كواليس لقاء طالبان بأمريكيين في الدوحة: فتّش عن داعش

كواليس لقاء طالبان بأمريكيين في الدوحة: فتّش عن داعش

كواليس لقاء طالبان بأمريكيين في الدوحة: فتّش عن داعش


16/10/2022

بعث اللقاء الذي جرى بين مسؤولين في الإدارة الأمريكية وقيادات في حركة طالبان، مؤخراً، في الدوحة، بأسئلة عديدة حول خلفيات أو كواليس الوصول لهذه المحطة بين الطرفين، وتحديداً بعد مقتل زعيم تنظيم القاعدة، أيمن الظواهري. وهذا اللقاء الأول الذي جمع الطرفين منذ إعلان الرئيس الأمريكي، جو بايدن، مقتل زعيم تنظيم القاعدة يؤشر إلى وجود صلات لافتة بين واشنطن وطالبان، كما يكشف عن تعاون خفي وغير معلن بينهما، الأمر الذي له ثمة انعكاسات جمّة على الحالة الجهادية، حسبما يوضح مراقبون تحدثوا لـ"حفريات".

اللقاء الأول بين طالبان والولايات المتحدة

ونقلت شبكة تلفزيون "سي إن إن" الأمريكية، عن مسؤولين في الإدارة الأمريكية، أنّ واشنطن بعثت بنائب مدير وكالة المخابرات المركزية والمسؤول الكبير في وزارة الخارجية المسؤول عن ملف أفغانستان إلى العاصمة القطرية الدوحة، بهدف إجراء محادثات مع وفد طالبان الذي ضم رئيس استخباراتهم عبد الحق الواسع.

ويتزامن هذا اللقاء مع مؤشرات حول "انهيار كارثي" للاقتصاد في أفغانستان، بحسب تقرير صادر عن الأمم المتحدة، الأسبوع الماضي. وقالت مديرة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لآسيا والمحيط الهادئ، كاني فيغنارايا، إنّه منذ وصول طالبان للحكم، تكبد الاقتصاد الأفغاني خسائر تصل لقرابة "خمسة مليارات دولار".

وتابعت: "هذا ما يعادل عشرة أعوام من الأصول المتراكمة والثروة التي ضاعت للتو في عشرة أشهر"، مشيرة إلى أنّ "هذا النوع من الانهيار لم نشهده في أي مكان في العالم".

الباحث مصطفى زهران: نظام طالبان "عميل" للولايات المتحدة

ووفق مديرة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لآسيا والمحيط الهادئ، فإنّ سعر سلة المواد الغذائية الأساسية تضاعف "بنسبة 35 بالمئة منذ آب (أغسطس) العام الماضي، ومشيرة إلى أنّ المواطن الأفغاني ينفق ما بين "60 إلى 70 بالمئة، وبعضهم حتى 80 بالمئة، من مدخولهم على الغذاء والوقود".

ولفتت فيغنارايا إلى أنّ "95 إلى 97 بالمئة من السكان يعيشون الآن تحت خط الفقر، بارتفاع مقداره 70 بالمئة قبل عام فقط".

على الرغم من فرض العقوبات الأمريكية، وتجميد الأصول الافغانية في واشنطن، إلا أنّ طالبان استطاعت إثبات أنّها قادرة على كبح جماح الجهاديين، وخاصة بعد مقتل الظواهري

ورغم الانتقادات الحادة التي وجهتها الإدارة الأمريكية لحركة طالبان بخصوص ما وصفته بخرق "اتفاق الدوحة"، وأنّ قيادات من الحركة في "شبكة حقاني" كانت تعرف بمكان إقامة الظواهري قبل اغتياله بواسطة غارة أمريكية، فضلاً عن توفير ملاذات آمنة لإرهابيين آخرين، إلا أنّ اللقاء الذي جرى في الدوحة، قد يكون بداية لتعاون بين واشنطن وطالبان في ملف "مكافحة الإرهاب" والذي وصفه البيت الأبيض، الشهر الماضي أيلول (سبتمبر)، بأنّه "عمل ما يزال جارياً".

وفي ما يبدو أنّ هذا اللقاء يضئ على لحظة تبدو فيها الإدارة الأمريكية بحاجة إلى الحركة، لجهة تقويض فرص الحركات الجهادية الأخرى والتنظيمات الإرهابية، في أفغانستان، وتحديداً تنظيم داعش- ولاية خراسان.

طالبان شرطي أمريكي لمحاربة داعش!

ويوضح الباحث المصري المتخصص في الحركات الجهادية، مصطفى زهران، أنّ إعادة "ضخ الدماء" في العلاقات بين طالبان وأمريكا يمكن قراءته في ضوء انعكاسات ذلك على التنظيمات الجهادية، ومنها تنظيم داعش الذي بثت مقطع فيديو يؤكد على أنّ نظام طالبان هو "نظام عميل" للولايات المتحدة، وأنّ الاتفاق بينهما الغرض منه "محاربة الجهاد". كما طالب التسجيل حواضن طالبان والقاعدة الانضمام لـ"الدولة الإسلامية".

 ويشير زهران في حديثه لـ"حفريات"، إلى أنّ خطاب تنظيم داعش كان موجهاً لأنصاره، من جهة، وكذا للمتعاطفين مع الحالة الجهادية، وبالطبع لحركة طالبان، من جهة أخرى، مضيفاً أنّ "طالبان ونجاحها في الصعود للحكم يتم النظر له من قبل داعش على أنّه يهدف إلى القضاء على الحركة الجهادية التي انطلقت من هذه النقطة الجغرافية، ومن داخل المشهد الافغاني، وبالتالي، يحاول التنظيم أو ما يعرف بـ"ولاية خراسان" تثبيت دعائم تنظيمه والتاكيد على أنّه صاحب الهوية الحقيقية في مسألة الجهاد، ثم يستقطب الفئات الغاضبة والناقمة على سياسات طالبان بعد تقويض الأخيرة للحركة السلفية التقليدية بالبلاد، وتطويقها. وباتت طالبان بالنسبة لتنظيم داعش تلعب دور الشرطي الأمريكي لمكافحة داعش".

وعلى الرغم من فرض العقوبات الأمريكية، وتجميد الأصول الافغانية في واشنطن، إلا أنّ طالبان استطاعت إثبات أنّها قادرة على كبح جماح الجهاديين، وخاصة بعد مقتل الظواهري، وفق زهران، والذي يؤكد على وجود تعاون أمني بين طالبان والولايات المتحدة (حتى مع عدم إظهار طالبان ذلك). ويختم: "كل الشواهد والتفسيرات التحليلية تؤكد أنّ الظواهري قُدم للولايات المتحدة. والغموض الذي اكتنف هذه الحادثة والصمت حولها في الدوائر الطالبانية يبعث بإشارات جمّة حول هذه العلاقة الأمنية الخفية بين الطرفين".

الباحث محمد فوزي: واشنطن لا ترغب في أن يخلف انسحابها من أفغانستان فراغاً استراتيجياً

وإلى ذلك، تأتي المباحثات التي عقدت، لأول مرة، بشكل رسمي، بين الولايات المتحدة وطالبان، منذ سيطرة الحركة على أفغانستان، في ضوء "إدراك واشنطن استحالة تنفيذ رؤيتها في أفغانستان الجديدة دونما بناء تفاهمات مع سلطة الأمر الواقع" في أفغانستان، حسبما يوضح الباحث المتخصص في قضايا الأمن الإقليمي محمد فوزي.

هل هناك سياسات الجديدة لواشنطن في أفغانستان؟

ويبدو أنّ تجليات هذا المسار قد بدأ مع إشارة تقارير أمريكية، في آب (أغسطس الماضي، أنّ إدارة الرئيس الأمريكي بايدن ستمضي قدماً في محادثات الإفراج عن مليارات الدولارات التي يملكها أجانب في البنك المركزي الأفغاني، فضلاً عن الإعلان عن صفقة تبادل أسرى بين الولايات المتحدة والحركة الراديكالية في 19 أيلول (سبتمبر) الماضي.

ووفق فوزي في حديثه لـ"حفريات"، فإنّ هذه المباحثات تتزامن مع تبني الولايات المتحدة لسياسة واقعية في التعامل مع حركة طالبان، فضلاً عن تبنيها لخيار "التفاوض مع طالبان من أجل تحقيق مكاسب سياسية"، وهو الخيار الذي أنتج اتفاق الانسحاب العسكري الأمريكي من أفغانستان، وتحول طالبان إلى سلطة أمر واقع في البلاد.

الباحث المتخصص في الحركات الجهادية مصطفى زهران لـ"حفريات": خطاب تنظيم داعش كان موجهاً لأنصاره، من جهة، وكذا للمتعاطفين مع الحالة الجهادية، وبالطبع لحركة طالبان

ويتابع: "يأتي على رأس الأهداف الأمريكية، بهذا الخصوص، إنجاز ملف تبادل الأسرى، بشكل كامل، مع حركة طالبان. فعلى الرغم من إطلاق حركة طالبان لسراح المواطن الأمريكي مارك فريريتش قبل ثلاثة أسابيع، إلا أنّ هناك أمريكياً آخر على الأقل محتجز حالياً لدى طالبان ويدعى إيفور شيرر. كذلك تُريد الولايات المتحدة إنجاز ملف الإفراج عن مليارات الدولارات التي يملكها أجانب في البنك المركزي الأفغاني".

 فضلاً عن أنّ هذا التوجه يأتي محكوماً بالإدراك الأمريكي للأهمية الجيوبوليتيكية لأفغانستان، ومنطقة آسيا الوسطى ككل؛ إذ إنّ هذه المنطقة تمثل جسراً يربط بين الشرق والغرب، بحسب فوزي، بمعنى أنّ الولايات المتحدة لا ترغب في أن يخلف انسحابها من أفغانستان فراغاً استراتيجياً قد تستغله بعض القوى المناوئة وبالتحديد إيران وروسيا والصين، وهي الدول التي شهدت علاقاتها بالحركة الأفغانية المتشددة تطوراً ملحوظاً منذ وصولها للحكم.

وتُشير المعطيات المتاحة عن المباحثات التي عُقدت بين واشنطن وطالبان، إلى أنّ ملف مكافحة الإرهاب قد حظى بهامش كبير في النقاشات، بما يعكس أنّ الولايات المتحدة ستجعل ملف مكافحة الإرهاب، وبالتحديد تنظيم ولاية خراسان، قاعدة ومرتكزاً رئيسياً للتفاهمات مع طالبان في المرحلة المقبلة، خصوصاً مع كون التنظيم يمثل العدو المشترك بالنسبة للطرفين.

وفي المقابل، تسعى حركة طالبان إلى توظيف المباحثات مع الولايات المتحدة من أجل تحقيق جملة من المكاسب، وعلى رأسها "المكسب الاقتصادي في ضوء معاناة الاقتصاد الأفغاني، وكانت إدارة الرئيس الأمريكي قد أعلنت في أيلول (سبتمبر) الماضي أنّها أنشأت "صندوقاً أفغانياً" بقيمة 3.5 مليار دولار بأموال أفغانية مجمدة لتعزيز الاستقرار الاقتصادي". يقول فوزي.

بيد أنّ العائق أمام الإفراج عن هذه الأموال هو "عدم وجود مؤسسة موثوقة لضمان أنّ الأموال ستفيد الشعب الأفغاني"، بحسب المصدر ذاته، ما يعني أنّ الحركة ستسعى لتوظيف المباحثات من أجل الإفراج عن هذه الأموال، وتحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب الاقتصادية في المرحلة المقبلة.

ويختم: "تأتي المباحثات في إطار مساعي حثيثة من طالبان لكسب الاعتراف والشرعية الدولية؛ إذ إنّ الحركة لا تزال مُدرجة على قوائم العقوبات الدولية، حتى إنّ الاتفاق الذي وقعته الحركة مع الولايات المتحدة عام 2020 ينص صراحة على أنّ طالبان غير معترف بها من قبل الولايات المتحدة "كدولة"، وبالتالي، تسعى الحركة إلى توظيف المباحثات من أجل الدفع باتجاه الاعتراف الدولي بها، خصوصاً مع التداعيات السلبية للعزلة الدولية المفروضة على طالبان، في ما يتصل بقدرتها على إدارة الدولة الأفغانية، ومواجهة العديد من التحديات".

مواضيع ذات صلة:

"تحريك طالبان طاجيكستان": تداعيات تأسيس نسخة أخرى من طالبان

مخدرات أفغانستان تثير مخاوف دولية.. هل عادت طالبان للتجارة المحرمة؟

طالبان تخفق مجدداً... ما تداعيات تفجيرات كابول الأخيرة؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية