قصة اختفاء جمال خاشقجي بين الاستهداف والاستثمار

قصة اختفاء جمال خاشقجي بين الاستهداف والاستثمار


08/10/2018

تم الإعلان عن اختفاء الصحفي والكاتب السعودي، جمال خاشقجي، خلال مراجعته القنصلية السعودية التركية في إسطنبول، وذلك لإنهاء معاملات تتعلق بوثائق خاصة به، وفق ما صرّحت به خطيبته التركية، ومن غير المعروف ما هو مصير خاشقجي وأين مكان تواجده، في ظلّ روايتين:

الأولى سعودية: تؤكّد أنه غادر مبنى القنصلية بعد إنجاز معاملته، والثانية تركية: مصدرها أقوال خطيبته التركية، ومصادر أمنية تركية، تؤكّد أنه لم يغادر مبنى القنصلية بعد دخوله إليها. في رسالة من الجانبين لإخلاء طرف أيّة مسؤولية عن مصيره؛ فالرواية السعودية، في حال ثبوت صحتها، تجعل مسؤولية الحفاظ على سلامة وحياة خاشقجي مسؤولية السلطات التركية، فيما الرواية التركية تحيل المسؤولية إلى السعودية؛ وذلك لأسباب ترتبط بكون الهيئة الدبلوماسية في البلد المضيف، جزءاً من أراضي الدولة التي تتبع لها الهيئة، ولا يجوز اختراق حصانتها والدخول إليها وتفتيشها.

لا أحد يملك رواية متماسكة وهو ما يجعل كافة الروايات التي يتم تداولها غير مؤكدة أو مقطوع بصحتها

مخرجات الروايتين؛ تشير إلى أننا أمام عملية أمنية معقّدة تم التخطيط لها بدقة ونجاح، من قبل الجهة المسؤولة عنها، وكما أنّ أصابع الاتهام تمتدّ إلى السعودية، فإنها تمتدّ بالمقابل إلى السلطات التركية، أو أوساط أمنية فيها، وفي كلتا الحالتين، وبمعزل عن الجهة المسؤولة؛ فإنّ العملية أرسلت رسالة واضحة بتقصير الأجهزة الأمنية التركية، التي لم تستطع إثبات روايتها من جهة، واعتمدت على رواية خطيبة خاشقجي فقط من جهة أخرى، رغم "تصريحات" لاحقة لمصادر أمنية، ليس من الواضح مدى موثوقيتها ومصداقيتها.

اقرأ أيضاً: عائلة خاشقجي: لا نعرف خديجة وسنلاحق مروجي الشائعات قضائياً

وتالياً؛ قراءة في اختفاء خاشقجي وسياقات ومعطيات هذا الاختفاء:

أولاً: تمّ إخضاع اختفاء خاشقجي لاستثمار سياسي من قبل جهات غير راضية عن سياسيات المملكة العربية السعودية، وربّما قد "تسرّعت" هذه الجهات، تحت ضغط مطالبتها بـ "خلق سيناريوهات مفترضة"، في إنتاج قصص هوليودية حول اختفائه وصلت درجةَ الجزم بـ "قتله" لحظة دخوله القنصلية، وتقطيعه، ونقل جثته إلى السعودية، أو أنّه دُفِن داخل حرم القنصلية السعودية!. فيما كانت هناك سيناريوهات أقلّ حدّة؛ تقول إنّه نُقل "حيّاً" إلى السعودية، وتمّ إيداعه السجن في جدة، وقد أصبحت تلك السيناريوهات هي المصدر الرئيس للأخبار المتعلقة بالقضية، ويتم تناقلها من قِبل كثير من الجهات، باعتبارها حقائق خارج إطار التوقعات والتحليل.

ثانياً: من الواضح أنّ لا أحد يملك رواية متماسكة تجيب عن الأسئلة المرتبطة بمصير الرجل، ومكان اختفائه، وهو ما يجعل كافة الروايات التي يتم تداولها، خاصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، رواياتٍ غير مؤكدة أو مقطوع بصحتها، في ظلّ الروايتين؛ السعودية والتركية، ومن المؤكّد أنّ خيوط تفكيك لغز خاشقجي، تتجمع في أروقة المخابرات السرّية؛ السعودية والتركية، ولا يُستبعد أنْ تكون خاضعة أيضاً لمفاوضات أمنية وسياسية بين الجانبين، في حال امتلاك أيّ منهما رواية حقيقية مدعمة بالأدلة، خاصّة أنّ وفداً أمنياً سعودياً يقوم بزيارة تركيا لاستكمال التحقيق حول القضية.

قصة اختفاء خاشقجي تخفي الكثير من الألغاز وتطرح تساؤلات حول المستفيد من تخريب العلاقات السعودية التركية "الباردة" أصلاً

ثالثاً: علاقات خاشقجي مع السلطات السعودية معروفة، وخلفية الرجل وانتماؤه معروف، فهو من المقرّبين والناطقين باسم القيادة السعودية، وتمّ منعه من الكتابة، ثم سمح له بها، وغادر "طوعياً"، واستأنف الكتابة عبر "تويتر"، وصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، بمضامين تنتقد اتجاهات العهد الجديد في المملكة العربية السعودية، وسياسات الانفتاح؛ ففي مقابلة أجرتها معه مجلة "الإيكونوميست" قال خاشقجي: "أنا أكتب مقالة في طريقها إلى الصدور، أُشير فيها إلى سبب احتياج محمد بن سلمان إلى صحافة حرّة، فوليّ العهد يشارك في تحوّل اقتصادي كبير، وبما أنه لا يوجد شخص يجادل هذا التحوّل، (أو) يناقشه، فلن يرى ولي العهد عيوب هذه التحوّلات".

كما أنّ دفاعه عن الإسلام السياسي والإخوان المسلمين والجهات الداعمة له في المنطقة معروفة؛ ففي مقالته في "الواشنطن بوست"، في 28 آب (أغسطس) 2018، كتب ما يلي: "لا يمكن أنْ يكون هناك إصلاح سياسي وديمقراطي في أي بلد عربي، دون القبول بأنّ الإسلام السياسي يشكل جزءاً منه. يبدو الأمر واضحاً؛ إن السبيل الوحيد لمنع الإسلام السياسي من لعب دور في السياسة العربية؛ هو إلغاء الديمقراطية، التي تحرم المواطنين أساساً من حقهم الأساسي في اختيار تفضيلاتهم السياسية".

خاشقجي على علاقة بالإخوان المسلمين، ويرتبط بعلاقات مع جماعات الإسلام السياسي، بما فيها جماعة المعارض التركي، فتح الله غولن، المقيم في أمريكا، والمطلوب للسلطات التركية، على خلفية المحاولة الانقلابية الفاشلة العام 2016.

رابعاً: اختفاء خاشقجي على خلفية مواقفه السياسية من الإصلاحات التي يقوم بها ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، إضافة إلى الوزن السياسي للرجل وما يمثله، وحجم تأثيره في القيادة السعودية، يطرح تساؤلات فيما إذا كان يحتاج "التعامل " معه، حتى في السياقات الأمنية، يتطلب عملية بهذا الحجم، استناداً إلى موازنة الفائدة والأمن، فهل كانت تصفية الرجل، بافتراض أنّها حقيقة، تحتاج إلى عملية بهذا الحجم والتعقيد، في ظلّ وجود بدائل أخرى؛ "السمّ أو إطلاق النار عليه" مثلاً؟!!

خامساً: هناك ارتباك واضح في الموقف التركي، نتج عنه "ضعف" في الموقف والتعامل التركي مع القضية، بدءاً من اعتماد رواية خطيبته (خديجة)، ثم صدور التصريحات التي تؤكد مقتله عن حزب العدالة، لا السلطات الأمنية التركية، وعدم تبنّي الأجهزة الأمنية رواية الحزب، ما يشير إلى خلافات في أوساط السلطات التركية حول تقييم التحقيقات، وربما إخفاء أوساط تركية بعض المعلومات المتوفرة، كما أنّ تصريحات الرئيس أردوغان "اللينة" حول القضية، زادت ألغازها؛ حيث دلّت على أنّ أردوغان لم يصل إلى موقفٍ حاسمٍ يستند إلى معلومات مؤكّدة حول مصير خاشقجي، والجهة التي تقف وراء اختفائه.

اقرأ أيضاً: السعودية تنفي أنباء مقتل جمال خاشقجي في قنصليتها بإسطنبول

قصة اختفاء خاشقجي، تخفي الكثير من الأسرار والألغاز، وتطرح تساؤلات حول الجهة المستفيدة من "تخريب" العلاقات السعودية-التركية، "الباردة" أصلاً، وتحمل بداخلها سيناريوهات مستقبل خاشقجي في سياقين هما:

أنْ يغيب الرجل فعلاً، على طريقة اختفاء الزعيم الديني اللبناني في ليبيا، موسى الصدر، ويضيع مصيره في إطار جدالات واتهامات متبادلة، ومواصلة إخضاع القصة كلها لاستثمار سياسيّ للتشكيك بإصلاحات السعودية، من قبل جهات معروفة على هامش صراع ازمة الخليج.

أنْ يظهر فجأة في مكان ما، ويروي الرواية، وحينها سيكون مجرد ظهوره، بمعزل عن مدى مصداقية الرواية، ضربة لكلّ الوسائل الإعلامية، عربية كانتْ أو أجنبية معرَّبة، وستضع مصداقيتها على المحك مجدداً، دون أنْ يمحو ذلك من ذاكرتنا القريبة؛ أنّ مقولات "الاختفاء القسريّ"؛ التي برع الإخوان المسلمون، وهم حاملو قضية خاشقجي اليوم، في ترويجها، أثبتت أنّ الاختفاء الإخوانيّ لم يكن قسرياً!


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية