قمّة العَلَمين الخماسية: غلالة من الدلالات الرمزية. تعرّف عليها

قمّة العَلَمين الخماسية: غلالة من الدلالات الرمزية. تعرّف عليها


27/08/2022

في ظلّ توقيت لافت ذي دلالات على عدة مستويات، سياسية وإقليمية وأمنية، انعقدت القمّة الخماسية التي جمعت قادة دول مصر والإمارات والبحرين والأردن والعراق، في قصر الرئاسة المصرية بمدينة العلمين المطلة على ساحل البحر المتوسط، شمال القاهرة، لمواجهة استحقاقات اللحظة السياسية الدقيقة التي تمرّ بها المنطقة والعالم. وفرضت ملفات حيوية نفسها بإلحاح على قادة الدول الخمس، ومنها ملف الطاقة، وكذا تعزيز التعاون الدفاعي العربي المشترك.

وجددت القمة تناول دعم القادة للجهود والمساعي التي تهدف "لترسيخ الأمن والسلام والاستقرار والتعاون المشترك، على مختلف الأصعدة، والذي يرتكز على دعائم الثقة والاحترام المتبادل بما يحقق تطلعات جميع شعوب المنطقة في التقدم والبناء والتنمية"، وفق بيان الرئاسة المصرية.

ومن بين القضايا التي تم التطرق إليها في قمة العلمين؛ التأكيد على دعم مصر في الحفاظ على أمنها المائي، وتعزيز التعاون الدفاعي العربي المشترك، فضلاً عن دعم القضية الفلسطينية، حسبما نقل موقع "العربية. نت" عن مصادر دبلوماسية مصرية.

وثمّن رئيس دول الإمارات، الشيخ محمد بن زايد، في تغريدة على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي "تويتر" الجهود العربية المبذولة في قمة العلمين. وقال: "سعدت بمشاركة إخواني القادة لقاء العلمين التشاوري الأخوي". وأردف: "دولة الإمارات ماضية في التنسيق الفاعل مع الأشقاء لتعزيز العمل العربي المشترك ودعم الجهود المخلصة لتحقيق الاستقرار والتنمية والازدهار في المنطقة".

هاني سليمان: انعقاد القمة في مدينة العلمين ترسخ فكرة انتصار التنمية على الحرب

 وقالت وكالة الأنباء الإماراتية "وام"؛ إنّ "الشيخ محمد بن زايد حضر لقاء العلمين التشاوري الأخوي الذي دعا إليه الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، بمشاركة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، عاهل البحرين، والملك عبدالله الثاني عاهل الأردن"، موضحة أنّ القادة بحثوا "العلاقات الأخوية ومختلف جوانب التعاون والعمل المشترك، خاصة في مجال الشراكات الاقتصادية والتنموية وسبل تنميتها وتطويرها".

وبحسب وكالة الأنباء الإماراتية؛ فإنّ القمة بحثت "عدداً من القضايا وآخر التطورات الإقليمية والدولية، كما تبادل القادة وجهات النظر بشأنها، والحرص المتبادل على استمرار التشاور الأخوي، بما يعزز الاستقرار والتقدم والازدهار في المنطقة".

أهمية القمة ودلالاتها

وتبرز الأهمية الخاصة لقمة العلمين في عدة أمور، منها مستوى التمثيل السياسي وحضور "قادة دول لها أوزان وثقل سياسي واقتصادي مهم"، حسبما يوضح الدكتور هاني سليمان، المدير التنفيذي للمركز العربي للبحوث والدراسات، الذي أبلغ "حفريات"؛ أنّ "القمة تشكّل امتداداً للتوجه القائم على التنسيق العربي النشط، خلال الفترة الماضية، سواء على المستوى الثنائي، أو العمل الجماعي المشترك، وذلك في ظلّ نظام عالمي وإقليمي مضطرب، الأمر الذي يجعل دول المنطقة تسعى لتعزيز قيم المشاركة والترابط والعمل العربي".

وهناك دلالة مباشرة على مستوى توقيت هذه القمة، والتي تعدّ امتداداً لتحركات مصرية مكثفة على الصعيد العربي في عدة اتّجاهات، وفق سليمان، إضافة إلى زيارات خارجية مكثفة للرئيس المصري، والذي يسعى إلى رفع مستوى الشراكة والتنسيق مع دول المنطقة في عدد من المواقف، بما يؤدي إلى تجسير الصلات بين الأطراف العربية المختلفة، في الفترة الأخيرة، وبداية انفراجة في عدد من الملفات.

من بين القضايا التي تم التطرق إليها في قمة العلمين، التأكيد على دعم مصر في الحفاظ على أمنها المائي، وتعزيز التعاون الدفاعي العربي المشترك، فضلاً عن دعم القضية الفلسطينية

ومع استمرار تداعيات الحرب الأوكرانية على العالم العربي؛ فإنّ هناك ملفات ملحة تفرض نفسها بقوة، بينما تحتاج إلى التشاور والتعاون بين دول المنطقة، منها ملف الطاقة والغذاء، وكذا القضية الفلسطينية، حسبما يؤكد المدير التنفيذي للمركز العربي للبحوث والدراسات، فضلاً عن الأوضاع في سوريا والعراق وليبيا واليمن، التي تحتاج إلى تسوية سياسية وإنهاء عسكرة الملفات السياسية والإقليمية.

ويضاف إلى ذلك، تغيّر السياسات التركية واستمرار أزمة سدّ النهضة، وأيضاً تأثير عودة الولايات المتحدة إلى الملف النووي الإيراني على المنطقة. ومن ثم، فالقمة من خلال تزامنها مع هذه القضايا المختلفة تبعث برسالة مهمة مفادها "قدرة الدول المشاركة ومرونتها في التعاطي مع التغيرات الصعبة التي يشهدها العالم والإقليم، وأنّ لديها الإرادة السياسية للدفاع عن مصالحها، خاصة مع الحديث عن التعاون الدفاعي المشترك"؛ يقول سليمان.

جددت القمة تناول دعم القادة للجهود والمساعي التي تهدف "لترسيخ الأمن والسلام والاستقرار والتعاون المشترك

ويردف: "القمة تؤكد مركزية القاهرة كفاعل إقليمي نشط، وغلبة فكرة التقارب العربي على مسألة التوجه غرباً. كما أنّ انعقاد القمة في مدينة العلمين ترسخ فكرة انتصار التنمية على الحرب وإفرازاتها بعد الحرب العالمية الثانية، وتحوّل مدينة العلمين لمدينة عالمية تضمّ منطقة صناعية وممشى سياحياً ومنطقة للأبراج".

مركزية القاهرة

وإلى ذلك، قال الباحث المصري، إبراهيم عمر، في مقال له بالمرصد المصري التابع للمركز المصري للفكر والدراسات؛ إنّ التعاون العربي المشترك هو عنوان الدبلوماسية الرئاسية المصرية، عام 2022، في إطار توجه الرئيس عبد الفتاح السيسي لتعزيز الصف العربي، وتقارب الرؤى العربية التي تشرذمت في سنوات "فوضى" الربيع العربي، والتي خلقت حالة من الحرب الإقليمية الكبرى في الشرق الأوسط، وذلك عبر استضافة مصر لقمم عربية مصغرة أو الإعداد لقمم مماثلة في الدول العربية.

الأكاديمي الإماراتي الدكتور البدر الشاطري لـ "حفريات": من اللافت للنظر أنّ القمة الخماسية تضمّ دول التنسيق العربي الذي جرى تأسيسه، في قمة بغداد، لتحقيق التعاون الاقتصادي والأمني والسياسي 

ولفت الباحث المصري إلى أنّ قمة العلمين الجديدة هي الأكبر خلال العام الجاري، وهي القمة الدولية الأولى التي تستضيفها المدينة الجديدة التي شيّدت بالكامل في عهد الرئيس السيسي، وتحولت عملياً إلى المقر الصيفي للحكومة المصرية في طقس يعود إلى ما قبل إعلان النظام الجمهوري المصري، حيث عادة ما كانت تنتقل الحكومة المصرية، بكامل أعمالها، إلى الإسكندرية في فصل الصيف خلال سنوات النصف الأول من القرن العشرين، وكانت العلمين الجديدة قد شهدت أداء القسم الدستوري للوزراء الجدد في التعديل الوزاري الأخير، وذلك للمرة الأولى منذ عقود بعد أن كان أداء الوزراء الجدد لليمين القانوني حكراَ على قصر الاتحادية.

وفي حديثه لـ "حفريات"، يقول الأكاديمي الإماراتي الدكتور البدر الشاطري،  الأستاذ في كلية الدفاع الوطني في دولة الإمارات؛ إنّه من اللافت للنظر أنّ القمة الخماسية تضمّ دول التنسيق العربي والذي جرى تأسيسه، العام الماضي، في قمة بغداد، لتحقيق التعاون الاقتصادي والأمني والسياسي بين مصر والعراق والأردن.

ويردف: "لعلّ إضافة الإمارات والبحرين تشير إلى جسم عربي جديد يحاول النهوض بالنظام العربي الإقليمي، والذي كان في سبات لفترة كبيرة. والأهم في هذه القمة القضايا التي يسعى القادة العرب التنسيق فيها بينهم. ويأتي الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي ومسيرة السلام في رأس أجندة هذه القمة وأولوياتها، كما أنّ علاقة الولايات المتحدة ودورها في المنطقة سيحتلّ جزءاً مهماً في الحوار بين القادة الخمس، خاصة أنَها تربطهم علاقات وثيقة بواشنطن".

التعاون العربي المشترك هو عنوان الدبلوماسية الرئاسية المصرية، عام 2022

ومن ضمن القضايا التي تشكّل هاجساً عند هذه الدول "الوضع في سوريا وإعادة الأخيرة إلى البيت العربي، وكذا إنهاء حالة الحرب في سوريا وإعادة تأهيلها"، حسبما يوضح الشاطري، لافتاً إلى أنّ التنسيق للمؤتمر القادم في الجزائر محلّ اهتمام هؤلاء القادة لجهة تعزيز العمل العربي المشترك، وحماية المصالح العربية من الأطماع خارج النظام العربي.

وهناك قضيتان على الساحة الدولية تؤثران على العالم العربي، بشكل مباشر، الأولى تتعلق بالحرب القائمة في أوكرانيا وتفرعاتها بخصوص الأمن الغذائي وأمن الطاقة، ثم كيفية التعامل مع هذه القضية دون الإضرار بالعلاقة مع موسكو وواشنطن، فضلاً عن العواصم الأوروبية المعادية لروسيا، بحسب الأكاديمي الإماراتي، والقضية الأخرى، على الساحة الدولية، هي صعود الصين كقوة عظمى منافسة للولايات المتحدة، وكيفية التعامل مع الدور الجديد المنشود للصين الذي يتطلب حصافة كبيرة وتوازناً في التعامل كمن يمشي على الحبل المشدود.

 


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية