كاتب يفسر سبب عدوانية أردوغان تجاه الأكراد

كاتب يفسر سبب عدوانية أردوغان تجاه الأكراد

كاتب يفسر سبب عدوانية أردوغان تجاه الأكراد


كاتب ومترجم جزائري
01/12/2022

ترجمة: مدني قصري

شنت تركيا عملية جوية في شمال سوريا والعراق في 20 تشرين الثاني (نوفمبر) مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 31 شخصاً، بعد اتهام الأكراد بالهجوم الإرهابي الأخير في اسطنبول. باتريس فرانشيسكي، كاتب ملتزم تجاه الأكراد منذ بدء الحرب في سوريا قبل عشر سنوات، يحلل هذا الحدث لصحيفة "ماريان" الفرنسية.

هنا تفاصيل الحوار:

ماريان: قصفت تركيا المناطق الكردية في سوريا والعراق رداً على الهجوم الإرهابي في اسطنبول. ماذا تظنون؟

باتريس فرانشيسكي: إنّ ما نعرفه - وما يعرفه كل المستشارين ويخشون أن يقولوه - هو أنّ هجوم اسطنبول ليس بأي حال من الأحوال بسبب الأكراد الذين يتوخون الحذر منذ سنوات ضد أي استفزاز ضد أنقرة التي لا تنتظر إلا ذريعة لمهاجمتهم في العراق وخاصة في سوريا. ربما يرجع هذا الهجوم إلى تلاعب أجهزة المخابرات التركية، حتى تتيح  لأردوغان بالظهور كضحية مع تكريس خطابه الذي يجعل من الأكراد إرهابيين مثل الآخرين. وهو تزييف صارخ للواقع بشكل خاص ولكنه يُرضي ناخبي أردوغان الذين يصعب في بلادنا قياس سماكة قوميتهم ورغبتهم في إحياء قوة العهد العثماني التي يُلمِّعها بلا انقطاع رئيسهم.

إنّ ما يجب أن نفهمه قبل كل شيء – وهو ما يفسر عدوانية أردوغان - هو أنّ تركيا، الدولة التي أصبحت أكثر فأكثر إسلاموية، لا يمكنها قبول ما وضعه أكراد سوريا في شمال بلادهم بعد انتصارهم على داعش قبل ثلاث سنوات: دولة بحكم الأمر الواقع، بمساحة تعادل أربعة أضعاف حجم لبنان، تختبر ديمقراطية حقيقية ومفاهيم مثل المساواة بين الرجل والمرأة، والعلمانية واحترام الأقليات، حيث يسعى الجميع معاً لأن يكونوا نموذجاً للتحرر لبقية الشرق الأوسط. وهو ما يرعب كل المستبدين في المنطقة.

بعد أن فشل في إيقاف هذه العملية أثناء الحرب الكردية ضد داعش لأنه في ذلك الوقت كان الغربيون يدعمون بعزم "حلفاءهم" الأكراد – عندما كان الجهاديون آنذاك العدو المشترك - انتظر أردوغان كل لحظة جيوسياسية مواتية لدق إسفين في هذه العملية: في عام 2016 من خلال الاستيلاء على منطقة شبات، وفي عام 2018 باحتلال كانتون عفرين حيث يستمر التطهير العرقي الوحشي، وفي عام 2019 من خلال فعل الشيء نفسه في قلب روج آفا، بلد الأكراد التاريخي. منذ ذلك الحين حلت الفوضى محل السلام الذي حل بعد انتهاء الخلافة الإسلامية. لقد سمح الأمريكيون بحدوث ذلك جزئياً، وكذلك الروس. وهو خطأ أخلاقي هذا التخلي عن حلفائنا الذين عانوا في الحرب ضد داعش، من خسائر مروعة، وهو خطأ سياسي لأن الأكراد كانوا - ولا يزالون - هم الوحيدون القادرون على وقف عودة الإسلام المتطرف إلى كل المنطقة.

يعرف أردوغان، بصفته تكتيكياً بارعاً أنه في هذه اللحظة بالذات يمكنه أن يلعب بكل الأرواق التي لديه، بعد أن جعل نفسه شخصاً لا غنى عنه تقريباً في الحرب بأوكرانيا

نحن في المرحلة الرابعة. بالنسبة لأردوغان يمثل قصف الأكراد السوريين في الأيام الأخيرة بالطائرات التركية على طول 800 كيلومتر من الحدود الفاصلة بين تركيا وسوريا اختباراً. إذا لم يتفاعل الغرب بسرعة فهو يعلم أنه يستطيع أن يطلق على الأكراد الجماعات الجهادية التي يسيطر عليها، مدعوماً بسلاح الجو والمدفعية. الهدف المعلن: احتلال منطقة الحدود التركية السورية بالكامل مدعوماً بحلفائه الإسلاميين بعمق 30 كيلومتراً وعرض 800 كيلومتر، لجعلها "منطقة أمنية". سيؤدي هذا الاحتلال، في الواقع، إلى القضاء على 90٪ من الأراضي التي لا يزال الأكراد يسيطرون عليها، وبالتالي تحويلهم إلى عدم. وذلك مع إزالته في نفس الوقت لـ "الدرع الكردي" الذي لا يزال يحمينا من عودة داعش في المنطقة - وهو هدف لم يعلنه أردوغان، ولكنه ضروري لتوسيع أيديولوجيته.

ما وضع الأكراد في تركيا الآن؟

تم تقليص أكراد تركيا إلى لا شيء تقريباً منذ تمردهم الأخير في عام 2015، حيث يتم قمعهم قمعاً دموياً وحيث يواجهون اللامبالاة الكاملة من قبل ما يسمى بـ "المجتمع الدولي". مَن يتذكرهم؟ القمع ضد كل المنظمات الكردية مستمر وبلا هوادة وعشوائياً. الهياكل الكردية الوحيدة التي لا تزال مهمة اليوم هي تلك الموجودة في سوريا - غير المعترف بها دولياً - وتلك الموجودة في العراق، والتي تستفيد من الاستقلال السياسي الحقيقي ولكنها تحت التأثير المباشر لتركيا التي "تسيطر عليهم" اقتصادياً.

في الوقت نفسه تكثف إيران قمعها ضد الأكراد. لماذا؟

بكل بساطة لأنّ أكراد إيران، وخاصة النساء هم في طليعة الثورة الحالية ضد النظام، وهي الحقيقة التي كثيراً ما ننساها. مثل حقيقة أنهم كانوا الأقلية الإيرانية الأكثر تعرضاَ للمقمع على مدى عقود - بشراسة لا يمكن تصوّرها.

كيف نفسر صمت فرنسا؟

وصمتُ الغرب كله، وفي الحقيقة بما في ذلك الأمريكيون ... في الواقع يعرف أردوغان، بصفته تكتيكياً بارعاً أنه في هذه اللحظة بالذات يمكنه أن يلعب بكل الأرواق التي لديه، بعد أن جعل نفسه شخصاً لا غنى عنه تقريباً في الحرب الروسية الأوكرانية. لا أحد يريد أن يواجهه. ولا أحد يريد الدخول في أي صراع معه، لأنه، بطريقة ما، يُثير الخوف بسبب عدوانيته غير المقيدة. فهو على وجه الخصوص يخيف ألمانيا التي تقلص دورها جداً في هذه المنطقة بسبب الجالية التركية الكبيرة المقيمة على أراضيها، أو السويد وفنلندا، وكلاهما تخشى رؤية وصولهما إلى حلف شمال الأطلسي وقد أصبح محظوراً بشكل نهائي من قبل سلطان أنقرة. اليونانيون فقط هم من يقاومون قدر المستطاع. لكن هؤلاء يقفون على خط المواجهة ضد الأهداف التركية في البحر الأبيض المتوسط.

أردوغان ينتهك وعن قصد جميع القوانين الدولية من خلال مهاجمة دولة أخرى، سوريا. لكنّ بلاده تنتمي إلى الناتو، والأكراد وقعوا بالفعل في زنزانة التاريخ

ففي هذا السياق تحديداً نشهد ازدواجية المعايير فيما يتعلق بالحرب بين روسيا وأوكرانيا. يتصرف أردوغان تماماً مثل بوتين عندما ادعى مهاجمة أوكرانيا لحماية نفسه من النازية في هذا البلد. وأردوغان ينتهك هو الآخر وعن قصد جميع القوانين الدولية من خلال مهاجمة دولة أخرى، سوريا. لكنّ بلاده تنتمي إلى الناتو، والأكراد وقعوا بالفعل في زنزانة التاريخ.

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

www.marianne.net



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية