قضاة تونس المعزولون: فاسدون مرتبطون بالإخوان أم ضحايا قرار فرديّ؟

قضاة تونس المعزولون: فاسدون مرتبطون بالإخوان أم ضحايا قرار فرديّ؟


21/06/2022

"القضاة تعرضوا لمذبحة ومظلمة كبيرة"، كلمات استهلّ بها رئيس جمعية القضاة التونسيين، أنس الحمايدي، تصريحاته الصحفية، السبت 18 حزيران (يونيو) الجاري، على هامش انعقاد جلسة عامة لتنسيقية الهياكل القضائية لمتابعة ما وصفه الحمايدي: "الحقّ في الدفاع عن النفس" ضدّ قرارات الرئيس التونسي قيس سعيّد، لكن هل هي بالفعل مذبحة أم ضبط مسار عملية القضاء في تونس لأخذها بعيداً عن اختراقات حركة النهضة التونسية؟

وفي تطور لاحق، أفادت وسائل إعلام بأن القضاة الذين عزلهم الرئيس سعيّد، سيخوضون إضراباً عن الطعام احتجاجاً على القرار الرئاسي الذي يرفض سعيّد التراجع عنه.

وكان الرئيس التونسي قد أقال 57 قاضياً هذا الشهر، متهماً إياهم بالفساد وحماية "الإرهابيين"، وهي اتهامات قالت جمعية القضاة التونسيين إنّها في معظمها ذات دوافع سياسية.

الإخوان ومنظومة القضاء

رئيس حزب التحالف من أجل تونس، سرحان الناصري، يشير إلى أنّه لطالما حكم الإخوان في تونس من خلال تغوّلهم في مؤسسات الدولة: "كان من أخطر ممارساتهم تغوّلهم واختراقهم منظومة العدالة والقضاء". مضيفاً: "عندما كان نور الدين البحيري القيادي في حركة النهضة وزيراً للعدل قام بعزل 87 قاضياً دون أيّ تبرير".

يرى الناصري أنّ عزل قيس سعيّد لهذه المجموعة من القضاة الفاسدين فيها تطمينات لشرفاء العدالة

يوضح الناصري في تصريح لـ "حفريات": "رئيس الجمهورية أعفى مجموعة من القضاة، إثر تورّطهم في ملفّات فساد، خاصّة التستر على جرائم الإخوان، الشيء الذي دمّر منظومة العدل وأدى إلى تفشّي الظلم بين أفراد الشعب التونسي، يبقى الآن الانتظار لعرض القضاة المعزولين على التحقيق ومحاسبتهم".

يستكمل الناصري: "نعم، على رأس القضاة المعزولين نجد الطيب راشد وبشير العكرمي وكيل الدولة العام المتهمين والمتورطين في التستر على تنظيم الجهاز السرّي للإخوان، المسؤول عن اغتيال الشهيدَين بلعيد والبراهمي، كما ثبت تورّط البشير العكرمي في التستر على ما يفوق 6500 ملف قضائي للإرهابيين".

تنسيقية الهياكل القضائية التونسية على أبواب إضرابهم في جميع المحاكم للأسبوع الثالث

يرى الناصري؛ أنّ عزل قيس سعيّد لهذه المجموعة من القضاة الفاسدين فيها تطمينات لشرفاء العدالة من قضاة ورؤساء المحاكم: "حتى يقوموا بمهامهم بعيداً عن ضغوطات الإخوان".

ملفّ أرهق تونس

الكاتب والباحث السياسي، نزار الجليدي، يرى أنّ: "باعتبار أنّه، أولاً، رفع الحرج عن مجلس القضاء الانتقالي الذي لم يستطع، بكلّ مكوناته أن يدفع بالمسألة القضائية في تونس إلى الأمام، وأن يفتّش في الملفات الكبرى التي أرهقت البلد خلال عشر سنوات".

يضيف الجليدي في تصريح لـ "حفريات": "لذلك كان قرار الرئيس، بعد تمحيص وتدقيق في هذه الملفات، وهي ملفّات تخصّ في الأساس ملفّات فساد؛

أولاً: تستّر على الإرهاب؛ فأحد القضاة المعزولين استطاع أن يميع، بشكل أو بآخر، أكثر من 6240 قضية، وهناك قضاة لهم دور في مسائل جيوسياسية في المنطقة، تهم قضايا تسفير الإرهابيين، وقضايا تخصّ الإرهاب والتهريب في المناطق الحدودية بين تونس وليبيا، وكذلك مع الجزائر، بما معناه أنّ هذه الحركة هي سياسية نعم لكنّها في قلب حراك 25 تموز (يوليو) للرئيس قيس سعيّد".

الجليدي: قرار الرئيس قيس سعيّد فيما يخصّ القضاء هو ارتداد داخلي وخارجي بمثابة الزلزال

يشير الجليدي إلى أنّ تلك المسألة تأتي في فترة حرجة جداً: "يرفض فيها الطابور الخامس كلّه الآن المشاركة في العملية السياسية التي يقودها الرئيس، وذلك ليس بمنطق سياسيّ؛ لأنّهم لا يتفقون مع الرئيس، لكن خوفاً على نقصان مكاسبهم التي غنموها خلال عشر سنوات".

يستكمل الجليدي: "الآن لحظة فرز حقيقية في تونس بين من يريد أن يذهب بالعملية السياسية إلى مؤسسات حقيقية دون الإخوان، وبين من تعايش مع الإخوان في القانون الانتخابي والدستور".

مقصد صحيح وطريقة خاطئة

الكاتب والباحث التونسي، عيسى جابلي، يلفت إلى أنّ عزل القضاة التونسيين من طرف الرئيس التونسي قيس سعيّد "حدث منتظر".

يوضح جابلي، في تصريح لـ "حفريات": "لأنّه كثيراً ما ذكر القضاء في كلماته التي يتوجّه بها إلى التونسيين والمسجّلة على الموقع الرسمي للرئاسة على الفيسبوك، مبدياً تذمّره مراراً من القضاء، وشاكياً التباطؤ في حسم الملفات، ووصل به الأمر إلى الحديث عن ملفات بين يديه لقضايا رشوة وثراء غير مشروع لم يبتّ فيه القضاء، كما طالب النيابة العمومية أكثر من مرة بالتحرك في بعض الملفات أو الأحداث".

على رأس القضاة المعزولين المتهمين والمتورطين في التستر على تنظيم الجهاز السرّي للإخوان

يضيف جابلي: "سعيّد كان ينتظر من القضاء دوراً حاسماً في عديد من الملفات، غير أنّه لم يجد ما يريد، رغم تنبيهه أكثر من مرة على وقع اتهامات له بالتدخل في القضاء والضغط عليه، خصوصاً من طرف حركة النهضة الإخوانية، وهي أكثر طرف طوّع القضاء بعد الثورة وابتز القضاة، بل إنّ وزير العدل في حكومة الترويكا، نور الدين البحيري، وهو أحد قيادييها البارزين، عزل 82 قاضياً من مناصبهم، ونكّل بهم قبل أن يعودوا مجدداً إلى عملهم بأحكام قضائية".

ينوّه جابلي إلى أنّ مقصد سعيّد صحيح، غير أنّ الطريقة خاطئة، حيث "يتفق التونسيون اليوم، بما في ذلك القضاة أنفسهم، على فساد قطاع واسع من القضاء ويجمعون على ضرورة إصلاح القضاء إصلاحاً جذرياً يبعده عن المشاحنات السياسية والاصطفافات الحزبية، ويجعله يحقق غايته السامية، وهي العدالة، وأما الطريقة فقد كانت مرتجلة وقاسية؛ لأنّها جمعت قضاة بشبهات مختلفة، وسلّطت عليهم العقوبة نفسها، وهي العزل الذي يمثّل أعلى عقوبة في سلّم العقوبات، دون مرور بمجلس التأديب ولا المجلس الأعلى للقضاء، ودون منحهم حقّ التظلّم لدى القضاء بأيّ شكل من الأشكال".

عيسى جابلي: سعيّد كان ينتظر من القضاء دوراً حاسماً في عديد من الملفات غير أنّه لم يجد ما يريد

يضيف جابلي: "تضمّنت القائمة قضاة وجّهت إليهم تهم "ثقيلة" جداً من قبل؛ الرشوة والثراء غير المشروع والزنى، كما ضمّت قضاة وجّهت إليهم تهم أخفّ درجة، من قبيل مخالفة الإجراءات الجاري بها العمل، كما تضمّنت أيضاً قضاة يشهد لهم الجميع، بمن فيهم زملاؤهم، بالنزاهة والخبرة والكفاءة، وهذا يجعل طريقة إصلاح القضاء في موضع تساؤل".

يطرح جابلي سؤالاً حول دخول القضاة أسبوعهم الثاني في الإضراب: "وهو في حدّ ذاته تحرّك يطرح أكثر من سؤال حول حقوق المتقاضين أنفسهم، الذين لا ذنب لهم في ما يحصل، واجتمعت الهيئات الستّ الممثلة للقضاة بمختلف أسلاكهم، السبت 18 حزيران (يونيو) الجاري، لتقرير تحركات تصعيدية قادمة، في ظلّ عدم تفاعل السلطة مع تحركهم الجاري الآن".

يرى جابلي؛ أنّ أزمة القضاء في تونس، بقدر ما توفر أرضية مناسبة للاتفاق حول تشخيصها، فإنّها تستوجب حلولاً أخرى: "أساسها حوار جادّ ورغبة صادقة من السلطة التنفيذية والسلطة القضائية في رأب الصدع وتحقيق الغاية السامية في إصلاح المنظومة القضائية المهترئة، إلى درجة أنّ التونسيين يتندّرون بها اليوم ويصفونها بأنّها درجتان: درجة للأعيان والمشاهير والنافذين، ودرجة للمواطنين العاديين. وهذا كافٍ، في رأيي، إلى ضرورة إصلاح جدّي لن ينجح إلا في ظلّ حوار أفقي (بين القضاة أنفسهم والقضاة والسلطة التنفيذية في لحظة ثانية)".

مواضيع ذات صلة:

التمويل الخارجي لحركة النهضة الإخوانية تحت مجهر العدالة التونسية.. ما الجديد؟

الاتحاد التونسي للشغل يعلن إضراباً عاماً.. فهل خانه اختيار التوقيت؟

الدستور التونسي الجديد.. هل يؤدي إلى القطيعة السياسيّة مع الإخوان المسلمين؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية