كارلوس غصن: من بطل شعبي في اليابان إلى فارّ من العدالة

كارلوس غصن: من بطل شعبي في اليابان إلى فارّ من العدالة


27/01/2020

لم تعد قضية هروب رجل الأعمال الشهير كارلوس غصن، شأناً خاصاً، بل تعدت ذلك إلى تهديد العلاقات اللبنانية اليابانية في أعقاب فرار غصن إلى بيروت في مشهد سينمائي ينتمي إلى أفلام الإثارة.
وفي آخر التصريحات المتصلة بهذه القضية، التي أثارت الرأي العام في العالم، وشغلت المحققين وأجهزة الأمن في اليابان، أعلنت طوكيو أنّها تستبعد اتخاذ تدابير اقتصادية مشددة ضد لبنان لإجبار حكومته الجديدة التي تشكلت الأسبوع الماضي على تسليم الرئيس السابق لشركة نيسان موتور.

اقرأ أيضاً: ما حقيقة هروب قادة دواعش من سجن عراقي؟
وقال وزير الخارجية الياباني، توشيميوتسو موتيغي، إنّ بلاده لا ترغب في التسبب بمزيد من زعزعة الاستقرار في لبنان، وفقاً لتقرير نشرته وكالة الأنباء الأردنية (بترا).
ونقلت وكالة بلومبرج، الخميس، تصريحات لرئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، أعرب فيها عن أسفه الشديد لمغادرة غصن، للبلاد بشكل غير قانوني. وأضاف آبي، في كلمة أمام البرلمان، أنّ بلاده ستعمل على الحيلولة دون تكرار حدوث ذلك مع الأشخاص المفرج عنهم بكفالة مالية.
لم تعد قضية هروب رجل الأعمال الشهير كارلوس غصن شأناً خاصاً

لماذا اتهم غصن "نيسان" بالتواطؤ؟
واتهم غصن، في أول ظهور علني له في بيروت، شركة نيسان "بالتواطؤ" مع المدعي العام الياباني بشأن توقيفه. وقال إنه كان "معتبراً مذنباً" قبل ثبوت الذنب عليه، بحسب وكالة "فرانس برس".

دارت العديد من التساؤلات حول كيفية فرار غصن من اليابان، البلد المعروف بالدقة والانضباط والصرامة في تطبيق القانون

وفي تصريحه من بيروت، قال غصن إنّ "التواطؤ بين نيسان والمدعين العامين (موجود) في كل مكان".
وتابع أنّ شركة نيسان "خسرت 40 مليون دولار يومياً" منذ توقيفه عام 2018. وتابع أنّ قيمة شركة رينو "في البورصة خسرت أكثر من خمسة مليارات يورو، أي أكثر من عشرين مليون يورو يومياً".
وقال "كمساهم، أنا قلق لجهة أنني خسرت 35 في المئة من قيمة أسهمي، ولا زلت لم أفهم لماذا"، مشيراً إلى أنّ صناعة السيارات تشهد ارتفاعاً في حركة الأسواق بنسبة 12 في المئة، و"الشركتان الوحيدتان اللتان تراجعتا هما رينو ونيسان".
وبالفعل، خسرت شركة "رينو" حوالي 34 في المئة من قيمة أسهمها منذ توقيف غصن، وشركة نيسان حوالي 38 في المئة في الأسواق.

كيف اختبأ في صندوق آلة موسيقية؟
وتمكن كارلوس غصن، المفرج عنه بكفالة، من الهروب من اليابان أواخر كانون الأول  (ديسمبر) الماضي، حيث اختبأ في صندوق آلة موسيقية، ووصل إلى لبنان على متن طائرة خاصة قادمة من تركيا. ويواجه غصن اتهامات بالتربّح وخيانة الأمانة واختلاس أموال من الشركة. وينفي غصن كل الاتهامات.

دخل غصن مجال صناعة السيارات عبر شركة ميشلان لتصنيع الإطارات المطاطية، ثم شغل عدة مناصب قيادية، في وقت واحد

ودارت العديد من التساؤلات حول كيفية فرار غصن من اليابان، البلد المعروف بالدقة والانضباط والصرامة في تطبيق القانون، كما تذكر "بي بي سي".
وانتشرت العديد من النظريات والفرضيات عن الجهات أو الأطراف التي ساعدته في عملية الهروب السينمائية.
وقد نقلت طائرة خاصة من طراز بومباردييه تملكها شركة طيران تركية خاصة، غصن من اليابان إلى تركيا، ومنها إلى لبنان.
وتناولت وسائل الإعلام الدور الأساسي الذي قام به شخصان رافقا غصن في رحلته من اليابان إلى تركيا، وخصوصاً الأمريكي مايكل تايلور.

قال غصن إنّ "التواطؤ بين نيسان والمدعين العامين (موجود) في كل مكان"
وقالت صحيفة "نيويورك تايمز" إنّ مواطنين لبنانيين قاما بدور الوسيط في تكليف تايلور بعملية ترتيب فرار غصن من اليابان إلى لبنان.
وتقول وسائل إعلام يابانية إنّ من بين الخطوات التي قام بها تايلور خلال مراحل إخراج غصن من اليابان، أنه استقل قطاراً فائق السرعة من العاصمة طوكيو إلى مدينة أوساكا، الواقعة على بعد نحو 500 كم. وهناك، استقل طائرة خاصة كانت تنتظره في مطار المدينة الذي لا يخضع لإجراءات تفتيش دقيقة، مصطحباً معه غصن بعد أن وضعه داخل صندوق كبير يستعمل لنقل الآلات الموسيقية.
وصلت الطائرة إلى تركيا، وهناك تم نقل غصن إلى طائرة أخرى كانت تنتظره على المدرج، وبعدها طار إلى بيروت.

اقرأ أيضاً: هروب بن لادن.. ما لا تعرفه عن "القاعدة"
ونقلت وسائل الإعلام التركية عن مدير العمليات في شركة الطيران MNG التي تم استئجار الطائرات منها، أوكان كوسمان، أنه ساعد في تهريب غصن دون أن يعلم من هو.
وقد ألقت السلطات التركية القبض على كوسمان بتهمة تهريب البشر. وصرح كوسمان للسلطات المعنية أنّ أحد معارفه القدماء في لبنان اتصل به وطلب منه المساعدة في قضية "ذات أهمية على المستوى العالمي" وأنّ أسرته ستكون في خطر إذا رفض الطلب.
وقال كوسمان في إفادته للشرطة: "كنت خائفاً. أخذت رجلاً من طائرة ووضعته في طائرة أخرى في المطار. لم أكن أعرف من هو".
من هو كارلوس غصن؟
ولد كارلوس غصن في مدينة "بورتو فاليو" البرازيلية، وبعد ستة أعوام انتقل مع عائلته إلى بيروت، ليبدأ مرحلته الدراسية هناك، بينما أتم تعليمه الجامعي في باريس، ليتخرج عام 1974 في كلية الهندسة.
وعبر تنقّله وعيشه لفترات طويلة في كلٍ من تلك البلدان، فقد كان كارلوس غصن طليق اللسان في العربية والبرتغالية، الفرنسية والإنكليزية أيضاً، ويحمل الجنسية اللبنانية والبرازيلية والفرنسية.

اقرأ أيضاً: بهذه الطريقة يحاول قادة الحوثيين الهروب من اليمن
دخل مجال صناعة السيارات عبر شركة ميشلان لتصنيع الإطارات المطاطية، ثم شغل عدة مناصب قيادية، في وقت واحد، في شركات عالمية رائدة في المجال، وهي رينو ونيسان وميتسوبيشي.
ومن ضمن النجاحات الخارقة التي حققها غصن، وجعلته بطلاً شعبياً في اليابان، أنه أنقذ "نيسان" من الإفلاس عام 2000، وحوّلها للربحية خلال عام واحد، فأنهى 20 مليار دولار من الديون خلال 3 أعوام، وهي مهمة وصفت حينها بالمستحيلة.

ولد كارلوس غصن في مدينة "بورتو فاليو" البرازيلية

بطل خارق
وجرى تأريخ قصة حياة غصن كبطل خارق في سلسلة كتب في اليابان، بعنوان القصة الحقيقية لكارلوس غصن، وفي كتاب المانغا  Big Comic Superior، وقد نشرت هذه السلسلة في كتاب عام 2002. كما أطلق اسمه على "صندوق بينتو" في بعض قوائم الطعام في بعض المطاعم، وصناديق بينتو معروفة لدى رجال الأعمال والطلاب ومن يرغب بوجبة غداء سريعة، وقد اعتبرت صحيفة "فاينانشيال تايمز" ذلك مقياساً للنمو السريع لشعبية غصن في اليابان وجعلها جديرة بأن تؤكل، خاصة أنّ اليابانيين يحافظون على عاداتهم ولا يرحبون بالطرق الأجنبية الدخيلة، لذلك فإنّ "غصن بينتو" ظلت تعبر عن مدى حب الشعب الياباني وإعجابه بكارلوس غصن.
وكان غصن عنواناً لعدد من الكتب الإنجليزية واليابانية والفرنسية. كما ألف بنفسه كتاباً باللغة الإنجليزية عن قصته مع نيسان وهو من الكتب الأكثر مبيعاً في مجال إدارة الأعمال سمي هذا الكتاب (التحول، النهوض التاريخي لشركة نيسان).
آخر التطورات
وفي آخر التطورات المتصلة بقضية غصن، قالت وسائل إعلام، قبل أيام، إنّ أمامه خيارين لا ثالث لهما والمهلة 40 يوماً، لاتخاذ قرار بشأن تسليم غصن لليابان أو محاكمته في لبنان، كما أفاد موقع "الحرة" نقلاً عن مصدر قضائي وآخر مقرب من كارلوس غصن.
وليست هناك اتفاقية تسليم للمتهمين بين اليابان ولبنان ولا يسلم لبنان عادة مواطنيه.

حوّل غصن "نيسان" للربحية خلال عام واحد، فأنهى 20 مليار دولار من الديون خلال 3 أعوام، وهي مهمة وصفت بالمستحيلة

ويأمل الفريق القانوني الممثل لغصن إجراء المحاكمة في لبنان الذي يتمتع فيه الرئيس التنفيذي السابق لنيسان بصلات وثيقة ويسعى لتبرئة اسمه.
وقال المصدران إنّ اليابان طلبت من لبنان في الأيام الماضية إيضاح الملفات التي تحتاج طوكيو لإرسالها في إطار طلب رسمي لتسليم غصن.
وأضاف المصدر القضائي "عادوا وطلبوا توضيحاً. اليوم (الخميس) أرسلنا ذلك لليابانيين".
وقال المصدران إنّ تلك الاتصالات بين البلدين مهمة، فوفقاً لقواعد الشرطة الدولية (الإنتربول) والإجراءات المتبعة، هناك فترة 40 يوماً يجب على الدولتين بنهايتها التوصل لاتفاق بشأن مكان وكيفية مثول غصن أمام المحاكمة.
وقال المصدر المقرب لغصن إنّ اليابان عليها الآن إرسال طلب تسليم رسمي للبنان أو إرسال ملف غصن لبيروت والموافقة على إجراءات محاكمته هناك، فيما قال ممثلون للادعاء الياباني إنهم ما زالوا يسعون لمحاكمة غصن في اليابان.
وكان ممثلون للادعاء اللبناني استجوبوا غصن هذا الشهر، وفرضوا حظراً على سفره، في إطار إجراءات ترتبت على مذكرة اعتقال دولية بحقه من الإنتربول.
ومن شأن محاكمة غصن أن تجدد السجال حول شخصية الرجل الذي ظل، إلى ما قبل هروبه من اليابان، عنواناً للكثير من المواضيع ورسائل الماجستير والمقالات بين طلاب إدارة الأعمال. ومن أكثر الرسائل العلمية شيوعاً واستشهاداً هي رسالة الماجستير التي كتبها كوجي ناكي من مدرسة سلون للإدارة، والتي تقارن بين غصن والجنرال الأمريكي دوغلاس ماك آرثر الذي أعاد بناء اليابان بعد الحرب العالمية الثانية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية