كليوباترا الأفريقية تثير غضب المصريين... ما القصة؟

كليوباترا الأفريقية تثير غضب المصريين... ما القصة؟

كليوباترا الأفريقية تثير غضب المصريين... ما القصة؟


18/04/2023

أثار البرومو الدعائي للفيلم الوثائقي (كليوباترا)، الذي يتناول حياة وبطولات الملكة الفرعونية كليوباترا، من إنتاج شركة (نتفليكس)، والمقرر عرضه في 10 أيار (مايو) المقبل، أثار حالة من الجدل والغضب لدى المصريين ومطالب بإلغاء عرضه، بسبب تقديمه لشخصية كليوباترا بملامح أفريقية وبشرة سمراء، ممّا وصفه الكثيرون بأنّه دعم مباشر لمجموعات الأفروسنتريك.

وتسبب ظهور الملصق الدعائي للفيلم الوثائقي عن الملكة الفرعونية، ومدته دقيقتان، باشتعال مواقع التواصل الاجتماعي؛ حيث ناشطون الأمر محاولة إضافية لسرقة تاريخ وحضارة مصر ونسبها إلى حضارات أخرى.

بداية الأزمة

القصة بدأت قبل أيام، مع انتشار الملصق الدعائي للفيلم الوثائقي، الذي يحمل عنوان "الملكة كليوباترا"، وبرزت البطلة من أصول أفريقية (أديل جيمس) بملامح أفريقية بارزة، اعتبرها رواد مواقع التواصل الاجتماعي، فضلاً عن علماء الآثار المصريين، بعيدة تماماً عن شخصية الملكة كليوباترا، واعتبروا أنّها تستهدف ترسيخ بعض الأفكار لصالح مجموعات تستهدف سرقة وتزييف التاريخ المصري.

ويتناول الفيلم الذي يحمل عنوان "الملكة كليوباترا" الحروب التي خاضتها الملكة الفرعونية، آخر الملكات التي حكمت مصر منذ وفاة الإسكندر الأكبر في عام 323 قبل الميلاد لحماية عرشها وعائلتها وإرثها، وهو من إنتاج جادا بينكيت سميث، وهي ممثلة وكاتبة أغانٍ أمريكية من أصول أفريقية وزوجة الممثل الشهير ويل سميث، وفق موقع "إيرو نيوز".

وأوضح النص التقديمي للفيلم المنتظر أنّ تراث كليوباترا لطالما "كان موضوع الكثير من الجدل الأكاديمي، والذي غالباً ما تم تجاهله من قبل هوليوود"، مشيراً إلى أنّ السلسلة الجديدة ستعيد "الآن تقييم هذا الجزء الرائع من قصتها".

ومن التصريحات المثيرة للجدل، والتي وردت في المقطع الترويجي: "لا يهمني ماذا تعلمت في مدرستك... كليوباترا كانت مصرية سوداء... ومرجح أنّها كانت مصرية سوداء تدافع عن شعبها وبلدها"، في إصرار على أنّها كانت من أصحاب البشرة السمراء، ممّا يضرب بعرض الحائط الفرضيات الأخرى.

ممثلة إسرائيلية أثارت جدلاً من قبل حول كليوباترا

وقبل قصة الممثلة الأفريقية، كانت نتفليكس قد اختارت الممثلة الإسرائيلية جال جادوت لتجسيد شخصية كليوباترا، الأمر الذي أغضب بالطبع الشعب المصري، وهاجموا نتفليكس بشدة.

زاهي حواس: الملكة كليوباترا لم تكن سوداء، وهي أصلاً يونانية، وإذا شاهدنا تماثيل وأشكال أبيها وأخيها، فلن نجد أيّ دليل يؤيد هذا الادعاء بأنّها كانت سوداء البشرة

وكانت جال دجادوت قد نشرت تغريدة تعلن فيها مشاركتها في فيلم كيلوباترا، وجاءت كالآتي: أحب الشروع في رحلات جديدة، وأحب إثارة المشاريع الجديدة، والإثارة في جلب قصص جديدة إلى الحياة، كليوباترا هي قصة أردت أن أحكيها لفترة طويلة جداً، لا يمكنني أن أكون ممتنّة أكثر لهذا الفريق. إلا أنّ المشروع لم يكتمل، ربما بسبب عاصفة الغضب التي أثارها هذا الإعلان.

علماء مصريون على خط الأزمة

أجمع علماء مصريون على الاختلاف الكامل في الشكل بين ملامح الملكة كليوباترا الحقيقية، وفق الرسومات والتماثيل الخاصة بها، وبين ملامح البطلة في الفيلم الوثائقي، ويقول الأثري المصري زاهي حواس: إنّ "الملكة كليوباترا لم تكن سوداء، وهي أصلاً يونانية، وإذا شاهدنا تماثيل وأشكال أبيها وأخيها، فلن نجد أيّ دليل يؤيد هذا الادعاء أنّها كانت سوداء البشرة."

من جهته، يقول الدكتور شريف شعبان، الخبير في الآثار المصرية القديمة، المحاضر بكلية الآثار: إنّ البرومو الدعائي للفيلم كان صادماً، وحمل الكثير من المغالطات حول التاريخ المصري، مؤكداً أنّه أمر غير مقبول حيث التلاعب في القيم والأسس التاريخية، سواء إذا ما كان الفيلم درامياً، أو وثائقياً وهو الأخطر.

قبل قصة الممثلة الأفريقية، كانت نتفليكس قد اختارت الممثلة الإسرائيلية جال جادوت لتجسيد شخصية كليوباترا

ويرى شعبان، بحسب ما نقلته عنه جريدة "الدستور" المصرية، أنّ الفيلم يرسّخ لأفكار ومعانٍ غاية في الخطورة، وتشويهاً لما كان في الأحداث التاريخية الحقيقية، مشيراً إلى أنّ إصرار صناع العمل على كون الملكة كليوباترا سمراء اللون ما هو إلا تشجيع لحملة "الأفروسنتريك" أو (المركزية الإفريقية) التي تحرض على تزييف التاريخ والإصرار على أنّ الحضارة المصرية القديمة عبر امتدادها هي من صناعة العرق الأفريقي.

وتابع: "يبدو أنّ الفيلم اعتمد على ادّعاءات المصادر الرومانية لتشويه الملكة المصرية ذات الأصل الإغريقي، باعتبارها مصرية زنجية شريرة، فقد كان المؤرخ الروماني بلوتارخ يرى أنّها أزيد قليلاً من المتوسط الجيد في الجمال".

شريف شعبان: البرومو الدعائي للفيلم كان صادماً، وحمل الكثير من المغالطات حول التاريخ المصري، مؤكداً أنّه أمر غير مقبول حيث التلاعب في القيم والأسس التاريخية، سواء إذا ما كان الفيلم درامياً، أو وثائقياً وهو الأخطر

ويشير إلى أنّ تلك الفكرة برزت خلال العصور الوسطى بداية من شكسبير في القرن الـ (15) في مسرحيته أنطونيو وكليوباترا وروايات الخيال العلمي في القرن الـ (19)، وحتى العصر الحديث حين اختار المخرج جوزيف مانكيفيتس مخرج فيلم كليوباترا من إنتاج عام 1963، الممثلة الأمريكية إليزابيث تايلور لتجسد هذا الدور لما تتمتع به من جمال، إضافة لما ظهر في الأدب العربي متمثلاً في مسرحية مصرع كليوباترا لأمير الشعراء أحمد شوقي.

ويضيف: "من المعروف خطأ أنّ كليوباترا كانت مقدونية الثقافة والفكر، فرغم أنّها كانت سليلة العرق الإغريقي الذي استوطن في مصر وأسس دولة البطالمة، ورغم أنّ أسلافها البطالمة كانوا مصريين في الظاهر ومقدونيين في الباطن، إلا أنّها وحدها التي كانت تتقن لغة المصريين وتعرف معبوداتهم".

وبحسب الخبير المصري، "اعتبرت كليوباترا نفسها من النسل المقدّس للربة إيزيس، وأنّها الوريثة لسحرها، فتظهر في نقوشها في صورة مقاربة للربّة المصرية، وهو ما جعل المصريين يحبونها، رغم كرههم الشديد لأسلافها، فقد أعادت تجميل الإسكندرية بعد الحرب وفتحت جميع المعابد المصرية القديمة، وشجعت العلماء ولم تخاطب الشعب إلا بلغته".

حملة لوقف عرض الفيلم

على مدار الأيام الماضية، وفي ضوء حالة الغضب الشديدة تجاه الفيلم، دشن نشطاء وثيقة اعتراض لجمع أكبر عدد من التوقيعات لمطالبة منصة (نتفليكس) بالتراجع عن عرض الفيلم المثير للغضب، نجحت حتى الآن في جمع (70) ألف توقيع بحسب وسائل إعلام مصرية.

وعبر صفحته على (تويتر) أطلق الفنان المصري نبيل الحلفاوي حملة، باللغة الإنجليزية، للمطالبة بإلغاء عرض الفيلم الوثائقي الذي يشوه الحضارة المصرية القديمة، لتنتشر الحملة سريعاً عبر مئات الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي.

كيف ترى نتفليكس الانتقادات؟

من الواضح أنّ منصة صناعة الأفلام تنظر إلى الضجة حول الفيلم باعتبارها نوعاً من الدعاية، انعكس ذلك من خلال تصريحات بطلة الفيلم أديل جيمس التي ردت على حالة الغضب بشكل أثار استفزاز الغاضبين بشكل أكبر، فقد طالبت المتضررين بعدم مشاهدة الفيلم.

🎞

وعبر حسابها الرسمي على (تويتر) ردت جيمس على أحد التصريحات المتابعين الذي اتهمها بسرقة وتزييف الحضارة المصرية، قائلة: "لعلمكم، لن أتسامح مع هذا السلوك على حسابي الخاص، سيتم حظركم دون تردد، إذا لم يعجبك اختيار الممثلين، فلا تشاهد المسلسل، أو شاهده وتعرف على رأي الخبراء الذي يختلف عن رأيك، على أيّ حال، أنا سعيدة، وسأظل كذلك".

 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية