كالينينغراد.. هل يقطع الناتو ذراع بوتين الأعزل في بحر البلطيق؟

كالينينغراد؛ هل يقطع الناتو ذراع بوتين الأعزل في بحر البلطيق

كالينينغراد.. هل يقطع الناتو ذراع بوتين الأعزل في بحر البلطيق؟


19/02/2023

قبل أربعة قرون، انتبه الإمبراطور الروسي، بطرس الأكبر، إلى أهمية وجود أسطول روسي في بحر البلطيق، ومن هنا جاءت أهمية كالينينغراد، كميناء استراتيجي يتحكم من يسيطر عليه في حركة الملاحة في البلطيق.

وحتى الحرب العالمية الثانية، كانت كالينينغراد جزءًاً من ألمانيا، يُعرف باسم كوينغسبورغ، قبل أن يتغير اسمها بعد سقوطها في أيدي الاتحاد السوفياتي، إبان الحرب العالمية الثانية العام 1946. وبعد تفكك الاتحاد السوفياتي، أصبحت كالينينغراد مقاطعة إدارية تابعة لروسيا، دون أن تربطها بها أيّ حدود برية، حيث تقع بين دولتي ليتوانيا وبولندا. ولسنوات، كان على ليتوانيا وبولندا ودول أخرى في المنطقة، إدارة علاقة متوازنة مع كالينينغراد وموسكو. وتبعد كالينينغراد عن موسكو مسافة 1200 كيلومتر، بينما يفصلها عن برلين نصف تلك المسافة فقط.

وفي أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، أصبحت كالينينغراد بؤرة اهتمام، خاصّة عقب إعلان ليتوانيا عزمها عدم السماح للسكك الحديدية الروسية، بنقل المواد والبضائع عبر أراضيها إلى المقاطعة.

مفارقات الجغرافيا السياسية

يُعد الإقليم الذي يعيش فيه نحو نصف مليون روسي، موقعاً عسكرياً مهماً من الناحية الاستراتيجية، فهو يقع على بعد 300 كيلومتر فقط من جزيرة غوتلاند السويدية، وهو المفتاح الدفاعي للسيطرة على بحر البلطيق.

لم يكن الاهتمام بكالينينغراد مفاجئاً، إذا أخذنا بعين الاعتبار عوامل الجغرافيا، بوصفها جزءاً من روسيا يقع ما بين ليتوانيا وبولندا، وكلاهما عضو في الاتحاد الأوروبي، وحلف شمال الأطلسي.

بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، أصبحت كالينينغراد مقاطعة إدارية تابعة لروسيا

جدير بالذكر أنّ روسيا قامت بنشر صواريخ ذات قدرات نووية في الإقليم، والذي يُعد أيضاً القاعدة المركزية لأسطول البلطيق الروسي، والميناء الوحيد الخالي من الجليد على مدار العام.

كان شروع ليتوانيا في فرض عقوبات الاتحاد الأوروبي ضد روسيا على كالينينغراد، نقطة تحول في مسار التوتر الذي شهدته المقاطعة، فنظراً لأنّ كالينينغراد ليست مرتبطة بشكل مباشر ببقية روسيا، فإنّها تحصل على معظم إمداداتها عن طريق الطرق البرية أو البحر، وعليه فإنّ إعلان شركة السكك الحديدية الحكومية في ليتوانيا، أنّها لن تسمح بعبور البضائع الخاضعة للعقوبات، مثل منتجات الصلب ومواد البناء، عبر ليتوانيا إلى كالينينغراد؛ جاء بمثابة فرض الحصار الإقليم؛ حيث شمل الحظر حوالي 50٪ من جميع السلع التي تستوردها كالينينغراد.

يُعد الإقليم الذي يعيش فيه نحو نصف مليون روسي، موقعاً عسكرياً مهماً من الناحية الاستراتيجية، فهو يقع على بعد 300 كيلومتر فقط من جزيرة غوتلاند السويدية

وزارة الخارجية الروسية حذّرت من انتقام عملي، وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، إنّ موسكو أخطرت كلاً من ليتوانيا والاتحاد الأوروبي، بأنّ مثل هذه الإجراءات غير مقبولة، وأنّ الخطوات المتخذة يجب أن تُلغى. وأضافت: "إذا فشل ذلك، فعندئذ، بالطبع، ستكون التحركات الانتقامية حتمية".

بدورها، قالت ليتوانيا إنّ ما قامت به ليس حصاراً، وإنّ أيّ حديث عن حصار كالينينغراد هو كذبة. رئيسة وزراء ليتوانيا إنغريدا سيمونيتو، قالت إنّ الإجراءات لا تشمل الغذاء والدواء، ويستمر سفر الركاب. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تحصل كالينينغراد على البضائع من روسيا عن طريق البحر.

دعوة للانفصال

قبل الغزو الروسي لأوكرانيا، كان بإمكان سكان كالينينغراد الحصول على تصريح خاص للذهاب إلى بولندا بدون تأشيرة، وكانت رحلات التسوق إلى الاتحاد الأوروبي من أبرز الرحلات عند سكان الإقليم. وبحسب المتحدث باسم القنصلية الألمانية في كالينينغراد، فإنّ سكان المقاطعة أكثر ميلاً نحو الغرب؛ ما دفع النائب البولندي، راديك سيكورسكي، إلى دعوة دول البلطيق إلى اتخاذ إجراءات للسماح لسكان كالينينغراد بالسفر إليها، بوصفهم "الأكثر تشككاً ببوتين في روسيا".

ومع ظهور دعوات الانفصال، وفي مطلع أيلول (سبتمبر) الماضي، زار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، منطقة كالينينغراد؛ حيث التقى الرئيس الروسي، في بث مباشر، عدداً من الطلاب، وأجاب عن أسئلتهم حول موضوعات متنوعة مثل: الاقتصاد والحرب الروسية الأوكرانية. وقال: "مهمتنا ومهمة جنودنا، هي وقف هذه الحرب التي تشنها كييف في دونباس؛ لحماية الناس، وبالطبع للدفاع عن روسيا نفسها". كما زعم الرئيس الروسي أنّ سكان دونباس، يعتبرون أنّهم جزء من الفضاء الثقافي واللغوي الروسي.

سقوط الفيلق الحادي عشر

قبل الغزو الروسي لأوكرانيا، كان هناك ما لا يقل عن 18000 جندي روسي في كالينينغراد، وحوالي 100 دبابة من طراز (T-72) ، ومئات من المركبات القتالية والمدافع، علاوة على صواريخ من طراز (BM-27) و(BM-30). وكان الفيلق الحادي عشر بالجيش الروسي يشرف على هذه القوات؛ حيث كان يضم مجموعة من التشكيلات الموجودة تحت قيادة واحدة، مسؤولة عن أسطول البلطيق التابع للبحرية الروسية، ويشرف الفيلق على فرقة آلية، وفوج آلي منفصل، ومدفعية، وصواريخ، وقوات دفاع جوي، ووحدات دعم.

قبل الغزو الروسي لأوكرانيا، كان بإمكان سكان كالينينغراد الحصول على تصريح خاص للذهاب إلى بولندا بدون تأشيرة

وبحسب "الاسوشيتد برس"، فإنّ موسكو قامت بسحب الفيلق الحادي عشر للجيش من كالينينغراد، وأرسلته إلى أوكرانيا، بالتزامن مع تحول سير القتال في صالح كييف، لكنّ الفيلق تعرض لخسائر مدوية، ما جعل كالينينغراد مكشوفة دون حماية حقيقية، كما أنّ هذا الإجراء الروسي، خفف الضغط على ليتوانيا ولاتفيا وإستونيا، وأبعد عنها تهديد مطرقة قوامها نحو 18000 جندي.

مع التراجع الروسي الحاد على جبهات القتال، أصبحت موسكو في حاجة ماسة إلى قوات جديدة، ما إضطرها إلى نقل فيلق الجيش الحادي عشر، بالسفن والطائرة إلى بيلغورود في جنوب روسيا، ثم إلى أوكرانيا بالقرب من خاركيف.

وبعد ثلاثة أشهر من القتال الطاحن، استنزفت قوة الفيلق الروسي تماماً، وبحسب وكالة "رويترز" للأنباء، فإنّه قبل الهجوم الأوكراني المضاد مباشرة، كان الفيلق في 71٪ من قوته الكاملة. ومع ذلك، فإنّ بعض الكتائب تقلصت إلى عُشر قوتها البشرية الأصلية بسبب الخسائر المستمرة.

تعرض الفيلق الحادي عشر لضربات مدمرة. ووفقاً لهيئة الأركان العامة الأوكرانية، فقد الفيلق نحو 200 مركبة، وحوالي نصف قواته في الهجوم المضاد

وسرعان ما شنت القوات المسلحة الأوكرانية هجومين مضادين مزدوجين، شرق خاركيف وشمال خيرسون. وكشفت عملية خاركيف، بحسب تقرير لـ"يورونيوز"، عن نقاط ضعف عميقة في الفيلق الحادي عشر للجيش الروسي؛ حيث فر الآلاف أو استسلموا أو ماتوا في مكانهم، بينما حررت القوات الأوكرانية ألف ميل مربع من منطقة خاركيف أوبلاست في أسبوعين.

وبحسب مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن العاصمة، تعرض الفيلق الحادي عشر لضربات مدمرة. ووفقاً لهيئة الأركان العامة الأوكرانية، فقد الفيلق نحو 200 مركبة، وحوالي نصف قواته في الهجوم المضاد.

كان لانهيار الفيلق الحادي عشر نتائج مهمة على الصعيد الاستراتيجي، فلم تعد الجبهة الشرقية لحلف شمال الأطلسي مهددة؛ بل وأصبحت كالينينغراد تحت رحمة الناتو، الذي أصبح بإمكانه تحريك قواته، في حال حدوث مواجهة مباشرة مع موسكو، من بولندا إلى ليتوانيا، وعبور مساحة تمتدّ لحوالي 70 كيلومتراً بين كالينينغراد وبيلاروسيا، بالإضافة إلى تحريك دعم جوي وبحري، وهو الأمر الذي يمكنه أن يقضي نهائياً على الوجود الروسي في بحر البلطيق.

كما قضى سقوط الفيلق الحادي عشر الروسي، على الخوف من إقدام موسكو على الاستيلاء على جزيرة غوتلاند السويدية، منزوعة السلاح، والتي تقع في موقع استراتيجي مهم في وسط بحر البلطيق؛ وبالتالي انتهت فرصة صنع قفل روسي مزدوج على الممر الملاحي.

ومع إخلاء كالينينغراد أصبح العمق الروسي مكشوفاً أمام الضربات الصواريخ والمدفعية، من جهة القوات السويدية والفنلندية، كما أنّ البحرية السويدية، بما تملكه من غواصات متطورة، أصبح بإمكانها مضايقة البحرية الروسية في الطرق المؤدية إلى سان بطرسبرغ، بما في ذلك القاعدة البحرية الروسية في كرونشتاد.

وبحسب موقع (Gisreports) فإنّ التداعيات التي قد تترتب على هزيمة روسيا في الحرب، سوف تحدد مستقبل كالينينغراد، خاصّة إذا ما تبدل موقف بيلاروسيا، حيث إنّ الحامية الروسية الضعيفة في المنطقة، سوف تجد نفسها محاصرة تماماً، ما يعني إعادة حدود روسيا الغربية إلى ما كانت عليه، تقريباً، في نهاية القرن السادس عشر؛ لتصبح خطوط الاتصال بين بولندا وليتوانيا مفتوحة على مصراعيها.

وبعد سقوط الفيلق الحادي عشر، واصلت ليتوانيا الضغط على كالينينغراد، والتي أصبحت بمثابة بؤرة استيطانية روسية معزولة وهشة

في الآونة الأخيرة، وبعد سقوط الفيلق الحادي عشر، واصلت ليتوانيا الضغط على كالينينغراد، والتي أصبحت بمثابة بؤرة استيطانية روسية معزولة وهشة، في ظل عجز موسكو عن نقل القوات أو المعدات العسكرية إلى المنطقة، مع سيطرة الناتو بشكل كامل على بحر البلطيق، وعليه باتت عملية إعادة الإمداد عن طريق البحر، تحت رحمة الحلف، خاصّة مع خطط نشر صواريخ متطورة في جزيرة غوتلاند السويدية.

 

 

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية