قرار حل البلديات في تونس يقوض شبكة المصالح التابعة لحركة النهضة

قرار حل البلديات في تونس يقوض شبكة المصالح التابعة لحركة النهضة

قرار حل البلديات في تونس يقوض شبكة المصالح التابعة لحركة النهضة


20/03/2023

بعد أن رجحت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس إجراء انتخابات المجالس البلدية بين شهري أيّار (مايو)، وتموز (يوليو) المقبلين، وشارفت ولاية المجالس البلدية المنتخبة في العام 2018 على الانتهاء، جاء قرار الرئيس قيس سعيّد بحلّ المجالس وتعويضها بنيابات خصوصية.

تُعرف النيابة الخصوصية على أنّها مجلس غير منتخب، تتم تسميته بمقتضى أمر "قرار"، في حالة حلّ المجلس البلدي، أو استقالة كافة أعضائه المباشرين، أو في حال تعذّر تكوين مجلس بلدي، وتقوم النيابة الخصوصية ورئيسها بوظائف المجلس البلدي ورئيسه.

نحو ذلك، صدر في العدد الأخير للجريدة الرسمية بتاريخ 9 آذار (مارس) الجاري مرسوم يتعلق بحلّ المجالس البلدية، وأشار الفصل الأول منه إلى حلّ جميع المجالس البلدية حتى انتخاب مجالس جديدة.

حيثيات القرار في ضوء الإصلاحات السياسية

أعلن الرئيس التونسي قيس سعيّد، لدى ترؤسه مجلس الوزراء مساء الأربعاء 8 آذار (مارس) الجاري أنّ المجلس نظر في "نص يتعلق بحلّ المجالس البلدية، وتعويضها بنيابات خصوصية" وأضاف وفق مقطع فيديو، نشرته الرئاسة التونسية عبر صفحتها الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي، أنّ المجلس نظر أيضاً في "مرسومين يتعلقان بتنقيح القانون الانتخابي لأعضاء المجالس البلدية، وبانتخاب المجلس الوطني للجهات".

مثّل القرار استكمالاً لخارطة الطريق التي وضعها الرئيس التونسي قيس سعيّد، في أعقاب قرارات 25 تموز (يوليو) من العام 2021، ويشتبك القرار مع الرغبة في عزل كافة الصلات التي أقامتها حركة النهضة مع مجالس البلديات خلال العقد الماضي.

عدنان بوعصيدة: قرار رئيس الجمهورية قيس سعيّد بحلّ كل المجالس البلدية، وتعويضها بنيابات خصوصية كان متوقعاً

وقد جاء قرار حلّ المجالس البلدية؛ بغية تتمة كافة السبل نحو مواجهة الفساد في القطاعات المختلفة من الدولة، وهو الأمر الذي أكده الرئيس سعيّد بعد الإقدام على خطوة حلّ المجالس البلدية، والتي وصفها بأنّها معركة ضد الفساد، فضلاً عن أنّ هذا القرار يأتي بالتزامن مع استيفاء خارطة الطريق، وانتظام الجلسة الافتتاحية لمجلس نواب الشعب.

من جانبه، أكد رئيس الجامعة الوطنية للبلديات التونسية عدنان بوعصيدة أنّ قرار رئيس الجمهورية قيس سعيّد بحلّ كل المجالس البلدية، وتعويضها بنيابات خصوصية كان متوقعاً، معرباً عن أسفه لما حصل، وقال في تصريحات لوسائل إعلام محلية: إنّ "الجامعة كانت قد دعت إلى إجراء انتخابات المجالس البلدية؛ باعتبار أنّ العهدة انتهت، وإلى مواصلة العمل في مسار اللامركزية"، آملاً ألّا يكون لهذا القرار تأثير في البنية التحتية، والعمل الذي قامت به البلديات في مجال التنمية المحلية.

تفكيك تحالفات النهضة

في هذا السياق، اعتبر المتحدث الرسمي للتيار الشعبي محسن النابتي أنّ "قرار الحل جاء متأخراً؛ باعتبار أنّ تركيبة المجالس البلدية ناتجة أساساً عن توازنات العشرية الأخيرة؛ أي منذ العام 2014". مضيفاً في تصريحات خصّ بها "حفريات" أنّ بعض هذه الأحزاب اليوم لم يعد موجوداً في الساحة السياسية، وبعضها الآخر قياداته في السجون بتهم فساد؛ وبالتالي فقدت هذه المجالس البلدية شرعيتها، بمفعول التحولات السياسية، وبالمفعول القانوني؛ باعتبار أنّ عهدتها النيابية تنتهي في شهر أيّار (مايو) المقبل، وبالتالي فإنّ حلها أمر طبيعي ومنتظر. وتابع قائلاً: "يبقى البديل هو الانتخابات لاستكمال المسار، والانتهاء من المرحلة المؤقتة".

لطفي الرياحي: كان من الواضح خلال الأعوام الماضية وقوع تناغم بين بعض البلديات وحركة النهضة

وتوقع النابتي أن يتمّ تعديل القانون الانتخابي بمرسوم رئاسي؛ لإجراء انتخابات بلدية في أقرب وقت، لكنّه لم يستبعد السيناريو الآخر، وهو أن ينتظر الرئيس التونسي جلسات مجلس النواب الجديد للنظر في هذا القانون الانتخابي، معتبراً أنّه "من غير الممكن، العمل بالقانون الانتخابي القديم".

بدوره، قال مدير عام الشؤون المالية والإدارية بوزارة الداخلية كريم بن شعبان: إنّ قرار رئيس الجمهورية بحلّ المجالس البلدية هو مسار سياسي لا علاقة له بالإدارة، أو بملف البرنامج المتعلق بالانتخابات في البلديات المحدثة.

جاء ذلك عبر تصريح خاص لوكالة "تونس أفريقيا" للأنباء، خلال تعريفه بأهمية وأهداف البرنامج الخصوصي؛ لتدعيم البلديات المحدثة بولايات: صفاقس والمهدية وسوسة.

نحو الجمهورية الثانية

لا ريب أنّ قرار  حلّ المجالس البلدية اتسق مع مساعي الجمهورية الثانية نحو القطع مع حركة النهضة وتوغلها في مفاصل الدولة خلال العقد الماضي؛ عبر تحركاتها التي سيطرت من خلالها على المجالس البلدية، الأمر الذي يشكّل تحدياً عميقاً لاستمرارية هذه المؤسسات على شكلها الراهن، في ظل تحالفاتها الحزبية البعيدة عن المسارات التي تخدم السياسة العامة للدولة، وتعزز من مسار الـ (25) من تمّوز (يوليو) 2021.

محسن النابتي: قرار الحل جاء متأخراً

من جانبه، يقول لطفي الرياحي، رئيس المنظمة الوطنية لإرشاد المستهلك: إنّ كل المجالس البلدية متحزبة، وتخدم الأحزاب التي تنتمي لها. مضيفاً في سياق تصريحاته لـ "حفريات" أنّ المجالس البلدية حالياً بعيدة كل البعد عن خدمة المجتمع، وبالتالي فإنّ قرار تعويضها بنيابات خصوصية يمثل الحلّ الأنسب في هذا التوقيت.

وتابع الرياحي لافتاً إلى أنّه كان من الواضح خلال الأعوام الماضية وقوع تناغم بين بعض البلديات وحركة النهضة، وطرح مثالاً على ذلك بلدية العاصمة، والتنسيق فيما بينها وبين حركة النهضة.

باسل الترجمان: أصبحت كل بلدية شبيهة بدويلة ذات سيادة، لا أحد يملك السلطة فعلياً عليها، وهذا ما قاد إلى الكثير من القضايا الخطيرة

يبدو من الواضح أنّ قرار حلّ المجالس البلدية في تونس لم يكن بعيداً عن التوقعات، غير أنّ اللافت في الأمر هو توقيت قرار حلّ المجالس البلدية، بمقتضى مرسوم  قبل أشهر قليلة من انتهاء عهدة المجالس البلدية المُنتخبة؛ ممّا يعزز من فرضية كون الرئيس قيس سعيّد يمضي في سبيل تركيز أسس البناء القاعدي، الذي لا يتسق مع تموضع بلديات منتخبة، بمقتضى مجلة الجماعات المحلية، التي استندت إلى مبدأ اللامركزية، الذي يسمح بالقدرة على الاستقلالية المالية والإدارية، والمرونة في اتخاذ القرارات والصلاحيات.

البناء القاعدي الذي يتمركز عليه فكر الرئيس قيس سعيّد يصفه لطفي الرياحي بأنّه يكرّس مبدأ المحاسبة، وسحب الثقة؛ ممّا يجعله لافتاً ومهمّاً في هذه المرحلة.

إنقاذ الأرشيف

من جهته، يذهب الكاتب التونسي باسل الترجمان إلى التأكيد على أنّ قرار حلّ المجالس البلدية، قبل شهرين من انتهاء مدتها القانونية، بعد انتخابها في العام 2018، لا علاقة له من قريب أو من بعيد بإطار البناء القاعدي، الذي يتبنّاه  رئيس الجمهورية.

ويتابع الترجمان حديثه لـ "حفريات" قائلاً: إنّ الدولة أدركت أنّ ثمّة تحركات في كثير من البلديات نحو التخلص من الأرشيف؛ لمحاولة ستر وإخفاء الكثير من الحقائق، التي تمسّ قضايا خطيرة، فضلاً عن وجود تلاعب في عدد من البلديات، بالكثير من ملفات قضايا الفساد، وقضايا سرقة خاصّة بأراضي الدولة.

ويشير الكاتب التونسي باسل الترجمان إلى أنّ القانون الانتخابي الذي تم إعداده في العام 2018 كان الهدف منه خلق حالة من الفوضى في تونس؛ من أجل ان تكون هذه البلديات ركيزة أساسية في عملية تفتيت مركزية الدولة والقضاء عليها.

باسل الترجمان: الدولة أدركت أنّ ثمّة تحركات في كثير من البلديات نحو التخلص من الأرشيف؛ لمحاولة ستر وإخفاء الكثير من الحقائق

وتأسيساً على ذلك، يرى الترجمان عدم وجود أيّ رابط بين قرار حل البلديات، وبين البناء القاعدي. مستطرداً: "بعض هذه البلديات شرعت في إنشاء صناديق للزكاة، وجمع الأموال بدون وجه حق، وفي ظل عدم معرفة الكيفية التي كانت تجمع بها الأموال، أو تصرف، كان من المهم كشف كل هذه الممارسات، التي تمّت في إطار سياسة الفساد والإفساد التي قامت بها الأحزاب السياسية، عبر الأعوام الـ (5) الماضية في العديد من البلديات".

ويختتم باسل الترجمان تصريحاته بشرح إطار النيابات الخصوصية، وسياق عملها، نحو كون النيابات الخصوصية ليست صيغة جديدة في تونس، بل هي صيغة عرفتها البلاد منذ زمن، خاصّة عندما يكون هنالك خلل في بلدية ما، حينها يقوم وزير الداخلية بحلّ البلدية، ثم يقوم بتعيين نيابة خصوصية؛ من أجل إدارة شؤون العمل البلدي في هذه المنطقة؛ وبالتالي ليس هنالك تعويض، ولكنّ العمل يجري من أجل انتخابات بلدية قادمة، بقانون انتخابي جديد خاص بالبلديات، يقطع نهائياً مع الفساد والإفساد، وعمليات النهب وعمليات جمع الأموال بدون وجه حق، وعمليات السرقة التي كشف منها الكثير في هذه البلديات لأنّها لم تعد خاضعة لسلطة مركزية تراقب أعمالها؛ وبالتالي أصبحت كل بلدية شبيهة بدويلة ذات سيادة، لا أحد يملك السلطة فعلياً عليها، وهذا ما قاد إلى الكثير من القضايا الخطيرة، التي سيتم الكشف عنها تباعاً، ومحاسبة من تورط فيها من رؤساء البلديات.

 

 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية