كازاخستان... بين الثورة والمؤامرة

كازاخستان... بين الثورة والمؤامرة


16/01/2022

بالرغم من الخلفية الاحتجاجية للأحداث التي شهدتها كازاخستان، والتي انطلقت على خلفية زيادة أسعار الوقود ومرجعيات باتهامات لأوساط نظام الحكم القائم منذ أكثر من (30) عاماً فيها بممارسة فساد ودكتاتورية واستبداد، لم تتحقق معه مستويات رفاهٍ اقتصادي واجتماعي وديمقراطية، بعد انفصال كازاخستان عن الاتحاد السوفييتي مع جمهوريات مجاورة أخرى تُعرف بجمهوريات آسيا الوسطى، إلّا أنّ سرعة الأحداث وانتشارها في مختلف مناطق الجمهورية الواسعة، والتدخل الروسي المباشر والحاسم في القضاء على الأحداث، والتصريحات اللاحقة للقيادة الروسية بعدم السماح بأيّ ثورات "ملوّنة" في الجمهوريات التابعة للاتحاد السوفييتي سابقاً، ألقت ظلالاً من الشكوك حول قناعات القيادة الروسية بأنّ أحداث كازاخستان ليست سوى محطة من مؤامرة تقف وراءها واشنطن وحلفاؤها، لا سيّما أنّها الدولة الأكبر والأهم استراتيجياً للأمن القومي الروسي، فمساحتها تزيد عن (3) ملايين كلم مربع، وترتبط مع روسيا بحدود يبلغ طولها أكثر من (7500) كيلومتر، علاوة على أنّها من الدول الغنية بالنفط والغاز واليورانيوم.

اقرأ أيضاً: رئيس وزراء جديد في كازاخستان.. وهذا موعد انسحاب القوات الروسية

ربط الأحداث التي جرت في كازاخستان بأسباب داخلية حقيقة لا يمكن لأيٍّ كان إنكارها، في ظلّ أوضاع اقتصادية متردّية ومشاكل اجتماعية واقتصادية عميقة، وأنّ الاحتجاج على ارتفاع أسعار الوقود لم يكن أكثر من غطاء للتعبير عن حالة توسّعت من عدم الرضا عن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتدهورة، لا سيّما أنّ بعض المدن التي شاركت بالأحداث لم تشهد زيادة بأسعار الغاز، وأنّ هناك زيادات شاملة في الأسعار، وبالتزامن، فإنّ نظرية أنّ هناك "قوى" تقف وراء اندلاع الاحتجاجات تبدو واقعية، تؤيدها أدلة؛ من بينها: سرعة انتقال الأحداث للمناطق والمدن الأخرى، والتغطية الإعلامية المباشرة لها، وأعمال العنف "المنظمة"، بما فيها حرق مقرّات الحزب الحاكم والادعاء العام، فضلاً عن تمكّن المتظاهرين في حالات كثيرة من نزع الأسلحة النارية والدروع والهراوات من رجال الشرطة، وما تردده الحكومة من "مؤامرة" اشتركت فيها أطراف حكومية ومسؤولون بالأجهزة الأمنية، وأنّ لديها أدلة على اتصالات مع الخارج، وتلقّي دعم وتعليمات وتوجيه وإدارة الأحداث.

نظرية المؤامرة الخارجية التي تؤكد عليها روسيا وحلفاؤها، بما فيهم نظام كازاخستان، تجد مسوّغاتها في سياقات الصراع بين أمريكا وأوروبا من جهة مع روسيا والصين من جهة أخرى

نظرية المؤامرة الخارجية التي تؤكد عليها روسيا وحلفاؤها، بما فيهم نظام كازاخستان، تجد مسوّغاتها في سياقات الصراع بين أمريكا وأوروبا من جهة مع روسيا والصين من جهة أخرى، وما تشهده قضية أوكرانيا من تصعيد عنوانه تحذيرات أوروبية وأمريكية لروسيا من مغبة شنّ هجوم على أوكرانيا، وهو ما تنفيه روسيا، رغم حشدها قوات عسكرية بمعدات قتالية هجومية متطورة على حدودها مع أوكرانيا، وهو ما يفسّر تسريبات غير بعيدة عن روسيا تشير إلى اطلاعها مسبقاً على مؤامرة نفذها حلف الناتو بقيادة واشنطن ومشاركة دول أوروبية بالإضافة إلى إسرائيل وتركيا.

اقرأ أيضاً: بوتين يتحدث عن "مؤامرة" على كازاخستان.. هذا ما كشفه

 لا شكّ أنّ موسكو نجحت في إحباط الانتفاضة "المحاولة الانقلابية"، وتحويل كازاخستان إلى مصدر تهديد لأمنها القومي، على غرار تحويل أوكرانيا وبولندا إلى دول تابعة للغرب، وهي في الحضن الروسي، إلّا أنّ دور موسكو في كازاخستان شكّل مدخلاً جديداً لها؛ إذ سيجعل حكومات الجمهوريات الإسلامية أكثر ارتباطاً مع موسكو لتأمين الحماية لها من أيّ ثورات شعبية، ومع ذلك، فإنّ ما جرى في كازاخستان قابل للانطلاق مجدداً ليس في كازاخستان وحدها، بل في دول مجاورة بآسيا الوسطى، تشترك مع حكومة كازاخستان بالأزمات نفسها؛ من تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، ومظاهر تفشي الفساد، والاستبداد وغياب الديمقراطية، وتساؤلات أعمق حول المكاسب التي تحققت بعد الانفصال عن الاتحاد السوفييتي، "بالإضافة إلى نار تحت رماد خلافات عرقية وإثنية، وتفشي التطرّف والإرهاب "الإسلاموي" في تلك الجمهوريات، عبر تنظيمات جهادية هي الأكثر عنفاً في سوريا والعراق وأفغانستان، تستلهم في تلك الجمهوريات ما تصفه "الجرائم التاريخية والمذابح الجماعية التي مارسها "الحزب الشيوعي السوفييتي" ضدّ الشعوب الإسلامية في تلك الجمهوريات، وأنّ القيادة الروسية الجديدة تعيد إنتاجه بصور مختلفة.

دور موسكو في كازاخستان شكّل مدخلاً جديداً لها؛ إذ سيجعل حكومات الجمهوريات الإسلامية أكثر ارتباطاً مع موسكو لتأمين الحماية لها من أيّ ثورات شعبية

ورغم التوافق الظاهر بين واشنطن والاتحاد الأوروبي تجاه التصعيد الأمريكي ـ الروسي، إلّا أنّ موسكو تدرك حجم التباين في الأهداف البعيدة لكلا الجانبين، فإذا كانت واشنطن تبني استراتيجيتها بمرجعية الضغط على موسكو لانتزاع مواقف منها تجاه تحالفها مع الصين، وهي الهدف الأوّل لأمريكا، فإنّ لأوروبا حساباتها التي لا تتطابق مع واشنطن تجاه موسكو، وهو ما تؤكد عليه فرنسا وألمانيا، لكنّ أزمة كازاخستان تطرح تساؤلات حول مستقبل "التحالف" بين روسيا وتركيا، لا سيّما في ضوء "التسريبات" التي تشير إلى دور تركي في أحداث كازاخستان، ضمن عضوية تركيا في حلف الناتو، غير معزولة عن تسريبات سابقة أشارت إلى استخدام الجيش الأوكراني طائرات مسيّرة صناعة تركية "بيرقدار" ضدّ القوات الروسية وحلفائها.  



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية