الإمارات مقارنة بمتوسط المؤشرات لدول الخليج وبقية دول العالم.

سهر الراحل من أجل السعادة، فكان له ما أراد، فتشكلت وزارة للسعادة لم تسبق الإمارات إليها أية دولة عربية

ولا تعرف مسيرة الدولة، التي أرسى الشيخ زايد بنيانها المتين، إلا العلوّ الشاهق الذي يناطح الغيوم؛ لأنّها نهضت على الحب، كما قال الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة؛ حيث إنّ "مؤسس الدولة، طيب الله ثراه، غرس في نفس كل إماراتي حب تراث وطنه والحفاظ عليه، وهو النهج الذي انتهجته القيادة الحكيمة برئاسة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله".

سهر الراحل الكبير من أجل الرفاه والسعادة، فكان له ما أراد، فتشكلت وزارة للسعادة لم تسبق الإمارات إليها أية دولة عربية. وفي الذكرى الثانية عشرة لرحيله، كتبت وزيرة الدولة الإماراتية للسعادة عهود الرومي العام الماضي، في تغريدة لها على "تويتر: "أنفاسه توقفت، وإنجازاته مازلت تتنفس".

وحتى تكتمل السعادة وتظلل بأغصانها سائر مناحي الدولة التي تنتسب إلى المستقبل، كان التعديل الحكومي الأخير الذي أعلنه الشيخ محمد بن راشد، الشهر الماضي، بتعيين عمر بن سلطان العلماء، وزير دولة للذكاء الاصطناعي، لافتاً عبر "تويتر" إلى أنّ الوزير الشاب (27 عاماً) نجح في قيادة القمة العالمية للحكومات واستراتيجية الدولة للذكاء الاصطناعي، فضلاً عن تعيين سارة الأميري (30 عاماً) وزيرة للدولة لتكون مسؤولة عن ملف العلوم المتقدمة، مهمتها البحث والتطوير وصناعة الكفاءات العلمية.

صارت البلاد، بفضل "حكيم العرب" الشيخ زايد، بلاداً للخير والفرح والطمأنينة، مَن دخَلها فهو آمن. وعلى نهج زايد سار حكام الإمارات، ومضوا يشتبكون مع المستحيل ويروّضونه.
في الرابعة من عصر يوم الأربعاء عام 2004، مرّ موكب جثمان المغفور له بإذن الله الشيخ زايد من تقاطع شارع الخليج العربي مع شارع السعادة حتى مسجد زايد الكبير، ولم تبق عين إلا وذرفت دمعها الساخن، لينام الأب الباني قرير العين، كما ناجاه الشاعر القائد نائب رئيس الدولة، رئيس الوزراء، حاكم دبي، محمد بن راشد آل مكتوم:
نَـــــــــمْ قَريـــــــــرَ العيـــــــــنِ بَعْـــــــــدَ التَّعَــــــــبِ
يـــــــا أبـــــــي الأكـــــــبرِ مِـــــــنْ بَعْـــــــدِ أبــــــي
صـــــــــــــــانعُ المَجـــــــــــــــدِ ورُبَّـــــــــــــانُ العُلا
وفَتَـــــــــــى الخيـــــــــــرِ و زاكـــــــــــي النَّسَــــــــــبِ
أنْـــــــــتَ مـــــــــا كُنـــــــــتَ لشَـــــــــعبي قائــــــــداً
بــــــــــــلْ زَعيمــــــــــــاً لجميــــــــــــعِ العَـــــــــــرَبِ.

 

 


 

الصفحة الرئيسية