كيف بالغت إيران في تقدير شهية أمريكا لإحياء الاتفاق النووي؟

كيف بالغت إيران في تقدير شهية أمريكا لإحياء الاتفاق النووي؟

كيف بالغت إيران في تقدير شهية أمريكا لإحياء الاتفاق النووي؟


28/09/2022

ترجمة: محمد الدخاخني

مفاوضات إحياء الاتّفاق النّوويّ الإيرانيّ التّاريخي، لعام 2015، مع الغرب، عادت إلى حالة تجميد عميق؛ إذ ضاعفت طهران من بعض شروطها، وردّت القوى الأوروبيّة بالقول إنّها وصلت إلى حدود مرونتها.

تأرجحت المحادثات في فيينا بلا نهاية، منذ استئناف المفاوضات، في نيسان (أبريل) الماضي، في عهد الرّئيس جو بايدن، كانت هناك فترات توقّف وتشاؤم، تلتها تنبّؤات بنهايةٍ قريبة، يبدو هذا الانكماش أكثر جَزماً، قد لا يكون الاتّفاق قابلاً للإحياء، على الرّغم من أنّ أحداً لن يُعلن أنّه ميّت.

 بالطّبع، لن تُعاود إدارة بايدن الانخراط بشكل كامل إلّا بعد انتخابات منتصف المدّة، في تشرين الثّاني (نوفمبر)، ألقى وزير الخارجيّة الأمريكيّ، أنتوني بلينكين، باللائمة مباشرةً على طهران: "يبدو أنّ إيران إمّا غير راغبة أو غير قادرة على القيام بما هو ضروريّ للتّوصل إلى اتّفاق".

من السّهل الاستمرار في التّركيز على الدّبلوماسيّة، ومستويات التّخصيب والضّمانات النّوويّة، وكلّها مهمّة، مع استمرار المفاوضات، أصبحت إيران أقرب إلى كونها دولة على عتبة أن تُصبح نوويّة، وحذّرت "الوكالة الدّوليّة للطّاقة الذّريّة" من أنّ فجوة المعلومات حول أنشطة البلاد آخذة في الازدياد، لكن هناك تأثير مباشر وواقعيّ لهذه النتيجة.

 يُتابع البعض في المنطقة كلّ منعطف وتغيّر في المفاوضات، وكأنّ حياته تعتمد عليها، لأنّ الوضع بالفعل كذلك.

أطول مدة لرهينة أمريكيّ

سياماك نمازي، صاحب أطول مدّة لرهينة أمريكيّ إيراني محتجز في التّاريخ، مسجون في سجن إيفين سيّئ السّمعة بطهران منذ عام 2015 بتهم ملفّقة، إلى جانب والده المسنّ، باكر، ورهينتَين إيرانيّتَين أمريكيّتيَن، مراد طاهباز وعماد شرقي، تستخدم طهران نمازي بيدقاً في محاولة انتزاع المزيد من التّنازلات في المفاوضات مع الولايات المتّحدة.

سياماك نمازي، صاحب أطول مدّة لرهينة أمريكيّ إيراني محتجز في التّاريخ

كلّ خطوة إلى الأمام والخلف في هذه المحادثات تُشعر نامازي بالأمل واليأس، من خلال مستشاره الأمريكيّ المجانيّ، ناشدَ بايدن "المشاركة وإظهار العزم المطلوب لتحرير جميع الرّهائن الأمريكيّين هنا قبل فوات الأوان".

على الجانب الآخر من المعادلة، هناك شعور ملموس بالارتياح في بعض أجزاء الشّرق الأوسط، خاصّة لبنان والعراق؛ حيث يعاني كثيرون من عنف الميليشيات الموالية لإيران، هناك حديث مستمرّ في بيروت وبغداد حول مليارات الدّولارات التي ستُحرَّر إذا رُفعت العقوبات عن إيران، وكيف من شأن هذا أنّ يُعزّز قوّتها الصّلبة والنّاعمة.

غالباً ما ينخرط خصوم إيران الإقليميّون في تفكيرٍ رغبويٍّ حول مدى سرعة انحسار نفوذها، على أمل أن تخفّف الميليشيات التّابعة لها من قبضتها على المجتمعات الشّيعيّة

تأثّرت إيران بردّ الفعل العنيف ضدّ نفوذها في العراق، ومن شأن الأموال الجديدة أن تُساعد في استرضاء الحلفاء السّاخطين. في لبنان، حيث الاقتصاد في حالة ركود طيلة الأعوام الثّلاثة الماضية، كانت هناك انتقادات أكثر صخباً لحزب الله لفشله في تأمين الضّروريّات الأساسيّة لمؤيّديه.

إيران تخاطر

وماذا بعد؟ ربما ما تزال إيران تحسب أنّه من الأفضل لها تأخير العمليّة، لكنّها تخاطر بالمبالغة في تقدير مدى رغبة البيت الأبيض في الاتّفاق، فعندما تولّى بايدن منصبه، راقبته إيران وشركاؤها الإقليميّون بفرح وهو يعيّن مسؤولين رئيسين يتذكّرونهم من إدارة أوباما، بما في ذلك المبعوث الخاصّ لإيران، روب مالي، كان التّوقع استئنافاً سريعاً واختتاماً للمفاوضات.

لكنّ طهران أخطأت في قراءة الدّيناميكيّة المتغيّرة لمساعدي أوباما القدامى في إدارة بايدن الجديدة. جيك سوليفان، الذي أصبح مستشاراً للأمن القوميّ، اتّخذ دوماً موقفاً أكثر صرامة تجاه إيران، وكذلك ويليام بيرنز، رئيس وكالة المخابرات المركزيّة الآن. رفعت إيران مطالبها مراراً، وتحدّت واشنطن خِدعها.

 قد تعتقد إيران أنّ البيت الأبيض مشغول بالقلق من فشل المفاوضات، لكن، منذ هذا الربيع، وأنا أشعرُ ببعض اللامبالاة في واشنطن بشأن ما إذا كان الاتّفاق سينجح أم لا.

 طهران أخطأت في قراءة الدّيناميكيّة المتغيّرة لمساعدي أوباما القدامى في إدارة بايدن الجديدة

تتكوّن الخطّة (ب) من التّنسيق الوثيق مع الحلفاء الإقليميّين، بما في ذلك إسرائيل، لضمان احتواء طهران بشكل أفضل ممّا كان عليه الوضع في الماضي.

هناك حديث مستمرّ في بيروت وبغداد حول مليارات الدّولارات التي ستُحرَّر إذا رُفعت العقوبات عن إيران، وكيف من شأن هذا أنّ يُعزّز قوّتها الصّلبة والنّاعمة

أولئك الذين يسعون إلى فهم الخطوة التّالية لإيران، عليهم النّظر إلى العراق، حيث كادت الاضطّرابات السّياسيّة واحتجاجات الشّوارع أن تقود البلاد إلى حربٍ أهليّة. كانت هذه معركة فعليّة بين الموالين لإيران وخصومهم، بما في ذلك مقتدى الصّدر، رجل الدّين الشّيعيّ البارز، وقد لا يتّخذ الصّدر وآخرون خطواتهم السّياسيّة وفق حالة المحادثات النّوويّة، لكنّهم سوف يسعون حتماً إلى الاستفادة من تضاؤل جاذبيّة طهران.

خصوم إيران الإقليميّون

غالباً ما ينخرط خصوم إيران الإقليميّون في تفكيرٍ رغبويٍّ حول مدى سرعة انحسار نفوذها، على أمل أن تخفّف الميليشيات التّابعة لها من قبضتها على المجتمعات الشّيعيّة في لبنان أو العراق، وتتخيّل زوال الجمهوريّة الإسلاميّة في نهاية المطاف.

سوف ينتظر هؤلاء لفترة طويلة، لكنّ تعثّر المحادثات النّوويّة في اللحظة نفسها التي يظهر فيها احتمال هزيمة روسيا في أوكرانيا وزيادة الرّوح المعنويّة للغرب تُشكّل نقطة انعطاف مثيرة للاهتمام، تكمن الفرصة في أنّ هذا سيعمّق قلق إيران، وتكمن المخاطرة في أنّ هذا سيدفعها لتوظيف المزيد من القوّة.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

كيم غطاس، فاينانشيال تايمز،  أيلول (سبتمبر) 2022



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية